جزاكم الله خيراً ياسر أبا زيد موضوع الأمانة موضوع جميل وحساس ولماذا ترك رسولنا صلى الله عليه وسلم علياً في فراشه؟ لماذا تركه يوم الهجرة؟ ولماذا تأخر علي قليلاً إلى أن هاجر إلى المدينة؟ كان عند الحبيب أمانات وودائع لمشركي أهل مكة، كان المشركون مع كفرهم بالله لا يستأمنون أحداً في مكة إلا الصادق الأمين الوفي الكريم، كانوا به كافرين، وكانوا في أمانته واثقين، لم يرض أن يهاجر بالأمانات، إنما أخر علياً بعده ليؤدي الأمانات إلى أهلها، يقول صلى الله عليه وسلم: ((ينام الرجل النومة فتنزع الأمانة من قلبه، فيصبح الناس يتبايعون، حتى إذا رأوا رجلاً أميناً عجبوا، وقالوا: إن في بني فلان رجلاً أميناً، وحتى يقال للرجل: ما أجلده، ما أعقله، ما أظرفه، وليس في قلبه حبة خردل من الإيمان)). عندما جاء رجل يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: متى الساعة؟ متى ترج الأرض رجاً وتبث الجبال بثاً؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم: ((إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)). أربع أيها المؤمن إذا كن فيك فلا تبال بما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة طعمة. تعالوا ـ أيها المؤمنون ـ لنقف وإياكم عند قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا ٱلاْمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَـٰنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب:72]، هذه الآية المباركة من آخر سورة الأحزاب، وخير ما فسر به القرآن، القرآن. والأمانة هنا طاعة الله تبارك وتعالى، لأن الآية التي قبلها يقول الله تبارك وتعالى فيها: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70، 71]، وكيف تأبى الجبال حمل الأمانة، والذي عرضها هو الذي لا يعصى له أمر، إباء الجبال هنا ليس إباء عن أداء الأمانة، إنما الإباء هنا إباء عن حمل الأمانة، فهناك فرق بين أداء الأمانة وحملها.
يقول الله تبارك وتعالى: (وَٱلَّذِينَ هُمْ لاِمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ *وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ *أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ *ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ) [المؤمنون:8-11].
بعد أن تم فتح مدينة (اسطنبول) ،
وضع السلطان (محمد الفاتح) تعليمات معينة حول القلاع ، والأسوار المحيطة بالمدينة ،
ومن هذه التعليمات ، أوامر مشددة على وجوب سد وغلق جميع أبواب أسوار هذه القلاع بعد أذان المغرب ،
وتبقي هذه الأبواب مغلقة حتى أذان الفجر.
وعينت مفارز عديدة على هذه القلاع ، لتطبيق هذه الأوامر ، وذلك لدواعي الأمن ،
وبذلك كان يمنع أي شخص من دخول المدينة ، أو الخروج منها ضمن هذه الفترة.
كان (سنان جلبي باشا) على رأس إحدى هذه المفارز في القلعة الموجودة في منطقة (أون قباني).
في أحد الأيام ، والسلطان (محمد الفاتح) مع كوكبة من حرسه خارج أسوار مدينة (اسطنبول) ،
وتأخر في الرجوع إلى المدينة ،
إذ عندما وصل إلى باب السور منطقة (أون قباني) رأى أن الباب مغلق ، إذ كان أذان المغرب قد أذن قبل مدة.
صاح أحد حراس السلطان : سنان باشا … سنان باشا … افتح الباب.
قام (سنان باشا) من مكانه ، وتطلع إلى تحت … لم يستطع أن يتعرف على أحد ،
فقد كان الظلام مخيماً … نزل إلى تحت وصاح من خلف السور :
- من أنتم ؟
قال السلطان (محمد الفاتح) : افتح الباب (يا سنان جلبي).
- من أنتم ؟ ولماذا تأخرتم حتى الآن ؟
لم يستطع أن يميز صوت السلطان ، ولم يكن السلطان يعلن عن هويته.
قال السلطان : لا تسأل من نحن … افتح الباب.
احتد ( سنان باشا) : كيف لا أسألكم ؟ ألم تسمعوا بأمر السلطان ؟
كيف أستطيع أن أفتح باب القلعة في هذه الساعة المتأخرة ؟
اذهبوا من هنا ، أو انتظروا حتى أذان الفجر … لا أستطيع مخالفة أمر السلطان ،
أم تريدون أن أسمع منه تقريعاً بسببكم ؟
ضحك السلطان : كلا (يا سنان جلبي) … لن تسمع تقريعاً من السلطان … إنني أتكفل بهذا لك.
- لكن من أنت حتى تستطيع أن تكفلني لدى السلطان ؟ أم تحسب نفسك سلطاناً ؟
- أنا السلطان يا (سنان جلبي) … ألم تعرفني ؟
فوجئ (سنان باشا) عند سماعه هذا ، وأسرع بفتح الباب وهو يدمدم :
- أعذرني يا مولاي … لم أعرفكم … لم أكن أتوقع أن تخالفوا التعليمات التي وضعتموها بأنفسكم يا مولاي.
دخل السلطان من باب السور ، ثم ترجل عن جواده ووضع يده على كتف (سنان باشا) وقال له :
- أنت عسكري جيد يا (سنان باشا) … لقد سررت جداً من التزامك بتعليماتي ، لذا فتمن منى ما تشاء.
ذهل (سنان باشا) من كلام السلطان ، فها هي كل الأبواب مفتوحة أمامه..
يستطيع أن يطلب أي مبلغ ، وأي منصب … كان السلطان ينظر إليه مبتسماً ، منتظراً الجواب منه … لم يتردد (سنان باشا) طويلاً … كلا لن يطلب من السلطان لا مالاً ولا جاهاً
سيطلب منه تحقيق أمله الذي كان يحلم به منذ سنوات :
- ابن لي يا سلطاني جامعاً باسمي … لا أريد منك شيئاً آخر … جامعاً بأسمي.
قبل السلطان هذا الرجاء ، وأمر ببناء جامع باسمه.
فإذا قدر لك أن تزور (اسطنبول) فاسأل عن (جامع سنان باشا)
وزر هذا الجامع التاريخي الجميل ، فقد عرفت قصة بنائه ،
وبعد انتهاء صلاتك ، ادع لروح (سنان باشا)
إذا أردت المزيد من الوسائل التربوية التي تخدم خلق الأمانة وجميع الاخلاق فيمكنك زيارة منتدانا