بقلم عصمت الصاوي في السابع والعشرين من يونيه عام 1931 ولد إبراهيم الرفاعي في محافظة الدقهلية ، ولم تكن أسرته آنذاك تعلم أن هذا الوليد سيسطر اسمه بحروف من النار والنور في سجلات المجد والتاريخ ، نعم نار ونور . إذ كان اسم إبراهيم الرفاعي يمثل ناراً .. ويتقد جمراً علي القادة الإسرائيليين وجنودهم ، وعلي الجانب الأخر كان هذا الاسم هو الملاذ الآمن والحل الأمثل والأسرع والأصوب تجاه المشكلات التي كان يسببها العدو الإسرائيلي للمصريين. فكان إبراهيم الرفاعي ذلك الأسد الجسور وهو السهم الأصلب في كنانة القيادة المصرية آنذاك . إبراهيم الرفاعي ... أسطورة الصاعقة، لا يمكن لأي قارئ عن هذا البطل إلا أن يقف مشدوها أمام سيرته العطرة .. بل أنه لا يستطيع أن يمنع جسده من الاهتزاز أثر هذه القشعريرة الداخلية والهزة الوجدانية التي تهبه عبر القراءة عن هذا البطل .. فقد خلق هذا البطل ليحارب .. وخلق ليدافع عن الدين والأرض والعرض فتكاملت فيه الصفات النفسية والجسدية ليكون مقاتلاً من نوع فريد . فهو مبهر علي المستوي الإنساني ومبدع في جمال الأبوة والعلاقات الأسرية الخاصة .. وفي ميدان المعركة هو النمر الجريح فلا تري فيه عيبا ً إلا الصرامة والتحدي والإصرار. فمصطلحات الخوف والهدوء وقرارات وقف إطلاق النار قد محاها الرفاعي في حياته .. بل ومن حياة المحيطين به فتكونت تلك المجموعة الرائعة المسماة ( المجموعة 39 قتال ) .. والتي سطرت بدمائها وبذلها أعظم البطولات .
الرفاعي ... رحلة حياة
مواليد 27/6/1931.. ورث عن جده الأميرالاى عبد الوهاب لبيب التقاليد العسكرية .. والرغبة في التضحية فدائاً للوطن .. وكانت تنشئته الدينية وتمسك عائلته بالتقاليد الإسلامية .. لها أكبر الأثر علي أخلاق الرفاعي وثقافته .. إذ كان دائما ما يكرر لأفراد مجموعته قبل كل عملية من عملياته الخاصة عبارة ( يا أولاد نحن نقاتل في سبيل الله ) . التحق الرفاعي بالكلية الحربية عام 1951 .. وتخرج منها في 27/6/1954 وحصل علي درجة أركان الحرب عام 1959 .. وعقب تخرجه عمل بسلاح المشاة .. ثم انضم إلي أول فرقة للصاعقة المصرية في منطقة أبو عجيلة .. وخلال هذه المدة كان الرفاعي يبهر كل قادتة ومعلمية لشجاعته وجرأته وقدرته علي القيادة والابتكار . تم تعيينه مدرسا ً بمدرسة الصاعقة .. وشارك في تكوين وبناء أول لبنات قوة الصاعقة المصرية .. وتم اختياره لتدريب الفدائيين الفلسطينيين علي أساليب القتال ومهاراته . اشترك في حربي بورسعيد عام 1956 .. وحرب اليمن عام 1962 .. وكانت هذه الحروب هي المحك الرئيسي الذي صقل الرفاعي .. ففي بورسعيد وجد نفسه مقاتلاً وجه لوجه أمام الطغيان الإسرائيلي والعدوان الثلاثي .. وكان هذا العدوان هو الفتيل الذي أشعل الشجاعة في صدر الرفاعي ، إذ هو بتركيبته النفسية شهم وجسور وذو كبرياء يأبى الظلم ولا يرضي بالهضم ولا بالضيم . وعلي أثر هذه الحرب التحق الرفاعي بفرقة المظلات ليكتسب مهارات وخبرات تؤهله لما وطن نفسة عليه ، وعقب هذه الدورة التدريبية تم صقل الرفاعي واختير لقيادة وحدات الصاعقة المصرية كرئيس للعمليات .. وجاء في التقرير الذي سبق هذه الترقية أنه ( ضابط مقاتل من الطراز الأول جرئ وشجاع .. ويعتمد عليه ، يميل إلي التشبث برأيه ، محارب ينتظره مستقبل باهر ) . في عام 1967 أصابته صدمة كبيرة .. وهزه عنيفة عقب نكسة يونيو .. إذ أن طبيعة هذا الأسد الهصور تأبي الانسحاب .. وتأبي التخلي عن الأرض إلا بثمن واحد وهو الدم .. فأصيب بقرحة حادة في المعدة .. حتى أن زوجته كانت تطلب منه فيما بعد ألا يخرج بنفسه في العمليات الخاصة .. فكان رده قاطعاً وجاهزاً وسريعاً " طول ما أنا عايش لازم اليهود يخرجوا من مصر " .
الرفاعي بطل رد الإعتبار
وبعد هزيمة 1967 أرادت القيادة المصرية أن تعيد الثقة للقوات المسلحة وللشعب المصري علي حد سواء .. فقررت تشكيل مجموعة من الفدائيين للقيام ببعض العمليات الخاصة داخل العمق الإسرائيلي لتحقيق مجموعة من الأهداف ، منها رد اعتبار القوات المسلحة المصرية ،وإعادة ثقتها بنفسها ، وقهر الحاجز النفسي الذي خلفته الهزيمة ، والقضاء علي إحساس العدو الإسرائيلي بأنه جيش لا يقهر . ولم يكن لهذه المهام الثقيلة إلا الأسد الغضوب إبراهيم الرفاعي .. فوقع الاختيار عليه لتكوين هذه المجموعة .. واختار الرفاعي أبناءه بعناية حتى تكونت أشرس وأعنف مجموعة قتال عرفتها الحروب عبر تاريخها الطويل المجموعة 39 قتال .. تلك المجموعة التي عبر بها الرفاعي قناة السويس أكثر من 70 مرة قبل حرب أكتوبر نفذ خلالها عمليات انتحارية تفوق الوصف ويعجز عن إدراكها الخيال .. فكانت نيران الرفاعي ورجاله هي أول نيران مصرية تطلق في سيناء بعد نكسة يونيو 1967 . فقد نسف مع مجموعته قطارا ً للجنود والضباط الاسرائليين عند منطقة الشيخ زويد . وبعدها صدر قرار من القيادة المصرية بنسف مخازن الذخيرة التي خلفتها القوات المصرية إبان الانسحاب .. وكان نجاح هذه العملية ضربا ً من الخيال بل كان نوعا ً من المستحيل .. ولكن الرفاعي ورجاله تمكنوا من الوصول إليها وتفجيرها حتى إن النيران ظلت مشتعلة في تلك المخازن ثلاثة أيام كاملة . وفي مطلع عام 1968 نشرت إسرائيل مجموعة من صواريخ أرض – أرض لإجهاض أي عملية بناء للقوات المصرية .. وعلي الرغم من أن إسرائيل كانت متشددة في إخفاء هذه الصواريخ بكل وسائل التمويه والخداع .. إلا أن وحدات الاستطلاع كشفت العديد منها علي طول خط المواجهة . ولم يكن الفريق أول عبد المنعم رياض في هذه الأثناء يعرف طعم للنوم أو الراحة أو التأجيل أو الاسترخاء في معركته التي بدأها من أجل إعادة بناء القوات المسلحة المصرية .. فأرسل علي الفور إلي المقاتل الثائر إبراهيم الرفاعي .. وكان الطلب " إسرائيل نشرت صواريخ في الضفة الشرقية .. عايزين منها صواريخ يا رفاعي بأي ثمن لمعرفة مدي تأثيرها علي الأفراد والمعدات في حالة استخدامها ضد جنودنا " . انتهت كلمات رئيس الأركان .. وتحول الرفاعي إلي جمرة من اللهب .. فقد كان يعشق المخاطر ويهوى ركوب الأخطار .. ولم تمض سوي أيام قلائل لم ينم خلالها إبراهيم الرفاعي ورجاله .. فبالقدر الذي احكموا به التخطيط احكموا به التنفيذ .. فلم يكن الرفاعي يترك شيئا ً للصدفة أو يسمح بمساحة للفشل . فكان النجاح المذهل في العملية المدهشة فعبر برجاله قناة السويس وبأسلوب الرفاعي السريع الصاعق أستطاع أن يعود وليس بصاروخ واحد وإنما بثلاثة صواريخ .. وأحدثت هذه العملية دويا ً هائلا ً في الأوساط المصرية والإسرائيلية علي حد سواء حتى تم علي إثرها عزل القائد الإسرائيلي المسؤول عن قواعد الصواريخ . ووصف الجنرال الذهبي عبد المنعم رياض هذه العملية بقوله ( كانت من المهام الخطيرة في الحروب .. ومن العمليات البارزة أيضاً التي ارتبطت باسم الرفاعي عندما عبر خلف خطوط العدو في جنح الليل .. ونجح في أسر جندي إسرائيلي عاد به إلي غرب القناة ". وكان هذا الأسير هو الملازم / داني شمعون .. بطل الجيش الإسرائيلي في المصارعة ولكن الرفاعي أخذه من أحضان جيشه إلي قلب القاهرة دون خدش واحد . وتتوالي عمليات الرفاعي الناجحة حتى أحدثت رأيا عاماً مصرياً مفاده " أن في قدره القوات المصرية العبور وإحداث أضرار في الجيش الإسرائيلي " .. بل إنها دبت الرعب في نفوس الاسرائليين حتى أطلقوا علي الرفاعي ورجاله مجموعة الأشباح . وصبيحة استشهاد الفريق عبد المنعم رياض طلب عبد الناصر القيام برد فعل سريع وقوي ومدوي حتى لا تتأثر معنويات الجيش المصري باستشهاد قائده .. فعبر الرفاعي القناة واحتل برجاله موقع المعدية 6 .. الذي أطلقت منه القذائف التي كانت سبباً في استشهاد الفريق رياض .. وأباد كل من كان في الموقع من الضباط والجنود البالغ عددهم 44 عنصرا ً إسرائيليا ً.. وقتل بعضهم بالسونكي فقط . حتي أن إسرائيل من هول هذه العملية وضخامتها تقدمت باحتجاج إلي مجلس الأمن في 9 مارس 69 .. يفيد أن جنودهم تم قتلهم بوحشية .. ولم يكتف الرفاعي بذلك بل رفع العلم المصري علي حطام المعدية 6 .. بعد تدميرها وكان هذا العلم يرفرف لأول مره علي القطاع المحتل منذ 67 .. ويبقي مرفوعاً قرابة الثلاثة أشهر . وعقب اتفاقية روجرز لوقف إطلاق النار .. سمح له الرئيس جمال عبد الناصر بتغيير اسم فرقته من المجموعة 39 قتال إلي منظمة سيناء العربية .. وسمح له بضم مدنيين وتدريبهم علي العمليات الفدائية .. وتم تجريدهم من شاراتهم ورتبهم العسكرية .. ودفعت بهم القيادة المصرية خلف خطوط العدو ليمارسوا مهامهم دون أدني مسؤولية علي الدولة المصرية . وفي 5 أكتوبر 1973 .. استعاد الرفاعي وأفراد مجموعته شاراتهم ورتبهم واسمهم القديم ( 39قتال ) .. وكذلك شعار مجموعتهم ( رأس النمر ) الذي اختاره الرفاعي شعاراً لهم وذلك تمهيدا ً لحرب التحرير .
الرفاعي .. أعظم العمليات خلف الخطوط
كان الرفاعي يعلم أن الوقت يقترب ليس من نهايته فحسب .. وإنما من نهاية الوجود الإسرائيلي علي أرض سيناء أيضاً .. فاستعد جيداً للحرب ، وكان دائماً ما يردد أن الطريق الوحيد لاستعادة الأرض والكرامة هو القتال .. وجاء الموعد الذي انتظره الرفاعي طويلاً . وبدأت معركة السادس من أكتوبر وانطلقت كتيبة الصاعقة بقيادة أسدهم الجسور في ثلاث طائرات هيلكوبتر .. وتم إسقاطهم خلف خطوط العدو .. وظل الرفاعي ورجاله يقاتلون في أكثر من اتجاه .. رأس شيطاني .. العريش .. شرم الشيخ .. رأس نصراني .. سانت كاترين .. ممرات متلا .. بواقع ضربتين أو ثلاث في اليوم الواحد حتي ذهلت المخابرات الإسرائيلية من قوة الضربات وسرعتها ودقتها . ففي صباح 6 أكتوبر هاجم الرفاعي محطة بترول بلاعيم لتكون أول عملية مصرية في عمق إسرائيل . ثم مطار شرم الشيخ صباح مساء السابع من أكتوبر . ثم رأس محمد ، وشرم الشيخ نفسها طوال يوم 8 أكتوبر . ثم شرم الشيخ للمرة الثالثة في 9 أكتوبر . ثم مطار الطور الإسرائيلي في 10 أكتوبر . واستطاع في هذا اليوم قتل جميع الطيارين الإسرائيليين الموجودين في المطار . ثم قام بدك مطار الطور مرة ثانية في 14 أكتوبر . ثم آبار البترول في الطور يوم 15،16 أكتوبر .. وكان لهذه الضربة أقوي الآثار في تشتيت دقة وتقليل كفاءة تصوير طائرات التجسس والأقمار الصناعية الأمريكية .
الرفاعي .. وتدمير الثغرة
وفي يوم 18 أكتوبر تقدم السفاح شارون ومعه 200 دبابة من أحدث الدبابات الأمريكية .. ومعه لواء من جنود المظلات الإسرائيلية .. وهم أكفأ وأشرس جنود الجيش الإسرائيلي ويحميه الطيران الإسرائيلي .. وتقدمت هذه الجحافل للاستيلاء علي مدينة الإسماعيلية .. وتم الدفع باللواء 23 مدرع ليواجه القوات الإسرائيلية .. ولكن الدبابات الأمريكية والتغطية الجوية القوية كبدت اللواء المصري خسائر فادحة .. مما أجبر القيادة المصرية علي سحبه . وفي هذه الأثناء دق هاتف الرفاعي .. فرفع السماعة وقال من .. قال السادات معاك يا رفاعي تعالي دلوقتى حالاً .. وكانت الأوامر أوضح من ضوء الشمس في وضح النهار .. ولكنها كانت أصعب ما قام به الرفاعي علي مدار تاريخه كله الموقف خطير يا رفاعي .. مطلوب أن تعبر برجالك شرق القناة وتخترق مواقعهم حتى تصل إلي منطقة الدفر سوار .. وتدمر المعبر الذي أقامة العدو لعبور قواته وإلا تغير مسار الحرب كلها . كانت الكلمات واضحة وحاسمة من القيادة .. وعاد الرفاعي إلي مجموعته وهو يحمل فوق كاهله عبأ تغيير مسار الحرب ، ويحكي علي أبو الحسن وهو أحد الرجال الشجعان الأكفاء في مجموعة الرفاعي هذه الأحداث فيقول ( كنا بعد كل عملية كأننا نولد من جديد .. فكنا ننزل في أجازة ، ولكن بعد الثغرة .. عدنا إلي مقرنا وتوقعنا أن ننزل أجازة .. ولكننا وجدنا الرفاعي سبقنا إلي المقر .. وفوجئنا أن هناك سلاح يتم صرفه لنا .. وكله مضاد للدبابات .. وكانت الأوامر أن نعود إلي الإسماعيلية لتدمير المعبر الذي أقامة العدو .. ودخلنا الإسماعيلية ورأينا الأهوال مما كان يفعله الاسرائليين بجنودنا من الذبح وفتح البطون ، والعبور فوق الجثث بالدبابات . وكان العائدون من الثغرة يسألون سؤالاً واحدا ً... أنتم رايحيين فين ؟؟ فقد تحولت هذه المنطقة إلي ما يشبه الجحيم .. ولا أخفي أننا كنا نسأل أنفسنا هذا السؤال ... إحنا رايحيين فين ؟؟ ولكن الرفاعي لم يكن يعرف إلا اتجاها ً واحدا ً .. وهدفا ً واحدا ً .. وهو إيقاف التوغل الإسرائيلي . دخلنا بمجموعة سيارات وكنت أجلس في السيارة الأخيرة .. وكانت سيارة الذخيرة وكان هذا خطر جداً .. لأن أي كمين يضرب السيارة الأولي والأخيرة سيوقف المهمة كلها .. ورأي أحد السائقين 3 مواسير دبابات تختفي وراء تبة رمال ، وكانوا ينتظروننا بعد إن رأونا وأبلغنا السائق باللاسلكي .. وصدرت الأوامر بالتراجع .. ثم أدخلنا السيارات تحت الشجر وترجلنا ومعنا أسلحتنا.. واستطعنا أن نكون في مواجهة مباشرة مع دبابات العدو الإسرائيلي. وهنا صرخ الرفاعي قائلا ً الرجل بدبابة يا أولاد .. وانطلقت مجموعة الأبطال لتوقف الزحف الإسرائيلي، ويدعي شارون الإصابة ويربط رأسه.. ويطلب هليكوبتر لتنشله من جحيم الرفاعي ورجاله .. مما دفع الجنرال جونين قائد الجبهة الإسرائيلي في ذلك الوقت بالمطالبة بمحاكمة شارون لفراره من أرض المعركة . واستطاعت المجموعة 39 قتال أن تفجر المعبر وأن توقف الزحف الإسرائيلي .
وداعاً .. أسد الصاعقة
وفي اليوم التالي 19 أكتوبر أمر الرفاعي رجاله أن يستعدوا لمعركة شرسة في محاولة منه لتدمير قوات العدو .. فقسم الرفاعي مجموعته إلي ثلاث مجموعات .. وحدد لكل مجموعة هدف .. وفوجئ العدو بما لم يكن من حسبانهم فقد وجدوا وابلاً من النيران ينهال عليهم من كل اتجاه . ويحكي أحد أفراد المجموعة ذلك المشهد فيقول : وهجمنا هياج الموت .. وصعد أربعة منا فوق قواعد الصواريخ .. وكان الرفاعي من ضمننا وبدأنا في ضرب دبابات العدو .. وبدأوا هم يبحثون عن قائدهم حتى لاحظوا أن الرفاعي يعلق برقبته ثلاث أجهزة اتصال .. فعرفوا أنه القائد وأخرجوا مجموعة كاملة من المدفعية لضرب الموقع الذي يقف فيه الرفاعي .. ولكننا رأيناهم فقفزنا من فوق قاعدة الصواريخ ولكن الرفاعي لم يقفز .. فحاولت أن أسحب يده ليقفز .. ولكنه زغدني ورفض أن يقفز .. وظل يضرب بشراسة حتى أصابته شظية أغرقت جسده بالدم .. فطلبنا سيارة عن طريق اللاسلكي وكنا نشك في قدرة أي سيارة علي الوصول للقصف الشديد .. ولكن سائقا ً اسمه (سليم) غامر بنفسه وحضر بسرعة .. ووضعنا الرفاعي فيها ولكن السيارة غرزت في الرمال .. فنزل السائق وزميلة لدفعها وركبت أنا وقدت السيارة ولم أتوقف حتى يركبوا معي من شدة الضرب المركز علينا فتعلقوا بالسيارة من الخلف وسحبتهم ورائي وكان الرفاعي عادة ما يرتدي حذاء ً ذا ألوان مختلفة عن بقية المجموعة وعندما رأي زملاؤنا حذاءه أبلغوا باللاسلكي أن الرفاعي أصيب .. وسمعهم اليهود وعرفوا الخبر .. وكانت فرحتهم لا توصف حتى أنهم أطلقوا الهاونات الكاشفة احتفالاً بإصابة الرفاعي . وعلي الفور علم السادات بإصابة الرفاعي في أرض المعركة .. فأمر بضرورة إحضاره فوراً إلي القاهرة بأي ثمن.. وبالفعل ذهبنا إلي مستشفي الجلاء .. وكان الأطباء في انتظارنا فنظروا إليه والدماء تملاً صدره .. وقالوا هيا بسرعة ( أدخلوا أبوكم إلي غرفة العمليات ) فأسرعنا به ودخلنا معه.. ورفضنا أن نخرج فنهرنا الطبيب .. فطلبنا منه أن ننظر إليه قبل أن نخرج فقال : أمامكم دقيقة واحدة فقبلناه في جبهته .. وأخذنا مسدسه ومفاتيحه ومحفظته.. ولم نستطع أن نتماسك لأننا علمنا أن الرفاعي قد استشهد . وكان هذا اليوم يوم الجمعة 27 رمضان .. وكان صائما ً فقد كان رحمه الله يأمرنا بالإفطار ويصوم هو . وقد تسلمنا جثته بعد ثلاثة أيام وفي حياتنا لم نر ميتا ً يظل جسمه دافئاً بعد وفاته بثلاثة أيام وتنبعث منه رائحة المسك .. رحمه الله .
الرفاعي .. أطول عمراً
مات الرفاعي وعمره لم يتجاوز 42 سنه .. ولكن ذكراه لا يزال شذاها يفوح عطراً رغم مرور أكثر من 75 سنه علي ميلاد هذا البطل العظيم .. ليثبت حقاً أن أعمار الرجال لا تقاس بسنوات بقائهم علي ظهر الدنيا.. وإنما بثمرات عطائهم فيها . نعم ... هو العمر القصير لإبراهيم الرفاعي ولكنه التاريخ المسطر بالذهب كتبه الرفاعي بدمائه وإصراره وعزيمته ورجولته . عاش من أجل دينه ومن أجل وطنه.. ومن أجل تحرير وطنه فعاش كبيراً ومات كبيراً .
(منقول)