رد: لبيك اللهم لبيك ... الى عرفات الله .. العشر الأوائل من ذي الحجة
احتفال باكتمال الدين وإتمام النعمة
ففي الصحيحين عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه "أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين: آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت، اتخذنا ذلك اليوم عيدا، فقال: أية آية؟ قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة: 3)، فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بعرفة يوم جمعة"، فها هي منازل الوحي، وها هو موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا في الناس: ".. وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدى أبدا: كتاب الله وسنتي".
والحج طاعة لله وتزكية للنفس وتطهير للعبد من
الذنوب والخطايا ، وهو
مؤتمر إسلامي جامع تتوافد إليه الجموع من كل بقاع
الأرض .
المناسب أن نستعرض في هذه العجالة بعض الجوانب
الطبية الهامة ، إذ أن هذه الجموع الهائلة من الناس ، قد
تكون فريسة سهلة لشتى أنواع الأمراض والأوبئة ،
لذا وجب على الحاج معرفة كل ما يتعلق بحمايته من
الناحية الصحية .
.
وسنبدأ بأكثر الأمراض انتشاراً في
موسم الحج يجمعها عامل مشترك وهو شدةالازدحام .
1- الرشح والزكام :.
سببهما حمات راشحة (فيروسات) متنوعة ، والوقاية
ممكنة عن طريق تجنب التبول الحراري المفاجئ ،
والابتعاد عن مواجهة التكييف والتبريد المباشر ، وتجنب
العطاس والسعال في مواجهه الآخرين ، وإلقاء المناديل
، وإتلافها في أماكن خاصة ،
والابتعاد ما أمكن عن لمس المصابين بالمرض
واستشارة الطبيب للعلاج .
2-التهاب الطرق التنفسية العليا :
سواء كان صحي أو جرثومي فإن أسبابه مشابهة لما
سبق ذكره غير أن الوقاية يجب أن تطبق بصرامة أكبر ،
وفي حالات دقيقة قد تحصل بعض الإصابات ( بذات
الرئة ) وتكون هنا الإصابة أكثر شدة ، وتتطلب علاجاً
صارماً .
3 - التهاب المعدة والأمعاء ::
وأسبابها غذائية ، طفيلية ، حمية ، فيروسية ، جرثومية
، وأعراضه غثيان
وقيء ، آلام بطنية ، إسهالات ومتكررة ، وربما صداع
وارتفاع حرارة ، والوقاية
منها تكون بالاهتمام بالنظافة العامة والخاصة : غسل
الأيدي ، غسل الفواكه والخضار ، تجنب تناول الأطعمة
غير المطبوخة جيداً والتي يشتبه بتلوثها ، عدم
تناول الألبان ومشتقاتها دون التأكد من صحة تعقيمها
وتواريخ انتهاء صلاحيتها ،
عدم تناول الأغذية والسوائل بأوعية وأوان غير نظيفة ،
أو أنها استخدمت من قبل آخرين ، تناول المياه الصحية
من مصادرها الرئيسية الخاضعة لرقابة صحية .
4 -داء السماط :
ويحصل نتيجة التعرق الشديد والاحتكاك المستمر
لثنيات الجلد مما يحدث انسلاخ واحمرار الجلد خاصة
عند البدينين ولا سيما بين الفخذين ، وتحت الإبطين ،
وتحت الثديين عند النساء ، وتكون الوقاية بتخفيف حالة
التعرق والاحتكاك بتجنب المشي طويلا وقت الحر ما
أمكن ، لبس السراويل الداخلية الطويلة لمنع الاحتكاك
(خارج أوقات الإحرام) ، استعمال المياه الباردة لغسيل
المنطقة المعرضة للاحتكاك ،
استعمال بعض الوصفات والمراهم الطبية .
5 -تشقق القدمين :
يظهر نتيجة المشي المستمر بالأحذية الكاشفة
للأعقاب (الصنادل) والتعرض للأتربة والأغبرة مما يؤدي
إلى جفاف الطبقة المتقرنة من الجلد ثم إلى التشقق ،
والوقاية منه بغسل القدمين وتجفيفهما جيدا ، لبس
الجوارب (خارج أوقات الإحرام)
مما يخفف تعرضها للأتربة والأغبرة ، الضغط بكل القدم
على الأرض واستعمال مراهم مطرَّية .
6-الآلام والقولنجات الكلوية :
نتيجة فقدان السوائل والحر الشديد يتعرض البعض
لحدوث القولنجات الكلوية
وآلام الخاصرتين والحصى الكلوية أو ذلك لزيادة ترسب
الأملاح والتبلورات
بالطرق البولية نتيجة زيادة كثافة البول لا سيما عند من
لديهم استعداد لذلك ،
ولتجنب هذه الآلام ينصح الحاج بشرب سوائل بكمية
كبيرة لا تقل عن 3 - 4 لترات يومياً ، تجنب التعرض
للتعرق الغزير والحر الشديد قدر الإمكان ، مراجعة
الطبيب بظهور الأعراض ، اتباع الإرشادات الطبية لمن
لديه سبب مهيأ لحدوث الحصيات الكلوية .
7 -متلازمات فرط ارتفاع الحرارة
والإعياء والإنهاك الحراري وضربات الشمس :
سببه المباشر الرئيسي هو التعرض للحرارة الشديدة
وأشعة الشمس ، وتبدأ الأعراض عادة بالحالات الخفيفة
ثم مرحلة الإعياء الحراري وهو أكثر حالات فرط
الحرارة حدوثا ، وقد يرافقه صداع وضعف ودوار وغثيان
وقلة شهية وربما ميل للإغماء ، أما الحالة الأشد خطورة
فهي حمى الحر أو ضربة الشمس ، وتبدأ
أعراضه بتوقف وتعطيل آلية التعرق نتيجة تعطل ، الجهاز
المنظم للحرارة ، فيشكو المريض من صداع ودوار
وإغماء وآلام بطيئة ، ومن ثم فقد الوعي الذي قد يحدث
من البداية وتكون الوقاية بتجنب الخروج ما أمكن أوقات
الحر الشديد ، استعمال المظلات والخيم والحواجز
للوقاية كل حر الشمس ، شرب المياه والسوائل وخاصة
المياه الصحية الغنية بالأملاح والشوارد لتعويض ما فقد
منها بالتعرق ، الانتباه
لظهور أول بوادر وأمراض متلازمات الحر بالبدء بعلاجها
فورا .
ومن النصائح الطبية العامة التي يجب على الحاج أخذها
بعين الاعتبار :
1 - اتباع الإرشادات الصحية لاسيما من جهة النظافة
العامة والخاصة .
2 - تناول الأطعمة والسوائل والمشروبات والألبان
النظيفة والمعقمة .
3- تجنب التعرض للحر وأشعة الشمس المباشر
واستعمال المظلات والاتقاء بأماكن الظل مع محاولة
التلازم بين التكييف والتبريد بشكل مناسب وبدون تعرض
لتيار المكيف المباشر .
4- تبليل الجسم والرأس الوجه والأطراف بالماء البارد
بين الفينة والأخرى .
5 - استشارة الطبيب ومراجعة المراكز الطبية القريبة
بمجرد الشعور بأي إنهاك أو إعياء أو أعراض مرضية لأخذ
التدابير العلاجية والوقائية في مرحلة المرض المبكرة .
6 - الانتباه والإسراع بنقل المريض لأقرب مركز صحي أو
مستشفى خاصة بحالة ضربة الشمس مع وضعه في
جو بارد واستعمال كمادات باردة .
وفي الختام نسأل الله عز وجل أن ييسر على الحجاج
أداء الفريضة ، وأن يقيهم ويحفظهم بحفظه ورعايته ،
وأن يتقبل منهم عملهم ويكتب لهم به حجا مبروراً
وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً ، وأن يعيدهم إلى أهليهم
وذويهم سالمين غانمين .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
رد: لبيك اللهم لبيك ... الى عرفات الله .. العشر الأوائل من ذي الحجة
[align=center] فضائل الحج ، ودلائل فرضيته، وبيان حكمته فضائل الحج:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حج لله فلم يرفثن ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه".
وعن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال:" لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جهاد الكبير والصغير، والضعيف، والمرأة: الحج والعمرة".
وقال صلى الله عليه وسلم: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
- فهذه الأحاديث صريحة في فضل الحج والعمرة، وأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. والحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم مأخوذ من البر، وهو الطاعة وقيل: هو المقبول، ومن علامة القبول أن يرجع الحاج خيرًا مما كان عليه قبل الحج، وأن لا يعاود المعاصي، وقيل: الحج المبرور هو الذي لا رياء فيه. والواقع أن كل هذه المعاني والأوصاف مطلوبة في الحج المبرور. دلائل فرضية الحج:
الحج من فراض الإسلام ثبتت فرضيته بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول. أما الكتاب فقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين).
وأما السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان" رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا .. الخ" رواه مسلم.
وقد أجمع الفقهاء على وجوب الحج على المستطيع. وأما المعقول فهو أن العبادات وجبت لحق العبودية أو لحق شكر النعمة، وفي الحج يوجد المعنيان : أما إظهار العبودية فلأن العبودية هي إظهار التذلل والخضوع للمعبود وهو الله - جل جلاله- ، وفي الحج يظهر هذا المعنى بصورة جلية في اللباس وسائر الأفعال والأقوال التي يقوم بها، وفيما يمتنع عنه الحاج، وأما شكر النعمة فلأن العبادات بعضها بدنية وبعضها مالية، والحج عبادة لا تقوم إلا بالبدن والمال، فكان الحج شكر هاتين النعمتين، لأن شكر النعمة ليس غلا استعمالها في طاعة المنعم، وكر النعمة واجب عقلاً. حكمة الحج:
من خصائص الإسلام أنه لا يكتفي في تزكية النفوس وتربيتها بالقول والموعظة فقط، وإنما يقرن بهما أسلوب التربية العملية، ونجد هذا واضحًا جليًا فيما شرعه من عبادات مثل الصلاة والصوم. ويظهر مسلكه في التربية العملية في فريضة الحج، فأفعال الحج كلها تربية عملية على الطاعة التامة لله رب العالمين، والإخلاص في العبودية له، والامتثال لأمره، فأفعال الحج كما يقول الإمام الغزالي- رحمه الله- لا حظ لنفوس، ولا أنس للطبع فيها، ولا اهتداء للعقل إلى معانيها، فلا يكون في الإقدام عليها باعث إلا الأمر المجرد، وقصد الامتثال للأمر - أمر الشرع- من حيث إنه أمر واجب الاتباع فقط.
وحيث إن أفعال الحج كما وصف الغزالي فإن النفس تعيش رياضة عملية وتربية فعلية على الإخلاص في العبادة لله رب العالمين. كما أن ترك الطيب في فترة الحج ولبس لباس الإحرام، كل هذا وغيره يُذكره بكفنه الذي يخرج به من الدنيا، فيعرف أنها لا تستحق منه كل هذا الحرص عليها، والتعب من أجلها، والركض وراءها، والحزن على ما قد يفوته من متاعها، فليس له مما يحرص عليه منها سوى هذا الكفن الذي يضع على جسمه مثله في إحرامه إن قدر له كفن عند موته. ثم في وقوفه في عرفات وقد ضج الواقفون بالدعاء إلى الله تعالى بمختلف اللغات واللهجات يذكره ذلك بموقف يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين.. وهكذا سائر أفعال الحج وأقواله تربية روحية عملية، وتعريف للإنسان بقدر نفسه، وحقيقة مركزه في الحياة، والغاية التي من أجلها خلق، وبالتالي تموت فيه عوامل دوافع الغرور والكبرياء، وأخيرًا فإن في أفعال الحج تعويدًا للمسلم على امتثال أمر الله تعالى لأنه أمر الله تعالى، سواء عقل معناه وحكمته أم لا.
ومن حكمة الحج أنه ييسر للمسلمين فرصة طيبة معلومة المكان والزمان للاجتماع والتشاور فيما بينهم وفيما يهمهم. وهذا التشاور في الأمور العامة للمسلمين يغلب عليه النفع العام للمسلمين، والوصول إلى الصواب فيما يتشاورون فيه ومن أجله، لأنهم يفعلون ذلك وهم في عبادة وفي مكان طاهر، ونفوسهم متفتحة بمعاني الإيمان وقد غُسلت من أدرانها بأفعال الحج والعمرة، ولا شك أن هناك من حكمة الحج الشيء الكثير غير ما ذكرناه [/align]
رد: لبيك اللهم لبيك ... الى عرفات الله .. العشر الأوائل من ذي الحجة
[align=center] شروط وجوب الحج
أ- الشروط التي تعم الرجال والنساء
أولا: الإسلام والبلوغ والعقل والحرية:
فلا يجب الحج على كافر لأنه غير مخاطب بفروع الدين، ولهذا قال الفقهاء -على سبيل الفرض- لو أن الكافر حج قبل الإسلام ثم أسلم.. وجب عليه حجة الإسلام ولا يعتد بحجه قبل إسلامه.
والبلوغ شرط لوجوب الحج لا لأدائه، ولهذا لو حج الصبي قبل بلوغه صح حجه، ولكن لم يسقط فرض الحج من ذمته، فإذا بلغ وجب عليه حجة الإسلام، لأن حجه قبل البلوغ لا يعتد به بالنسبة لحجة الإسلام الواجبة عليه.
وكذلك يشترط العقل، فلا يجب الحج على مجنون؛ لأنه غير مكلف لعدم عقله.
والحرية شرط لوجوب الحج، فلا يجب على الرقيق، لأن منافعه مملوكة لسيده؛ ولأن الاستطاعة من شروط وجوب الحج، والاستطاعة تكون بملك الزاد والراحلة، وملك منافع البدن, والرقيق لا يملك ذلك فلا يجب عليه الحج. ثانيًا: الاستطاعة:
وهذا الشرط -شرط الاستطاعة- مستفاد من قوله تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)، وقد فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- الاستطاعة التي هي شرط للحج وموجبة له بالزاد والراحلة، فقد روى الإمام الترمذي عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول، ما يُوجب الحج؟ قال: "الزاد والراحلة".
قال الترمذي بعد أن ذكر هذا الحديث: هذا حديث حسن، والعمل عليه عند أهل العلم أن الرجل إذا ملك زادًا وراحلة وجب عليه الحج. وبهذا قال الحنابلة والشافعية والحنفية.
وعند المالكية: إذا كان الرجل قادرًا على المشي إلى بيت الله الحرام فهذا يغنيه عن الراحلة. أما بالنسبة للزاد فقد قال المالكية إذا كانت عادته تكفُّف الناس وسؤالهم، وغلب على ظنه أنهم يعطونه ما يوفر له الزاد، فهذا يكفي لتوفر الزاد، وبالتالي لتحقيق شرط الاستطاعة، فوجب الحج عليه. إلا أن الفقيه ابن حبيب المالكي قال: الاستطاعة الموجبة للحج هي ملك الزاد والراحلة كما هو قول الجمهور، فلا يكفي القدرة على المشي، ولا ملك الزاد عن طريق سؤال الناس.
الراجح في المقصود بالاستطاعة، وما تتحقق به:
والراجح هو قول الجمهور ومعهم ابن حبيب المالكي، فلا يكفي القدرة على المشي إلى مكة لوجوب الحج عليه؛ لأن تكليف الناس بالحج مشيًا على الأقدام فيه حرج شديد، والحرج مرفوع بحكم الإسلام. وكذلك إيجاب الحج على من عادته التسول وسؤال الناس، إذا غلب على ظنه أنهم يعطونه، هذا الشخص يستحق الزجر والمنع من هذه العادة القبيحة، عادة التسول وسؤال الناس؛ لأن سؤال الناس في الأصل لا يجوز في الشريعة الإسلامية، ولا يجوز إلا للضرورة، فكيف يمكن جعل المعتاد على التسول مالكًا للزاد، وبالتالي مستطيعًا للحج، وبالتالي يجب عليه الحج؟ إن الشرع أمر بالحج بشرط الاستطاعة، ولا تتأتى الاستطاعة بسؤال الناس الممنوع شرعًا إلا للضرورة، وليس من معاني الضرورة الذهاب إلى الحج عن طريق سؤال الناس.
هذا ويلاحظ هنا أن شرط الراحلة لوجوب الحج هو بحق من بعد مسكنه عن مكة، أما أهل مكة ومن حولهم فإن الحج يجب على القوي منهم القادر على المشي؛ لأنه حرج يلحقه في المشي وأداء أفعال الحج، كما لا يلحقه الحرج في المشي إلى صلاة الجمعة.
هل تثبت الاستطاعة ببذل الزاد والراحلة؟
إذا بذل شخص لآخر الزاد والراحلة أو ما يقوم مقامهما من مال ليحج، فهل تثبت الاستطاعة للحج بهذا البذل
قال الحنابلة والحنفية: لا تثبت استطاعة الحج ببذل الزاد والراحلة سواء كان الباذل قريبًا أو أجنبيًا، وسواء بذل له الركوب والزاد، أو بذل له مالا.
وعن الإمام الشافعي: إذا بذل له ولده ما يتمكن به من الحج لزمه قبوله، لأنه أمكنه الحج بهذا البذل من غير منة تلزمه، وهذا مذهب الزيدية أيضًا.
وعند الجعفرية: إذا لم يملك الأب استطاعة الحج، وكان له ولد ذو مال: وجب على الأب أن يأخذ من مال ولده قدر ما يحج به على الاقتصاد ويحج، وإذا لم يكن له ولد وبذل له بعض إخوانه ما يحج به: وجب عليه الحج.
والحجة للحنابلة والحنفية أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عما يوجب الحج، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الزاد والراحلة" وهذا الجواب يعني ملك الزاد والراحلة، أو ملك ما يحصل به الزاد والراحلة. والبذل لا يتحقق به ذلك، لأن الباذل يملك حق الرجوع فيما بذله، ويمنع المبذول له من التصرف في المبذول، وهذا يعني أن المبذول له لا يملك الاستطاعة المطلقة على الحج، وبالتالي لا يكون مستطيعًا فلا يجب عليه الحج لعدم تحقق شرط الاستطاعة فيه. ثم إن البذل من أية جهة جاء حتى من الولد لا يخلو من المنة، والمسلم لا يلزمه قبول ما فيه المنة ولو في فعل القربات.
المقصود بالزاد والرحلة:
والمقصود بالزاد ما يحتاجه من مأكول ومشروب في ذهابه إلى الحج ورجوعه إلى أهله أو عنده من المال ما يشترى به ذلك. وأما الراحلة فتعني واسطة النقل التي يحتاجها في ذهابه ورجوعه، وفي سائر تنقلاته لأداء متطلبات الحج؛ سواء كانت واسطة النقل التي يحتاجها ملكًا له، أو يحصل عليها بأجره، ويمكن القول: إن المقصود بالزاد والراحلة كل ما يحتاج لغرض أداء أفعال الحج من مأكول ومشروب ولباس وواسطة نقل تليق به، ومن يقوم بخدمته، إذا كان ممن لا يخدم نفسه بنفسه. ولا يشترط أن تكون عنده هذه الأشياء بأعيانها، بل يكفي أن يكون عنده من المال ما يكفيه لتحصيل ذلك وغيره مما يلزمه من نفقات الحج على وجه لا إسراف فيه ولا تقتير.
ما يشترط في المال الذي يكفيه للحج:
ويشترط في المال الذي يكفيه لحجه على النحو الذي ذكرناه أن يكون هذا المال فاضلاً عن مسكنه، وخادمه، وفرسه، وسلاحه، وثيابه، وأثاثه، ونفقة عياله، وخدمه، وكسوتهم مدة ذهابه وإيابه، وقضاء ديونه؛ لأن هذه الأشياء من الحوائج الأصلية للإنسان التي لا بدَّ منها فكان المستحق بها من المال ملحقًا بالعدم.
وإن كان الشخص محتاجًا إلى النكاح وراغبًا في الحج ينظر، فإن خاف على نفسه العنت قدَّم الزواج على الحج؛ لأن الزواج في هذه الحالة واجب عليه لإعفاف نفسه فلا غنى له عنه فهو كنفقته، فإن كان ما عنده من مال لا يكفيه للزواج والحج لم يكن ما عنده من مال فاضلاً عن حاجاته، فلا يجب عليه الحج لفوات شرط الاستطاعة. وإن لم يخف العنف إذا قدم الحج على الزواج قدم الحج، لأن الزواج في هذه الحالة في حقه من قبيل الاستحباب، فلا يُقدم على الحج الواجب.
هل يلزم الشخص بيع أمواله للحج؟
قال الحنابلة ومن وافقهم: من له عقار يحتاج إليه لسكنه أو سكنى عياله أو يحتاج إلى أجرته لنفقة نفسه أو نفقة عياله أو كان يملك بضاعة متى نقصت اختلَّ ربحها فلم يكفهم، أو كانت عنده مواشٍ سائمة من الغنم والبقر والإبل يحتاج إليها لنفقته ونفقة عياله: لم يلزمه بيع شيء مما ذكرناه لأجل أن يحج به، إلا إذا كان له شيء مما ذكرناه يفضل عن حاجاته فيلزمه بيعه والحج بثمنه. وهذا إذا قلنا عن الحج يجب على الفور.
وذكر الفقيه الكرخي -وهو من أئمة الحنفية- أن أبا يوسف قال: إذا لم يكن له مسكن ولا خادم ولا قوت لعياله يزيد على حاجتهم مدة ذهابه إلى الحج ورجوعه، وكان عنده دراهم تبلغه إلى الحج فهذا لا ينبغي أن يجعل ما عنده من النقود في غير الحج، فإن فعل أثم، لأنه يستطيع بما عنده من نقود أن يحج، فلا يُعذر في ترك الحج ولا يتضرر بترك شراء المسكن والخادم، بخلاف بيع المسكن والخادم فإنه يتضرر ببيعهما. ومن الواضح أن هذا القول مبني على أن الحج واجب على الفور لا على التراخي. ثالثاً: شرط أمن الطريق:
وأمن الطريق بمنزله الزاد والراحلة، فهو من شرائط وجوب الحج، والمقصود به خلو الطريق من عوائق السير فيه، كوجود عدو أو قطاع طرق، أو غلبه الهلاك فيه لأي سبب كان، فإذا انعدم الأمن لم يجب الحج. وهذا مذهب الحنابلة، والشافعية، وأبي حنيفة، وروي عن بعضهم، وهو رواية في مذهب الحنابلة، أنه من شرائط الأدلة -أداء الحج-، والراجح أنه من شروط وجوب الحج ، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن الاستطاعة بالزاد والراحلة لكونهما من الأسباب الموصلة إلى الحج، وليس لكون الاستطاعة مقصورة عليهما. وعلى هذا فكل ما كان من أسباب إمكان الوصول إلى الحج دخل في مضمون الاستطاعة، وهكذا يستدل بالمنصوص عليه على غيره لاستوائهما بالمعنى وهو إمكان الوصول إلى أداء الحج وأداء مناسكه.
بذل المال لسلامة الطريق:
قال ابن قدامة الحنبلي: "ولو كان في الطريق عدو يطلب خفارة: فقال القاضي:
لا يلزمه السعي إلى الحج، وإن كانت يسيرة، لأنها رشوة فلا يلزم بذلها في العبادة كالكبيرة.
وقال ابن حامد: عن كان ذلك مما لا يجحف بماله لزمه الحج لأنها غرامة يقف إمكان الحج على بذلها، فلم تمنع وجوب الحج مع إمكان بذلها كثمن الماء، وعلف الدواء. رابعًا: صحة البدن وحرية السفر:
ومن شروط وجوب الحج: صحة البدن، وحرية السفر، فلا يجب الحج على مريض لا يقوى على الحج، ولا على شيخ كبير لا يثبت على الراحلة بنفسه، ولا يتحمل متاعب السفر، ولا على محبوس، ولا على ممنوع من السفر من قبل سلطان جائر. فهؤلاء لا يجب عليهم الحج، وهم في هذه الأحوال من اعتلال البدن وضعفه، وفقدان حرية السفر؛ لأن الله تعالى شرط الاستطاعة لوجوب الحج، ولا استطاعة عند هؤلاء وفيهم ما ذكرناه.
والأعمى لا يجب عليه الحج إلا إذا وجب من يكفيه مؤونة خدمته في سفره وإعانته على أفعال الحج مع توافر شروط الحج الأخرى فيه، وهذا قول الشافعية، والحنابلة، وأبي يوسف، ومحمد. وروي عن أبي حنيفة أنه لا حج على الأعمى بنفسه، وإنما ينيب عنه غيره. خامسًا: إمكان إدراك الحج في وقته:
وإذا كملت شروط وجوب الحج التي ذكرناها: وجب توافر شرط آخر بعد تكاملها هو وجود زمن يمكن فيه أداء الحج، فإن لم يبق من الوقت ما يكفيه للسفر وأداء متطلبات الحج لم يلزمه الحج.
النيابة في الحج:
ومن لم يجب عليه الحج بنفسه لمرضه أو لعجزه أو لكبر سنه، أو لغير ذلك من الأسباب، وعنده مال يكفي لنفقات الحج: فهل يجب عليه أن ينيب عنه من يحج عنه؟
الجواب: ينظر.. فإن كان المانع من حجه بنفسه يجري زواله كالمريض يرجى برؤه، والمحبوس يؤمل خروجه من السجن، والممنوع من السفر ظلمًا يرجى رفع المنع عنه، فهؤلاء ينظرون زوال المانع، فإذا زال وظلت شروط وجوب الحج قائمة حجوا بأنفسهم، ولا يجوز أن ينيبوا عنهم من يحج عنهم.
على العاجز عن الحج ببدنه حاضرًا ومستقبلاً القادر بماله أن ينيب عنه:
أما إذا كان المانع من حجه بنفسه لا يرجى زواله كالمريض بمرض لا يرجى برؤه منه، ولا يستطيع معه القيام بالحج، ووجد من ينيبه للحج عنه لزمه أن ينيبه، وذلك لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي أخرجه البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِي اللَّهُ عَنْهمَا- قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ وَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ".
شروط النيابة في الحج:
يشترط في النيابة في الحج بالنسبة للمنيب: أن يكون عاجزًا عن الحج بنفسه كما ذكرنا، وأن يستنيب من يحج عنه من حيث وجب عليه الحج أي من بلده.
وأن يكون النائب أهلاً للنيابة، بأن يكون قد حج عن نفسه حجة الإسلام لما روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:" مَنْ شُبْرُمَةُ؟" قَالَ: قَرِيبٌ لِي. قَالَ: "هَلْ حَجَجْتَ قَطُّ؟" قَالَ: لا. قَالَ: " فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ".
ومن شروط النيابة أيضًا أن يكون حج النائب بإذن المنيب، وألا يخالفه فيما يشترط عليه من إفراد الحج، أو أدائه بالقران أو بالتمتع.
النيابة في الحج عن الميت:
وكما تجوز النيابة في الحج عن الحي على النحو الذي بيناه.. تجوز أيضًا النيابة عن الميت، فمن مات ممن وجب عليه الحج، ولم يحج وجب أن يخرج عنه من جميع تركته ما يحج به ويعتمر عنه، سواء فاته الحج بتفريط منه أو بغير تفريط، وبهذا قال الحنابلة والشافعي وطاووس.
وقال أبو حنيفة ومالك: يسقط الحج بالموت إلا إذا أوصى الميت قبل موته بالحج عنه، فيحج عنه تنفيذًا لوصيته من ثلث تركته، وبهذا قال الشعبي والنخعي، والحجة لقولهم: إن الحج عبادة بدنية فتسقط بالموت كالصلاة.
والحجة لقول الحنابلة وما وافقهم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي أخرجه النسائي في "سننه" عن ابن عباس، وفيه: أَمَرَتِ امْرَأَةٌ سِنَانَ بْنَ سَلَمَةَ الْجُهَنِيَّ أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ أَفَيُجْزِئُ عَنْ أُمِّهَا أَنْ تَحُجَّ عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّهَا دَيْنٌ فَقَضَتْهُ عَنْهَا أَلَمْ يَكُنْ يُجْزِئُ عَنْهَا فَلْتَحُجَّ عَنْ أُمِّهَا". وأخرج النسائي أيضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَبِيهَا: مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ قَالَ: "حُجِّي عَنْ أَبِيكِ".
المرأة كالرجل في النيابة عن الحج:
والمرأة كالرجل في النيابة في الحج، فيجوز أن ينوب الرجل عن الرجل والمرأة، وتنوب المرأة عن الرجل والمرأة في الحج في قول عامة أهل العلم، وقال ابن قدامة في هذا: لا نعلم فيه مخالفًا إلا الحسن بن صالح، فإنه كره حج المرأة عن الرجل. قال ابن المنذر: هذه غفلة عن ظاهر السنة، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر المرأة أن تحج عن أبيها[/align]