يتجسد الظلم الاقتصادي للانسان في سوء التوزيع و في كفران النعمة باهمال الاستثمارات الطبيعية ، و حين ارتفاع الظلم من العلاقات الاجتماعية للتوزيع ، و تجنيد الطاقات للاستفادة من استثمار الطبيعة ، حينها تزول المشكلة الحقيقية على الصعيد الاقتصادي . لقد عمل الإسلام على كفالة الحد الادنى واللائق في مستوى المعيشة لسائر افراد المجتمع الضعفاء من خلال تحقيق عدالة توزيع الدخل والثروة بينهم ووفقاً للقواعد يتم تحديد مستوى المعيشة اللائق بحسب الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية (المأكل و الملبس و المسكن و وسائل النقل و الاتصال و تكوين الاسرة و التعليم و الضمان الصحي لكل افراد المجتمع).
وقد جعل الإسلام لهذا التكافل الاجتماعي والعدالة التوزيعية موارد منها ما هو محدد المقادير كالخمس والزكاة والعشور والخراج والكفارات والفيء والغنائم والجزية وغيرها من مساهمات المسلمين، ومنها ما هو عام تتغير قيمته تبعاً لتطوع الافراد واحتياجات المجتمع: ومثاله الصدقات والانفاق في جميع المنافع المطلوبة للمجتمع، وما تفرضه احتياجات المجتمع من موارد اضافية تقوم الدولة باستثمارها وقروض تقترضها من المواطنين عند الضرورة بلا فوائد.
إن العمل في نظر الإسلام احد أسباب ملكية العامل نتيجة عمله وبذلك تكون الملكية القائمة على اساس العمل حقا للإنسان نابعاً من رغبته ومشاعره الاصيلة.
فالعمل اذاً اساس تملك العامل في نظر الاسلام، وعلى هذا الاساس فهو اداة رئيسة في جهاز التوزيع الإسلامي لان كل عامل يحظى بالثروات الطبيعية التي يحصل عليها بالعمل، ويمتلكها وفقاً لقاعدة: ان العمل سبب الملكية.
والاداة الاخرى التي تساهم في التوزيع وفقاً للنظام الإسلامي هي الحاجة خاصة بالنسبة لفئة من الأفراد في المجتمع والعاجزة عن العمل، حيث لابد لها من الحصول على نصيب من التوزيع لتلبية حاجتها، وفقا لمبادئ التكافل الاجتماعي في المجتمع الاسلامي، كما ان هناك فئة ثالثة في المجتمع تعمل ولكن عملها لا يحقق لها الا الحد الادنى من المعيشة، فهي تعتمد في دخلها على الاداتين معاً (العمل والحاجة) وفي هذه الصورة فان بيت المال مسؤول عن تسديد هذه النواقص المالية .
كما يمكن ان تكون الملكية اداة ثانوية في التوزيع عن طريق النشاطات الاقتصادية التي سمح بها النظام الإسلامي بما لا يتعارض مع العدالة الاجتماعية.
تمنح تعاليم الدين الإسلامي لكل فرد الحرية الكاملة في ان يتصرف بماله، ويمارس نشاطه الاقتصادي في التجارة والزارعة والصناعة لتنمية هذا المال وزيادته ولكنها تشترط لمنح هذه الحرية وحمايتها احترام احكام الشريعة الإسلامية. (فاذا ما حاول فرد ان ينمي ملكيتة بالطرق التي لا تحترم هذه الاحكام سقط حقه في حماية الدولة له وجاز للدولة شرعاً ان تتدخل في هذا المجال لتمنع التعدي، ولتعيد الحق إلى نصابه، وان تضرب على ايدي العابثين حماية لمصلحة المشروع).
وبذلك تكون وظيفة الدولة وفقاً للتشريع الإسلامي هي حفظ الامن والاستقرار في الداخل والدفاع عن الوطن ضد الاعداء من الخارج،
لقد استطاعت الدولة الإسلامية ان تقوم بالوظائف الاقتصادية عن طريق نظام الحسبة: وهي الامر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله.
واستطاع المجتمع المسلم من خلال نظام الحسبة (مراقبة الاسواق، والكشف عن الغشاشين والمحتكرين والمرابين، وغيرهم من الذين يتلاعبون بمصالح الناس، طمعا في الربح دون رادع من ضمير أو دين، فكانت الحسبة هي السلطة التي تقوم بدور المراقب وهي تمثل سلطة الدولة في الدفاع عن مصالح المجتمع).
ولابد من تعاون الافراد والحكومة الإسلامية لانجاح وظيفة الحماية وتحقيق الصالح العام. ومن أهم الوسائل التي تستخدمها الدولة للقيام بدورها، المشروعات العامة ومراقبة النشاط الاقتصادي وتنظيم عرض النقود واتباع سياسات مالية ونقدية مناسبة كما أن مسؤولية الدولة في الإسلام تحقيق الضمان الاجتماعي في المجتمع.
فالمجتمع لا يخلو من فقراء واغنياء، وقد حاول التشريع الإسلامي ان يسد حاجة الفقراء بجميع انواعهم، فشرع لذلك النظم الكفيلة بالقضاء على هذه الظاهرة المرضية في المجتمع وهي الفقر. فالدولة الإسلامية مسؤولة مسؤولية كلية عن الفقراء والأرامل والعجزة وغيرهم ممن لا يقدرون على كفاية أنفسهم، ويحق لكل فقير ان يطالب الدولة بالانفاق عليه إذا لم يكن هناك من ينفق عليه ولا يجد عمل يكفيه
وهذه المسؤولية تجعل الدولة مسؤولة عن جميع افراد المجتمع لأن الإسلام لا يعترف بمشكلة الفقر كأمر واقع.
لذلك اوجد لها الحلول الكفيلة بالقضاء عليها، والتاريخ الإسلامي يؤكد ان الدولة الإسلامية كانت تنفق من بيت مال المسلمين على الفقراء والعجزة والأرامل وغيرهم.
مما تقدم نلاحظ ان العلاقة في المجتمع الإسلامي بين الفرد والدولة والحاكم تتم من خلال كون الفرد هو المالك لجميع الاموال وهو صاحب الحق فيها.
والدولة هي التي تسهر على سعادة هذا الفرد وأمنه واستقراره والحاكم هو الشخص الذي يقوم بحماية الفرد وخدمته، دون ان تكون له اية ميزة مادية أو معنوية عن بقية الناس. اننا عندما نتعرض لدراسة الفكر الاقتصادي الاسلامي، انما نتعرض له من وجهين اثنين.
الوجه الأول: اكتشاف مختلف الافكار الاقتصادية من خلال ما ورد في القرآن الكريم والحديث الشريف وآراء الفقهاء والفلاسفة المسلمين – سواء ما كان منها شرعياً او اخلاقياً أو علمياً، ولا نريد ان يقتصر البحث هنا على الافكار والنظريات العلمية، خصوصاً بعد ان اصبح لهذه الافكار والنظريات اليوم أهمية تاريخية اكثر منها علمية مع العلم اننا لا نريد الاستخفاف بها إذا نظرنا اليها من هذا المنظار التاريخي لأنها قد تؤدي وظيفتها عندما يحتاج اليها المؤرخ الاقتصادي مثلاً،غير ان الاهمية العلمية المطلقة لهذه الافكار قد اصبحت محدودة جداً. بسبب تطور الأبحاث الاقتصادية وقطعها مراحل حاسمة في طريق العلمنة.
الوجه الثاني: تحليل وتدقيق المفاهيم الاساسية التي يدور حولها الفكر الاقتصادي الإسلامي. فنحصل من هذا التحليل على عرض هذا الفكر وتحديده كما هو بالحقيقة، وليس كما يحلو لبعضهم ان يراه. لقد وردت بعض المفاهيم غامضة إلى درجة ما فنجدها احياناً مزيجاً من العواطف والاخلاق والتفكير العلمي.
وهل يمكن الاستفادة من هذه المفاهيم وتطبيقها على وضعيات اجتماعية معاصرة؟