يعيش المصريون هذه الأيام ساعات تاريخية بين الانتصار إلى قيم الحق والخير والإصلاح وبين الرجوع على عهود الظلم والفساد والديكتاتورية، ولا سبيل إلى الخيار الأول إلا بوحدة الصف والتوحد خلف رجل صالح يقود البلاد نحو الصلاح.
إن وحدة الصف من الشروط الحتمية لتحقيق النصر، فلا يدخله الغلّ ولا الحقد ولا الحسد، وبدون وحدة الصفّ لا يكون إلا الهزيمة والخسران.
وهذا ما رأيناه بالفعل لمَّا اختلف الرُّماة فوق جبل الرماة في غزوة "أحد" عندما أمر القائد– عبد الله بن جُبَيْر– تسعة وأربعين مسلمًا معه بتنفيذ أمر الرسول فاختلفوا وتنازعوا إلى أي الأمرين يَمْتَثِلون فحدث أن تنازعوا وعصوا فكان الانكسار من ناحيتهم.
ولقد ذمّ الله منهم تلك الفرقة، فقال: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}.
وتجنبًا لحدوث ذلك مرة أخرى كان الأمر في الأنفال بالوحدة وعدم التنازع فقال الله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} أي أنكم إذا تنازعتم واختلفت الصفوف ذهبت قوتكم وصِرْتُم قلَّة في عين عدوكم.
ولقد نصح الله المؤمنين على سبيل الأمر {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}. لكن هذا الإتلاف والتوحد لا يأتي من فراغ بل يحتاج إلى قدر كبير من التواضع وخفض الجناح والتنازل من هذا الطرف وذاك الطرف ليتقارب بعضهم إلى بعض في ضوء احترام الثوابت الكلية.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله، وقال الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تواضع لله رفعه الله".
ويقول صلى الله عليه والسلم: "إن الله تعالى أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد".
فنحن في حاجة إلى حاكم صالح يجمع شمل الأمة وليس ثمت طريق إلى هذا الهدف إلا بتواضع بعضنا لبعض والالتفاف والتوحد خلف راية الحق ضد أذناب الباطل.
فما أحوجنا لهذا النموذج من الحكام الصالحين الذين يُصلح الله بهم العباد والبلاد. ما أحوجنا لهذا الدستور الذي وضعه هذا الحاكم الصالح العادل: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً* قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً* وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً}.
فالحاكم الصالح وحده لا يكفي فعلى كل الذين يعانون من الفساد والمفسدين ويريدون أن يصلحوا من شأنهم وشأن أوطانهم، أن يعينوه بقوة، يقول تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّا، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً}.
فلا إصلاح إلا بأيديكم، ولا بد أن تتحركوا جميعاً وتحددوا الأدوار وليؤد كل منكم دوره، ولتؤدوا ضريبة الإصلاح والتغيير حينئذ يبارك الله جهودكم ويصلح شأنكم، أما مَن يعانون من الفساد ويتجرعون آلامه وينتظرون مَن يصلح حالهم ويحل مشاكلهم وليس عندهم استعداد للحركة والعطاء والمشاركة {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً} هؤلاء سيظلون يعانون من الفساد والظلم هم وذريتهم ما لم يتداركهم الله برحمته فيغيروا من أنفسهم فيغير الله حالهم.
,QhuXjQwAlE,h fApQfXgA hggQ~iA [QlAduWh ,QgQh jQtQvQ~rE,h jQtQvQ~rE,h fApQfXgA [QlAduWh ,QgQç