عامر بن عبد الله .. تابعي جليل ..يقول عنه علقمة بن مرثد : انتهى الزهد إلى ثمانية في مقدمتهم عامر بن عبد الله التميمي .
من أخباره ما حدث به أحد أبناء البصرة قال : سافرت مع قافلة فيها عامر بن عبد الله ، فلما أقبل علينا الليل .. نزلنا بغيضة ( مكان يجتمع فيه الشجر والماء ) . فجمع عامر متاعه .. وربط فرسه بشجرة .. وطول له زمامه .. وجمع له من حشائش الأرض ما يشبعه وطرحه أمامه ... ثم دخل الغيضة وأوغل فيها .. فقلت في نفسي : والله لأتبعنه ، ولأنظرن ما يصنع في أعماق الغيضة في هذه الليلة .. فمضى حتى انتهى إلى رابية ملتفة الشجر .. مستورة عن أعين الناس .. فاستقبل القبلة .. وانتصب قائماً يصلي .. فما رأيت أحسن من صلاته ولا أكمل و لا أخشع, فلما صلى ما شاء له أن يصلي .. طفق يدعو الله ويناجيه .. فكان مما قاله : " إلهي لقد خلقتني بأمرك .. وأقمتني في بلايا هذه الدنيا بمشيئتك .. ثم قلت لي استمسك ... فكيف أستمسك إن لم تمسكني بلطفك يا قوي يا متين ؟
إلهي إنك تعلم أنه لو كانت لي هذه الدنيا بما فيها .. ثم طلبت مني مرضاة لك لوهبتها لطالبها ... فهب لي نفسي يا أرحم الراحمين .. إلهي إني أحببتك حباً سهل علي كل مصيبة .. ورضاني بكل قضاء .. فما أبالي مع حبي لك ما أصبحت عليه .. وما أمسيت فيه "قال الرجل البصري : ثم إنه غلبني النعاس .. فأسلمت جفني إلى الكرى ( أي النوم ) ... ثم ما زلت أنام وأستيقظ .. وعامر منتصب في موقفه .. ماض في صلاته ومناجاته .. حتى تنفس الصبح .. فلما بدا له الفجر أدى المكتوبة ثم أقبل يدعو فقال : " اللهم ها قد أصبح الصبح ، وطفق الناس يغدون ويروحون ..يبتغون من فضلك .. وإن لكل واحد منهم حاجة ..وإن حاجة عامر عندك أن تغفر له .. اللهم فاقض حاجتي وحاجاتهم يا أكرم الأكرمين ...
اللهم إني سألتك ثلاثاً .. فأعطيتني اثنتين .. ومنعتني واحدة .. اللهم فأعطنيها حتى أعبدك كما أحب وأريد يا رب العالمين ..
ثم نهض من مجلسه ..فوقع بصره علي .. فعلم بمكاني منه تلك الليلة .. فجزع لذلك أشد الجزع .. وقال لي في أسى : أراك كنت ترقبني الليلة يا أخا البصرة ؟فقلت : نعم . فقال : استر ما رأيت مني ستر الله عليك . فقلت : والله لتحدثني بهذه الثلاث التي سألتها ربك .. أو لأخبرن الناس بما رأيته منك .
فقال : ويحك .. لا تفعل .. فقلت : هو ما أقول لك .
فلما رأى إصراري قال : أحدثك على أن تعطيني عهد الله وميثاقه ألا تخبر بذلك أحداً . فقلت : لك علي عهد الله وميثاقه ألا أفشي لك سراً ما دمتَ حيا . فقال :لم يكن شيء أخوف علي في ديني من النساء .. فسألت ربي أن ينزع من قلبي حبهن .. فاستجاب لي حتى صرت ما أبالي امرأة رأيت أم جداراً .
قلت : هذه واحدة .. فما الثانية ؟قال : الثانية أني سألت ربي ألا أخاف أحداً غيره .. فاستجاب لي .. حتى أني والله ما أرهب شيئاً في الأرض ولا في السماء سواه .
قلت : فما الثالثة ؟قال :سألت ربي أن يذهب عني النوم .. حتى أعبده بالليل والنهار كما أريد فمنعني هذه الثالثة .
فلما سمعت منه ذلك قلت له : رفقاً بنفسك .. فإنك تقضي ليلك قائماً .. وتقطع نهارك صائماً ... وإن الجنة تدرك بأقل مما تصنع ... وإن النار تتقى بأقل مما تعاني . فقال : إني لأخشى أن أندم حيث لا ينفع الندم .. والله لأجتهدن في العبادة ما وجدت إلى الاجتهاد سبيلا ..فإن نجوت فبرحمة الله .. وإن دخلت النار فبتقصيري ..
لقد كان قيام الليل ديدن حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم فما ترك قيام الليل في غير رمضان .. بل كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه الشريفتان .. وكانت تقول له أمنا عائشة رضي الله عنها : هون عليك يا رسول فقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيجيبها بلسان الشكر والرضا : أفلا أكون عبداً شكوراً .. أفلا أكون عبداً شكوراً ..
بأبي وأمي رسول الله .. من أحسن منه أخلاقاً ؟ وهو الذي أدبه ربه فقال : وإنك لعلى خلق عظيم ..
يا سيد العقلاء يا خير الورى يا من أتيت إلى الحياة مبشراً
وبعثت بالقرآن فينا هادياً وطلعت في الأكوان بدراً نيراً
والله ما خلق الإله ولا برى بشراً يرى بين الورى كمحمداً
بل إن الله تعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل نزولاً يليق بعظمته وجلاله ليس في رمضان فحسب .. بل في سائر الليالي على مدار العام ... فينادي ويقول : ( من يدعوني فأستجيب له .. من يسألني فأعطيه .. من يستغفرني فأغفر له ؟ )
فهل تقر عينك بالنوم يا عبد الله وربك جل وجلاله يناديك .. ويفتح لك أبواب رحمته .. ويوسع لك أبواب عطائه ؟
كان السلف الصالح من هذه الأمة يحرصون على قيام الليل حرصهم على الصلوات المكتوبة ..
فقد كان سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه يقوم الليل كله يقرأ فيه القرآن كاملاً في ركعة واحدة هي الوتر ..
وكان أبو حنيفة النعمان يقوم الليل كله .. فيصلي الليل بوضوء العشاء .. ثم يصلي الفجر بنفس الوضوء .. استمر على هذا الحال نحواً من خمسين عاماً .
أما الحسن البصري رحمه الله فيصف صلاة الليل بقوله : لم أجد من العبادة شيئاً أشد من الصلاة في جوف الليل ؛ فقيل له: ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوهاً ؟ فقال : لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره .
كيف لا وهم تلاميذ مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيها : ( أيها الناس : أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام )
ويقول فيها أيضاً صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بقيام الليل .. فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وهو قربة إلى ربكم .. ومغفرة للسيئات .. ومنهاة عن الإثم )
أيها الإخوة الأعزاء : نعم قيام الليل صعب وليس بيسير .. وهو شاق على النفس والجسم ..
للكن إذا أردت فعلاً قيام الليل فعليك بالأسباب الميسرة لذلك والتي منها :
أولاً : لا تكثر الأكل .. في النهار أو في الليل ..
كان بعض الصالحين يقول : يا معشر المريدين ، لا تأكلوا كثيراً .. فتشربوا كثيراً .. فتناموا كثيراً .. فتخسروا كثيراً .
لا تأكلوا كثيراً .. فتشربوا كثيراً .. فتناموا كثيراً .. فتخسروا كثيراً .
ثانياً : لا ترهق نفسك بالأعمال الشاقة في النهار .
ثالثاً : لا تترك القيلولة بالنهار فإنها تعين على قيام الليل .
رابعاً : تجنب الأوزار .
قال الإمام الثوري : حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته .
خامساً : إجعل قلبك سليماً لجميع المسلمين .. خالياً من البدع .. معرضاً عن فضول الدنيا .
سادساً : اعرف فضل قيام الليل .
سابعاً : خف الله تعالى وأقصر من الأمل .
وفوق كل هذا : اعرف ربك يا عبد الله ... فإنك إن عرفت ربك أحببته .. وإذا أحببت ربك ناجيته .. فإذا ناجيته حملتك مناجاته على طول القيام بين يديه .
قال أبو سليمان رحمه الله : أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم .. ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا ..
الله .. الله .. ما أجمل هذا الكلام : أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم .. ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا ..
فاز من سبح والناس هجوع يسكب العبرة من بين الضلوع
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح
lk hgsgt hgwhgp uhlv fk uf] hggi çgQg çgEçgd uhlv