في زحمة الصراع الحضاري العالمي تبرز كلّ أمة حضارتها، وتتمسك بها، وتعمل على نشرها وتثبيتها، وتتقدم بثقافتها المنبثقة عن حضارتها وإن كان لكل خصيصة متميزة لثقافته، تصطرع من أجلها، وتتزاحم بالمناكب في سبيل نشرها والمسلمون اليوم ـ وفي زحمة هذا الصراع الحضاري العالمي ـ لا ينشرون حضارتهم وثقافتهم إلاّ على استحياء، ولا يعملون على تثبيتها وبيانها إلاّ في المناسبات، وفي مؤتمرات قليلة تعقد هنا وهناك، وهو عمل تقوم به هيئات إسلامية أو أفراد، وقلما تشترك الحكومات، إلاّ في حدود ضيقة، أو حين تدعى من جهات غربية، ولا تتبنى في مؤتمراتها وسفاراتها بيان حضارة الإسلام ونشرها، ولعل مرجع ذلك إلى الخمول الذي أصابها، والتفرق على أساس العنصرية الضيقة أو الإقليمية المفرقة، والتعصب لهما على أساس التجزئة التي أصيب بها العالم الإسلامي، فاصبح ولاء كلّ دولة لقطرها، وانتماؤها لبلدها دون الانتماء للحضارة الإسلاميّة الواسعة وثقافتها.
فالحضارة لغة: الإقامة في الحضر، قال القطامي:
ومن تكن الحضارة أعجبته * * * * فأي رجال بادية ترانا
وهي البداوة، وهي لغة كذلك: مرحلة من مراحل التطور الفعلي والانساني والاجتماعي ورقيها.
وقد تعدد معناها في الاصطلاح: فهي بمعناها العام: ثمرة التفاعل بين الإنسان والكون والحياة، أي: ثمرة الجهود المبذولة من قبل الفكر الإنساني للاستفادة من الأجهزة الكونية المتناثرة حولنا (2). أو هي الجانب الآخر غير المادي في حياة الأمة، وهي العلم والتصورات والأفكار والسلوك والآداب، وكل المعاني التي تدخل في الجانب المادي.
وقد عرفها بعضهم بأنها: نمط من الحياة المستقرة ينشئ القرى والأمصار، ويضفي على حياة أصحابه فنوناً منتظمة من العيش، والعمل، والاجتماع، والعلم، والصناعة، وإدارة شؤون الحكم، وترتيب وسائل الراحة وأسباب الرفاهية (3). وهذا تعريف للحضارة وآثارها العامة، وليس تعريفاً دقيقاً يحدد معناها.
ومن العلماء من عرفها بأنها: كلّ ما ينشئه الإنسان في كلّ ما يتصل بمختلف جوانب نشاطه ومعانيه، عقلاً وخلقاً، الفكري والمادي. أو باصطلاح آخر: الروحي والمادي.
وبعض الباحثين يرى: أن الحضارة الحقة هي التي تطلب من الإنسان في مظاهر الحياة كافة أن يتذكر الله، ويتذكر فطرته هو بحيث يستطيع أداء دور خليفة الله، وهو الدور الذي وجد فيه على هذه الأرض(4).
والمودودي يرى: أن الحضارة: مجموعة المبادئ والأفكار والأصول والتربية التي تثمر لوناً من ألوان الحياة الاجتماعية بمقوماتها المختلفة.
وربما كان معناها العام أيضاً: طريقة الإنسان في الحياة، أو مجموعة أفكاره عنها، وأعني بالحياة: الأعمال اليومية التي يمارسها الإنسان في معيشته، ففكرته عنها ونظرته إليها يكيف سلوكه فيها ويحدد طريقة تصرفه في أعماله.
يظهر من هذه التعريفات: أن معنى الحضارة قائم عند المفكرين، لكنهم يختلفون في
سعة معناه أو في ضيقه. وبعبارة أخرى: هو غامض عند البعض غير محدد، فمنهم من جعله يشمل الأفكار والعقائد وما ينتج عنها من نتائج مادية.
فالدكتور يوسف القرضاوي ـ مثلاً ـ يرى: أن الحضارة لها جسم وروح، وجسمها يتمثل في منجزاتها المادية: كالمخترعات والمصانع والطائرات والأسلحة والأبنية وغيرها، وروحها يتمثل في مجموعة العقائد والمفاهيم والقيم والآداب والتقاليد التي تتجسد في سلوك الأفراد والجماعات(5).
وهو بهذا يتقارب في المفهوم مع "غوستاف لوبون" الذي يرى: أن الحضارة تشمل العقائد كما تشمل المنجزات العلمية والمادية، ولهذا نجده يعقد باباً ذا فصولٍ ثلاثةٍ يتحدث فيها عن مصادر قوة العرب من رسالة محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ، وفلسفة القرآن وأحكامه، وفتوح العرب وطبيعة هذه الفتوح ثم بعد ذلك يتحدث عن الدين والأخلاق، ويتناول حضارة العرب في شمولها للمعارف واللغة والفلسفة والآداب والتاريخ وعلوم الرياضيات والفلك والجغرافيا والطبيعيات والطب والفنون وغيرها(6).
ويكاد يتفق معنا المستشرق الإنجليزي "أرنولد" الذي يرى: أن مفهوم الحضارة بمعناها المتخصص مقتصر على وجهة نظر الإنسان عن الحياة. وهذا هو الذي ينسجم مع تعريف الحضارة الإسلاميّة التي يمكن ملاحظتها بأنها: (مجموع الأفكار والمفاهيم الإسلاميّة عن الإنسان والحياة والكون)، وهي بهذا تحدد سلوك الإنسان وطريقته في الحياة، ونمط معيشته وتعامله مع الكائنات المحيطة به. ولا تشمل بهذا التحديد ما نتج عنها من أشكال مادية، فهي ثمرة الحضارة إذا كانت غير متعارضة معها فتصوير الأشياء الجامدة وتجسيدها منسجم مع نظرة الإسلام في إباحة رسمها وتصويرها، أما تجسيد الأشياء الحية كالإنسان في تماثيل وأصنام فلا يجيزه الإسلام؛ لأن حضارته قائمة على تحريم التصوير بهذا المعنى.
وهذا يجرنا إلى أن نبين أن الأشكال المادية هي المدنية، وهي تنتج عن الحضارة أو
العلم، فبناء البيوت والقصور شكل من أشكال المدنية الناتجة عن الحضارة، من حيث إنها مع مفهوم أي حضارة، وهو في الحضارة الإسلاميّة لا يتخذ فيه زخرفة الصليب، أو يوضع فيه مكان لشرب الخمر (بار) مثلاً، وقد راعى المسلمون في حضارتهم الإسلاميّة أن توجه البيوت نحو الكعبة التي هي قبلة المسلمين، بينما نجد أن صنع المنتجات الطبية والأثات والسيارات والطائرات والآلآت وبناء المصانع للنسيج واستخراج المعادن وغيرها أشكال مدنية ناتجة عن العلم.
والتبرج ـ مثلاً ـ محرم في الإسلام، فكل شكل مدني من الملابس يظهر فيه التبرج لا يجوز شرعاً، والسينما والتلفاز شكل مدني ناشئ عن العلم، لكن مضمون الفلم الذي يعرض شكل مدني ناشئ عن حضارة فإذا تناقض مع حضارة الإسلام كالأفلام العارية فلا يجوز شرعاً.
والحضارة خاصة، والعلم عام، وقد كان العلم يطلق على كلّ معرفة أياً كان نوعها ولونها، ثم أصبح يفيد المعرفة التي تستفاد من الملاحظة والتجربة والاستنباط: كعلم الهندسة والطب والكيمياء، وهو التحديد الدقيق لكلمة العلم، لكنها قد تطلق على المعارف الشرعية والتاريخ والآداب والفسلفة، وغيرها من باب التجوز والتوسع في معناها.
وإذا عرفنا معنى الحضارة فلا بد من تحديد معنى الثقافة والثقافة الإسلاميّة.
فالثقافة من لفظة (ثقف) بمعنى: حذق وقوم، وهي بمعناها العام: مجرد المعرفة، أي: معرفة الآداب والفلسفة والتاريخ والفنون والمعارف النظرية، وهي بمعناها الخاص: النتائج التي تستخلص من مجموعة الآداب والفلسفة والتاريخ والمعارف النظرية من وجهة نظر خاصة عن الحياة.
ويقول تايلو: (إنّ الثقافة: هي الكل المركب الذي يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات).
والثقافة الإسلاميّة: هي الثقافة التي بنيت على العقيدة الإسلاميّة، أو كانت أثراً من آثارها أو اكتسبت صبغتها بموجبها.
والفرق يبين العلم والثقافة: أن العلم عام لكل أمة، فهو ليس حكراً على أمة من الأمم، أو مختصاً بأناس دون أناس، فهو للناس كافة، تأخذه أمة عن أمة فالاختراعات العلمية والاكتشافات في الصناعة والأسلحة، والأبحاث العلمية تنقل من بلد إلى آخر، ومن أمة إلى أخرى، فإذا أخضع هذا العلم لوجهة نظر معينة أو لمصلحة أمة أو دولة أصبح ثقافة خاصة لتلك الدولة أو الأمة، لكن الثقافة تبقى خاصة، فلكل أمة أو شعب ثقافته التي يعتزّ بها؛ لأنها متصلة بوجهة نظره في الحياة، ولهذا نرى: أن الجامعات تفتح أبوابها لدراسة العلوم لكل الناس، لكنها تحاول أن تعطيهم ثقافتها الخاصة، فللمسلم ثقافته الإسلاميّة، وللإنجليزي ثقافته، ومثلهما الفرنسي والألماني والروسي وغيرهم، ومن هنا نجد حرص الدول المختلفة على نشر ثقافتها وفتح المعاهد والمراكز الخاصة بها.
وعلى هذا، فالثقافة الإسلاميّة ثقافة خاصة، متميزة المعالم والاتجاهات،فهي المعرفة التي تتضمن العقيدة الإسلاميّة مثل: علم التوحيد، والمبنية على العقيدة مثل: الفقه والتفسير وعلم الحديث والسيرة وأصول الفقه، والمعرفة التي يوجبها الاجتهاد في الإسلام مثل: علوم اللغة العربية.
وقد أحدث عدم التفريق بين العلم والثقافة والحضارة بلبلة في عقول المسلمين، إذ تعددت ثقافاتهم كلّ بحسب ما تلقى في البلدان غير الإسلاميّة.
وكما أدى التباس فهم العلم والثقافة لدى المسلمين اليوم ـ فلم يعرفوا ما يأخذون وما يدعون ـ أدى عدم فهمهم للحضارة والمدنية الناشئة عنها. أو المدنية الناشئة عن العلم والصناعة إلى اضطراب حياتهم، وفوضى مسالكهم إذا انطلقوا في تقليد الغرب وحضارته والاقتباس عنه دون تفريق بين غث ما عنده وسمينه، وبين ما يؤثمهم أو يؤجرهم؛ لأن الحضارة هي مجموع مفاهيم الإنسان عن الحياة، وهي التي تعين طريقته في الحياة؛ ولأن المدنية هي الأشكال المادية المحسوسة التي تستعمل في شؤون الحياة.
والحضارة والثقافة لا تكونان إلاّ خاصتين، والمدنية تكون خاصة وعامة، خاصة إذا كانت ناتجة عن حضارة، وعامة إذا كانت ناتجة عن علم وصناعة؛ لأن العلم والصناعة عالميان. وبحسب رقي الحضارة تكون المدنية الناتجة عنها راقية، وبحسب رقي العلم والصناعة تكون المدنية الناتجة عنهما راقية. أما إذا انحطت الحضارة وضعف العلم كانت المدنية الناتجة عنهما متأخرة.
والمدنية الناجمة عن العلم والصناعة تؤخذ من الغرب اليوم كما أخذها الغرب عن المسلمين فيما مضى، وكما أخذها المسلمون عمن سبقهم من الشعوب حين اتصلوا بهم، ونقلوا عنهم أشكال أبنيتهم وملابسهم وأوانيهم وغيرها، مما ليس فيه شارة الكفر وعلامات دياناتهم، ومما لا يتناقض مع عقيدة الإسلام ومفاهيمه عن الحياة، وأخضعوها لوجهة نظرهم في الحياة.
ذكر: أن خالد بن إبراهيم أحد قواد المسلمين غزا أهل "كثر" من بلاد الصين وأخذ منهم الأواني الصينية المنقوشة ما لم ير مثلها، ومن السروج ومتاع الصين شيئاً كثيراً، فحمل المغنم إلى أبي مسلم الخراساني وهو بسمرقند. كما أخذ المسلمون صناعة الورق من الصين، وزادوا عليها وعمموها حتّى انتشرت مصانع الورق في رقعة العالم الإسلامي: في "بورة" قرب دمياط، وسمرقند وبغداد والأندلس ودمشق وطرابلس وحماه وغيرها، وكان منه أنواع: الفرعوني، والسليماني والجعفري والطلحي والطاهري، وعن المسلمين انتقلت صناعة الورق إلى أوروبا عن طريق إسبانيا والرومانيين والصليبيين، واستقرت في ألمانيا.
وذكر البلاذري في كتابه "فتوح البلدان": (أن القراطيس كانت تدخل بلاد الروم من أرض مصر، وتدخل الدنانير إلى بلاد العرب، وكانت الأقباط تذكر المسيح في رؤوس الطوامير وتضع الصليب، فأمر عبد الملك بن مروان
ـ (الخليفة الأموي) ـ أن يكتب في رؤوس الطوامير "قل هو الله أحد" بدل المسيح، فكتب إليه ملك الروم في ذلك وهدده، وطلب إليه أن لا يوضع في الدنانير تعريف للنبي محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ، فكان من أثر ذلك ضرب عبد الملك للنقود
الحضارة والثقافة لا تكونان إلاّ خاصتين، والمدنية تكون خاصة وعامة، خاصة إذا كانت ناتجة عن حضارة، وعامة إذا كانت ناتجة عن علم وصناعة؛ لأن العلم والصناعة عالميان. وبحسب رقي الحضارة تكون المدنية الناتجة عنها راقية، وبحسب رقي العلم والصناعة تكون المدنية الناتجة عنهما راقية. أما إذا انحطت الحضارة وضعف العلم كانت المدنية الناتجة عنهما متأخرة.
والمدنية الناجمة عن العلم والصناعة تؤخذ من الغرب اليوم كما أخذها الغرب عن المسلمين فيما مضى، وكما أخذها المسلمون عمن سبقهم من الشعوب حين اتصلوا بهم، ونقلوا عنهم أشكال أبنيتهم وملابسهم وأوانيهم وغيرها، مما ليس فيه شارة الكفر وعلامات دياناتهم، ومما لا يتناقض مع عقيدة الإسلام ومفاهيمه عن الحياة، وأخضعوها لوجهة نظرهم في الحياة.
ذكر: أن خالد بن إبراهيم أحد قواد المسلمين غزا أهل "كثر" من بلاد الصين وأخذ منهم الأواني الصينية المنقوشة ما لم ير مثلها، ومن السروج ومتاع الصين شيئاً كثيراً، فحمل المغنم إلى أبي مسلم الخراساني وهو بسمرقند. كما أخذ المسلمون صناعة الورق من الصين، وزادوا عليها وعمموها حتّى انتشرت مصانع الورق في رقعة العالم الإسلامي: في "بورة" قرب دمياط، وسمرقند وبغداد والأندلس ودمشق وطرابلس وحماه وغيرها، وكان منه أنواع: الفرعوني، والسليماني والجعفري والطلحي والطاهري، وعن المسلمين انتقلت صناعة الورق إلى أوروبا عن طريق إسبانيا والرومانيين والصليبيين، واستقرت في ألمانيا.
وذكر البلاذري في كتابه "فتوح البلدان": (أن القراطيس كانت تدخل بلاد الروم من أرض مصر، وتدخل الدنانير إلى بلاد العرب، وكانت الأقباط تذكر المسيح في رؤوس الطوامير وتضع الصليب، فأمر عبد الملك بن مروان ـ (الخليفة الأموي) ـ أن يكتب في رؤوس الطوامير "قل هو الله أحد" بدل المسيح، فكتب إليه ملك الروم في ذلك وهدده، وطلب إليه أن لا يوضع في الدنانير تعريف للنبي محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ، فكان من أثر ذلك ضرب عبد الملك للنقود.
والحضارة الإسلاميّة تختلف عن الحضارة الغربية اختلافاً بيناً، فالحضارة الغربية تقوم على ما يلي:
1 ـ النزعة المادية التي تؤمن بالمادة وحدها، وتفسر بها الكون والإنسان والحياة، وتنكر الغيبيات، ولا تؤمن إلاّ بالمحسوس المنظور.
2 ـ فصل الدين عن الحياة، أي: أن الإيمان بالله والغيبيات شيء لا علاقة له بالممارسات العملية اليومية للإنسان. والعلاقات إنّما تقوم على أساس الفصل.
والذين يفصلون الدين يؤمنون بالتثليث والأقانيم الثلاثة ويتمسحون بالصليب،
وولادة الإله وغيرها، فالدين في الحضارة الغربية عاطفة تظهر عندما تثار، وصلة بين الإنسان وربه تظهر في الصلاة والمعبد، ولذلك يقول "جون جنذر" الصحفي الأمريكي في كتابه "داخل أوروباً" حين صور حياة الإنجليز: (إنّ الإنجليز إنّما يعبدون بنك إنجلترا ستة أيام في الأسبوع، ويتوجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة). فالإيمان عندهم مهزوز؛ لأن الفكرة عن الألوهية تحيط بها الأوهام والخرافات، ويظهر هذا جلياً في تصورات الكتاب والمفكرين ورجال الدين الغربيين لله عز وجل.
3 ـ النزعة العلمانية تابعة للنزعة المادية، ومنبثقة عنها؛ لأن نتيجة الإيمان بالمادة: إنكار لوجود الله، أو تحييد للذات الإلهية عن التشريع لحياة الإنسان وممارساته العلمية، وبالتالي يرضخ ذلك الإنسان إلى فصل الدين عن الحياة، وفصل الدين عن العلم، وفصل الدين عن الحكم فصلاً تاماً، والبحث العقلي التجريبي في مظاهر الكون. وظهرت نتيجة لذلك كلمة "العلمانية"، وتعني: إقامة الحياة على غير الدين (7).
وتشعبث العلمانية إلى شعبتين: شعبة متطرفة تضاد الدين كلياً، وشعبة معتدلة لا تعادي الدين، وإنّما تتركه للإنسان في اعتقاده وعبادته، دون التدخل في شؤون الحياة، وأصبحت هذه العلمانية بشعبتيها من أسس الحضارة الغربية.
4 ـ الصراع: وهو صراع البقاء، صراع الشعوب، صراع الإنسان مع الإنسان، وصراع الإنسان مع الطبيعة، ومن هنا كانت الحروب الدموية بين شعوب أوروبا من جهة، وصراع الاستعمار مع شعوب العالم وأممه(8).
5 ـ النزعة التحررية: وتعني: إعفاء الإنسان العادي من قيود الشعائر والطقوس الدينية، أي: التحلل من الالتزام بالتعاليم الدينية، وتصوير الملتزمين بها بـ"الرجعيين"، وسبب التحررية في الغربية هو : أنها طرحت الدين جانباً ، ولما ظهرت الاكتشافات الحديثة والأشكال الاقتصادية الجديدة وسيطرت التكنولوجيا أخذت الحرية معناها الواسع في الانطلاق في الحياة من غير قيود، فكانت التحررية، ولا سيما في الحرية الشخصية، وانتشرت الملذات والشهوات من غير قيدٍ ولا رقيب.
6 ـ الديمقراطية: وتعني: السيادة للشعوب، أي أنها المصدر الحقيقي للتشريع والسلطة معاً، وإرادة الشعب هي إرادة الله الذي تركته الحضارة الغربية، وهو القوة.
ونحن لا ننكر ما للحضارة الغربية من إيجابيات في التقدم العلمي في مختلف الميادين، وتسيير الحياة وتسهيلها بالمخترعات والمكتشفات التي أعانت الإنسان على الحياة الرخية، غير أنها انحطت بإنسانية الإنسان، ونشرت القلق والنزاع والصراع وأفقدته معاني القيم المثلى والطمأنينة والروحانية، وأدارت حياته على المنفعة والمصلحة، وجعلت ثقافته ثقافة خالية من عنصر الأمن والسمو الخلقي والفكري، وأدت بالأسرة إلى الانهيار، وبالجنس إلى الدمار، ودفعت الشباب إلى نيل الشهوات، وتعاطي المخدرات، واكتساب الأمراض والعاهات.