يا طائر الغروب : عدى الفيافي والبحور .. ومسي لي على الأحباب !!
 

يا طائر الغروب : عدى الفيافي والبحور .. ومسي لي على الأحباب !!


دقائق ويعلن موظف الاستعلامات عن قرب إقلاع الطائرة ؛ ومع كل لحظة ٍ تمر يكاد قلبي ينخلع ويردد في هوان ؛ لا أريد مغادرة تراب الوطن .

قبلت أقربائي وسالت دموع الوداع ؛

ولا أعلم لماذا دموع الوداع هذه تكون صعبة ً جدًا لهذا الحد ؟؟

كل دموع الوداع صعبة – على الأقل بالنسبة لي ؛.

كل دموع الوداع صعبة : سواء كان الوداع لسفر ٍ أو وداع لموت أو وداع لماضي أو لذكريات ٍ باسمة .

صعدت سلم الطائرة وألقيت النظرة الأخيرة على بلدي ؛

ياه ؟

صلى الله على محمد حين قال : والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إلى قلبي ...

ورددت أنا أيضًا خطاب الوداع الذي لا أعلم : أبعده عودة أم لا ..؟؟؟

يالهذا الحنان العفوي الصادق .. لا يشعره إلا من جربه بنفسه !

انطلقت الطائرة تجوب السماء وتعب الهواء عبًا وتخترق السحب وأنا أنظر وأرى بديع خلق الله وصنعه ؛ وتختلط لحظات التأمل لحظات حيرة وتحسر؛ حيث تارة أتأمل صنع الله وتارة أتذكر ما كان بيني وبين أهلي في الأمس القريب . وكم هي صعبة ٌ دموع الرجال وقت الشدائد ..!!

ورويدًا رويدًا وصلت الطائرة لجهة الوصول وفجأة انقبض صدري وانخلع فؤادي لوطأة قدمي بلادًا غريبة لا أعرف فيها أحدًا ؛ ولولا صبر الله لي لضاقت بى الدنيا بما رحبت .

واستلمت عملي واندمجت شيئًا فشيئًا في الحياة الجديدة من تجهيز طعام وغسل الملابس ومصاحبة أجناس جديدة من البشر مختلفين أو حتى متفقين معي في الثقافة والعادات .

وفى أحد أيام الغربة وجدت نفسي جالسًا في شرفة المنزل الذي أقطن فيه وكان اليوم مائلا ً إلى الوداع وفجأة سمعت صوت طائرًا كنت معتادًا على سماعه قرب المغرب وأنا في بلدي .. ؟؟

ياه ..!!

صوته حرك بداخلي مشاعر دفينة كنت قد نسيتها !!

حرك بداخلي حب وبغض وحنان وقسوة واشتياق وبعد .

وإذ بعيني تترقق على هذه المشاعر ؛ وقلت في نفسي : كم كانوا مبدعين أصحاب الغربة حين دفعتهم غربتهم إلى الإبداع والكتابة ؛ هل لأنها الوحدة ؛ أم هي مشاعر فياضة تأتى في تجليات ٍ يسوقها القدر لتنفس عن هؤلاء المبدعين .

ولأني معتاد على اصطحاب الورقة والقلم غالبًا ؛ فقد كان بجواري مجموعة أوراق وحبر ودواءه ؛ فقررت الكتابة ....

فالتقطت أول ورقة وكتبت في عنوانها :

يا طائر الغروب : عدى الفيافي والبحور .. ومسي لي على الأحباب !!

وبدأت أنادى ذلك الطائر صاحب الصوت المؤثر وخاطبته قائلا ً :

يا طائر الغروب ؛ اعبر الفيافي والوديان واذهب إلى أهلي في مصر ووجه لهم التحية على النحو التالي :

قل لهم تفصلني عنكم مسافات طويلات . فهذه طبيعة الدنيا وسنة الكون ؛ تلاقى ثم افتراق ؛ لكن أشعر بأن هذه المسافات تنقطع عند أول كلمة أسمعها من أحدكم .

و حينما تقف أمام والدي فقف في أدب جم وتواضع ٍ مهيب وأرسل له تحيتي بالدموع فقط ؛

وقل له ؛ والله يأبى حقًا إنها لقاسية الغربة.

يا طائر الغروب : إذا قابلت أمي فحيها وابتسم إليها في حنان ؛ وقل لها كم هي قاسية ٌ كلمه آه ٍ يأمى في المرض ؟ فلم أجد من يقول لي اذهب وتداوى عند الطبيب ... ؟؟ ولا أجد من أشكوا إليه بأسى ولوعتي .

يا طائر الغروب حدث أمي أنني أشتاق إليها كثيرًا ؛ وأخبرها أنني أتمنى رضاها عنى ؛ وقل لها أيضًا يأماه : سامحيني كثيرًا .

يا طائر الغروب : قل لها هل تتذكري أيام العطف والحنان ...؟؟

قل لها يا طائر الغروب : أنني أفتقد هذه الأيام بشدة .. ؟؟

يا ليت الأيام تعود من جديد !!

يا طائر الغروب إذا قابلت إخوتي فسلم عليهم واحدًا واحدًا وذكرهم بأيام ما كنت صغيرًا يصطحبونني معهم ؛
يا طائر الغروب : لاتنسى وصايى ؛؛ وأحفظها واحدة واحدة .

يا طائر الغروب : إذا مررت على أماكن اللهو واللعب فوصل لها السلام ؛

أما الأصدقاء فذكرهم بأيام الصبا ؛ كم لعبنا وكم تشاجرنا وكم سهرنا وكم أكلنا وكم سمرنا ...؟؟

يا طائر الغروب : إذا مررت على مساجد قريتي فوصل لها السلام ..؟؟

وقل للشيخ فلان والمؤذن الطيب فلان .. لكم زاد لكم الاشتياق ورقــّـة ِ النجوى..!!

يا طائر الغروب ؛ إنك في طريقك ستمر على أماكن كثيرة لكم قضيت فيها عمرًا ..

يا طائر الغروب هناك مشاعر كثيرة أريد نقلها لأحبابي ؛ فهل تستطيع نقلها بنفس الحرارة والود ؟؟
يا طائر الغروب أود أن أقول لك كلامًا كثيرًا ؛ فهل لديك وقت وصبر واتساع صدر كي تسمعني ؟

يا طائر الغروب أود أن أخبرك أيضًا أن تسلم لي على ..

وفجأة هبت رياح ٌ شديدة قلبت الصفحات وعطلت الكلام بل أخذت معها كل الأوراق التي كتبتها وانكفأ الحبر بالدواءة على ما تبعثر من الورق على أرضية الشرفة ...؟؟

فحزنت جدًا وقلت يالها من مشاعر فياضة كنت أريد إيصالها إلى أحبابي ؛ فكيف السبيل لكتابتها مرة ً أخرى بنفس الروح ؟؟

وأنا أنحنى لألملم ما تبعثر من أوراق إذا بى أجد ورقة ً واحدة نظيفة لم يمسها سوء ..

بل لم يخالطها الحبر ؛

هل تعلمون ما هي ؟؟

إنها أول ورقة ٍ كتبتها وعنوانها :

يا طائر الغروب : عدى الفيافي والبحور .. ومسي لي على الأحباب !!



**********************************
بقلمى
فكرة الموضوع أننى تخيلت نفسى مغتربًا وكتبت هذه الكلمات

رد: يا طائر الغروب : عدى الفيافي والبحور .. ومسي لي على الأحباب !!
 

هذا الموضوع كتبته من فترة ولم يرد احد عليه ووقتها تخيلت نفسى فى غربة ... وتحققت اللحظة وانا الان فى غربة عن بلدى... فآثرت إحياء الموضوع من جديد .

لكن تعلمون ؛ قد يكون الانسان فى وطنه وبين اهله لكن غريب أيضًا .

ولقدْ أراكِ، فهل أراكِ بغبطة ٍ *** والعَيْشُ غَضٌّ والزَّمانُ غُلاَمُ؟!
أعوَامَ وَصْلٍ كانَ يُنْسِي طُولَها *** ذ كْرُ النَّوَى ، فكأنَّهَا أيَّامُ
ثُمَّ انْبَرَتْ أَيَّامُ هَجْرٍ أَردَفَتْ *** بجَوى ً أَسى ً، فكأنَّها أعْوَامُ
ثمَّ انقضتْ تلك السنونُ وأهلُها *** فكأنَّها وكأنَّهُمْ أحلامُ

نسألكم الدعاء بالوفيق
اخوكم / ابو الوليد - محمد الفقى

رد: يا طائر الغروب : عدى الفيافي والبحور .. ومسي لي على الأحباب !!
 

الله معك فى غربتك أخى ...الله يوفقك ويرد غيبتك وتعود لأهلك سالما ان شاء الله
الموضوع رائع وفكرته جميله ...ماشاء الله كلماته معبرة واحاسيسه فياضه
بارك الله فيك أخى

رد: يا طائر الغروب : عدى الفيافي والبحور .. ومسي لي على الأحباب !!