السلام عليكم ورحمة الله اعلم ان هناك من سبقنى فى المنتدى فى هذا الموضوع مثل العلامة الدكتور هشام الطيب الا انى قد رأيت تناول الموضوع بشىء من التفصيل والتاريخ لا يخلوا من التحليل واعادة التحليل
بسم الله الرحمن الرحيم الخلافة الأموية
فى التاريخ العبر .. واعمال الذهن فى صحة الخبر ..
وبالنظر الى الماضى .. نرى وميضا من المستقبل ..
فإن صح الخبر عن الماضى .. كان للمستقبل رؤية أوضح ..
أبدأ عملى المتواضع هذا فى سرد بعض مما قرأت وجمعت فى التاريخ الاسلامى وأبدأ بالخلافة الأموية
وكل ما أذكر فى سردى هذا هو موثق فى أمهات كتب التاريخ وعلى رأسها .
تاريخ بن خلدون .
تاريخ الطبرى.
البداية والنهاية .
الكامل فى التاريخ .
وسيكون منهجى هو الاقتباس بالنص كلما أمكن من هذه الكتب مع شرح الكلمات الصعبة أو الاحداث المختلطة وغير ذلك من اساليب التوضيح .
من هم بنو أمية ؟
هذا السؤال جدير أن نبدأ بالاجابة عليه فلا يصح ذكر قوم ملكوا لفترة كبيرة من الزمان دون أن نذكر من هم
{كان لبني عبد مناف في قريش جبل من العدد و الشرف لا يناهضهم فيها أحد من سائر بطون(عائلات) قريش . و كان فخداهم(البارز فيهم ) بنو أمية و بنو هاشم حياً جميعاً ينتمون لعبد مناف و ينسبون إليه . و قريش تعرف ذلك و تسأل لهم(ترشحهم) الرياسة عليهم إلا أن بني أمية أكثر عدداً من بني هاشم و أوفر رجالاً . و العزة إنما هي بالكثرة . قال الشاعر :
و إنما العزة للكاثر
و كان لهم قبيل الإسلام شرف معروف انتهى إلى "حرب بن أمية" و كان رئيسهم في حرب الفجار( حرب حدثت قبل الإسلام) . و حدث الإخباريون(العارفين بالتاريخ والقاصون له ) أن قريشاً توقعوا(تشاجروا وتقاتلوا) ذات يوم و حرب هذا مسند ظهره إلى الكعبة فتبادر إليه غلمة منهم ينادون يا عم أدرك قومك ، فقام يجر إزاره حتى أشرف عليهم من بعض الربا (جمع ربوة)و لوح بطرف ثوبه فبادرت الطائفتان إليه بعد أن كان حمي و طيسهم .(اشتد قتالهم)} بن خلدون الجزء الثالث
ومن هذا يتضح أن بنو أمية هم عائلة شرف ونسب فى قريش وكانت تتجه اليهم الرئاسة والزعامة قبل الإسلام واستمرت بعد ذلك حتى انتهت الرئاسة الى أبو سفيان .
وقد كانت الرئاسة والشرف فى قريش مقسمه بين بنو هاشم وبنو أمية فلما مات أبو طالب وهاجر ابناءه مع الرسول صلى الله عليه وسلم . وبعد غزوة بدر والتى قتل فيها زعماء العائلات الاخرى مثل بنو عبد شمس .
استحكمت الزعامة فى قريش الى بنو أمية وعلى رأسهم أبو سفيان .
ثم بعد أن فتحت المكة قال العباس رضى الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له ذكراً . فقال : " من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن "
فجعل ذلك زيادة فى الفخر الى أبو سفيان وإلى بنو أمية .
ثم كان أن أسلم أبو سفيان وحسن اسلامه وحاربوا الكفار والروم ثم بعد أن تولى عمر بن الخطاب الخلافة عين يزيد بن أبى سفيان واليا على الشام . حتى مات يزيد فى الطاعون .
فولى بعده أخيه معاويه بن أبى سفيان رأس الدولة الأموية فيما بعد .
وقد أبقاه عثمان بن عفان فى منصبه .
ثم كان ما كان من مقتل عثمان بن عفان وحروب الفتنة والخوارج ومقتل على رضى الله عنه وعزل الحسن بن على نفسه وتولية معاوية للخلافة والى ذلك من أمور يطول الخوض فيها .
فاستوت الخلافة الى معاوية بن أبى سفيان .سنة واحد وأربعين من الهجرة .
أخذ معاوية يقوى دولته بتولية الولاة . فولى عمرو بن العاص على مصر وعبد الله بن عمرو بن العاص على الكوفة ثم ولى المغيرة بن شعبه مكانه .
وكان فى ذلك الوقت على فارس التابعة للبصرة وقتها " زياد بن أبيه "
ويلاحظ فى الاسم بن أبيه حيث ان لزياد قصة فى نسبه الى أبيه اذكرها الان بالمناسبة .
كانت سمية أم زياد جارية " للحرث بن كندة الطيب " وولدت عنده مولودا اسمه " أبا بكرة " ثم زوجها الحرث الى عبد يملكه .
وكان أبو سفيان قد ذهب الى الطائف فى بعض حاجاته فأصاب منها بنوع من نكاح الجاهلية فولدت " زياد " وقد أقر أبو سفيان بالأبوة لزياد على أن يكون الأمر خفية .ولما كبر زياد وشب وكان نجيبا وقد امره عمر بن الخطاب ببعض الامور ففعلها قال عمرو بن العاص لو كان ابوه من قريش لساق الناس بعصاه . فكان أبو سفيان حاضرا فقال و الله إني لأعرف أباه و من وضعه في رحم أمه فقال على رضى الله عنه وكان حاضرا ايضا : اسكت فلوسمع عمر هذا منك كان إليك سريعاً
ولما تولى على رضى الله عنه الخلافة استعمل زياد على فارس .
وقد حاول معاوية ان يهدد زياد بفضح أمر نسبه فكتب اليه عليه رضى الله عنه قائلا :
إني و ليتك و أنا أراك أهلاً و قد كان من أبي سفيان فلتة من آمال الباطل و كذبب النفس ، و لا توجب ميراثاً و لا نسباً . و معاوية يأتي الإنسان من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله فاحذر ثم احذر و السلام.
ولما قتل على رضى الله عنه وتولى معاوية الخلافة بعث الى زياد يطلب أموال فارس فرد عليه زياد قائلاً
صرفت بعضه في وجهه و استودعت بعضه للحاجة إليه و حملت ما فضل إلى أمير المؤمنين رحمه الله( يقصد على ) فكتب إليه معاوية بالقدوم لينظر في ذلك فامتنع .
فولى معاوية على البصرة بسر بن أرطأة . وفارس كما ذكرنا تابعة للبصرة .
قام بسر بمحاولة اجبار زياد على تسليم نفسه فجمع أولاد زياد وكبار أبنائه وهدد بقتلهم ان امتنع زياد عن تسليم نفسه . فرفض زياد ذلك خشية على نفسه وظنا منه ان بسرا لن يقدم على قتل أولاده بلا ذنب .
الا ان بسرا قد عزم على قتلهم لولا أن أدركه " أبا بكرة " أخو زياد من أمه سمية .
[أخذتهم بلا ذنب و صالح الحسن على أصحاب علي حيث كانوا فأمهله بسر إلى أن يأتي بكتاب معاوية . ثم قدم أبو بكرة على معاوية و قال : إن الناس لم يبايعوك على قتل الأطفال و إن بسراً يريد قتل بني زياد ! فكتب إليه بتخليتهم و جاء إلى البصرة يوم المهاد و لم يبق منه إلا ساعة و هم موثقون للقتل فأدركهم و أطلقهم]
فأعطى معاوية أبا بكرة كتاب الامان لأخيه زياد فقدم زياد الى معاوية واخبره فيما أنفق الأموال فقبل معاوية منه ذلك .
ثم قام معاوية بعزل بسر عن البصرة وولى مكانه عتبه بن أبى سفيان .وولاه ايضا على خراسان وسجستان.
ثم قام بتولية زياد على البصرة سنة خمس وأربعين والحق معها خراسان و سجستان ثم جمع له السند و البحرين و عمان.
ولما قدم زياد الى البصرة كانت له خطبة مشهورة تعرف بالبتراء لانها لم تفتح بحمد أو ثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم
فحذرهم في خطبته ما كانوا عليه من الإنهماك في الشهوات و الاسترسال في الفسق و الضلال ، و انطلاق أيدي السفهاء على الجنايات و انتهاك الحرم و هم يدنون منهم ، فأطال في ذلك عنفهم و وبخهم و عرفهم ما يجب عليهم في الطاعة من المناصحة و الانقياد للائمة و قال : لكم عندي ثلاث لا أحتجب عن طالب حاجة و لو طرقني ليلاً و لا أحبس العطاء عن اباية و لا أحمر البعوث فلما فرغ من خطبته قال له عبد الله بن الأيهم : أشهد أنك أوتيت الحكمة و فصل الخطاب . قال : كذبت ذاك نبي الله داود
ثم زاد من الشرطة واشتد على الناس ومنعهم من الخروج ليلا ليمنع السرقات وغيرها من الخروج عن القانون وكان قد انتشر .
فما كان من امره الا ان الشخص يسقط الشىء منه فلا يجرؤ احد على سرقته حتى يعود اليه فيجده .
ومن انجازات معاوية
استقرار امور الدولة وفتح بلاد الروم سنة اثنين واربعين حتى وصل الى القسطنطينية
وكان عمرو بن العاص قبل وفاته استعمل عقبة بن عامر بن عبد قيس على إفريقية ، و هو ابن خالته انتهى إلىلواته و مرانه ، فأطاعوا ثم كفروا فغزاهم و قتل و سبى . ثم افتتح سنة اثنتين و أربعين غذامس . و في السنة التي بعدها ودان و كورا من كور السودان و أثخن في تلك النواحي ، و كان له فيها جهاد و فتوح . ثم ولاه معاوية على إفريقية سنة و خمسين و بعث إليه عشرة آلاف فارس ، فدخل إفريقية و انضاف إليه مسلمة البربر ، فكبر جمعه و وضع السيف في أهل البلاد ، لأنهم كانوا إذا جاءت عساكر المسلمين أسلموا ، فإذا رجعوا عنهم ارتدوا فرأى أن يتخذ مدينة يعتصم بها العساكر من البربر فاختلط القيروان و بنى بها المسجد الجامع ، و بنى الناس مساكنهم و مساجدهم.
ولما توفى زياد بن أبيه ولى معاوية ابنه عبيد الله بن زياد على خراسان فقطع النهر إلى جبال بخارى على الإبل ففتح رامين و نسف و سكند و لقيه الئرك فهزمهم .
توفى معاوية سنة ستين هجرية أى ان حكمه قد دام قرابة التسعة عشر عاماً
وقد خطب معاوية فى الناس خطبة قد وفاته وهذا نصها :
((إني كزرع مستحصد و قد طالت إمارتي عليكم حتى مللتكم و مللتموني ، و تمنيت فراقكم و تمنيتم فراقي و لن يأتيكم بعدي إلا من أنا خير منه ، كما أن من كان قبلي خير مني . و قد قيل من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه . اللهم إني قد أحببت لقاءك فأحبب لقائي و بارك لي))
وقد ورد خبر عن معاوية قاله لابنه يزيد وقد نقل هذا الخبر فى الكثير من الكتب التى تناولت الخلافة الاموية وهذا نص الخبر
((فلم يمض إلا قليل حتى ازداد به مرضه فدعا إبنه يزيد و قال : يابني إني قد كفيتك الرحلة و الترحال و وطأت لك الأمور و أخضعت لك رقاب العرب ، و جمعت لك ما لم يجمعه أحد . و إني أخاف عليك أن ينازعك هذا الأمر الذي انتسب لك إلا أربعة نفر من قريش : الحسين بن علي ، و عبد الله بن عمر ، و عبد الله بن الزبير ، و عبد الرحمن بن أبي بكر . فأما ابن عمر فرجل قد و قذته العبادة ، و إذا لم يبق غيره بايعك . و أما الحسين فإن أهل العراق لم يدعوه حتى يخرجوه ، فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه ، فإن له رحماً ما مثله و حقاً عظيماً . و أما ابن أبي بكر فإن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله و ليس له همة إلا في النساء . و أما الذي يجثم لك جثوم الأسد و يراوغك روغان الثعلب و إذا أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير فإن هو فعلها بك و قدرت عليه فقطعه إرباً إرباً ))
ولكن هذا الخبر مكذوب ولم يصح بسبب ان عبد الرحمن بن أبى بكر كان قد مات قبل معاوية وبالتالى فلا يعقل ان يحذر يزيد منه وهو قد مات فعلا .. لذلك فغالب الامر ان هذا الخبر من وضع الشيعة لينالوا من معاويه ..
ثم فى خبر اخر ان معاوية قد طلب من الضحاك بن قيس ومسلم بن عقبه ان يبلغوا يزيد بن معاوية رسالته والتى قد استثنى منها فى هذا الخبر عبد الرحمن بن أبى بكر .. وحيث كان يزيدا غائبا فى مرض والده .. والقصة مصدر شك أيضا بالنسبة لرأيي الشخصى . وهذا نص الخبر ..
((قال : أبلغا يزيد وصيتي ، أنظر أهل الحجاز فإنهم أهلك فأكرم من قدم إليك منهم و تعاهد من غاب . و انظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل عنهم عاملاً فافعل ، فإن عزل عامل أخف من أن يشهر عليك مائة ألف سيف . و انظر أهل الشام فليكونوا بطانتك و عيبتك ، و إن رابك شيء من عدوك فانتصر بهم ، فإذا أصبتم فاردد أهل الشآم إلى بلادهم ، لإنهم إن قاموا بغير بلادهم تغيرت أخلاقهم و لست أخاف عليك من قريش إلا ثلاثاً و لم يذكر في هذا الطريق عبد الرحمن بن أبي بكر . و قال في ابن عمر : قد وقذه الدين فليس ملتمساً شيئاً قبلك و قال في الحسين : و لو أني صاحبه عفوت عنه . و أنا أرجو أن يكفيك الله بمن قتل أباه و خذل أخاه . و قال في ابن الزبير : إذا شخص إليك فالبد له إلا أن يلتمس منك صلحاً فأقبل واحقن دماء قومك ما استطعت))
أولا معاويه الذكور :
وقد اختصصت الذكور لانهم من سيعنونا عند البحث فيمن تولى الخلافة بعد معاوية
تزوج معاوية من ميسون بنت بحدل وانجبت له يزيد
وتزوج من فاختة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف ، فولدت له عبد الرحمن و عبد الله ابني معاوية.
وقد مات عبد الرحمن صغيراً .
الى هنا وتأخذ الأحداث منحنا خطيراً وتتغير الامور . فلا ننسى الخلاف الذى قد كان وحروب الفتنة بين الصحابة وتنازل الحسن بن على رضى الله عنهم عن الخلافة . فكانت جهة أخرى يعتقد انها سترفض تولية يزيد بن معاوية الخلافة لان هناك من هو أحق منه من آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم. وهم الحسين بن على اخو الحسن . عبد الله بن عمر و ابن الزبير. وهم الذين رفضوا أن يبايعوا معاوية من قبل .
ولنتابع الاحداث يجب ان نعرف انه كان واليا على المدينة وقت ان أخذ يزيد بن معاوية البيعة .
كان والى المدينة هو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، و على مكة عمرو بن سعيد بن العاص ، و على البصرة عبيد الله بن زياد ، و على الكوفة النعمان بن بشير. ويلاحظ انهم من المخلصين لمعاوية وابنه يزيد .
وكان النعمان بن بشير والى الكوفة غاية همه أن يبايع الممتنعون بالخلافة ليزيد وهم كما ذكرنا عبد الله بن عمر وبن الزبير والحسين بن على .
فبعث النعمان بن بشير الى الوليد بن عبته فى المدينة ينعى معاوية ويخبره ببيعة يزيد ويطلب منه ان يأخذ الثلاثة بالقوة حتى يبايعوا فإن ابوا يقتلهم .
اختلط الأمر على الوليد بن عبتة ! ماذا يفعل فى هذا الموقف .. هل يأخذ الثلاثة بالقوة على ما يعرفون عنه من النسب والفضل بين الناس . فقرر أن يطلب المشورة من الوالى السابق على المدينة وهو مروان بن الحكم . على رغم ما كان بينهم من اختلاف .
وعندما قدم مروان بن الحكم الى الوليد وقرأ عليه نعى معاوية ثم قرأ عليه ما طلب منه النعمان بن بشير .وطلب رأيه
فقال مروان : أرى أن تدعوهم الساعة و تأمرهم بالبيعة ، فإن فعلوا قبلت منهم و كففت عنهم ، و إن أبوا ضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية ، فإنهم إن علموا بموته وثب كل رجل منهم بناحية و أظهر الخلاف و دعا إلى نفسه ، أما ابن عمر فلا يرى القتال و لا يجب أن يلي على الناس إلا أن يدفع إليه هذا الأمر عفواً .
ويتضح التحريض الصريح من مروان الى الوليد بأخذ البيعة أو القتل .
فما كان من الوليد الا ان بعث غلاما هو عبد الله بن عمرو بن عثمان . الى المسجد ليأتى بالحسين وبن الزبير فأخبرهما بأن الامير ( الوليد ) يطلبهما . ولم يكن من عادة الوليد أن يجتمع بأحد فى هذه الساعة .
فشك الحسين وبن الزبير فى الأمر وقرروا أخذ الحيطة خشية الغدر فطلب الحسين من اخوانه وفتيانه واهل بيته وطلبوا منهم ان يجلسوا على باب الوليد فى وقت الاجتماع فإن سمعوا صوتا اقتحموا البيت وانقذوا الحسين والذى اجتمع اولا بالوليد ومروان .
[[ثم دخل فسلم ، و مروان عنده ، فقال الحسين : الصلة خير من القطيعة ، و الصلح خير من الفساد ، و قد آن لكما أن تجتمعا ، أصلح الله ذات بينكما ، و جلس ، فأقرأه الوليد و نعى له معاوية و دعاه إلى البيعة ، فاسترجع الحسين و ترحم على معاوية و قال : أما البيعة فإن مثلي لا يبايع سرأ و لا يجتزأ بها سراً ، فإذا خرجت إلى الناس و دعوتهم للبيعة ودعوتنا معهم كان الأمر واحداً . فقال الوليد ، و كان يحب العافية : انصرف . فقال له مروان : لئن فارقك الساعة و لمن يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم و بينه ، احبسه فإن بايع و إلا ضربت عنقه . فوثب عند ذلك الحسين و قال : ابن الزرقاء أأنت تقتلني أم هو ؟ كذبت و الله و لؤمت ! ثم خرج حتى أتى منزله]]
فلما رجع الحسين نهر مروان الوليد لعدم سماعه رأيه بقتل الحسين وأخبره انه لن يقدر على اخذ البيعة منه مرة اخرى بعد هذه المرة .. بل وسفه من ذنب قتل الحسين يوم القيامة .
وكان قد التزم عبد الله بن الزبير بيته وجمع حوله اصحابه يحمونه فأكثر الوليد من الارسال فى طلبه حتى أخذ الرسل يشتمون الزبير فى بيته ويتهددونه بالقتل ان لم يذهب الى الوليد . فأرسل عبد الله اخوه جعفر الى الوليد يخفف من حدة الامر ويطلب منه عدم ارسال الرسل لانهم قد أفزعوا اخاه .. ثم خرج بن الزبير واخاه جعفر الى مكة ولحق بهم الحسين . وبقى فى المدينة من اهل بين الحسين محمد بن الحنفية .
ثم أرسل الوليد الى بن عمر وكما ذكرنا لم يكن له هم الا العبادة وليس له رغبة فى الملك فطلب منه ان يبايع يزيد فقال بن عمر لو بايع الناس بايعت . وبالفعل قد اعلن البيعة ليزيد فيما بعد حتى لا تتفرق كلمة المسلمين .
عزل الوليد . اصدر يزيد بن معاوية قرارا بعزل الوليد عن المدينة وتولية عمرو بن سعيد الأشدق . وقام عمر بتعيين عمرو بن الزبير اخو عبد الله بن الزبير المعتصم بمكة رئيسا للشرطة . ولكن كانت هناك كراهية شديدة بين عمرو واخيه عبد الله حتى ان عمروا قد انتقم من كل من كان يميل الى عبد الله بالمدينة بالضرب والاهانة .
ويقال ان يزيد بن معاوية ارسل فى طلب عبد الله بن الزبير . فطلب عمور بن سعيد من عمرو بن الزبير ان يذهب لقتال اخيه فى مكه. وقد اجتمع اليه بضعة نفر يحذرونه من الحرب فى مكة لما لها من حرمات حتى مروان كان منهم والذى كان قد حرض على قتل عبد الله بن الزبير والحسين قدابى ان تكون الحرب فى مكة .
الا ان عمرو بن الزبير قال انا اعلم منكم بحرمات مكة وصمم على المضى قدما فى حربه وخرج فى فرقتين هو على رأس واحدة والاخرى على رأسها أنيس بن عمرو الأسلمي . فلما بلغوا مكة ارسل عمرو الى اخيه عبد الله مهددا ان يسلم نفسه ويساق الى يزيد ليأخذ البيعة منه .
فجمع عبد الله بن الزبير الناس وخرجوا لمحاربة جيش عمرو . فكان عبد الله بن صفوان على رأس الفرقة التى ستحارب فرقة أنيس الاسلمى . فقضت عليها تماما وقتل انيس .
والفرقة الاخرى التى ارسلها عبد الله بن الزبير لملاقاة عمرو بن الزبير كانت على رأسها مصعب بن عبد الرحمن . فهرب الناس من حول عمرو وهرب عمرو نفسه الى احد الديار وكان دار بن علقمه . حتى اتاه اخاه عبيدة فأجاره . ولكن عبد الله بن الزبير لم يقبل اجارة عبيدة له بعد كل ما فعله عمرو واخذه وحبسه حتى مات تحت السياط .
هذا ما كان من أمر عبد الله بن الزبير اما الحسين بن على فعندما خرج قاصدا مكة لقيه بن مطيع فسأله ما تقصد فقال مكة واما بعد فأستخير الله فيه . فنصحه قائلا الزم مكة واياك والكوفة ففيها قتل اباك وخزل اخاك .وكاد ان يقتل بطعنه .
ويقصد بذلك ما كان من الخوارج بالكوفة والخروج على على رضى الله عنه ثم استدعائهم الحسن وخذلانه حيث انهم قوم لا ثقة فيهم .
ولما بلغ الشيعة من أهل الكوفة ما كان من خروج الحسين الى مكة اجتمعوا واعتزموا على الارسال اليه ليلحق بهم ويبايعوه بالخليفة وقد ارسلوا ما يزيد عن مائة وخمسين رسالة يستحثونه على المجىء وانهم ما بايعوا النعمان والى الكوفة من طرف يزيد ولا يصلون معه فى جمعة ولا عيد واغروه بالمجىء وانهم سيكونوا له عصمة وعونا .
فارسل الحسين مسلم بن عقيل من اهل بيته الى الكوفة لينظر بعينه ويرى ثم ينقل الى الحسين ما كان من امرهم .
ووصل مسلم الى الكوفة بصعوبة بالغة بعد ان كاد يهلك وضل الطريق وهو وادلائه حتى تشائم من الرحلة وطلب من الحسين ان يبعث غيره فحثه على المضى .
ولما بلغ الكوفة نزل فى دار المختار ( شيخ البلد ) واجتمعت اليه الشيعة واخذ يقرأ عليهم كتاب الحسين بن على . حتى علم النعمان بن بشير والذى كان لا يزال واليا على الكوفة بأمره . لكنه خطب فى الناس يحثهم على عدم الفرقة ولم يرضى ان يأخذ بالسيف اولا. فاعترض عليه عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي حليف بني أمية وارسل الى يزيد بن معاوية يخبره ما كان من امر مسلم بن عقيل وسكوت النعمان عنه . ويطلب منه ان يولى على الكوفة رجلا شديدا .
فلما تأكد يزيد من الامر ولى على الكوفة عبيد الله بن زياد .
زياد هذا الذى ذكرنا قصته فى الحلقة الاولى ( زياد بن ابيه ) وهذا ابنه عبيد الله كانت له ولاية البصرة فجمع معها ولاية الكوفة .
فخرج زياد الى الكوفة فى خمسمائة رجل و معه مسلم بن عمرو الباهلي و شريك بن الأعور الحارثي و حشمه و أهل بيته ، وكان شريك شيعياً . وكان الحسين قد ارسل الى اشراف اهل البصرة يأمرهم بالخروج واعادة سنة الرسول وتولية من له الحق .
فما كان من شريك الا ان ترك عبيد الله بن زياد فدخل بن زياد الكوفة وحيدا واخذ يسير فى الشوارع . فلما رأوه الناس غريبا حسبوه الحسين وقد كانوا ينتظرونه فاجتمعوا عليه واخذوا يتوافدون ويسيرون خلفه حتى وصل الى بيت النعمان بن بشير وطرق بابه فحسبه الحسين وقال له ليس لى رغبة بقتالك ولا بنصرتك فاليك عنى .
فقال له افتح لا فتحت ! فسمعها إنسان خلفه فرجع إلى الناس و قال لهم : إنه ابن مرجانة
ففتح له النعمان. ثم خرج ليخطب فى الناس فقال : أما بعد فإن أمير المؤمنين ولاني مصركم و ثغركم و فيئكم ، و أمرني بإنصاف مظلومكم ، و إعطاء محرومكم ، و بالإحسان إلى سامعكم و مطيعكم ، و بالشدة على مريبكم و عاصيكم ، و أنا متبع فيكم أمره ، و منفذ فيكم عهده ، فأنا لمحسنكم كالوالد البر ، و لمطيعكم كالأخ الشقيق ، و سيفي و سوطي على من ترك أمري و خالف عهدي ، فليبق امرؤ على نفسه ..
واخذ العرفاء والوجهاء وطلب منهم ان يبلغوا على كل من خرج على يزيد فمن لم يعرف احدا ممن خرج فليضمن اهل بيته ومن معه الا يخرجوا على يزيد والا يجتمعوا على مسلم بن عقيل .
فلما بلغ مسلم ما كان من خطبة عبيد الله وتهديده لكل من اجاره خرج من دار المختار قاصدا دار هانىء بن عروة المرادي فدخل بابه و استدعى هانئاً ، فخرج إليه ، فلما رآه كره مكانه فقال له مسلم : أتيتك لتجيرني و تضيفني . فقال له هانىء : لقد كلفتني شططاً ، و لولا دخولك داري لأحببت أن تنصرف عني ، غير أنه يأخذني من ذلك ذمام ، ادخل . فآواه ، فاختلفت الشيعة إليه في دار هانىء.
ونجد ان هانئا قد استثقل من ان يجير مسلم الا انه قد اضطر الى ذلك بداعى الشهامة العربية التى كان سيعير بها طيلة عمره لو لم يجره بعد ان دخل داره . فالأمر اذن خوف من المعيرة وليس نصرة لدعوته .
عند ذلك كان بن زياد قد امر مولى له ان يكون عينا على مسلم ويحاول ان يصل اليه ليعرف اخبار دعوته وامده بثلاثة الاف درهم لتكن كتمويل يتوغل به الى جماعة مسلم بن عقيل وبالفعل قد كان ذلك واخذ ينقل الاخبار الى بن زياد .
وكان هانىء قد مرض واخذ الناس يعيدونه ومسلم بن عقيل مختفيا عنده فكان يوم ان زاره بن زياد فى بيته وقد اراد الشيعة ان يقتلوه الا ان هانىء رفض ان يقتل فى بيته .
وقد اخبر الجاسوس ما كان من مؤامرة لقتل زياد فاستدعى هانىء لينظر فى امره وقد علم انه قد شفى فلما قدم اليه استجوبه فى امر مسلم بن عقيل وكونه فى بيته . فأنكر . فشد عليه فى القول فانكر . فاتى بالجاسوس فلما رأه هانىء فهم انه كان جاسوسا عليه وانه لا فائدة من الانكار فقال له ما كان من امر اجارته لدافع الشهامة لا لنصرته .
فأمره بن زياد بان يأتى بمسلم بن عقيل ويسلمه اليه . فقال له هانىء بل تتركنى وانا اجعله يخرج من دارى .
فكثر الكلام وعلى حتى قال له زياد والله انك لتأتين به الى او اقطعن رأسك فأبى . فأمر زياد بحبسه . فهدده هانىء بنصرة قومه وشيعته . الا ان زيادا كان قد عرف من رخوة اهل الكوفة وانهم لا ينصرون .
وعندما بلغ الخبر مسلم وان هانىء قد ضرب وحبس ونكل به خرج فيمن اجتمع اليه من الناس وكانوا قد بلغوا زهاء ثمانية عشر الفا من الناس يخرجون لينصرون دعوته . وقد اغتاظوا لحكم بن زياد وابيه وجبروتهم وسطوتهم عليهم .
فلما بلغ الحشد الهائل القصر احتمى عبيد الله بن زياد به واهل بيته وبعض الاشراف وخشى القتل وغلق الابواب دون الجمع . ثم امر الاشراف بان يخطب كل منهم فى قومه وشيعته فيفرق الناس بكلام فيه خذلان وكسر للهمه.
فكان كل رجل بالخارج يحدث نفسه قائلا ان عدت انا بقى فلان فلما لا اعود وليحمل الامر غيرى .
حتى وجد مسلم نفسه قد بقى ومعه ثلاثون رجلا فقط وقد انفض الناس عنه .. فهذا الخذلان معتاد من اهل الكوفة .
فخرج من ساحة القصر لا يلوى على شىء يبحث لنفسه عن مكان يبيت ويقيم فيه فأخذ يسير فى الطرقات حتى وجد امرأة يقال لها طوعة فطلب ان تسقيه . فسقيته فجلس على باب دارها فاستعجبت لامره وطالبته ان ينصرف . فبقى ولم يرد فطلبت اليه ان ينصرف وقد طلبت ان تسقى فسقيناك فقال . انما مسلم بن عقيل كذبنى هؤلاء القوم وخذلونى فهل لك فى الاجر ان تجيرينى .
فادخلته فى احد بيوتها وكانت تكثر من الذهاب اليه لخدمته . فشك ابنها فى الامر فعلم انه مسلم وقد حلف المواثيق ان لا يفتن . ولكنه نكث بعد ان سمع بتهديد زياد لكل من اجاره بالقتل له واهله . فابلغ عنه .
فلما كان الصباح بعث عمرو بن عبيد الله بن عباس السلمي في سبعين من قيس حتى أتوا الدار التي فيها ابن عقيل . فلما سمع الأصوات عرف أنه قد أتي ، فخرج إليهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ، ثم عادوا إليه فحمل عليهم فأخرجهم مراراً ، و ضرب بكير بن حمران الأحمري فم مسلم فقطع شفته العليا و سقطت ثنيتاه ، و ضربه مسلم على رأسه و ثنى بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع على جوفه ، فلما رأوا ذلك أشرفوا على سطح البيت و جعلوا يرمونه بالحجارة و يلهبون النار في القصب و يلقونها عليه . فلما رأى ذلك خرج عليهم بسيفه فقاتلهم في السكة ، فقال له محمد بن الأشعث : لك الأمان فلا تقتل نفسك !
ولكنه اخذ يقاتل غير مصدق لهم حيث عرف انه لا عهد لهم ولا ذمة حتى اشتد به الامر ولم يعد يقوى على القتال امام كل هؤلاء فأخذوا سيفه وسلموه الى عبيد الله بن زياد .
وما ان رأه بن زياد حتى اخذ ينكل به وبعلى وبن الزبير ويجترىء عليهم فى الكلام ثم أمر يقتل مسلم بن عقيل قائلا ستقتل بقتلة لم يقتلها احد فى الاسلام فرد عليه : أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما ليس فيه ، أما إنك لا تدع سوء القتلة و قبح المثلة و خبث السيرة و لؤم الغلبة و لا أحد من الناس أحق بها منك.
ولما علم مسلم بانه مقتول لا محالة طلب ان يوصى الى أحد فى بعض امره فكان له ان اوصى الى احد اقربائه بقضاء دينه الذى استندانه اثناء مقامته فى الكوفة وان يوارى جثته فى تنكل وان يخبر الحسين بن على بعدم القدوم وما كان من امره . وقد كان مسلم قد طلب الى رجل يقال له بن الاشعث بأن يرسل الى الحسين ويخبره ما كان فلا يقدم .
واخذ مسلم الى اعلى القصر وضرب بكير بن حمران الأحمرى رأسه والذى كان قد ضرب من مسلم اثناء محاولتهم القبض عليه .
ثم القوا برأسه وجسده . ثم امر بقتل هانىء الذى كان قد اجار مسلم غيلة فقتل فى السوق .
انتهت الحلقة الثانية تابعوا معنا ماذا سيفعل الحسين بن على .رضى الله عنه