من حيث المعنى: الآيات المُحكمات هي الآيات البيّنة، واضحة المعاني، وليس فيها أيُّ التباسٍ في المعنى، وهذا هو غالبُ آيات القرآن الكريم، وتعدّ الآيات المُحكمات أصل الكتاب كما أخبر الله -تعالى- عن ذلك في قوله:
بينما الآيات المتشابهات هي التي يلتبس فيها المعنى على بعض الناس فلا يعلمه إلّا العلماءُ منهم وبعضُ هذه المتشابهات لا يعلمها إلّا الله -سبحانه وتعالى-.
من حيث التعامل مع تلك الآيات: أهلُ الحق يُرجعون المتشابه إلى المُحكم ويقولونَ أنَّ كُله من عند الله ولا تعارضَ ولا تناقضَ بين آياته، أمّا غيرهم فيتبّعون المتشابه بغاية معارضة المُحكم، وغرضهم من ذلك الفتنة والسعي في التحريف والإضلال، بالإضافة إلى إيقاع الحيرة في قلوب الناس وعقولهم وإلحاق ما لا يليقُ بالله -تعالى- وبرسوله الكريم -صلّى الله عليه وسلّم-
. من حيث نتيجة التعامل مع تلك الآيات: من يُرجع المتشابه إلى المُحكم؛ أي أعاد التباس المعنى إلى المعاني الواضحة فقد اتّبع سبيل الهُدى وأفلح ونجح؛ بينما من تنكَّر لذلك ولم يُرجعه فقد اتّبع طريق الضلال.
أنواع المتشابهات في القرآن الكريم
للمتشابهات في القُرآن الكريم عدةُ أنواعٍ آتياً توضيحها:
المتشابه من ناحية اللفظ: هو الذي حدثَ فيه الغموض نتيجة اللفظ، وينقسمُ هذا النوع إلى:
متشابهٌ لفظي راجعٌ إلى الألفاظ المُفردة: والسبب فيه إمّا غرابةٌ في اللفظ أو اشتراك هذا اللفظ في عدّة معانٍ.
متشابهٌ لفظي راجعٌ إلى جُملة الكلام وتركيبه: من بسطٍ للمعنى أو اختصارٍ له أو من ناحية الترتيب.
المتشابه من ناحية المعنى: يأتي المتشابه من ناحية المعنى في الأمور المتعلّقة بيوم القيامة وأهواله، والأمور التي قد لا يتصوّرها العقل البشري، ونعيمُ أهلِ الجنة وعقاب أهل النار.
المتشابه من ناحية اللفظ والمعنى معاً: وله عدةُ امثلة مبسوطة في كتاب الله -تعالى-، ومن أمثلته: قوله -تعالى-: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ)،
فالذي لا يعرفُ أحوال العرب في جاهليتهم لن يتمكنَ من معرفة المعنى المقصود، فالمقصود ربا النسيئة الذي تعامل به العرب في جاهليتهم.
الحكمة من ورود المتشابه في القرآن الكريم
ورد المتشابه في القرآن الكريم لحكمةٍ، وفيما يأتي بيانُ ذلك:
خضوع القلوب واستسلامها لخالقها -جلّ وعلا-، فلو أنَّ القرآن الكريم كُلّه مُحكمٌ لأصبحَ الناسُ على فريقٍ واحدٍ من التسليم في الخضوع لله -تعالى-، ولَما تمايزوا فيما بينهم.
حثَّ أهل الإيمان وخاصةً العلماء على التنافس المحمود، وذلك من خلال إعمال العقل والتنافسِ في البحث في ذلك الكنز القرآني المليء بالمعاني العظيمة والتي يستنبطُ كُلّ واحدٍ منهم على قدر اجتهاده وبحثه في ذلك، وذلك كُلّه يدخل ضمن أبواب تكريم الإنسان بالعقل الذي وضعه الله -سبحانه وتعالى- فيه لميّزه عن سائر مخلوقاته إنْ هو وضعه في موضعه الصحيح.
يبين سبحانه جل وعلا : أنه أنزل كتابه الكريم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ببيان ما ينفع الأمة في دينها ودنياها، وأنه سبحانه جعل منه آيات محكمات هن أمُّ الكتاب وأخر متشابهات،
قد وضح أهل العلم رحمة الله عليهم أن الآيات المحكمات هي الواضحة المعنى، التي ليس فيها شبهة ، وهي أم الكتاب وأصل الكتاب، وعليها المدار، وجميع الآيات الأخرى ترجع إليها، تُفَسّر بها
فالمحكمات مثل قوله جل وعلا:
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وقوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وأشباه ذلك كقوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ . وقوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وقوله سبحانه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا وقوله تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وقوله سبحانه: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وقوله: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا إلى غير هذا من الآيات الواضحات، هذه أم الكتاب فهي واضحة المعنى،
أما المتشابهات فهي التي لا يتضح معناها ، في معناها خفاء، فإنها ترد إلى المُحْكم، ترد المتشابهات إلى المحكم من الآيات مثل قوله جل وعلا:
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فسرها العلماء بأن المحصنات يعني المتزوجات السبايا؛ لأن غير السبية إذا كانت متزوجة لا تنكح، حتى يطلقها الزوج، وحتى تخرج من العدة، فهذه فُسِّرَتْ بالمحصنات من النساء، فسّرتها النصوص الدالة على أن السبيّة تطلق من زوجها الذي كان في الحرب، في بلاد الكفر، تكون حلاًّ للمسلمين ولهذا قال: إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فالمحصنات المزوجات، ممنوعات محرمات إلا المملوكة السبية فالمحصنات المزوجات، لا يحل نكاحهن إلا بعد الطلاق والعدة، أو بعد الفسخ والعدة، إلا ما ملكت اليمين فالمحصنة المزوجة إذا كانت ملك اليمين مسبيّة، فإنها تحل ويكون سبيها طلاقاً لها، وتستبرأ بالحيضة وتحل لمن سباها، إذا قسمها ولي الأمر على الغانمين، تكون حلاًّ لمن جاءت سبيّة له من هذه السبايا، وإن كان لها زوج في الشرك؛ لأنها سبية له، فرق بينها وبين زوجها، وصارت السبيّة حلاًّ للمسلمين، وحرمت على زوجها بذلك،
وهكذا ما أشبهها من كل آيات تشتبه على المسلم تفسّر بالآيات المحكمات الواضحات المعنى في جميع القرآن، مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ليس معناه أن الربا المضاعف هو الحرام، والذي غير المضاعف ليس بحرام، لا؛ لأنه بيّن في الآية الأخرى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا هذه محكمة، المراد أن الربا المضاعف يكون أشد تحريماً ، أشد إثماً، وليس المراد تقييده بالربا المضاعف، فلو باعه بيعاً ربويّاً، حرم عليه ذلك، وإذا كرر ذلك صار التحريم أشد مضاعفة فإذا حلّ عليه الدين مثلاً، وهو مائة فجعله مائة وعشرة، وأجَّل عليه المائة بالعشرة، هذا ربا، فإذا حلَّ الثاني، وقال يصير مائة وعشرين هذا ربا، أشد وأشد تحريماً، هذا المضاعف، وإذا حل ثالثة قال: مائة وثلاثين صار أشد وأشد، لكن ليس معناه أن الربا الأول ليس بحرام، الربا الأول حرام، لكن هذا المضاعف يكون أشد تحريماً،
والنصوص يفسر بعضها بعضاً، هذا مشتبه على بعض الناس، تفسره الآيات المحكمات، لقوله: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا وما أشبهه
والمقصود أن المحكمات ما اتضح معناها، والمتشابه ما خفي معناه، فإنه يردّ إلى المحكم، مثل قوله جل وعلا: نَحْنُ و إِنَّا ليس المراد بذلك أن الرب ثلاثة، جماعة، كما تقول النصارى ، لا، الرب واحد وإذا قال: نَحْنُ فهي للتعظيم، يعني أنزلنا عليك القرآن وما أشبه ذلك، وما يأتي في النصوص الأخرى، فعلنا كذا، أمرنا كذا وكل هذا من باب التعظيم؛ لأنه سبحانه العظيم الذي لا أعظم منه فإذا تكلم سبحانه يريد العظمة، فالمراد بذلك أنه هو العظيم الشأن، وليس المراد التثليث وهكذا إذا قال: إِنَّا نَحْنُ نَـزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ وما أشبه ذلك وقوله سبحانه وتعالى في آيات كثيرات يعدد ما فيه العظمة إِنَّا نَحْنُ نَـزَّلْنَا الذِّكْرَ وأشباه ذلك من الآيات التي فيها تعدِيدٌ لهذه النعم لما فيها من التعظيم لموجدها، والمراد التعظيم لله، وأنه سبحانه العظيم الذي لا أعظم منه وليس المراد بالتثليث كما تقول النصارى قاتلهم الله .