عندما يخاطب الله تعالى عباده بقوله: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]، فهو سبحانه بهذا الاستفهام يجعل مَن اعترف بنعم الله تعالى يقر بهذه النعم عليه، فيثبت العقل، ويستقر الفؤاد، ويهدأ البال، وما ينشغل الحال إلا بأداء شكر الله تعالى وفضله عليه.
وهذا الاستفهام أيضًا فيه استنكار على مَن جحد نعم الله تعالى عليه، فتشتت حاله، وهاج عقله، وطار فؤاده بحثًا عمَّن يكفيه ويدبر أمره، تاركًا الله تعالى الذي هو أقرب إليه من حبل الوريد.
• إن كفاية الله تعالى للعباد لا يحدها حاد، ولا يمنعها مانع، رآها المسلمون رأيَ العين في مواطن كثيرة.
• رأَوْها يوم بدر حين قل العدد ونقص العتاد؛ فأنزل الله تعالى ملائكته على الكافرين تحصدهم حصاد المنجل للهشيم؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ ﴾ [آل عمران: 123، 124].
• ورأَوْها يوم الأحزاب، حين اجتمعت القبائل لاستئصال شأفة المسلمين، وبعد أن نفِدَت أسباب الأرض تدخلت أسباب السماء؛ فاندحر الكفار خزايا، ولم يمكِّنْهم الله تعالى من رقاب المؤمنين، ولم يجعَلْ لهم على المؤمنين سبيلًا؛ قال تعالى: ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [الأحزاب: 25].
1- قال الإمام الرازي - رحمه الله - في قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]: "أنه جرَتِ العادة أن المبطِلين يخوِّفون المحقِّين بالتخويفات الكثيرة، فحسم الله مادة هذه الشبهة بقوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]، وذكَره بلفظ الاستفهام، والمراد تقرير ذلك في النفوس، والأمر كذلك؛ لأنه ثبت أنه عالم بجميع المعلومات، قادر على كل الممكنات، غنيٌّ عن كل الحاجات؛ فهو تعالى عالم حاجات العباد، وقادر على دفعها وإبدالها بالخيرات والراحات، وهو ليس بخيلًا ولا محتاجًا حتى يمنعه بُخلُه وحاجته عن إعطاء ذلك المراد، وإذا ثبت هذا كان الظاهر أنه سبحانه يدفع الآفات، ويزيل البليَّات، ويوصل إليه كل المرادات؛ فلهذا قال: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]".
2- قال الإمام الشوكاني - رحمه الله - في قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]: "قرأ الجمهور ﴿ عَبْدَهُ ﴾ بالإفراد، وقرأ حمزة والكسائي: ﴿ عِبَادَهُ ﴾ بالجمع، فعلى القراءة الأولى: المراد النبي صلى الله عليه وسلم، أو الجنس، ويدخل فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم دخولًا أوليًّا، وعلى القراءة الأخرى: المراد الأنبياء، أو المؤمنون، أو الجميع".
3- قال الأستاذ سيد - رحمه الله - في قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]: "بلى! فمَن ذا يُخيفه، وماذا يخيفه إذا كان الله معه، وإذا كان هو قد اتخذ مقام العبودية وقام بحق هذا المقام؟! ومَن ذا يشك في كفاية الله لعبده وهو القوي القاهر فوق عباده؟".
4- قال الشيخ السعدي - رحمه الله - في قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]: "أي: أليس مِن كرمه وجوده، وعنايته بعبده، الذي قام بعبوديته، وامتثل أمره واجتنب نَهْيَه، خصوصًا أكمل الخَلْق عبودية لربه، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى سيكفيه في أمر دينه ودنياه، ويدفع عنه مَن ناوَأه بسوء".
5- جاء في كتاب "إتحاف السادة المتقين" للزبيدي - رحمه الله -: في قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36] قال: "وقبيح بذوي الإيمان أن يُنزلوا حاجتهم بغير الله تعالى مع علمهم بوحدانيَّتِه وانفراده بربوبيته وهم يسمعون قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]".
• قال الإمام الطبري - رحمه الله -: القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137] قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 137]، فسيكفيك الله يا محمدُ هؤلاء الذين قالوا لك ولأصحابك: ﴿ كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ﴾ [البقرة: 135]، مِن اليهود والنصارى، إن هم تولَّوا عن أن يؤمنوا بمثل إيمان أصحابك بالله، وبما أنزل إليك، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وسائر الأنبياء غيرهم، وفرَّقوا بين الله ورسله - إما بقتل السيف، وإما بجَلاء عن جِوارك، وغير ذلك من العقوبات؛ فإن الله هو ﴿ السَّمِيعُ ﴾ لما يقولون لك بألسنتهم، ويبدون لك بأفواههم، من الجهل والدعاء إلى الكفر والمِلَل الضالة - ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بما يبطنون لك ولأصحابك المؤمنين في أنفسهم من الحسد والبغضاء.
ففعل الله بهم ذلك عاجلًا، وأنجز وعده، فكفى نبيه صلى الله عليه وسلم بتسليطه إياه عليهم، حتى قتل بعضَهم، وأجلى بعضًا، وأذل بعضًا وأخزاه بالجزية والصَّغار.
ثالثًا: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ [الحجر: 95]:
قال تعالى: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 95، 96].
• جاء في تفسير الإمام الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنا كفيناك المستهزئين يا محمد، الذين يستهزئون بك ويسخَرون منك، فاصدَعْ بأمر الله، ولا تخَفْ شيئًا سوى الله؛ فإن الله كافِيك مَن ناصبك وآذاك كما كفاك المستهزئين، وكان رؤساءُ المستهزئين قومًا من قُرَيش معروفين".
• وقال أيضًا: عن جابر، عن عامر: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ [الحجر: 95]، قال: "كلهم من قريش: العاص بن وائل، فكُفي بأنه أصابه صداع في رأسه، فسال دماغه حتى لا يتكلم إلا مِن تحت أنفه، والحارث بن عيطلة بصفر في بطنه، وابن الأسود فكُفي بالجدري، والوليد بأن رجلًا ذهب ليصلح سهمًا له، فوقعت شظية فوطئ عليها، وعبديغوث فكُفي بالعمى، ذهَب بصره".
• وقال أيضًا: عن ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، عن ابن عباس، نحو حديث محمد بن عبدالأعلى، عن محمد بن ثور، غير أنه قال: كانوا ثمانية، ثم عدَّهم، وقال: كلهم مات قبل بَدْرٍ.
رابعًا: أسماءُ الله الحسنى التي اقترنت بكفاية الله تعالى لعباده وكفالته لهم:
إن كفايةَ الله تعالى للعبد في آيات القرآن الكريم يصحَبُها مِن أسمائه الحسنى ما يجعَل العبد في استقرار تام، بل في اعتزاز وفخر وكرامة بأن اللهَ (الحسيب - الولي - النصير - العليم - الشهيد - الوكيل - الخبير - البصير - السميع) يَكفيه ويتولى أمره، ويدبِّر شؤونه.
1- الحسيب؛ قال تعالى: ﴿ ... وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 6].
• قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [الأحزاب: 39].
• الحسيب - جل جلاله -: هو الكافي عبادَه جميعَ ما أهمَّهم، مِن أمور دينهم ودنياهم، المحاسب عبادَه على كل صغيرة وكبيرة؛ فهو تعالى أسرعُ الحاسبين، فلا يَشغَله حسابُ أحد عن أحد.
2- الولي؛ قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 45].
• الولي - جل جلاله -: له الولايةُ العامة على جميع الخلائق بالتدبير والإصلاح والرِّزق، والولاية الخاصة لأوليائه بالعناية والنُّصرة، والحفظ والعِصمة.
3- النصير؛ قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 31].
• النَّصير - جل جلاله -: الذي تولَّى نصر عباده المؤمنين على أعدائهم، مِن الظالمين والكافرين، وينصُرُ المظلومين على الظالمين، ولو كانوا من الكافرين.
4- العليم؛ قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 70].
• العليم - جل جلاله -: هو العالم بما كان وما يكون قبل كونه، وبما سيكون، يعلم ما في السموات السبع، وما في الأرض، وما بينهما، وما تحت الثَّرى.
5- الشهيد؛ قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 79].
• قال تعالى: ﴿ لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 166].
• قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [الفتح: 28].
• الشهيد - جل جلاله -: الشاهد الحاضرُ على الخليقة كلها، أينما كانوا، لا يَغيب عنه شيءٌ، وهو تعالى الشاهدُ للمظلوم الذي لا شاهد له ولا ناصر إلا هو سبحانه؛ فشَهادته شهادةُ رؤية وعِلم ومراقبة.
7- الخبير؛ قال تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 58].
• الخبير - جل جلاله -: هو الذي أحاط علمُه ببواطن الأمور ودقائقها، كما أحاط بظواهرها، المعقولة منها والمحسوسة، فلا تعزُبُ عنه الأخبارُ الباطنة، فلا تتحرَّك ذرة ولا تسكُنُ إلا بعلمه تعالى.
8- البصير؛ قال تعالى: ﴿ ... وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 17].
• البصير - جل جلاله -: هو الذي أحاط بصَرُه بجميعِ أقطار الأرض والسموات، وهو ذو البصيرةِ، العليمُ بالأشياء.
9- السميع؛ قال تعالى: ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137].
• السميع - جل جلاله -: أحاط سمعُه بجميع المسموعات، باختلاف اللُّغات، على تفنُّن الحاجات، في كل الأوقات، فلا يَشغَله سمعٌ عن سمعٍ في الآن الواحد.
بعد الاستعراض السريع لهذه الآيات، هنيئًا لمن تكفَّله الله تعالى وشمِله بحفظه ورعايته، ودبَّر أموره وكفاه ما أهَمَّه؛ فتفرَّغ لعبادة ربه، مقبلًا عليها، ينهل مِن مَعينها الذي لا ينضب، ومِن فيضها الذي لا يغيض.
خامسًا: بعض الأحاديث التي ورد فيها كفايةُ الله تعالى لعباده:
1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: لم يُرِدْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سفرًا قط إلا قال حين ينهض مِن جلوسه: ((اللهم بك انتشرتُ، وإليك توجهت، وبك اعتصمت، اللهم أنت ثقتي، وأنت رجائي، اللهم اكفِني ما همني، وما لا أهتم به، وما أنت أعلم به، اللهم زوِّدْني التقوى، واغفر لي ذنبي، ووجِّهْني للخير أينما اتجهتُ))، قال: ثم يخرج؛ (رواه ابن جرير الطبري).
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن استغنى أغناه الله عز وجل، ومَن استعَفَّ أعفَّه الله عز وجل، ومَن استكفى كفاه الله عز وجل، ومَن سأل وله قيمة أوقيةٍ فقد ألحف))؛ (رواه النسائي).
3- عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أن قريشًا لما أبطَؤُوا على النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام، قال: ((اللهم اكفِنيهم بسبعٍ كسبعِ يوسفَ))، فأصابتهم سنةٌ حصَّت كل شيءٍ، حتى أكلوا العظام، حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها مثل الدُّخَان، قال الله: ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ﴾ [الدخان: 10]، قال الله: ﴿ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴾ [الدخان: 15]، أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟ وقد مضى الدُّخَان، ومضت البَطْشة))؛ (رواه البخاري).
4- عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، قال: ((يا غلام، إني أعلمك كلماتٍ: احفَظِ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمةَ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلام، وجَفَّتِ الصُّحف))؛ (رواه الترمذي).
5- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن كانت الآخرة همَّه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتَتْه الدنيا وهي راغمةٌ، ومن كانت الدنيا همَّه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولم يأتِه مِن الدنيا إلا ما قدر له))؛ (رواه الترمذي).
6- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن أمَّ سُليمٍ كانت مع أبي طلحة يوم حنينٍ، فإذا مع أم سليمٍ خَنجَرٌ، فقال أبو طلحة: ما هذا معك يا أمَّ سُليمٍ؟! فقالت: اتخذتُه، إن دنا مني أحدٌ من الكفار أبعج به بطنه، فقال أبو طلحة: يا نبي الله، ألا تسمع ما تقول أم سُليمٍ؟! تقول كذا وكذا، فقالت: يا رسول الله، اقتُلْ مَن بعدنا مِن الطُّلقاء، انهزَموا بك يا رسول الله، فقال: ((يا أمَّ سُلَيمٍ، إن الله عز وجل قد كفانا وأحسَن))؛ (صححه الألباني).
7- عن عبدالله بن حوالة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سيصير الأمر أن تكونوا أجنادًا مجندةً، جندٌ بالشام، وجندٌ باليمن، وجندٌ بالعراق))، قال ابن حوالة: خِرْ لي يا رسول الله إن أدركتُ ذلك، فقال: ((وعليك بالشام؛ فإنها خيرةُ الله مِن أرضه، يَجتبي إليها خِيرتَه من عباده، فأما إن أبيتم فعليكم بيَمَنِكم، واسقُوا من غُدَرِكم، فإن الله توكَّل - وفي روايةٍ: تكفَّل - لي بالشَّام وأهلِه))؛ (صححه الألباني).
8- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تكفَّل الله لمَن جاهد في سبيله، لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته، بأن يُدخِلَه الجنة، أو يَرجِعَه إلى مسكنه الذي خرج منه، مع ما نال مِن أجرٍ أو غنيمةٍ))؛ (رواه البخاري).
9- عن ثوبانَ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن تكفَّل لي ألا يسألَ الناس شيئًا، تكفَّلتُ له بالجنة))؛ (رواه ابن عبدالبر في التمهيد بإسناد صحيح).
10- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا خرج الرجلُ مِن بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، قال: يقال حينئذٍ: هُدِيتَ وكُفِيتَ ووُقِيتَ، فتتنحى له الشياطين، فيقول شيطانٌ آخر: كيف لك برجلٍ قد هُدي وكُفي ووُقي؟))؛ (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
11- عن صُهيب بن سنان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان ملِكٌ فيمن كان قبلكم، وكان له ساحرٌ، فلما كبِر قال للملك: إني قد كبِرت، فابعث إليَّ غلامًا أعلمه السِّحر، فبعث إليه غلامًا يعلمه، فكان في طريقه إذا سلك راهبٌ، فقعد إليه وسمع كلامه، فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مرَّ بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحرَ ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا خشيت الساحر، فقل: حبَسني أهلي، وإذا خشيت أهلك، فقل: حبَسني الساحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابةٍ عظيمةٍ قد حبستِ الناس، فقال: اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمرُ الراهب أحب إليك من أمر الساحر، فاقتُلْ هذه الدابة؛ حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها، ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره، فقال له الراهب: أي بني، أنت اليوم أفضلُ مني، قد بلغ مِن أمرك ما أرى، وإنك ستُبتلى، فإن ابتُليتَ فلا تدُلَّ علَيَّ، وكان الغلام يُبْرئ الأكمهَ والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليسٌ للملك كان قد عمِي، فأتاه بهدايا كثيرةٍ، فقال: ما ها هنا لك أجمع إن أنت شفَيْتَني، فقال: إني لا أَشفي أحدًا، إنما يَشفي الله، فإن أنتَ آمنت بالله دعوتُ الله فشفاك، فآمن بالله، فشفاه الله، فأتى الملِكَ فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: مَن رَدَّ عليك بصرَك؟ قال: ربي، قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزَلْ يُعذِّبه حتى دل على الغلام، فجِيءَ بالغلام، فقال له الملِك: أي بني، قد بلَغ مِن سحرك ما تُبْرئ الأكمه والأبرص، وتفعل وتفعل، فقال: إني لا أَشفي أحدًا، إنما يشفي اللهُ، فأخذه فلم يزَلْ يعذِّبه حتى دل على الراهب، فجِيءَ بالراهب، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدعا بالمئشار، فوضع المئشار على مفرق رأسه، فشقه حتى وقع شقاه، ثم جِيء بجليس الملك، فقيل له: ارجع عن دِينك، فأبى، فوضع المئشار في مفرق رأسه، فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفرٍ من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه، وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعِدوا به الجبل، فقال: اللهم اكْفِنيهم بما شئتَ، فرجف بهم الجبل، فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فدفَعه إلى نفرٍ من أصحابه، فقال: اذهبوا به فاحمِلوه في قرقورٍ، فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به، فقال: اللهم اكْفِنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة، فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فقال للملك: إنك لستَ بقاتلي حتى تفعل ما آمُرُك به، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيدٍ واحدٍ، وتصلبني على جذعٍ، ثم خُذْ سهمًا من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله ربِّ الغلام، ثم ارمِني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيدٍ واحدٍ، وصلبه على جذعٍ، ثم أخذ سهمًا من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صُدْغه، فوضع يده في صدغه في موضع السهم، فمات، فقال الناس: آمنَّا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزَل بك حذَرُك، قد آمن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخُدَّت، وأضرم النيران، وقال: مَن لم يرجع عن دينه فأحموه فيها، أو قيل له: اقتحم، ففعلوا حتى جاءت امرأةٌ ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمَّه، اصبِري؛ فإنك على الحق))؛ (رواه مسلم).
12- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: غزَوْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة نجدٍ، فلما أدركته القائلة، وهو في وادٍ كثيرِ العضاه، فنزل تحت شجرةٍ واستظل بها وعلق سيفه، فتفرق الناس في الشجر يستظلون، وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئنا، فإذا أعرابي قاعدٌ بين يديه، فقال: ((إن هذا أتاني وأنا نائمٌ، فاخترط سيفي، فاستيقظت وهو قائمٌ على رأسي، مخترطٌ صلتًا))، قال: مَن يمنعك مني؟ قلت: ((الله، فشامه ثم قعد، فهو هذا))، قال: ولم يعاقِبْه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (رواه البخاري).
• العضاه: الشجر الذي له شَوْك.
• اخترط السيف: أي سلَّه وهو في يده، أخرَجه مِن غِمده.
• صلتًا: أي مسلولًا، وهو بفتح الصاد وضمه - صقيلٌ ماضٍ.
وختامًا:
إن العبدَ إذا أحسن عبادته لربه وأحسن يقينه بربه، وتوكله على ربه، كفاه كلَّ ما أهمَّه، وحفظه مِن جَور الجائرين، وظُلم الظالمين، وتسلُّط المتسلطين، وشر الشياطين، وغير ذلك مما لا يعلَمُه إلا ربُّ العالمين.
اللهم اكْفِني بحلالك عن حرامك، وبرضاك عن سخَطك، وبفضلك عمن سواك!