بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين الهادي إلى الحق وإلى صراط الله المستقيم سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته واتبع سنته إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين .
وبعد . . . .
فإن الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم التي نراها ونسمعها بين الحين والحين ، من بعض الضالين والمغضوب عليهم والكافرين ، ممن أظلمت أبصارهم وبصائرهم ، ليست بجديدة أو حديثة ، بل هي قديمة قدم الإسلام ، منذ أن جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر ربه سبحانه وتعالى .
بل يمكن القول إن الإساءة في حد ذاتها قد تعدت شخصه صلى الله عليه وسلم إلى أبعد من ذلك ، فوصلت إلى ذات الله سبحانه وتعالى .
اقرأ ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى في الحديث القدسي إذ يقول :
" شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني ، وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني ، أما شتمه إياي فقوله : إن لي ولدا ، وأنا الله الواحد الأحد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد ، وأما تكذيبه إياي فقوله : ليس يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته "
رواه أحمد والنسائي والبخاري في صحيحه .
وأما الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد سجلها التاريخ بين صفحاته ،، إذ كانت من الكافرين حينذاك سافرة واضحة ، استهزاء وسخرية وعداء ومقاطعة ،،،، ووصل الأمر إلى القتال والمواجهة بآلات الحرب .
وإذن فالأمر ليس جديدا مستحدثا ، بل هو كما ــ قلنا ــ متجدد بين الحين والحين ، ولايزال ،، ما بقيت الدنيا ، وما بقى الخير والشر ، وما بقى مؤمن وكافر ،
والآن . . . . وقد أخرجت المخلوقات الضالة رؤوسها من الجحور ، فلفظت ما بداخلها ، فتجددت الإساءة .
لذلك فإن الخطاب يوجه إلى شقين :
أما الشق الأول ،، فهو إلى إخواني المؤمنين ، من يدنون بلا إله إلا الله محمد رسول الله في كل بقاع الأرض .
الآن . . . . نحن في فرصة سانحة قيضها ربنا تبارك وتعالى لنا بهذه الصورة ، وعلى هذا النحو .
هي فرصة عظيمة يجب توظيفها صحيحا ، للتعريف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبشريعته الغراء وسنته الشريفة ، إذ هو صاحب الرسالة الخاتم للناس أجمعين .
هي فرصة سنحت لتحقيق ذلك قولا وفعلا في إطار شريعته وسنته صلوات الله وسلامه عليه .
الآن ، وقبل أن تهدأ الغضبة الحقة ، وتفتر العزمة ، بعد أن ثارت الثورات ونظمت التظاهرات والمؤتمرات ، وقوطعت المنتجات ، وأعلنت الاقتراحات وبدأت بوادر الاعتذارات وغير ذلك مما يأذن به الله ويشاء .
بداية ،،، يهمنا أن نقرر أن المسلم الحق في أقرب تعريف له هو ذلك الشخص صاحب السلوك القويم والخلق الكريم والفكر السليم ، من يجسد التوحيد الخالص الذي بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه ، متبعا لشريعته إيمانا واحتسابا ، عقيدة لا لبس فيها ودعوة لله رب العالمين .
ثم . . . إنها لفرصة أتيحت لتجديد تطبيقنا نحو تربية وتعليم أولادنا الدروس والعبر من هذه الهجمة ، أسبابها منا ومنهم ، ثم علاجها منا بنهج محكم مثمر .
فأسبابها منا ، لا تخرج عن تقصيرنا في تطبيق شريعتنا إفراطا وتغريطا ، ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
وأسبابها منهم ، لا تخرج عن كفرهم وضلالهم ، مع تقدمهم وتأخرنا ، وهجومهم غرورا وغطرسة ، ودفاعنا تأخرا وضعفا وخذلانا .
حقائق واقعة ، لا محيص عن الاعتراف بها وتصحيحها ما دام في الجسد قلب يخفق و نفس يتردد .
إن مواجهة الآخر لها أكثر من باب ، لعل منها أن هؤلاء الذين نراهم الآن أمامنا ،،،،، منهم المضلون الفجرة ، الكافرون الغَدَرَة أئمتهم ،
ومنهم المضللون المغترون المنقادون لأئمتهم وصناديدهم .
وهؤلاء وهؤلاء ، قلة وكثرة ، علينا مواجهتهم ،، كلا حسب موقعه من ضلال وغي .
فأنت حين تناظر صنديدا مضلا ، تأتي ببيان تدحض به قوله وإضلاله ،،،
وحين تخاطب مضللا منقادا ، بيانك تجاهه يغاير بيانك الأول .
وعلى اعتبار أن من ليس معنا فهو علينا ، وهو الذي نطلق عليه لفظ الآخر فإن هؤلاء وهؤلاء باب يمثل أحد وجهي الآخر .
أما الوجه الثاني من الآخر ، فلا يقل أهمية عن سابقه ، ونقصد به الناشئة من أولادهم ، الذين يربونهم على كراهيتنا ، حقدا وضلالا وإضلالا ، فينفثون في عقولهم سمومهم ،،،،،
وحينئذ فأنت في منافسة عظيمة .
إما أن ينتصر آباؤهم المضلون ، فينجحون في تنشئة الناشئة مثلهم وعلى معتقداتهم وقواعدهم وسياساتهم ، وكلها تخالفك وتقاومك ،،،،
وإما أن تنجح أنت في أن تبذر فيهم بذورا تدعوهم إلى قبولك وقبول فكرك ومعتقدك ، ولو بعين محايدة ،،، فإذا سنحت سانحة ــ قريبا ــ ، فلن تجد تعصبا مقيتا أو رفضا تاما ، أو انغلاقا كاملا ، ومن ثم عداءا سافرا ،،،
بل قد تبصر الأعين ، وتنجلي السحب ، ويزال الران من على القلوب ، وتكون هداية من رب العالمين ، وما ذلك على الله بعسير .
" فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام " الأنعام 125.
جهود لا بد لها من تخطيط محكم وتنفيذ مخلص تقوم عليه ، والإمكانيات لذلك على مستوى العالم الإسلامي الممتد كثيرة ومتنوعة ، ولكن يعوزها الترتيب والتوظيف والتنظيم ، وتنويع المواقع وتوزيع الأدوار .
إن نشر الفكر الإسلامي في أرض غير إسلامية ، له ضوابطه وأصوله في ظل ظروفه ومتطلباته ، فضلا عن تنظيمه وتنفيذه .
فيا أخي المسلم المؤمن ،، أنت تعلم كيفية الانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرة دينه وشريعته والدعوة إليها ، إيمانا ويقينا واحتسابا لوجه الله رب السموات والأراضين .
ابدأ بنفسك ، فلن يغير الله ما بك حتى تغير ما بها ، لن تعدم الكيفية ، ولن تضل الطريق ،،،
ابدأ مخلصا نيتك ، وإنه سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملا .
إن الكلام المفترض توجيهه إليك لا يخفى عليك ، ولا أدق ولا أصدق ولا أبلغ من مصحفك الذي في بيتك ، ارجع إليه ، وكفى به هاديا مرشدا ، وكفى به نصيرا .
[[ ومن الجدير بالذكر ــ فى مقامى هذا ــ أننى صنفت مصنفا بعنوان ( هذا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،، يا أيها الآخر ،، ) توخيت فيه توجيه خطاب موضوعى هادف إلى عقل هذا الآخر ،،
ذلك الذى امتلأ حقدا وكراهية لأسباب كثيرة ،، لعل منها رضاعه منذ صغره كراهية الإسلام ونبى الإسلام والمسلمين ،، بكل الوسائل الممكنة ،،وهى كثيرة ومتنوعة ،،
ولأنه ( أى الآخر ) جبل على القراءة فى جل وقته ،، وهو لايقرأ إلا ما تسطره أيدى الضالين المضلين ،،
ولأنه ( أى الآخر ) لايرى إلا الأمثلة المتردية من سلوكيات بعض المسلمين ،، وهى وإن كانت قليلة أو ضئيلة ،، إلا أنها تصور له مضخمة ،، وإن شئت قلت معملقة ،،
ثم إنها ترسل إليه على أنها تمثل الإسلام والمسلمين ،،
ومع إن الإسلام منها براء ،، إلا أنه قد يقوم لهذا الآخر بعض العذر ،، لاسيما وأنه لايرى ،، ولا يسمع غير ذلك ،،
والأمر الأخطر أن كثيرا من أقلام المسلمين صارت فى جلها أقلام دفاع ، ورد تهم وشبهات ،،،
ومع أن هذا النهج لاغبار عليه ،، بل قد يكون الأولى فى بعض الأحيان ،، إلا أنه من الضرورى أن تنتهج هذه الأقلام نهج التعريف الصحيح الموضوعى بالإسلام ورسالته ،،وبنفس القدر والمقدار ،، حتى لاتترك الساحة خالية لتلك العقول ،، فضلا عن القلوب تغذوها العداوة والكراهية لدين الله تعالى ،،
ولست مبالغا إذ أقول إن أقلام المسلمين الرصينة ، وذوى الرؤى النيرة كثيرة جدا فى عالمنا الإسلامى ، متمثلة فى علمائنا وفقهائنا ومشايخنا ،،
ثم إننى سلكت فى هذا المصنف مسلكا موضوعيا ،، خاطبت به عقل هذا الآخر فقط ،، واستشهدت بشواهد منطقية مقنعة لاتقبل جدلا ، ولا يختلف عليها اثنان ،، وأقصد هنا الشواهد التاريخية الموثقة ، فضلا عن الحقائق المعلومة للجميع ،،
و ضمنت المصنف شهادات إيجابية كثيرة موثقة من ذوى الرأى والفكر الشهيرين فى دنيا ذلك الآخر ،،
والأمر فى مجمله وتفصيله لايخرج عن التعريف الموضوعى الهادف بثوابت ديننا الحنيف و التعريف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك بمخاطبة المستقبل الوحيد فى ذلك الآخر ،، ألا وهو العقل ، من منطلق نهمه للقراءة والاطلاع ،، و أيضا من منطلق حقنا فى عرض أمرنا بأقلامنا نحن المسلمين ،، لا بأقلام غيرنا ،، إذ نحن الأولى ،، بل والأجدر فى هذا الأمر الجليل ،،
فلعلها لبنة متواضعة ،، تمثل جهد المقل ،، فى سبيل فتح اسلامى حديث ،،، أسأل الله تعالى أن يتقبلها قبولا حسنا ،، اللهم آمين ]]
وقبل أن يضيق بي المقام ، أتوجه بالخطاب إلى الثانى ،، وهوالآخر ، للتعريف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، مقتطفا بعض الأمثلة القليلة جدا ، على أمل أن تقرأ من الآخر بعين محايدة ،،
فإذا كان حقا – وهو حق لا شك فيه – التقينا ،،،
أما إذا كانت الأخرى ، فإن العيب ــ ولا شك ــ مني بتقصيري ، أو بفشلي في الإقناع وإظهار الحق المبين .
فيا أيها الآخر . . .
وقبل أن نشرع معك ولك في التعريف بنبينا محمد صلي الله عليه وسلم ، يجدر بنا أن نتفق علي بعض الأساسيات العامة ، والهامة ،
* ليكن حوارنا موضوعيا ، لاسبيل فيه إلي الدخول في متاهات الجدل السوفسطائي العقيم ،
* ليكن حوارنا منطقيا ، نبنيه معا علي حجج صحيحة ، وبراهين ساطعة ،
* ليكن حوارنا جادا ، لامجال فيه إلي شيء من غير هذا .
* ليكن حوارنا هادفا ، ينشد الحق والصدق ،
* ليكن حوارنا مدعاة إلي التآلف والتواد ، بدلا من التباغض والشحناء .
* ليكن حوارنا في إطار من الصبر ، بعيدا عن الملل ، ،
فإن كان إسهاب أو تفصيل ، فهو في خدمة الموضوع ، ومن لوازم عناصره .
فإذا اتفقنا سويا علي ذلك ، بدأنا لك بتمهيد لازم ،
التمهيد ، ، ،
تقوم حقيقة أمرنا علي ثوابت من الحقائق ، سجلها لنا التاريخ الموثق المحقق ،
وفي هذا الصدد ، ابتكر علماؤنا المسلمون من السلف الصالح علما هاما نافعا ، ألا وهو علم ( الجرح والتعديل ) ،
ولن نقع في دائرة المبالغة ، إذا قررنا أن هذا العلم يتفرد به الإسلام ،
وهو علم معروف للقاصي والداني ، لاينكره إلا جاحد ، أو جاهل ، أو معاند
ذهبوا فيه إلي البحث عن المصداقية في أتم معانيها ، وبخاصة في السنة النبوية ، والتي تسجل أقوال النبي محمد صلي الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته ، الصحيحة ، من حيث السند ، ومن حيث المتن ، ،
ووضعوا لذلك الشروط المحددة ، والمعايير الدقيقة ،
وقاسوا عليه ، ووازنوا ، وتحققوا ، وتثبتوا ،
فما وجدوه صحيحا ، ( تحققت فيه سندا ومتنا كل الشروط ) ، صنفوه تحت اسم الصحيح ،
وما وجدوه مفتقرا إلي هذه الشروط ، أدرجوه تحت مسمي آخر ،
وعليه ،، فقد وجدت مصنفات في الإسلام استند أصحابها ، إلي هذا العلم ، فطبقوا معاييره بكل دقة وإحكام ، فأخرجوا لنا نتاجهم العظيم ،
ومثال ذلك الإمام البخاري رحمه الله تعالي ،
ونتيجة لعبقرية هذا الرجل ، ولحذقه المدهش ، ودقته الصادقة المخلصة في عمله ، أخرج لنا كتابه الخالد :
( الجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم وسننه وأيامه ) ،
لذا ،، فنحن حين نتمثل ببعض ما ورد في صحيح البخاري ، إنما نتمثل بشواهد ، لا يتطرق إليها ثمة شك أو إرتياب في صحتها أوفي مصداقيتها ،
فقد كفانا هذا الرجل العظيم مؤنة البحث عن المصداقية ، ومشقة التمييز بين كل من الصحيح وغير الصحيح .
ولم يكن الإمام البخاري رضى الله عنه وحده في ذلك ، بل جاء من بعده من قلده في هذا السبيل ، وسلك مسلكه ، ومن ثم أخرج لنا نتاجه ،
ثم إننا من بعد ذلك معشر المسلمين ، علي وجه العموم ، حين ننظر في أي جانب من جوانب السيرة النبوية ،، وبناء علي معايير علم ( الجرح والتعديل ) فضلا عن تخريج كتب الصحاح لهذا الجانب ، نتبين بكل يسر وسهولة ما في هذا الأمر من صح أو خطأ أو غلط ،
إن الثوابت والرواسخ التي سجلها لنا التاريخ ، وحفظها لنا السلف الصالح ، كلها صحيحة ، ومحققة ، وموثقة ، لاشبهة فيها ، ولاريب في مصداقيتها
وهذا الأمر ليس من قبيل التشدق بمصفوف الكلام ، أونافلة القول ، وترصيع البيان ،
هذا الأمر ، يمثل حقيقة أساسية ، صادقة ، مثل مصداقية الأرقام ، تماما بتمام ،
وعليه ، ، ،
فما سنطرحه من قول أو دليل أو برهان ، علي سبيل الإستشهاد به ، لن يتعدي الصدق قيد أنملة ،
لآننا نأخذه من تاريخ موثق محقق ،
هذه واحدة ،،،
أما الثانية ،،
فيجدر بنا أن نقدم لك أيها الآخر ، قبل كل شيء ، الأدلة الدامغة والبراهين الساطعة علي صدق نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ،
فإذا تحقق لك صدقه ، ومصداقيته ، قبلت قوله الصادق ، وبحثت في أمره من باب قبوله ، و الأخذ عنه ، والتأسي به ، لا من باب رفضه ، أو إنكاره ، أو الرد عليه ،،
وإذن ،،،،،
فأنت في سبيل خطوات متوالية علي طريق واضحة ،
تتحقق من صحة السيرة النبوية ، علميا ،
ثم تتحقق من وقوع الحدث في السيرة النبوية ، تاريخيا ،
ثم تنظر في قول هذا النبي الصادق صلي الله عليه وسلم ، أو فعله أو تقريره ،
وهنا ، ، ،
عليك أن تقارن ، بين ما عرفته حديثا ، وبين ما تراكم عندك من قديم ،
والآن ،،، وقد انتهينا من التمهيد ، يمكننا أن ندخل في صلب موضوعنا الذي اخترنا له عنوان :
( هذا هو نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ،، يا أيها الآخر )
نقول هدانا الله وإياك :
السلام عليكم ،
وهو كما تري تحية القدوم ، نطرحها عليك ،
وهي ، إن كنت لاتعلم ، دعوة الإسلام وتحية المسلمين ،
ثم نقول :
بسم الله الرحمن الرحيم ،
وهو استفتاح خطابنا إليك ، بل وكل عمل ،،
وهي ، إن كنت لاتعلم ، لها دلالات كثيرة لاحصر لها ، و قد يخرجنا البحث فيها عن صلب موضوعنا ،
علي أنها بداية هامة ، حثنا نبينا محمد صلي الله عليه وسلم علي الإستفتاح بها في كل أمورنا ،
ثم نقول :
الحمد لله رب العالمين ،
وهي كما تري جملة من القول ، تحقق أمرين اثنين ،
الأول :
الإعتراف بربوبية الله تعالي لكل العالمين ، كل المخلوقات ، ما علمنا منها ، وما لم نعلم ، وماهو بها أعلم .
الثاني :
تقديم الحمد الذي يشتمل علي معني الشكر لله تعالي ، علي كل النعم التي خلقها لنا لننعم بها في كل أحوالنا علي وجه العموم ،
وهو فضلا عن ذلك استجلاب المزيد من هذه النعم ،
فكلما شكرت المنعم ، تفضل عليك بالمزيد منها .
ثم نقول :
اللهم صل علي سيدنا ونبينا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ،
وهو قول ، وإن لم يكن الآن ذا محل أو دلالة عندك ،
إلا أنه أمر ذو بال ، وأهمية بالغة ، ودلالات جليلة عندنا نحن المسلمين ، بما ستعرفه لاحقا إن شاء الله تعالي .
ثم نقول :
وبعد ،
وهي كلمة نفصل بها بين الإستهلال ، وبين الدخول في موضوع الخطاب ،
وهي كلمة عربية الأصل والاستعمال ، يندر أن توجد في لغة أخري من لغات البشر في دنيا الناس .
ثم نقول :
هذا هو الخطاب الأول إليك ، ستتبعه خطابات أخري بمشيئة الله تعالي ،
وفيه ،،
نبدأ بالبحث في سيرة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ،
ونبحث في التاريخ الموثق المحقق عن أصله و نشأته وحياته ، قبل أن يخبرنا أنه نبي مرسل من عند الله رب العالمين ،
وهذه النقطة ، وإن كانت ليست محل شك من أحد ، إلا أنها هامة ولازمة للتعريف بنبينا محمد صلي الله عليه وسلم ،
ولذلك ، وبناء علي ثوابت التاريخ الصحيح ، فهي تحتاج إلي بسط وسرد لكثير من الوقائع والأحداث .
فهو عربي قرشي هاشمي ،
وإن شئت ،، قلت هو هاشمي قرشي عربي ،
عربي :
ينتهي نسبه إلي عدنان من ذرية اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام ،
وقرشي :
من قبيلة قريش من نسل عدنان ، التي سكنت مكة المكرمة ، التي يتوسط موقعها بين اليمن في الجنوب ، والشام في الشمال .
وقد ثبت حديثا أن مكة المكرمة مركز الكرة الأرضية .
وقريش هي القبيلة التي حازت سدانة الكعبة ، تراث أبي الأنبياء ابراهيم عليه السلام ، قبلة كل القبائل العربية جميعا ،
وهي القبيلة التي صار موطنها ( مكة المكرمة ) ، مركز الحياة الإقتصادية في الجاهلية ،
وهي القبيلة التي توسعت في تجاراتها نحو الشمال والجنوب ، بل والمشرق والمغرب في رحلتي الشتاء والصيف ، فحازت العلاقات الوطيدة مع كثير من أفراد ورؤساء القبائل والحكام والأمراء في تلك البلاد والأماكن ،
وهي القبيلة التي صارت لغتها ( العربية ) ، اللغة الفصحي ( المصفاة ) المشتركة بين جميع القبائل العربية ،
وقد وسماها بعض علمائنا المعاصرين باسم ( اللغة الموحدة ) .
وهي القبيلة التي صار موطنها مركزا للحياة الأدبية آنذاك :
[ سوق عكاظ ، كانت في ضواحي مكة المكرمة ، حيث تجتمع فيها القبائل سنويا مدة عشرين يوما ، من هلال ذي القعدة إلي العشرين منه ، ويأتي إليها الشعراء بالجيد من أشعارهم ، ويأتي الخطباء بالبليغ من الخطب ، ويتناظرون ويتبارون ويتنافسون ويتحاكمون في ذلك إلي حكم حكيم ، مرضي بحكمه وتقريره ، فيفاضل بين المتنافسين ،،
ومن هنا تنتشر أجود البضائع المنطوقة شعرا ونثرا .
ثم ينتقلون من بعد سوق عكاظ إلي أخري مشابهة لها ، هي سوق مجنة في ( العشر الأواخر من ذي القعدة ) ،
ثم يجتمعون في سوق ذي المجاز في يوم تروية الحجيج ( الثامن من ذي الحجة ) .
وفي المجنة وذي المجاز يتم المتنافسون من الشعراء والخطباء ما فاتهم في عكاظ ] .
و قريش هي القبيلة التي قلت عداواتها مع غيرها من القبائل العربية إلي أبعد الحدود نتيجة لكل العوامل السابقة ، ،
بل يمكن القول إنها كانت علاقات حميمة طيبة تعدت المنافع إلي الصداقات .
هذه هي قبيلة قريش التي توالدت منها عشر بطون من بينها بنوعبد مناف ، تلك التي كان من فروعها و ذؤابتها بنو هاشم ، رهط نبينا محمد صلي الله عليه وسلم
يا أيها الآخر . . .
أحسبك سويا عاقلا ، تقر الحق متى ظهر ،،،
أجادلك بالتي هي أحسن .
اقرأ التاريخ غير المزيف ، وانظر فيه بقلب سليم وفكر عاقل ، وانتظر قبل أن تحكم ، ريثما تفرغ من سماعي ، أو قراءة تاريخنا الصادق .
سجل التاريخ أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم ولد في مكة ،،،
هل هذا فيه شك ؟
ومكة لا تقع على بحر ، وليس فيها آنذاك علوم وفنون ومخترعات مما هو الآن ،،،
هل هذا فيه شك ؟
دعنا نسرد بعضا من تاريخ نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منذ أن ولد إلى أن لحق بربه تعالى ، في وقفات تأمل ، لعلها تنير لك الطريق ،،
يا أيها الآخر . . .
ما بالك بإنسان تسمع عنه أن لقبه الصادق الأمين ، لقبه به معاصروه كبيرا وصغيرا ،،،
أليس ذلك مما يلفت النظر ويستوقف الفكر ؟
نعم كان لقبه الصادق الأمين .
الصدق والأمانة ،، كلاهما مزية ، عليها مدار الخلق السوي والسلوك المثالي في دنيا الناس ، فمن اشتهر بهما كان ولا بد محلا للاحترام والتوقير والمشورة والاقتداء ، ولم لا والصدق والأمانة لا يأتي منهما إلا الخير والفضل ؟
يذكر التاريخ أن نبينا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جهر بدعوته بأمر من الله تعالى وعادته قريش ، جاءه وافد منها .
هذا الوافد عرض عليه عروضا ، لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل منها شيئا ، لجاز القول عند البعض بأن دعوته إلى الله تعالى محل نظر ، ولتحول القول له إلى القول عليه .
هل تدري ماذا كانت تلك العروض ؟
لو كان هذا الذي يأتيك رئيٌ أتينا لك بأعظم الأطباء لتشفى ،
لو كنت تريد من النساء شيئا ، زوجناك من تختار من أحسن فتياتنا وبناتنا ، بما في ذلك من جمال وشرف ونسب .
لو كنت تريد مالا ، جمعنا لك من أموالنا ما تصير به أغنى رجل في مكة .
فإذا تركنا النظر في تلك العروض السابقة ، فعلينا الاهتمام بهذا العرض الآتى ،
إذ هوالأعظم فى العروض جميعها ،،
قال وافد قريش : لو كنت تريد ملكا ،،،، ملكناك علينا .
يا الله . . .
هل هناك أسخى من هذا العرض ؟
لا .
علما بأن قريش في مكة آنذاك لها السيادة على العرب جميعا ، بحكم خدمتهم لبيت الله تعالى ، الذي يقدسه العرب من كل القبائل ، وبحكم تجاراتهم الواسعة فى مختلف الجهات ، إلى الشمال والجنوب ، لاسيما رحلتي الشتاء والصيف ، وبحكم علاقاتهم المتعددة والمتنوعة مع كل جيرانهم من أفراد وقبائل وشعوب ودول وحكام .
ومع ذلك ،،،
لو كنت تريد ملكا ،، ملكناك علينا .
هي مساومة ، ما أغلاها وما أثمنها لو قبلها نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
هي مساومة ، ما أغلاها وما أثمنها لو ترك ما يدعو إليه وملك قريشا .
لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير .
إن نبينا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم جهر بدعوته بأمر ربه ، لا ليملك أو ليترأس كما ظن أبو الوليد ، أو كما يظن من هو على شاكلته .
وهل هناك أكثر أو أعظم أو أسخى مما عُرض عليه ؟
نعم .
إنها الرسالة . . . رسالة الإسلام .
لذا . . . . لم يقاطعه نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى من مقالته ،،،
فسأله : أوقد فرغت ؟
فلما قال الرجل : نعم ،
قال له نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : إذن فاسمع ، وتلا قرآن ربه .
لا يفوتنا أن نركز على أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم يومئذ ( في هذا اليوم ) كان في الأربعينيات من عمره الشريف ، فإذا تجاوز متجاوز وعدّه في الخمسينيات ، فلا ضير أيضا ، باعتبارها سناً ، قصارى الآمال فيها أن يكون أخا لملك ، أو صهرا له ، أو حتى نديما له ،
أما وقد عرض عليه الملك ذاته ، فهذا شيء لا يجدر إغفاله أو تركه أو عدم النظر فيه .
رفض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الملك على قريش ، ليكون عبدا لله ورسوله الخاتم .
هذا هو نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذى بر بقسمه لعمه :
" والله ، لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري ، على أن أترك هذا الأمر ، ما تركته حتى يظهره الله ، أو أهلك دونه " .
وما قيمة الشمس والقمر بجانب الرسالة ؟
بل وما قيمة السموات والأرض بما فيهن بجانب الرسالة ؟
إنها الحقيقة التي هي أعمق من ذلك بكثير .
إنها الرسالة . . . رسالة الإسلام .
ثم . . . .
يا أيها الآخر . . . .
لو طالعت التاريخ الصادق ، غير المحرف أو المزعوم ، لتأكدت أن نبينا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الوحيد من بين البشر الذي دونت سيرته كلها بكل تفاصيلها ، دونما تحريف أو تغيير أو سهو أو إغفال ،،،،
ومع ذلك ، لم توجد في كل هذا العمر المبارك ــ الذي امتد ثلاثة وستين عاما ــ أية غلطة أو سقطة أو مثلبة أو نقيصة ،،،
بل على العكس والنقيض ، تماما بتمام ،،، فكلها صدق وأمانة وعفة ونبل وشهامة وقوة وشجاعة ومروءة وفتوة وإحسان ووفاء ورحمة وإحسان وفصاحة وبلاغة وبركة ، وكل ما يندرج تحت عنوان مكارم الأخلاق .
حقائق سجلها التاريخ الصادق ، عليك بمطالعتها بفكر سليم عاقل ، خال من الشوائب ، ثم احكم .
أتدري لماذا ؟
لأنه صفوة الخالق ، ورسوله الخاتم ورحمته المهداة للعالمين .
يا أيها الآخر . . .
هاك مثال في الأمانة ، جدير بالالتفات إليه بكل حاسة ،،
،
يوم أن أزمع الهجرة من مكة ، من بعد أن وصل مع قريش إلى الطريق المسدودة ، خلف عليا بن أبي طالب في مكة ،
أتدري لماذا ؟
ليرد الودائع التي كانت عنده لقريش .
اقرأها مرة أخرى . . .
ليرد الودائع التي كانت عنده لقريش .
نعم ، ودائع القرشيين كانت عنده ،،،
مع كل هذه الخصومة والمخالفة في العقيدة ،، عادوه إلى الحد الذي أزمع معه الخروج من بين ظهرانيهم ، هجرة إلى بلد آخر ،، ومع كل ذلك ، لا يجدون من هو أوثق منه لودائعهم ، ولا أأمن منه لأماناتهم .
ومع كل ذلك ، ومع استطاعته ــ وقد خرج إلى بلد آخر ــ على أن يأخذ هذه الودائع معه إلى حيث هاجر ، أو يلحقه بها ابن عمه .
مع كل هذا ، لم يفعل ،
أتدري لماذا ؟
لأنه الصادق الأمين ،،
ولأنها الحقيقة التي هي أعمق من كل شيء.
لأنها الرسالة . . . رسالة الإسلام .
يا أيها الآخر . . .
وقعت لنبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحوال كثيرة ومتنوعة ، لم تتيسر مجتمعة لكل نبي على حدة ،،،،
فنبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ، فكان زوجا مثاليا ، مارس العلاقة الزوجية بكل ما فيها ، فكان نعم الزوج ،
وماتت في حياته الزوجة المثالية ، فذاق لوعة الفراق من فقد السكن والرفيق الحبيب المخلص ،،
ماتت أم الأولاد في حياته .
أنجب فمارس حياة الأبوة .
مات في حياته الأبناء ، الولد و البنت ، فقاسى لوعة فقد فلذة الكبد ، بما فيها من مرارة ، لا يكاد يصنفها ويصفها إلا من ذاقها بنفسه .
أوذي في جسمه الشريف ،
و أوذى في أهله ، بل وصل إلى حد الاتهام في العرض ،، وفي من ؟
في أحب زوجاته إليه آنذاك ، وابنة أحب الخلق إليه آنذاك .
مارس التجارة ، وباع واشترى ،
ومارس من قبل رعي الغنم .
فرح في أيام ، وحزن في أيام ، وبكى في أيام دمعا يسيل على الخد .
أمسك السيف والحربة وقاتل ، وانتصر ، ووصفت شجاعته من الشجعان حين قالوا : كنا حين تشتد المعركة نلوذ ونحتمي برسول الله .
فلم تكن قيادته للجيوش وهو في برج خاص خارجها ، إنما هو أقرب ما يكون للعدو ، بل في الأمام من طليعة المحاربين .
عاهد ، ووفى بكل ما عاهد ، كغيره من الأنبياء .
سالم وحارب ، فكان نعم المسالم ونعم المحارب ، باعتراف أبي سفيان بن حرب يوما ما .
لم يُربِّ فيه اليتم من الأب والأم صغيرا عقدة في نفسه أبدا ، فقد ولد دون أن يرى أباه ، وماتت أمه وهو صبي في السادسة ، فكفله جده ثم عمه حتى تزوج .
يا أيها الآخر . . . .
اقرأ في سيرته بعضا من صور رحمته .
حين رجع من الطائف ، وجاءه الملك ينتظر منه الأمر أن يطبق الجبال على من آذوه ،،،،
أتدري ماذا قال في هذه اللحظة ؟
قال : " لعل الله أن يخلق منه أصلابهم من يعبد الله الواحد " .
وحين فتح مكة ، ووقف ينادي أهلها ، وهو في قمة الانتصار ، وهم وقوف ينتظرون الحكم ، وهاماتهم لن تستغرق دقائق لقطافها لو أومأ .
لكنه لم يفعل ذلك ، ولا ينبغي أن يفعل .
أتدري ماذا قال لهم :
قال : " ماذا تظنون أني فاعل بكم ؟ "
استعطفوه واسترحموه واستكرموه واستغفروه قائلين : أخ كريم وابن أخ كريم ،
أتدري ماذا قال لهم ؟
قال : " اذهبوا فأنتم الطلقاء . "
لم يقل اذهبوا فأنتم الأحرار ،،،
فالحر إنما يكون بعد استعباد وإنما الطليق غير هذا ،،
وهذه من إحدى فصاحاته وبلاغته صلى الله عليه وسلم ،،، حتى في أوج انتصاراته ، رحمهم ، وأبقى عليهم وأكرمهم ، فأبقى لهم كرامتهم ، فأصبحوا الطلقاء .
أتدري لماذا هذه الرحمة ، وهذا الكرم وهذا العفو ؟
لأنها الرسالة . . . رسالة الإسلام .
يا أيها الآخر . . . .
إن كنت لا تدري ، فإن رسالته استغرقت ثلاثة وعشرين عاما مباركا ، تنزل عليه فيها وحي السماء بقرآن الخالق جل جلاله ، معجزة باقية خالدة إلى يوم الدين .
ويوم أن انتقل إلى جوار ربه تعالى ، لم يترك دينارا ولا درهما ،، بل لم يترك شيئا يورث مثله مثل غيره من الأنبياء ، ومات ودرعه مرهونة ، ولكنه ترك حصيلة هذه السنوات المباركات ،، كتاب الله سبحانه وتعالى ، وسنة عنه صلى الله عليه وسلم فيما يطلق على أقواله وأفعاله وتقريراته ، فكانت منهجا وتشريعا محكما ، فيه سعادة الخلق أجمعين .
وعن معجزة الكتاب المنزل عليه منذ مئات السنين ، الذي لم يترك شيئا بقوله تعالى " ما فرطنا في الكتاب من شيء " الأنعام 38 .
تجد العجب العجاب ، لعل من أهم ما يذكر أنه الكتاب الوحيد على وجه الأرض الآن الذي لا يزال هو هو بنفس نص قائله وهو الله تعالى ، أما غيره من الكتب فلا .
تجد أنه لمس أشياء كثيرة ، اكتشف بعضها منذ سنوات قليلة ، عشر أو عشرين أو مائة على أكثر تقدير ، ما كان لنبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون له علم بها من تلقاء نفسه ، لأنها – بالفعل – من لدن الخالق العليم الخبير .
فأكبر علماء الغرب في علم الأجنة بدقيق تخصصهم فوجئوا أن القرآن الكريم تكلم عن تطورات خلق الجنين حتى يولد ، تماما مثلما وصلت إليه أحدث الأبحاث في أواخر القرن الميلادى العشرين .
ومع أن نبينا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن من البحارة أو الملاحين أو كثير الأسفار بحرا ، أو من ساكني الشواطئ الساحلية ،،،
مع كل هذا فإن أحد علماء البحار ، ممن جاب البحار ملاحا ودارسا ومجربا ، حين عرضت عليه الآية المقدسة " أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها " النور40 ، أعلن أن هذه الظاهرة ، على ندرة حدوثها المنتظم لا يمكن بحال أن تكون من عند نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي لم يركب البحر ، بل هي من دلائل صدقه في البلاغ عن قائل هذا الكلام ، ألا وهو رب العالمين .
ومثل هذا وذاك ، في علم الفلك وعلم الطب وعلم الجيولوجيا وعلم وعلم وعلم . . . . الخ .
نعم هو المعجزة العظمى ، التى تلمس بإجمال أو بتفصيل ، وتمر القرون الطويلة ، وتستمر إن شاء الله ، فتكتشف بعض أسراره تتري ، مصداقا لقوله تعالى
" سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " فصلت 53 ، لتكون برهانا ودليلا لا ريب فيه على صدق بلاغ نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى ، بنفس اللغة والألفاظ والحروف .
يا أيها الآخر ،،،،
هذا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،
اقرأ سيرته بعين مجردة وقلب سليم ، واقرأ ما جاء به من عند الله تعالى ..
ثم احكم .
هذا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، الرسول الخاتم الذي أوصى بلاغا عن ربه تعالى بالتبجيل والتقديس لكل الأنبياء والرسل من قبله ،، لأنهم صفوة خلق الله ، والهادين إلى صراطه المستقيم .
هذا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي لم يجد معاصروه من الشانئين والمعاندين والكافرين برسالته سقطة واحدة أو نقيصة واحدة يقدحون بها في سيرته أو شمائله ، وهم أقرب الناس له عشرة ، وأعرفهم به عن قرب ، وأحرص الناس حينئذ على تصيد ما يمكن أن يقدح فيه ، فيبرر ــ ولو زعما وتخرصا ــ معاداته ومعاندته ، والكفر بما جاء به .
هذا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي شهد له عدوه قبل صديقه ، كما كان من محاورة قيصر لأبي سفيان بن حرب رضى الله عنه قبل أن يسلم ( أى فى أيام الهدنة ) .
هذا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أوصى بالمثالية في أتم وأنقى معانيها حين التعامل مع الآخر ، في كل صوره وأشكاله ، بنص القرآن الكريم المنزل عليه " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " النحل 125 .
هذا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أبلغنا المنهج الرباني ، بما فيه من كل السعادة للبشر أجمعين ، وكان هو بنفسه أول من طبقه قولا وعملا وسلوكا وخلقا وسجية ، واحتقر في سبيله ملك قريش ، بل والسموات والأراضين .
هذا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي تفرد بالمثالية العظمى في كل خلق كريم
هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه الشاعر وقد صدق وبر :
وأجمل منك لم تر قط عيني *** وأكمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرءا من كل عيب *** فكأنك قد خلقت كما تشاء
وقال الآخر :
ومبلـغ العلم فيه أنه بشر *** وأنه خير خلق الله كلهم
هذا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يتوجب تقديسه واتباع شريعته وهديه وسنته ، فهو الهادي بالحق والصدق إلى صراط الله المستقيم .
يا أيها الآخر . . .
يقول الله عز وجل في كتابه الكريم :
" ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هى أحسن " .
النحل 125
وإذن فهو أمرإلهي منه سبحانه وتعالي ، اشتمل علي كيفية تنفيذه ، ،
وعليه ،،
فامتثالا للأمر الإلهي ، وفي إطار ما بينه من وسيلة إلي ذلك ،، ندعوك ياأيها الآخر،،
هيا بنا معا نستعرض كثيرا من مقاييس الكمال البشري ، وصولا إلي النماذج منها ، والمثاليات فيها ،
ثم نستعرض معا سيرة النبي محمد صلي الله عليه وسلم إزاءها ، وصولا للحكم ،،
أين هو منها ؟ وأين هي منه ؟
والخلاصة في النهاية ــ كما سيتضح لعقلك الذى نخاطبه ــ ستكون حقيقة ماثلة لاريب فيها ،،
الخلاصة هي أنه قد حازها جميعا ، قولا وعملا وسلوكا ودعوة إليها ، رسولا من رب العالمين ،،، مصداقا لقوله صلي الله عليه وسلم :
" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " .
الحـلـم
هو أحد مقاييس الكمال البشري ، ويمثل صفة سامية المنزلة ، عالية الرتبة ، وقد حازها رسول الله صلي الله عليه وسلم .
روي المؤرخون الثقاة أن الله تعالي لما أراد هداية زيد بن سعنة ( أحد أحبار اليهود ، وأكثرهم مالا ) إلى الإسلام ، حدث الآتى :
قال زيد ( صاحب الشأن ) رضى الله عنه :
[لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد حين نظرت إليه ، إلا اثنتين لم أخبرهما منه ،، يسبق حلمه غضبه ، ولاتزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ،،،،، فكنت أتلطف له لأن أخالطه ، فأعرف حلمه وجهله ،،،،
فابتعت ( اشتريت ) منه تمرا معلوما إلى أجل ، وأعطيته الثمن ، فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة ، أتيته ، فأخذت بمجامع قميصه وردائه ، ونظرت إليه بوجه غليظ ، ثم قلت له :
ألا تقضي يا محمد حقي ؟ فوالله إنكم يا بني عبد المطلب لمطل (من المماطلة) ، ولقد كان لي بمخالطتكم علم ،
فقال عمر بن الخطاب ، (وكان حاضرا ) :
أي عدو الله ، أتقول لرسول الله ما أسمع ، فوالله لولا أن أحاذر فوته ، لضربت بسيفى رأسك ،
ورسول الله صلي الله عليه وسلم ينظر إلى عمر بسكون وتؤدة وتبسم ، ثم قال :
" أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر ، أن تأمرنى بحسن الأداء ، وتأمره بحسن التباعة ( المطالبة )،،،، اذهب يا عمر فاقضه حقه ،، وزده عشرين صاعا مكان ما رعته ( أفزعته وأخفته ) " ،،،،،،،،،،،
ففعل ،
يقول زيد :
فقلت :
يا عمر ، كل علامات النبوة قد عرفتها في وجه رسول الله صلي الله عليه وسلم حين نظرت إليه ، إلا اثنتين لم أخبرهما منه ،، يسبق حلمه غضبه ، ولاتزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، فقد خبرتهما ، فأشهدك أنى قد رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ] .
رواه السيوطى فيما أخرجه الطبرانى والحاكم والبيهقي وابن حبان وأبو نعيم ، عن عبد الله بن سلام .
وإذن ،، فهيا بنا معا نستجلى بعض مدلولات هذه الواقعة ، وما أكثرها ،،،،
حبر من أحبار اليهود ، وهم القمة في العلم من أهل الكتاب ، ظهرت له كل
علامات النبوة في نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ، ولم تتبق إلا واحدة ، هي علامة الحلم ،
ولن يسلم الرجل إلا بعد التأكد من وجودها ،،، وإلا فالعلامات ناقصة ، والأدلة غير مكتملة ،
وإذن فلابد من افتعال وسيلة مناسبة ،،،
وينجح الحبر الكبير في اختلاق هذه الوسيلة ، لإستفزاز نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ، بأكثر من عنصر ،،،،،
إذ يأتيه قبل حلول الأجل ،،
ويمسك بمجامع ردائه ،،
وينظر إليه بوجه غليظ ،،
ويتهم بني عبد المطلب بما ليس فيهم ( وهو المماطلة ) ،،
ويؤكد علي تهمته بأنه بناها علي كثرة المخالطة لهم !!!! .
أهناك استفزاز أكثر من هذا ؟
أهناك اختبار أحكم وأدق من هذا ؟
بالطبع لا ،،،
ولايخفانا أن نبينا محمدا صلي الله عليه وسلم في هذا الوقت هو الحاكم الأعلي في المدينة ،،
والحاكم لاتجوز مخاطبته بهذا الشكل مطلقا ، بل إن لمخاطبته كثير من الضوابط والمعايير اللازمة ،، ( تأدب ، وتلطف ، واستمناح واسترضاء ،، الخ ،،، )
ومع ذلك فقد تجاوز ذلك المشهد كل هذا ،
ثم إن من حق الحاكم أن يعجل سداد الدين ، أو يؤخره ،
بل ومن حقه مصادرته وتأميمه إذا أراد ،،
إن أيا من هذا لم يحدث من نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ،،
بل إنه لم يستنكر علي الحبر شيئا ( قولا أو عملا ) ،
ولم يحاول أن يخلص قميصه من يد الرجل ،
زد علي هذا أنه لم يتجبر في الرد ،
مع أن الحق معه ( إذ الأجل لم يحل بعد ) ،،
ولم يتهدد ،
ولم يتوعد ،
وانتظر ريثما يفرغ الحبر من كلامه ، ،
ثم إنه وجد عمر يسمع ويشاهد ما حدث ، وأنه علي استعداد لتجريد السيف مصرحا بذلك ،،،،
فماذا فعل نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ؟
انظر معنا إلي التصرف السليم القويم ، الأنموذج المثالي ، السوى النبوى
نهى عمر عن مراده ،
وصوب رأيه ،
ووعظه أبلغ موعظة ،،، {{ تأمرنى ،،،، وتأمره }}
ليس هذا فحسب ،،،،،،،
بل هناك أمر هام آخر وجب استيفاؤه ، ولايمكن أن يغيب عن متمم مكارم الأخلاق ، نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ،،،
إنه العدل ،،،
إذ روع عمر الرجل ، فوجب له تسكينه ،، استيفاء للحقوق كاملة تماما ،
" يا عمر ، اقضه حقه ، وزده عشرين صاعا مكان ما رعته " ،
هذا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، يسبق حلمه غضبه ، ولاتزيده شدة الجهل عليه إلا حلما .
يا أيها الآخر ،،،،
هذه واقعة حقيقية ، ليست من قبيل تأليف القصص ، أوحبك الروايات ، أواختلاق الأحداث ،،،،
نعم ،، هي واقعة سجلها التاريخ الصادق بدقة محكمة ،،
فلعلها تجسد لبصيرتك إحدي مثاليات الكمال البشري ، التى حباها الخالق لعبده ورسوله وصفوته من خلقه أجمعين ، خاتم الأنبياء والمرسلين ، المتمم لمكارم الأخلاق نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ،،
يا أيها الآخر ،،،،
لاتغلق عينــيك دون النور، ،،،،،، واقـرأ ما ســطره الكاتب المسيحى القبطى ( أى المصرى ) الدكتـور نظـمى لوقا فـــي كتـابـــه ( محمد الرسالة والرسول ) ،، إذ قال :
من يغلق عينيه دون النور ، يضير عينيه ولا يضير النور ، ومن يغلق قلبه وضميره دون الحق ، يضير عقله وضميره ، ولايضير الحق .
يا أيها الآخر ،،،،
اقرأ إن شئت قول الشاعر :
ساءت ظنون الناس حتى أحدثوا *** للشك في النور المبين مجالا
والظن يأخذ في ضميرك مأخذا *** حتي يريـك المسـتقـيم محالا
وسنواليك تباعا في مقالات قادمة مماثلة ، بما يوفق إليه الله تعالي ويأذن به ويشاء ،
ثم ،،،،،،،،،،،
صلاة وسلاما دائمين متلازمين من عند الله تعالي عليك يا سيدي يا محمد ، يا رسول الله ، يا من بعثت رحمة للعالمين ، وعلى آلك وأصحابك وذريتك وأتباعك إلى يوم الدين ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، والحمد لله الذي جعلنا بهدايته من جملة أتباعك المسلمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .