رد: الكلب في حياة الإنسان.. جوانب علمية في إشارات قرآنية وأحكام فقهية
الـــكلب في عالم الحــيوان:
الكلب حيوان من اللبائن المشيمية، ويتبع فصيلة الكلبيات (Family: Canidae) ، من الضواري (Placental mamals) )، واسمه العلمي Canis familiaris. وقد استأنسه الإنسان منذ 14000-15000سنة. وقد وجدت هياكل عظام كلاب في الدانمارك وإنجلترا واليابان وألمانيا والصين، ترجع لعصور ما قبل التاريخ. وقد وُجدت سُلالة من الكلاب السلجوقية في مقابر قدماء المصريين، وكانت تُحنط منذ سنة 2100 قبل الميلاد بجوار الفراعنة داخل الأهرامات. واستطاع الرومان والإغريق إنتاج سلالات منها... ويقال: إن الكلب هو أول حيوان استأنسه الإنسان، وكان لسكان الكهوف منذ آلاف السنين كلابُهم الأليفة... والكلاب والذئاب تربطها قرابة وثيقة...
وتنتشر فصائل الكلاب في جميع قارات العالم ـ ما عدا القطب الجنوبي ـ وفي الأحراش والغابات بالمناطق المعتلة والمطيرة، وبالصحراء والجبال والتندرا. وتتجول الكلاب في مناطق شاسعة لحراستها من الذئاب (Wolves)، أو للبحث عن الطعام....
• مـــــنافع الـــكلاب:
هنا العديد من أنواع الكلاب وسلالاتها، مثل:كلب الصيد، كلب الحقول، كلب الرعاة، كلب الحراسة، كلب بوليسي، كلب الزلاقات (لجرّ العربات على الجليد)... وكانت الكلاب يتخذها الإنسان في الحراسة والصيد وجرّ العربات. كما كانت تُستخدم في الحرب للحراسة وحمل الرسائل... وهناك الكلاب المدربة التي تقود العميان والصُم في الشوارع، والعمل المنزلي كتنبيه الصُم لجرس التليفون أو الباب، أو قيادة الأعمى للتجول داخل البيت أو عبور الشارع... وبعض أنواع الكلاب تتسم بحاسة شم قوية، ولهذا فإنها تُدرب علي مهام أخرى كالكشف عن المخدرات والمفرقعات والديناميت والنمل الفارسي والغرقى في أعماق الماء. ويمكن استعمال الكلاب المدربة في البحث عن المفقودين في الزلازل والحرائق، وبعض الكلاب يمكنها التصنت علي الأصوات التي لا يسمعها الإنسان بأذنيه، حتى إن الكلب يستطيع أن يسمع دقات الساعة على بُعد 40 قدما....
وإضافة إلى كلاب الرعي التي استخدمها الإنسان منذ قرون لحماية الأبقار والأغنام ومنعها من الهرب، وحماية حظائر المواشي من الذئاب، وهى من السلالات الأليفة... هناك كلاب الحراسة، والكلاب البوليسية وغيرها... وتقسم معارض الكلاب أصنافها إلى ست مجموعات، هي: الكلاب الرياضية، الكلاب غير الرياضية، الكلاب العاملة، كلاب الصيد، كلاب الحراسة، كلاب التسلية... وتقسم كل مجموعة إلى عدة سلالات... ومن المعروف أن هناك كلاب كبيرة الحجم، وأخرى صغيرة الحجم، وكلاب ناعمة الشعر، وأخرى مرحة لاهية، وكلاب ذات أنفة وكبرياء...إلخ.
وتُستخدم الكلاب (أنواع أو سلالات خاصة منها) في الاختبارات الطبية والتجارب الدوائية، وحتى في بحوث علم النفس والسلوك، وعلى سبيل المثال، يقوم الباحثون في جامعة كمبريدج بإجراء تجارب على الإصابة بسرطان البروستاتا، من خلال تدريب الكلاب على الاستجابة لخلايا السرطان الموجودة في عينات البول، وهو أسلوب مبتكر للكشف المبكر عن حالات الإصابة بسرطان البروستاتا.
رد: الكلب في حياة الإنسان.. جوانب علمية في إشارات قرآنية وأحكام فقهية
جوانب علمية في ضرب المَـثل بالكلب:
• الــكلب يلهــث في كل أحــواله:
تحدث عدد من المفسرين القدامى والمحدثين عن لهث الكلب، وذلك في معرض تفسير الآية (176) من سورة الأعراف، وقد اقترب البعض مما توصل إليه علم وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا) حديثا. فهذا أبو السعود (ت951هـ) يقول (في تفسيره "إرشاد العقل السليم" ): واللهث إدلاع اللسان بالتنفس الشديد، أي هو ضيق الحال، مكروب دائم اللهث، سواء هيجته وأزعجته بالطرد العنيف، أو تركته على حاله، فإنه في الكلاب طبع، لا تقدر على نفض الهواء الساخن وجلب الهواء البارد بسهولة، لضعف قلبها وانقطاع فؤادها، بخلاف سائر الحيوانات، فإنها لا تحتاج إلى التنفس الشديد ولا يلحقها الكربُ والمضايقة إلا عند التعب والإعياء... وهذا محمد الطاهر بن عاشور (ت1393هـ) يقول (في تفسيره "التحرير والتنوير"): واللهث: سرعة التنفس مع امتداد اللسان لضيق النفس، وفعله بفتح الهاء وبكسرها، ومضارعه بفتحها لا غير، والمصدر اللهث بفتح اللام والهاء ويقال اللهاث بضم اللام، لأنه من الأدواء، وليس بصوت.
ويذهب الشعراوي (ت1418هـ) (في تفسيره "خواطر" ) إلى تفرّد الكلب من بين الحيوانات باللهث في كل أحواله، فالحيوانات تلهث إذا كانت جائعة أو متعبة أو مهاجمة، ولكن الكلب يلهث جائعاً أو شبعانا، عطشانا أو غير عطشان، مزجوراً أو غير مزجوراً، إنه يلهث دائماً. ثم هو أيضاً يصل إلى مغزى ضرب المثل القرآني لتشبيه الذي أخلد إلى الأرض بعد إذ أتاه الله آياته (علمه)، وذلك لأن الذي يظهر بهذه الصورة تجده مكروبا دائماً، لأنه متبع لهواه، وتتحكم فيه الشهوات. وحين تتحقق له شهوة الآن، يتساءل هل سيفعل مثلها غدا ؟ وتتملك الشهوة كل وقته، لذلك يعيش في كـرب مستمر، لأنه يخاف أن يفوته النعيم أو أن يفوت هو النعيم، ويصير حاله كحال الكلب، يلهث آمناً أو غير آمن، جائعاً أو غير جائع، عطشانا أو غير عطشان.
• لهــث الــكلب، من الناحية الفسيولوجية:
تبلغ درجة الحرارة الطبيعية لجسم الكلب 38.6م، وهى أعلى من درجة جسم الإنسان المعتادة، والبالغة 37م. وإذا كان جسم الإنسان يفرز عرقا من غدده العرقية من أجل تبريد الحرارة إذا ارتفعت عن الدرجة المعتادة، فإن الكلب يسلك مسلكا آخر هو "اللهث"، فيخرج لسانه ويلهث حتى عند الراحة، فيلهث بسرعة 10- 30 لهثه (أو نَفَسَ ) في الدقيقة. ولكن بعد بذل مجهود أو التعرض لخطر ما، فإنه يلهث بأكثر من عشرة أضعاف هذا المعدل. ويضطر الكلب لأن يلهث، في التعب والراحة، لعدم وفرة غدده العرقية (التي لا توجد سوى في وسادات أقدامه)، فهى لذلك لا تسهم في خفض درجة حرارة جسمه إلاّ بقدر ضئيل.
ولمزيد من التفصيل، فإن تدلى لسان الكلب وفتح فمه أثناء اللهث يؤدي إلى إدخال أكبر كمية ممكنة من الهواء الجوي إلى الجهاز التنفسي، وخلالها يتم تبخير جزء من الماء الموجود في الأنسجة التي يمرّ بها الهواء، وبالتالي تنخفض درجة حرارة الجسم... كما يسلك الكلب مسلكا مساعداً، فيلحس أرجله من جسمه، ويبلل لسانه بلعابه، فيتبخر هذا اللعاب، وهو ما يفيده في خفض درجة حرارة جسمه...
لقد شبه الله تعالى علماء السوء بأشنع وأقبح ما يمكن للخيال أن يتصوره، شبههم بصورة الكلب اللاهث الذي لا يكف عن اللهث
رد: الكلب في حياة الإنسان.. جوانب علمية في إشارات قرآنية وأحكام فقهية
( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{176}) [ سورة الأعراف]، وهو مثل مخزي لعلماء السوء، صوّرهم بأشنع وأقبح ما يمكن للخيال أن يتصوره، صورة الكلب اللاهث الذي لا يكف عن اللهث، ولا ينفك عن التمرغ في الطين والأوحال... ولتك لعمر الحق أقبح صورة مزرية لمن رزقه الله العلم النافع فاستعمله لجمع الحطام الفاني، وكان خزيا ووبالا عليه، لأنه لم ينتفع بهذا العلم، ولم يستقم على طريق الإيمان، وانسلخ من النعمة، وأتبعه الشيطان فكان من الغاوين.
وفي تشبيه ذلك الضال في حال لهفه على الدنيا بالكلب في حال لهثه، سِرٌّ بديعٌ، وهو أنَّ هذا الذي حاله ما ذكره الله مِن انسلاخه مِن آياته واتباعه هواه، إنما كان لشدة لـهفه على الدنيا لانقطاع قلبه عن الله والدار الآخرة، فهو شديد اللهف عليها، ولـهفه نظير لـهف الكلب الدائم في حال إزعاجه وتركه.، فإنه في الكلاب طبع لا تقدر على نفض الهواء المتسخن، وجلب الهواء الهواء البارد بسهولة، لضعف قلبها وانقطاع فؤادها، بخلاف سائر الحيوانات، فإنها لا تحتاج إلى التنفس الشديد ولا يلحقها الكرب والمضايقة إلاّ عند التعب والإعياء.
ولكن يبقى التشبيه حاويا لحقيقة علمية لم يصل إليها علم الإنسان إلاّ في العقود المتأخرة من القرن العشرين الميلادي، ومؤداها أن الكلب هو الحيوان الوحيد الذي يلهث بطريقة تكاد تكون مستمرة، وذلك في محاولة منه لتبريد جسده الذي لا يتوفر له شئ يذكر من الغدد العرقية إلا في باطن أقدامه فقط، فيضطر إلى ذلك اللهاث في حالات الحرّ أو العطش الشديد أو المرض العضوي أو النفسي، أو الإجهاد والإرهاق أو الفزع والاستثارة....
إيضاحـــات عــلمية لأحـــكام فـقهية:
• نجاســة الــكلب وإزالتها:
روت كتب السنة حديثاً نبوياً يأمر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بإزالته نجاسة الكلب، وحددها بولوغ الكلب في الإناء، أي بشربه مما فيه، وتعددت روايات الحديث الشريف، وفيما يلي بعض هذه الروايات:
* عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه، ثم ليغسله سبع مرات ) رواه مسلم في صحيحه.
* عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب) رواه أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه (كتاب الطهارة).
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات، وعفرّوه الثامنة بالتراب ) رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا شرب الكلب في إناء أحكم فليغسله سبعاً) رواه البخاري في صحيحه (كتاب الوضوء) ومسلم في صحيحه (كتاب الطهارة).
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه وليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب) رواه الشيخان.
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات ) متفق عليه.
رد: الكلب في حياة الإنسان.. جوانب علمية في إشارات قرآنية وأحكام فقهية
ونظرا لتعدد الروايات، اختلفت المذاهب الفقهية في تحديد المطلوب بعد ولوغ الكلب في الإناء، وتعددت ـ لذلك ـ الفتاوى قديماً وحديثاً، وكل صاحب فتوى يسوق أدلة يدعـــم بها رأيه... وقد بحث إحسان بن محمد بن عايش العتيبي هذا الموضوع، ووضع فيه كتابا، ذهب في مقدمته إلى أحكام، نوجزها فيما يلي:
1) لا فرق بين أن يكون في الإناء ماءُ أو لبنُ أو زيتُ ُ أو طعامُ ُ، لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلْيرقه)، وعموم قوله (طهور إناء). وعليه، فتفريق المالكية بين إناء الماء فيراق ويُغسل، وبين إناء الطعام فيؤكل ثم يُغسل الإناء، تعبّدا، مما لا دليل عليه.
2) ينصّ الحديث الشريف، برواياته، على تنجّس الإناء بولوغ الكلب فيه، ووجــوب تطهيره، لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طهور إناء...).
3) الأمر بالإراقة لما في الإناء: وفيه يتضح أن الحُكم بنجاسة الإناء يستلزم الإراقة، ويؤيده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طهور إناء..). وفي رواية عند مسلم زيادة (فليرقه)، رواها على بن مُسهر (عن الأعمش)، وهو ثقة احتج به البخاري ومسلم، ووثقه أحمد وابن معين والعجلي وغيره... وعليه، فالزيادة في الراوية لا تضرّ تفرّد على بن مسهر بها.
4) اقتصار الحُكم على الولوغ والشرب بالفم، دون بقية أجزاء جسم الكلب وأعضائه. أي إذا عسّ الكلب أو أدخل رجله أو أذنه في الإناء، فلا يسري على الإناء وما فيه غسل سبع مرات إحداهن بالتراب. وأما الفريسة التي يمسك بها كلب الصيد ويأتي بها صاحبه، فلسوف نتحدث في حُكمها بعد... وكذلك بول الكلب وروثه، وهما وإن كانا نجسان، فلا يسري عليهما حُكم الولوغ والشرب، بل يكفي غسل الإناء مرة واحدة، كسائر النجاسات.
5) الكلب الوارد في الحديث النبوي هو عموم الكلب، وليس نوعا معينا، ولا فرق بين كلب مأذون باستعماله وكلب منهي عنه، وإن كان بعض المالكية (كابن عبدالبر في "التمهيد") يذهب إلى الكلب المنهى عن اتخاذه، دون الكلب المأذون فيه... وقد ردّ الحافظ بن حجر ما ذهب إليه هؤلاء بقوله:
أ- يحتاج هذا الأمر إلى ثبوت تقدم النهى عن الاتخاذ على الأمر بالغسل.
ب- يحتاج هذا الأمر إلى قرينة تدل على أن المراد ما لم يُؤذن في اتخاذه.
ت- الظاهر من (اللام) (في قوله "الكلب") أنها للجنس ـ في اللغة ـ أو لتعريف الماهية.
6) إذا ولغ كلبان أو أكثر، أو ولغ كلب واحد عدة مرات، فيكفي في جميع الحالات غسل الإناء سبع مرات إحداهن بالتراب. والتسبيع واجب، إذ لا صارف للأمر عن وجوبه، وقال بذلك الشافعي ومالك وأحمد وابن المنذر. وحين قال أبو حنيفة فيه بالاستحباب، فقد أخطأ. وحين رأى أبو حنيفة أن الغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرات، واحتجّ له أصحابه ببعض الروايات (الموقوفة)، فقد ردّه كثير من العلماء , ومنهم البيهقي الذي قال: وفي ذلك دلالة على خطأ رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة (في الثلاث). وعبد الملك لا يُقبل منه ما يخالف الثقاب. واحتجّ أصحاب أبي حنيفة له، أيضاً، بما ورد في بعض طرق حديث أبي هريرة مرفوعاً: في الكلب يلغ في الإناء يغسله ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، وردّ العديد من العلماء هذه الرواية، ومنهم الدارقطني الذي أثبت أن الراوية ضعيفة جدا، ففيها (عبد الوهاب بن الضحاك)، وهو متروك، ومنها (إسماعيل بن عياش) وروايته عند الحجازيين ضعيفة...
7) وجوب الترتيب في الغسل، أي استعمال التراب، وذهب إليه الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو نور والطبري وأكثر الظاهرية. ومن لم يقل به (كبعض المالكية) فليس له حجة إلاّ عدم ذكر التراب في رواية (سبع مرات) ورواية (سبعا)، ويردّ عليه ثبوت (أولاهن بالتراب) في رواية، وثبوت (عـفروه الثامنة بالتراب) في رواية، وكلتاهما في مسلم عن أبي هريرة.
8) لا يحلّ الصابون، أو المنظفات الأخرى، محل التراب، فهذا أمر تعبُدي، وإن كان الباحثين والأطباء قد توصلوا حديثاً إلى بيان الحكمة فيه...
9) هل للإناء شكل وحجم معين ؟ ذهب ابن القيم (في "تهذيب سنن أبي داود") إلى أن المراد هو الإناء المعتاد، وولوغ الكلب فيه ولوغ متتابع، وينزل في كل مرة من لسان ولعاب الكلب في الماء ما يخالطه، وإن لم يغيّر لونه، فأعيان النجاسة قائمة بالماء وإن لم تُر...
10) كيف يمكن الجمع بين الراويات التي ذكرت (أولاهن بالتراب)، (إحداهن)، (عفروه الثامنة بالتراب)، و(السابعة بالتراب) ؟ أما (إحداهن) فقد ذهب الحافظ ابن حجر (في "فتح الباري") إلى ضعف روايتها، إذ في سندها الجارود بن زيد، وهو متروك، وقال ابن حزم (في"المحلى"): وكل ذلك لا يختلف معناه، لأنَّ الأُولى: هي بلا شك إحدى الغسلات، وفي لفظة (الأولى) بيان أيتهن هي، فمن جعل التراب في (أُولاَهُنَّ) فقد جعله في (إِحْدَاهُنَّ) بلا شك واستعمل اللفظتين معاً. ومن جعله في غير (أولاهن) فقد خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنْ يكون ذلك في (أُولاَهُنَّ)، وهذا لا يحل. ولا شك ندري أنَّ تعفيره بالتراب في (أولاهن) تطهيرٌ ثامنٌ إلى السبع غسلات، وأنَّ تلك الغسلة سابقة لسائرهن إذا جمعهن، وبهذا تصحّ الطاعة لجميع ألفاظه صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر.ا.هـ
11) إذا أدخل الكلب رأسه (وفيه فمه) في إناء ولم ندري أولغ فيه، أم لم يلغ، فما حُكم الماء؟ قال النووي (في"المجموع"):قال صاحب الحاوي وغــيره: إنْ كان فمه يابساً، فالماء طاهرٌ بلا خلاف، وإنْ كان رطباً: فوجهان: (أحدهما) يُحكم بنجاسة الماء، لأنَّ الرطوبة دليلٌ ظاهرٌ في ولوغه، فصار كالحيوان إذا بال في ماءٍ ثم وجده متغيراً، حُكم بنجاسته بناءً على هذا السبب المعين. (وأصحهما) أنَّ الماء باقٍ على طهارته، لأنَّ الطهارةَ يقينٌ والنجاسةَ مشكوكٌ فيها. ويُحتمل كون الرطوبة من لعابه، وليس كمسألة بول الحيوان، لأنَّا هناك تيَقنَّا حصول النجاسة، وهو سبب ظاهر في تغيّر الماء بخلاف هذا. ا.هـ
12) إذا وقع كلب في ماء (كبئر وما نحوه) فمات، ما حُكم الماء؟ قال ابن المنذر (في "الأوسط") أجمع أهل العلم أنَّ الماء القليل أو الكثير إذا وقعت فيه نجاسةٌ فغيّرتْ النجاسةُ الماءَ، طعماً أو لوناً أو ريحاً، أنه نجس مادام الماء كذلك، ولا يجزئ الوضوء والاغتسال به. ا.هـ... فأما إذا لم تُغيِّر النجاسةُ الماء، لوناً أو طعماً أو ريحاً، فهو طاهر، وهو الذي رجّحه ابن المنذر، وهو قول: ابن عباس وابن المسيب والحسن البصري وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجابر بن زيد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي(انظر "الأوسط" و "التمهيد").
13) ما حُكم ولوغ الخنزير؟ وهل يُقاس على حُكم ولوغ الكلب في الإناء ؟ قاس بعض العلماء (منهم الشافعي وأحمد) الخنزير على الكلب، وقال النووي (وهو شافعي المذهب) (في "المجموع"): إنه يكفي غسله واحدة بلا تراب، وبه قال أكثر العلماء الذين قالوا بنجاسة الخنزير... وقال ابن حزم (في "المحلي" ): وأما قياس الخنـزير على الكلب فخطأٌ ظاهر - لو كان القياس حقّاً- لأنَّ الكلب بعض السباع، لم يحرم إلا بعموم تحريم لحوم السباع فقط، فكان قياس السباع وما ولغت فيه على الكلب الذي هو بعضها والتي يجوز أكل صيدها إذا علِّمت أولى من قياس الخنـزير على الكلب.... وكما لم يجز أنْ يقاس الخنـزير على الكلب في جواز اتخاذه وأكل صيده، فكذلك لا يجـوز أنْ يقاس الخنـزير على الكلب في عدد غسل الإناء من ولوغه، فكيف والقياس كلُّه باطلٌ... !!.ا.هـ.- (انظر "المحلى").