خامس الخلفاء الراشدين ..حفيد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
تبوَّأ الخليفة عمر بن عبد العزيز مكانة سامقة في تاريخنا الإسلامي لم ينلها إلا الأفذاذ من القادة والفاتحين، والجهابذة من أئمة العلم، والعباقرة من الكتاب والشعراء. ويزداد عجبك حين تعلم أنه احتلّ هذه المكانة بسنتين وبضعة أشهر قضاها خليفة للمسلمين، في حين قضى غيره من الخلفاء والزعماء عشرات السنين دون أن يلتفت إليهم التاريخ؛ لأن سنوات حكمهم كانت فراغًا في تاريخ أمتهم، فلم يستشعر الناس تحولا في حياتهم، ولا نهوضًا في دولتهم، ولا تحسنا في معيشتهم، ولا إحساسًا بالأمن يعمّ بلادهم.
وهذا يجعلك تؤمن بأن القادة والزعماء يدخلون التاريخ بأعمالهم التي تغير تاريخ أمتهم لا بالسنوات التي عاشوها يحكمون؛ فالخليفة العباسي الناصر لدين الله قضى ستًا وأربعين سنة في منصب الخلافة (575هـ- 622هـ= 1179-1225م)، ومضى دون أن يحفر لنفسه مكانًا في تاريخ أمته، في الوقت الذي قضى فيه "سيف الدين قطز" سلطانًا في مصر نحو عام، نجح أثناءه في إلحاق أكبر هزيمة بالمغول في "عين جالوت"، وإعادة الثقة في نفوس المسلمين..
وكان عمر بن عبد العزيز واحدًا ممن دخلوا التاريخ بأعماله العظيمة وإدارته العادلة للدولة، حتى تجدد الأمل في النفوس أنه بالإمكان عودة حكم الخلفاء الراشدين واقعًا ملموسًا لا قصصًا تُروى ولا أماني تُطلب ولا خيالاً يُتصوَّر، بل حقيقة يشهدها الناس، وينعمون بخيرها..
واحتاج عمر بن عبد العزيز لإحداث هذا التغيير في حياة الأمة إلى ثلاثين شهرًا، لا إلى سنوات طويلة، ولهذا دلالته؛ حيث إن الأمة كانت حية نابضة بالإيمان، مليئة بالرجال الذين يجمعون -إلى جانب الصلاح- القدرة والكفاءة، ولو كانت الأمة مُجدبة من أمثال هؤلاء لما استطاع عمر أن يقوم بهذا الإصلاح العظيم في هذه الفترة القصيرة..
ونود من الأخوة الكرام أعضاء المنتدى المشاركة في الحديث العطر عن ذلك الخليفة المجاهد..
وللحديث بقية..
في المدينة المنورة وُلد لعبد العزيز بن مروان بن الحكم ولد سمّاه "عمر"، على اسم جدِّه "عمر بن الخطاب"، فأُمُّ عمر بن عبد العزيز هي "أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب". ولا يُعرف على وجه اليقين سنة مولده؛ فالمؤرخون يتأرجحون بين أعوام 59 هـ، 61هـ، 62هـ، وإن كان يميل بعضهم إلى سنة 62هـ، وأيًا كان الأمر، فقد وُلد عمر بن عبد العزيز في المدينة، وبها نشأ على رغبة من أبيه الذي تولى إمارة مصر بعد فترة قليلة من مولد ابنه، وظلّ واليًا على مصر عشرين سنة حتى توفي بها (65هـ- 85هـ= 685-704م).
وفي المدينة شبّ الفتى النابهُ بين أخواله من أبناء وأحفاد الفاروق "عمر"، واختلف إلى حلقات علماء المدينة، ونهل من علمهم، وتأدَّب بأدبهم، وكانت المدينة حاضرة العلم ومأوى أئمته من التابعين، ومَن طال عمره من الصحابة؛ فروى عن أنس بن مالك، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وسهل بن سعد، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسالم بن عبد الله بن عمر.
ثم انتقل عمر بن عبد العزيز من مرحلة التلقي والسماع إلى التحديث والرواية بعد أن رسخت قدمه في العلم، وتتلمذ على أئمة الحديث والفقه. وكان ممن روى عن عمر بن عبد العزيز من التابعين: أبو بكر بن حزم، ورجاء بن حيوة، والزهري، وأيوب السختياني وغيرهم..
إنها قصة صحيحة، زواج عاصم بن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من الفتاة التقية المؤمنة بربها بائعة اللبن..
في إحدى الليالي، خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- ومعه خادمه أسلم، ومشيًا في طرقات المدينة للاطمئنان على أحوال الناس.
فمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعجوز تبيع لبناً معها في سوق اللبن، فقال لها: يا عجوز لا تغشي المسلمين وزوار بيت الله تعالى ولا تشوبي اللبن بالماء، فقالت: نعم يا أمير المؤمنين، ثم مر بها بعد ذلك، فقال لها: يا عجوز، ألم أتقدم إليك أن لا تشوبي اللبن بالماء فقالت: والله ما فعلت، فقالت ابنة لها من داخل الخباء: أغشاً وكذباً جمعت على نفسك فسمعها عمر رضي الله عنه فهم بمعاقبة العجوز، فتركها لكلام ابنتها، ثم التفت إلى بنيه فقال: أيكم يتزوج هذه، فلعل الله عز وجل يخرج منها نسمة طيبة مثلها فقال عاصم بن عمر: أنا أتزوجها، فزوجها إياه، فولدت له أم عاصم، فتزوج أم عاصم عبد العزيز بن مروان..وفيات الأعيان 6/302
فتمر الأيام فينجب منها عبد العزيز أبن مروان بن الحكم ولداً أتعرفون من هو إنه عمر أبن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين ..
والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه طيباً..إنها ذرية بعضها من بعض..فهل يتعلم أولياء الأمور في زماننا هذا من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ويكون الزواج لصاحب الدين وصاحبة الدين..!
وهذه رواية أخري لقصة زواج عاصم بن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من الفتاة التقية..
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما أبي يعس بالمدينة إذ سمع امرأة وهي تقول لابنتها: يا بنية، قومي فشوبي اللبن بالماء، فقالت: يا أماه أما سمعت منادي أمير المؤمنين أنه نادى: أن لا يشاب اللبن بالماء فقالت: وأين أنت من مناديه الساعة فقالت: إذا لم يرني مناديه ألم يرني رب مناديه - وفي رواية أخرى، قالت: والله ما كنت لأطيعه في الملا وأعصيه في الخلا، قال: فبكى عمر رضي الله عنه. فلما أصبح دعا بالمرأة وبابنتها وسأل: هل لها زوج فقالت: ليس لها زوج، فقال: يا عبد الله، تزوج هذه، فلو كانت بي حاجة إلى النساء لتزوجتها، فقلت: أنا في غنى عنها، فقال: يا عاصم تزوجها فتزوجها، فجاءت بابنة فحملت بعمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء ..وفيات الأعيان 6/303،302