أبو عِمْرَان الفَاسِي
الإمام الكبير ، العلاّمة ، عالم القيروان ، أبو عمران ; موسى بن عيسى بن أبي حاج يحج البربري ، الغفجومي الزناتي ، الفاسي المالكي ، أحد الأعلام .
تفقه بأبي الحسن القابسي ، وهو أكبر تلامذته ، ودخل إلى الأندلس ، فتفقه بأبي محمد الأصيلي . وسمع من عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر ، وأحمد بن القاسم التاهرتي .
قال أبو عمر بن عبد البر : كان صاحبي عندهم ، وأنا دللته عليهم .
قلت : حج غير مرة ، وأخذ القراءات ببغداد عن أبي الحسن الحمامي ، وغيره ، وسمع من أبي الفتح بن أبي الفوارس ، والموجودين ، وأخذ علم العقليات عن القاضي أبي بكر بن الباقلاني في سنة تسع وتسعين وسنة أربع مائة .
قال حاتم بن محمد : كان أبو عمران من أعلم الناس وأحفظهم ، جمع حفظ الفقه إلى الحديث ومعرفة معانيه ، وكان يقرأ القراءات ويجودها ، ويعرف الرجال والجرح والتعديل ، أخذ عنه الناس من أقطار المغرب ، لم ألق أحدا أوسع علما منه ، ولا أكثر رواية .
قال ابن بشكوال أقرأ الناس بالقيروان ، ثم ترك ذلك ، ودرس الفقه ، وروي الحديث .
قال ابن عبد البر : ولدت مع أبي عمران في سنة ثمان وستين وثلاث مائة .
قال أبو عمرو الداني : توفي في ثالث عشر رمضان سنة ثلاثين وأربع مائة .
قلت : تخرج بهذا الإمام خلق من الفقهاء والعلماء . وحكى القاضي عياض قال : حدث في القيروان مسألةً في الكفار ; هل يعرفون الله -تعالى- أم لا ؟ فوقع فيها اختلاف العلماء ، ووقعت في ألسنة العامة ، وكثر المراء ، واقتتلوا في الأسواق إلى أن ذهبوا إلى أبي عمران الفاسي ، فقال : إن أنصتم ، علمتكم . قالوا : نعم . قال : لا يكلمني إلا رجل ، ويسمع الباقون . فنصَّبُوا واحدا ، فقال له : أرأيت لو لقيت رجلا ، فقلتَ له : أتعرف أبا عمران الفاسي؟ قال : نعم . فقلت له : صفه لي . قال : هو بقَّالٌ في سوق كذا ، ويسكن سبتة ، أكان يعرفني؟ فقال : لا . فقال : لو لقيت آخر فسألته كما سألت الأول ، فقال أعرفه ، يدرس العلم ، ويفتي ، ويسكن بغرب الشماط أكان يعرفني ؟ قال : نعم . قال : فكذلك الكافر قال : لربِّه صاحبة وولد ، وأنه جسم ، فلم يعرف الله ولا وَصَفَهُ بصفته بخلاف المؤمن . فقالوا : شفيتنا . ودعوا له ، ولم يخوضوا . بعد في المسألة .
قلت : المشركون والكتابيون وغيرهم عرفوا الله تعالى بمعنى أنهم لم يجحدوه ، وعرفوا أنه خالقهم ، قال تعالى : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وقال: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فهولاء لم ينكروا البارئ ، ولا جحدوا الصانع ، بل عرفوه ، وإنما جهلوا نعوته المقدسة ، وقالوا عليه ما لا يعلمون ، والمؤمن فعرف ربَّه بصفات الكمال ، ونفى عنه سمات النقص في الجملة ، وآمن بربه ، وكف عما لا يعلم ، فبهذا يتبين لك أن الكافر عرف الله من وجه ، وجهله من وجوه ، والنبيون عرفوا الله تعالى ، وبعضهم أكمل معرفة لله ، والأولياء فعرفوه معرفة جيدة ، ولكنها دون معرفة الأنبياء ، ثم المؤمنون العالمون بعدهم ، ثم الصالحون دونهم . فالناس في معرفة ربهم متفاوتون ، كما أن إيمانهم يزيد وينقص ، بل وكذلك الأمة في الإيمان بنبيهم والمعرفة له على مراتب ، فأرفعهم في ذلك أبو بكر الصديق مثلا ، ثم عدد من السابقين ، ثم سائر الصحابة ، ثم علماء التابعين ، إلى أن تنتهي المعرفة به والإيمان به إلى أعرابي جاهل وامرأة من نساء القرى ، ودون ذلك . وكذلك القول في معرفة الناس لدين الإسلام .