منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   المنتدى العام والهادف (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=104)
-   -   العمل ( التطوعي ) في الدولة الصهيونية (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=21463)

إبراهيم الجيزاوي 28-04-2011 05:36 AM

العمل ( التطوعي ) في الدولة الصهيونية
 
إنه اختبار لقيمة العدل فينا ؛ العدل الذي أمرنا الله - تعالى - أن نقيمه حتى
مع الأعداء ؛ عند الحديث عن تجربة الدولة الصهيونية في العمل التطوعي . فنحن
أمام تجربة تقل مثيلاتها في العالم الحديث ، ومسيرة يمكن الاستفادة منها مع مرارة
طعمها . فدولة لم يمضِ على تكوُّنها سوى خمسين عاماً ، وأمة تحسب أن كل
صيحة عليها عدوٌّ منقضٌّ ؛ تمكَّنت من تشييد قطاع تطوعي فاعل ومؤثر في أغلب
جوانب حياة الإنسان اليهودي على أرض فلسطين المحتلة أو خارجها . مكامن قوة
العمل التطوعي في الدولة الصهيونية تتضح في عدة نقاط ، تشترك في بعضها مع
العالم الغربي الذي تزدهر فيه صناعة العمل التطوعي ، وتنفرد في بعضها عنه ،
فمن تلك النقاط :
* حجم القطاع التطوعي :
مع أن الدولة الصهيونية كانت وما زالت تعيش حالة حرب وهو الوضع الذي
لا يشجع إطلاقاً على النمو والازدهار ؛ إلا أن عدد المنظمات التطوعية فيها حالياً
أكثر من 40.000 منظمة تطوعية وَفْقاً لآخر الإحصاءات . ولقد شهد هذا القطاع
قفزة عددية في العقد الأخير ؛ فقد كان لا يتجاوز عدد المنظمات التابعة له عام
1999م 27.000 منظمة ، وتتمركز أكثر هذه المنظمات التطوعية في مدينتي
القدس و تل أبيب . ويعدّ عدد المنظمات التطوعية كبيراً جداً إذا ما أخذنا في
الحسبان أن عدد المغتصبين اليهود في فلسطين المحتلة - حسب الوكالة اليهودية -
قرابة خمسة ملايين نسمة .
* أثر القطاع التطوعي على الاقتصاد الصهيوني :
تُعدّ المساهمة التي يضيفها القطاع التطوعي إلى اقتصاد الدولة الصهيونية ؛
فريدةً من نوعها ؛ فهي الأبرز عالمياً ، وقد شكلت هذه المساهمة عام 2006م ما
نسبته 13.3% من الناتج المحلي الإجمالي ، حيث دعمت الاقتصاد الصهيوني
بأكثر من 14 ألف مليون دولار أمريكي سنوياً ، وهو ما يزيد عن ميزانية قطاعَيْ
الصحة والخدمة الاجتماعية في دولة خليجية لعام 2008م والتي لا تتجاوز 12 ألف
مليون دولار . ليس هذا فحسب ؛ بل إن عدد ما يوفره القطاع التطوعي من وظائف
لأفراد الشعب الصهيوني يبلغ 235.000 وظيفة بدوام كامل ، وهو ما يمثل نسبة
10% من إجمالي العاملين لديهم . ولقد أسهم القطاع التطوعي بشكل فاعل في تشييد
البنية التحتية لما يسمى بالدولة الصهيونية .
* مصادر تمويل العمل التطوعي :
وَفْقاً لتقارير رسمية فإن هناك ثلاثة مصادر رئيسة تمدُّ المنظمات التطوعية
في الدولة الصهيونية بالدعم المالي ، وهي :
أولاً : عوائد عمليات بيع السلع والخدمات :
فكثير من المنظمات التطوعية الصهيونية لها ذراع تجاري ، ويمثل هذا
المصدر نسبة 36% من حجم الدعم المالي المقدَّم للمنظمات التطوعية .
ثانياً : التبرعات :
التي يسهم بها الأفراد والمنظمات الأخرى ، وتبلغ نسبتها في حجم الموارد
المالية للمنظمات التطوعية 13% ، وتُعَدُّ هذه النسبة الثانية على مستوى العالم بعد
أمريكا ، وهي تسبق بذلك بريطانيا ، إلا أن الجدير ذكره أن الجزء الأكبر من هذه
التبرعات يأتي من خارج الدولة .
ثالثاً : الدعم الحكومي :
وهو أهم المصادر وأكثرها تأثيراً ، إذ تبلغ نسبته في حجم التمويل 51% ،
ومن أبرز صوره : الدعم المباشر ، وشراء الحكومة للخدمات التي تقدِّمها المنظمات
التطوعية . وهو ما يعكس صورة من صور دعم ومساندة الحكومات للعمل
التطوعي ، خلافاً لما تلاقيه المنظمات التطوعية في الوطن العربي من تهميش
وتشكيك ومصادرة .
* التبرُّع والتطوُّع لدى الشعب الصهيوني :
إضافة إلى عدد الموظفين الدائمين في المنظمات التطوعية الصهيونية والذي
يبلغ 235.000 موظف ؛ فإن أعداداً متزايدة من الصهاينة ينخرطون في أعمال
تطوعية ، ففي عام 2006م بلغت نسبة المساهمين في أعمال تطوعية في المجتمع
الصهيوني 45% . ويفسر أحد الباحثين ذلك الإقبال الكبير على العمل التطوعي
بإيمان اليهود بالمسؤولية المشتركة تجاه بعضهم .
ومع أن هناك ارتباطاً منطقياً بين مستوى الدخل ومستوى العطاء في أي
مجتمع ؛ إلا أن الوضع في المجتمع الصهيوني لا يعكس ذلك بوضوح ؛ فالأغنياء
والفقراء - على حدٍّ سواء - يسهمون في التبرعات بشكل فاعل ، فقد أوضحت
إحدى الدراسات عام 2006م أن نسبة التبرع بين الأغنياء تصل إلى 90% في
حين أنها لم تقلَّ عن 70% بين فقراء الشعب الصهيوني . ومن بين الأعراق
المتنوعة عندهم فإن اليهود من أصول أوروبية وأمريكية هم أكثر الأعراق سخاء
في التبرعات .
* الوضع القانوني للمنظمات التطوعية الصهيونية :
تأخذ منظماتهم التطوعية ثلاث صور قانونية عند التسجيل : الجمعيات ،
والأمانات ، وشركات ذات غرض عام ( غير ربحي ) . ولقد استفادت الدولة
الصهيونية من تنظيم العمل التطوعي في بريطانيا وأمريكا . ووَفْقاً لتصنيف جامعة
( جون هوبكنز ) العالمي الذي يصنِّف المنظمات غير الربحية إلى 12 صنفاً ؛ فإن
المنظمات الدينية تمثل ما لا يقل عن ربع المنظمات التطوعية لديهم . بينما تتوزع
البقية في الأصناف الأخرى ؛ كالصحة والرفاهية ، والتعليم والبحث ، والثقافة ،
والدفاع عن الحقوق ، والتطوير والإسكان ، والاتحادات المهنية ، وغير ذلك . ومع
أهمية الدِّين في نشوء العمل التطوعي في أي دولة ومجتمع إلا أنه لم يكن المحرك
الوحيد في التجربة الصهيونية ، وهذا ما يفسر وجود أكثر من 30.000 منظمة
تطوعية غير دينية في ( الأرض المحتلة ) مع أنها بالتأكيد سوف تدعم بشكل غير
مباشر المشروع الديني والعقدي الذي تقوم على أساسه دولتهم . كما ينتشر بوضوح
بين اليهود المقيمين في الخارج ما يسمى بالصناديق التطوعية التي تدير تبرعات
أفراد وعائلات يهودية غنية .
وعند الحديث عن العمل التطوعي الصهيوني فإنه لا ينبغي إغفال الحديث عن
امتداده خارج نطاق الدولة الصهيونية ، فكما ذُكر سابقاً فإن أغلب التبرعات التي
تحصل عليها المنظمات التطوعية الصهيونية تأتي من الخارج ؛ ففي بريطانيا -
على سبيل المثال - ما لا يقل عن 2300 منظمة تطوعية يهودية مسجلة جمعت في
عام 2007م ما لا يقل عن ألف وأربعمائة مليون دولار ، بينما لا يتجاوز ما جمعته
1373 منظمة تطوعية إسلامية مسجلة في بريطانيا 400 مليون دولار . وإن أبرز
الدول التي تجعل جزءاً كبيراً من خيراتها للعمل التطوعي الصهيوني هي أمريكا
التي يوجد فيها ما لا يقل عن 5.500.000 يهودي أمريكي وهو الرقم الذي
يوازي عدد سكان اليهود في الأرض المحتلة نفسها .
* المنظمات التطوعية اليهودية في أمريكا :
للمنظمات التطوعية اليهودية في أمريكا أثر كبير بين الجالية اليهودية التي لا
تزيد نسبتها عن 2% من حجم سكان أمريكا ، ولها أثرها الكبير أيضاً في المجتمع
الأمريكي وصنَّاع القرار أيضاً ، ويكمن تأثيرها في إتقانها صنعة جمع التبرعات
بطريقة احترافية بين الأفراد العاديين وبين الأغنياء أصحاب الثروات الطائلة ، وفي
قدرتها على توجيه هذه التبرعات بما يخدم دولتهم بالدرجة الأولى ومصالح اليهود
داخل أمريكا وخارجها بالدرجة الثانية .
ويبلغ عدد المنظمات التطوعية اليهودية في أمريكا الآلاف ، وهي في نموٍّ
ملحوظ ومطرد ؛ سواء كان في العدد أو في حجم الممتلكات والأصول . ومن بين
أكبر 100 منظمة تطوعية أمريكية هناك ثماني منظمات تطوعية يهودية . ومن
أبرز هذه المنظمات في أمريكا : منظمة ( Foundation Annenberg ) التي
تبلغ أصول أموالها أكثر من 2.5 بليون دولار ( أي : ألفين وخمسمائة مليون
دولار ) ، و منظمة ( Foundation Weinberg ) التي تبلغ أصول أموالها
قرابة ألفي مليون دولار .
ولإلقاء نظرة سريعة على حجم وأوجه صرف التبرعات اليهودية في أمريكا
فيكفي أن نتأمل في عوائد الحملة السنوية التي تقيمها شبكة من المنظمات اليهودية
في كل ولايات أمريكا والتي تبلغ قرابة ألف مليون دولار . وفي دراسة شملت أكبر
56 صندوقاً تطوعياً يملكه أفراد أو عوائل يهودية في أمريكا وتبلغ أصول أموالها
مجتمعة 17 ألف مليون دولار ؛ اتضح أنها تبرعت بما لا يقل عن ألف ومئتي
مليون دولار خلال عام 2005م ، وكان ربعها تقريباً موجهاً إلى منظمات يهودية ،
والتي ستصل - في الغالب - إلى الدولة الصهيونية بطريق من الطرق .
وهناك ثلاث قنوات رئيسة لإيصال تبرعات اليهود الأمريكيين إلى الدولة
الصهيونية :
أما القناة الأولى : فالكثير من الصناديق والمنظمات اليهوية تدعم الحكومة
الصهيونية بشكل مباشر ، وأما القناة الثانية : فتتمثل فيما تبعثه المنظمات التطوعية
اليهودية الأمريكية إلى المنظمات التطوعية في الأرض المحتلة ، وأما القناة الثالثة :
فإن لكثير من المنظمات اليهودية الأمريكية مكاتب رسمية تمثلها في الدولة
الصهيونية وتنفذ من خلالها مشاريعها وبرامجها .
وبعد ؛ فإن هذه الرحلة القصيرة في مسيرة العمل التطوعي لدولة مثل الدولة
الصهيونية لا تخلو من الأوجه التي يمكن الاستفادة منها من قِبَل القائمين على
المنظمات التطوعية الإسلامية ، ومنها : أنه ينبغي على الدعاة والمصلحين
الانطلاق بالعمل التطوعي نحو آفاق جديدة ومجالات متنوعة تمسُّ حاجة المجتمعات
وتتجاوز الصبغة التقليدية التي تطغى على أغلب أعمال المنظمات التطوعية في
الدول الإسلامية ، وأن تتحول ممارسات العمل التطوعي في البلدان الإسلامية إلى
صناعة احترافية بعيداً عن إعطائه فضول الأوقات والجهود . ومنها أيضاً : أن
البعد الاستراتيجي في العمل التطوعي مطلب ملحٌّ وحاجة أكيدة سيجني المتطوعون
ثمرته إذا ما تمَّ تطبيقه بشكل صحيح . كما أن قدرة المنظمات التطوعية اليهودية
على امتصاص التبرعات من الشعوب الأخرى وتحويلها إلى دولتهم تؤكد أهمية أن
لا ينساق محبُّو الخير من المسلمين وراء ( المحلية ) في العمل التطوعي ، بل إن
التوازن بين ( المحلية والعالمية ) في العمل التطوعي الإسلامي مطلوب ؛ فقدرات
ومقدرات الشعوب الإسلامية الغنية قادرة على المساهمة الفاعلة في سدِّ الثغرات
وتلبية الحاجات في كلا المجالين .
وأبلغ ما يستفاد من هذه التجربة ، والذي يؤكده كثير من التجارب الناجحة في
دول الشمال ، أن الحكومات بما تسنُّه من أنظمة مساندة ومطورة للعمل التطوعي
ومنظماته هي الركيزة الأولى لنجاح القطاع التطوعي وقيامه بدور فاعل في مسيرة
التنمية والنهوض بعد إرادة الله تعالى . فنسأل الله أن يلهم صنَّاع القرار في بلداننا
الإسلامية والعربية الرغبة الصادقة لفتح الباب الأوسع لعمل تطوعي مستقل يتوافق
مع قدرات أمة الزكاة والصدقة .


الساعة الآن 10:00 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام