عن عبد الله بن عمر قال : يارسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من ثياب في الإحرام؟ فقال النبي صلي الله عليه وسلم : لاتلبس القمص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطع أسفل الكعبين ولاتلبسوا شيئا مسه زعفران ولا ورس ولا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين.( رواه البخاري).
في حديث ابن عمر تحديد لمحظورات الإحرام بشأن الرجل وبشأن المرأة,فمن المحظور لبس الرجل العمامة أو البرنس ( وهو مما كان يغطي بعض الرجال به رأسه) ومحظور لبس المرأة النقاب (وهو ما كانت تغطي بعض النساء به وجهها).واستدل الفقهاء من ذلك علي وجوب كشف الرجل رأسه ووجوب كشف المرأة وجهها,وقالوا مع ابن عمر : (إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها).
ورد في المبسوط السرخسي: المرأة المحرمة لا تغطي وجهها "بالإجماع" مع أنها عورة مستورة وإن كان فيي كشف الوجه فتنة.
ورد في شر ح فتح القدير للكمال بن همام : المرأة المحرمة لا تغطي وجهها مع أن في الكشف فتنة... وإحرامها في وجهها فتكشفه
ورد في المدونة : قلت لابن القاسم : وكذلك المرأة المحرمة إذا غطت وجهها افتدت؟ قال نعم.
ورد في الأم للشافعي: وتفارق المرأة الرجل ... فيكون للرجل تغطية وجهه من غير ضرورة ولا يكون ذلك للمرأة.
ورد في المجموع للنووي : أما المرأة فالوجه في حقها كرأس الرجل يحرم ستره بكل ساتر كما سبق في رأس الرجل.
ورد في المغني لابن قدامة : المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها كما يحرم علي الرجل تغطية رأسه.
أفتى ابن عقيل الحنبلي : ردا على سؤال وجه إليه عن كشف المرأة وجهها في الإحرام -مع كثرة الفساد اليوم-: أهو أولى أم التغطية. فأجاب: بأن الكشف شعار إحرامها، ورفع حكم ثبت شرعا بحوادث البدع لا يجوز، لأنه يكون نسخا بالحوادث، ويفضي إلى رفع الشرع رأسا.
ومع تقرير الفقهاء وجوب كشف الرجل رأسه ووجوب كشف المرأة وجهها , فقد رخصوا للمرأة أن تسدل علي وجهها من ثوبها لستره عن نظر الرجال.
قال في المغني لابن قدامة في شرحه لمسألة (والمرأة إحرامها في وجهها فإن احتاجت سدلت على وجهها): وجملة ذلك أن المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها كما يحرم على الرجل تغطية رأسه لا نعلم في هذا خلافًا إلا ما رُوي عن أسماء أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة, ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة فلا يكون اختلافًا.
قال الإمام محمد بن الحسن في "الموطأ" (ص 205 بشرح التعليق الممجّد- هندية):
"ولا ينبغي للمرأة المحرمة أن تنتقب فإن أرادت أن تغطي وجهها فلتسدل الثوب سدلاً من فوق خمارها. وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا".
روى عبد الرحمن بن القاسم المصري(صاحب مالك) في "المدونة" (2/221) نحو قول الغمام محمد في المحرمة إذا أرادت أن تسدل على وجهها وزاد في البيان فقال:
" فإن كانت لا تريد ستراً فلا تسدل".
ا
قال الشافعي في كتابه" الأم " :
" المحرمة لا تخمِّر وجهها إلا أن تريد أن تستر وجهها فتجافي…"
روى صالح(ابن أحمد) في " مسائله" عنه قال:
" المحرمة لا تخمِّر وجهها ولا تتنقب والسدل ليس به بأس تسدل على وجهها".
قوله: " ليس به بأس" يدل على جواز السدل.
فالإسدال لا يعني تغطية الوجه بل هو بمثابة إقامة حاجز أو حجاب بين أبصار الرجال وبين وجه المرأة.ويكون الستر بطرف الثوب الثابت علي الرأس,أو يكون بشيء في يدها كالمروحة وشبهها , وليس بخمار الوجه الذي يصنع من نسيج رقيق نسبيا حتي تري المرأة الطريق من خلاله ويربط بالرأس ويظل منسدلا علي الوجه بصفة دائمة إلي أن ترفعه المرأة.
قال الشافعي في "الأم" : ( ويكون للمرأة إذا كانت بارزة تريد الستر من الناس أن ترخي جلبابها أو بعض خمارها أو غير ذلك من ثيابها من فوق رأسها وتجافيه عن وجهها ... ولا تغطي شيئا من جبهتها ولا شيئا من وجهها,إلا ما لا يستمسك الخمار إلا عليه مما يلي قصاص شعرها من وجهها ).
وقد أورد الحافظ قول ابن المنذر : ( تسدل علي وجهها سدلا خفيفا تستتر به عن نظر الرجال ولا تخمره ).
ونحسب أن إباحة الفقهاء الستر بإسدال طرف الثوب أو بشيء في يدها , وليس بخمار الوجه , يعين علي تحقيق "إحرام المرأة في وجهها" إذ هي لم تغط وجهها.وهكذا تكون قد حجبت وجهها عن نظر الرجال , وفي الوقت نفسه يبقي الوجه كله مكشوفا.أي هو بثابة سِتْر بين وجه المرأة وبين أبصار الرجال , كما يقيم الرجل أحيانا سترا فوق رأسه ليحجب عن أشعة الشمس , ولا يقال عنه عندئذ إنه غطي رأسه. وقد يكون الستر بين أشعة الشمس وبين رأس الرجل قدر ذراع أو أذرع أو قدر أصبعين أو ثلاثة ولا حرج علي الرجل في الحالين.وكذلك لا حرج علي المرأة إذا كان طرف الثوب أو طرف الخمار أو المروحة أو أي أداة أخري تحجب أبصار الرجال عنها لا تبعد عن وجهها قدر أصبعين أو ثلاثة.وقد اشترط فقهاء الحنفية والشافعية أن يكون طرف الثوب متجافيا عن الوجه.
ويكون الستر للحاجة العارضة أي لزمن قصير , لحظات الحاجة العارضة فحسب , وبذلك يظل وجه المرأة مكشوفا عامة يومها, حتي يكون الإسدال مشروعا.أما إذا كان الإسدال لا يعني حجب أبصار الرجال,بل يعني تغطية الوجه جميعه , فعندها يكون الإسدال محظورا بناء علي ما جاء عن ابن عمر أنه رأي امرأة قد سدلت ثوبها علي وجهها وهي محرمة لها:اكشفي وجهك فإنما حرمة المرأة في وجهها.
**نحسب أن المرأة قد غطت وجهها بثوبها تغطية كاملة.
أما المرأة المحرمة التي تعودت الستر بنقاب ونحوه في غير الإحرام ولم تطق غير ستر وجهها من الرجال تلك المدة الطويلة , أي خلال طوافها وسعيها ورميها الجمرات , هذه المرأة إذا جنحت إلي ستر وجهها عامة يومها , وجب عليها الفدية لارتكابها محظورا من محظورات الإحرام.
يقول ابن دقيق العيد : ( نهي المرأة عن التنقب والقفازين يدل علي أن حكم إحرام المرأة يتعلق بوجهها وكفيها والسر في ذلك وفي تحريم المخيط وغيره مما ذكر مخالفة العادة والخروج عن المألوف لإشعار النفس بأمرين :
أحدهما : الخروج من الدنيا والتذكر للبس الأكفان عند نزع المخيط.
والثاني : تنبيه النفس علي التلبس بهذه العبادة العظيمة بالخروج عن معتادها وذلك موجب للإقبال عليها والمحافظة علي قوانينها وأركانها وشروطها وآدابها ).
يتميز الإحرام بالبعد عن كمال الهيئة والتميّز واجتناب الاستمتاع باللباس , سواء أكان لباسا للرأس أو لباسا للوجه.وفي ذلك يقول السرخسي : ( تغطية بعض الرأس استمتاع مقصود يفعله الأتراك وغيرهم عادة ).والأصل أن الرجل والمرأة في ذلك سواء , أي سواء في الاستمتاع بتغطية أجزاء من البدن , واعتبار ذلك من كمال الهيئة المنهي عنها في الإحرام.وإن اختصت المرأة بشيء فإنما هو بسبب اختلاف عورتها في الأصل عن عورة الرجل , ولا سبيل لستر عورتها إلا بالتجاوز عن ذلك السمت الذي قرره الشارع للرجل المحرم.فسمح لها بالمخيط دون الرجل لأن غير المخيط لا يُحكِم ستر عورتها , وسمح لها بتغطية رأسها دون الرجل لأنه جزء من عورتها.ولكن لما كان الوجه والكفان خارج العورة حظر عليها لبس النقاب وهو أشبه بالعمامة علي رأس الرجل.كما حظر عليها لبس القفازين وهما أشبه بالمخيط علي بدن الرجل.