نحن اليوم نعيش في عالم يفترس فيه الأقوياء الضعفاء، وتصبحهذه القوة فلسفةَ حياةٍ ترى أن البقاء للأقوى، وتغدو سياسةَ دول قامت على إبادةالضعفاء والتنكيل بهم، على ذلك تأسَّست أمريكا، وبه سالت دماء أكثر من مليون جزائريعلى يدِ الاحتلال الفرنسي، ودماء أكثر من مليون ونصف المليون من الأفغان على يدالاحتلال السوفيتي، وبذات الحجة تُنسَج خيوط المأساة اليوم في العراق وفلسطينوأفغانستان، وتتكامل خيوط المؤامرة في دارفور بالسودان، وبذات المنطق المتوحِّشأُزهقت أنفسُ أكثر من مليون طفل عراقي على مدار 15 سنةً من الحصار الظالم الغشوم،ويتم اليوم تهجير 4 ملايين عراقي خارج أرضهم، ويشيِّعون كل يوم زهاء مائة قتيل أويزيدون!!
وجاء ديننا بقيمة العدل مطبقةً، لا نسبيةَ فيها ولا ترخُّصفي تحقيقها.. قال تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِوَالإِحْسَانِ﴾ (النحل: من الآية 90)، وقال: ﴿وَلايَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْتَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾(المائدة: من الآية 2)، والله تعالى حرَّم على نفسه الظلم، وجعله محرَّمًا بين عباده، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾(النساء: منالآية 40)، ورسوله- صلى الله عليه وسلم- يعرِض في مرض وفاته نفسَه للقصاص ممن يظنأن له عنده مظلمةً، وخليفته عمر- رضي الله عنه- يقتص لأحد رعيَّته من غير المسلمينحين يضربه ابن والي مصر، ويقول: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهمأحرارًا؟!".
والعدل في الإسلام ليس خلقًا عامًّا وقيمةً سياسيةً وأمرًاقضائيًّا فحسب، بل هو قيمةٌ اقتصاديةٌ واجتماعيةٌ صارمةٌ، وقد شنَّ أول خليفةللمسلمين أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- الحربَ الشعواءَ على مَن رفض أداء الزكاة،وهي حقُّ الفقير في مال الغني، وقال: "والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة"،
فأين العدل في ميزان الحياة المختلّ من حولنا اليوم؟ إنتقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة سنة 2005م يُظهر ذلك التفاوت البشِع في توزيعالثروات بين الأفراد والشعوب على السواء؛ فإجمالي دخل 50 فردًا فقط من أثرياءالعالم اليوم يتجاوز إجمالي الدخل لأفقر 416 مليون شخص!! وإن 20% من أثرياء العالميحصلون على 80% من إجمالي الدخل العالمي، بينما يعيش 40% من سكان عالمنا المنكوبعلى 5% من دخله!!