20-01-2015, 05:43 AM
|
المشاركة رقم: 1 (permalink)
|
المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
موقوف |
البيانات |
التسجيل: |
17 - 1 - 2015 |
العضوية: |
24397 |
المشاركات: |
71 |
بمعدل : |
0.02 يوميا |
معدل التقييم: |
0 |
نقاط التقييم: |
10 |
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
المنتدى :
الحضارة في الإسلام
أدب الـتـعامل الاسلامي مــــع الـبـخـلاء
* من هو البخيل ؟ وما سماته الدالة عليه؟
عرفه ابن قدامة المقدسي بأنه الذي يمنع مالا ينبغي أن يُمنح إما بحكم الشرع أو لازم المروءة ومن قام بواجب الشرع ولازم المروءة فقد تبرأ من البخل لكن لا يتصف بصفة الجود ما لم يبذل زيادة على ذلك، وقال بعضهم : الجواد هو الذي يعطي بلا منَّ، وقيل: هو الذي يفرح بالإعطاء " أما حد البخل فهو منع الواجب "
وفي الطب الروحاني لابن الجوزي " أن مجرد الإمساك للمال لا يُسمى بخلاً ؛ لأن الإنسان قد يمسك فاضل المال لحاجته ولحوادث دهره ولأجل عياله وأقاربه وهذا كله من باب الحزم فلا يُذم وإنما يقع اسم البخل على مانع الحق الواجب ([1])
وسمات البخلاء كما سيتضح من كلام علماء الإسلام تتلخص في المغالطة وخداع النفس والتبرير والخوف والتوتر والقلق من المستقبل وسوء الظن بالله ويؤكد ذلك ما يأتي :
1- انحراف عن التفكير الصحيح والرؤية السليمة للأمور.
وهنا يقول الجاحظ في كتابه " البخلاء عنهم "أنهم يحولون الأمور من معناها الصحيح فيسمون البخل صلاحًا والشح اقتصادا ويصفون المنع بالحزم والمواساة بالتصنع والجود بالإسراف والإيثار بالجهل وينسبون القوة إلى من لا يميل إلى الثناء على الآخرين وكيف أنهم يرغبون في الكسب ويزهدون عن الإنفاق ويخشون زوال النعمة في كل وقت" ثم يبدي الجاحظ تعجبه ممن يتمسك بالبخل رغم تقبيح الجميع له، وتعجبه ممن يعرف عيوبه وما به من شح ثم يعجز عن معالجة نفسه وإصلاح مزاجه وتغيير عاداته ويستشهد على صحة ما ذكره بوقائع عملية "
فقد بعث سهل بن هارون برسالة إلى بني عمه ردًا على اتهامهم له بالبخل وفيها ينقض سهل تلك الاتهامات فعندما اتهموه بأنه سد بالطين على الفاكهة والرطب حتى لا تنال منه زوجته أو خدمه وأولاده أخبرهم بأنه ليس من الأدب أن يتساوى السيد والمسود والمقود في نفس المأكل أو المشرب أو الملبس تماما كما لا ينبغي أن يستوي التابع والمتبوع أو القائد والمقود في مواضعهم من المجلس و ترتيب ذكر أسمائهم وما يستقبلونه من التحيات كما عابوا عليه قوله بأنه لا يجب أن يغتر أحد بطول عمره وبشيخوخته فيظهر الكرم ويخرج ماله من يده فرد عليهم بأنه قد يكون هذا الشخص معمرًا وهو لا يدري وقد يرزق بالولد بعد اليأس أو تحدث له نكبات لم تخطر على باله مما يضطره إلى الشكوى وسؤال الناس وعندما عابوا عليه ترقيع حذائه رد عليهم بأن إصلاح النعل بالخياطة والترقيع دليل على التواضع وعدم الإسراف وفيه تشبه بالنساك كما أن النعل المرقع أريح للقدم ويغني عن شراء الجديد وعابوا عليه تفضيله للمال على العلم فرد عليهم بأن المال في رأيه يغاث به العلماء وبه تحيا النفوس قبل أن تعرف فضيلة العلم " كما أن العلماء يأتون أبواب الأغنياء أكثر مما يأتي الأغنياء أبواب العلماء .... " ([2])
2- حب المال وبعد الأمل الباعثان على الحرص .
وهو صفة سلبية لا تنفك عن البخيل وفيها يقول الماوردي: آفة من بُلي بالجمع والاستكثار ومُني بالإمساك والادخار حتى انصرف عن رشده فغوى وانحرف عن سنن قصده فهوى أن يستولى عليه حب المال وبُعد الأمل فيبعثه حب المال على الحرص في طلبه ويدعوه بعد الأمل على الشح به والحرص والشح أصل لكل ذم وسبب لكل لؤم، لأن الشح يمنع من أداء الحقوق ويبعث على القطيعة والعقوق ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " شر ما أُعطي العبد شح هالع وجبن خالع" وقال بعض الحكماء: "الغني البخيل كالقوي الجبان" .
وأما الحرص فيوضح الماوردي أنه لا يزيد أبدًا في الرزق بل يؤدي بالإنسان إلى إهمال فروض دينية كالعبادة والوقوع في الحرام بسبب حب أن يأتي المال بأي وسيلة وفي ذلك يقول : " أما الحرص فيسلب فضائل النفس لاستيلائه عليها ويمنع من التوفر على العبادة لتشاغلهم عنها ويبعث على التورط في الشبهات لقلة تحرزه منها و هذه الثلاث خصال هن جامعات الرذائل سالبات الفضائل مع أن الحريص لا يستزيد بحرصه زيادة على رزقه سوى إذلال نفسه وإسخاط خالقه ورُوي عن النبي r أنه قال: "الحريص الجاهد والقنوع الزاهد يستوفيان أُكُلهما غير منتقص منه فعلام التهافت في النار " وقال بعض البلغاء : المقادير الغالبة لا تنال بالمغالبة، والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشدة والمكالبة فذلل للمقادير نفسك واعلم أنك غير نائل بالحرص إلا حظك، وقال بعض الأدباء : رب حظ أدركه غير طالبه ودر أحرزه غير جالبه " وليس للحريص غاية مقصودة يقف عندها ولا نهاية محدودة يقنع بها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يشيب ابن آدم ويبقى معه خصلتان : الحرص والأمل " وروي عنه أيضًا أنه قال : " اقتصدوا في الطلب فإن ما رزقتموه أشد طلبًا لكم منكم له وما حُرمتموه فلن تنالوه ولو حرصتم وقال بعض البلغاء : إذا طلبت العز فاطلبه بالطاعة وإذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة فمن أطاع الله عز وجل عز نصره ومن لزم القناعة زال فقره".وفي هذا يقول الشاعر:
إني أرى مــن لـه قنوع يدرك مــا نال مـن تمنى
والرزق يأتي بــلا عنـاء وربما فــات مـن تعـنَّى
وذُكر أن علي بن أبي طالب قال:
أفادتني الـقناعة كـل عز وأي غنى أعـز مـن القناعة
فصيرها لنفسك رأس مال وصير بـعدها التقوى بضاعة
تحرز حين تغنى عـن بخيل وتنعم في الجنان بصبر ساعة ([3])
ثم هو ينعي بشدة البخيل وما عليه من حرص فيقول كرم الله وجهه : " بشر مال البخيل بحادث، أو وارث " ([4])
3- الذل إذا كان طالبًا قضاء حاجته.
وهذه إحدى سمات البخيل التي أشار إليها الرسولrوقد نهى عن ذل السؤال وكيف أنه يأتي كنقطة سوداء في وجه الإنسان يوم القيامة فقد روي عنه rأنه قال:"اليد العليا خير من اليد السفلى " وقيل: "البخيل أبدًا ذليل " ([5])
4- عبوس البخيل في وجه المحتاجين لمساعدته
وفي ذلك يقول ابن الرومي :
إن الذي يبـدو العبوس بوجهه بخيل نـوى جـوادًا فلاقاك عابسًا
وهاتيك حال الباخلين إذا نـووا سدى أو ندى أبدوا وجوها عوابسا
وأما الذي يبدي لك البشر فامرؤ جـوادا إذا أعـطاك لم يعط نافسًا ([6])
ويقول حاتم الأصم مقاربًا بين البخيل والمنافق عند الأخذ والعطاء ويقارن بينهما وبين المؤمنين " المنافق ما أخذ من الدنيا يأخذه بالحرص وإن منع منع بالشك وإن أنفق في المعصية والمؤمن يأخذ ما يأخذه بقلة الرغبة والخوف وإن حفظه حفظه بالضيق أي أن التملك صعب عليه وإن أنفق أنفق لوجه الله تعالى خالصًا في الطاعة ([7])
وقد عدَّ البخل إحدى صفات الإنسان اللئيم الذي لا يسعد أبدًا إذا أعطى محتاجا وإذا أعطاه فيصحب ذلك الإهانة للمحتاج وبصورة ليس فيها كرامة له . وقد أوضح ذلك الغضبان بن القبعثري حين سأله عن مسائل يمتحنه فيها من جملتها أن قال له: من أكرم الناس ؟ قال: أفقههم في الدين وأصدقهم لليمين وأبذلهم للمسلمين وأكرمهم للمهانين وأطعمهم للمساكين قال: فمن ألأم الناس ؟ قال : المعطي على الهوان المقتر على الإخوان الكثير الألوان ([8])
وقد أنشد في ذلك :
بخيل يرى في الجود عارًا وإنما يرى المرء عارًا أن يضنَّ ويبخلا إذا المرء أثرى ثم لم يـرج نفعه صديـق فـلاقـته المنية أوّلا ([9])
5- يتميز بعض البخلاء بخفة الظل
وذلك من أجل تقليل ردود الأفعال السلبية لمواقفهم المخزية تجاه الآخرين وامتناعهم عن مساعدتهم وأيضا لتخفيف مشاعر العداوة والكراهية لهم ويتضح ذلك من القصة التي ذكرها الجاحظ عن الأخ البخيل الذي وعد أخاه بخمسمائة ألف درهم إذا رزق بألف ألف درهم فيقول " والله لو ملكت ألف ألف درهم لوهبت لك خمسمائة ألف درهم يا هؤلاء فرجل يهب في ضربة واحدة خمسمائة ألف درهم يقال له بخيل ؟ ! ([10])
6-إنكار ثرواتهم والتقليل من شأنها
حتى يصرفوا الآخرين عن السؤال وطلب المساعدة منهم ويميل القليل منهم إلى الافتخار بما ليس عنده.([11])
* التعامل مع البخيل :
1- بعدم التسامح معه على سوء فعله .
وهذا موقف ابن حزم والذي يبرره بقوله :إن مسامحة أهل الاستئثار والاستغنام والتغافل لهم ليس مروءة ولا فضيلة بل هو مهانة وضعف وتحبب لهم على التمادي على ذلك الخلق الذميم. ([12])
2- لا يستحق البخيل أن تحزن لخذلانه لك.
أما د. عائض القرني فإنه يسوق لنا رد فعل مغايرا لموقف ابن حزم من البخيل قائلاً:"لا تحزن إذا حجبك أحد أو اكفهر في وجهك عبوس أو منعك بخيل" ثم يستشهد على موقفه بما لدى السلف من دعوة للتفاؤل الدائم مهما اشتدت الأزمات التي يتعرض لها الإنسان والاستعانة بالصبر والدعاء من ذلك ما ذكره من أبيات لسفيان الثوري يقول فيها :
سيكفيك عـما أغلق الباب دونه وضنَّ بـه الأقوام مِلْـحٌ وجـردقُ
وتشرب مني مـاءً فراتا و تغتدي تعارض أصحاب الثريـد المـلـبق
تجشي إذا مـا هـم تجشوْا كأنما ظللت بـأنـواع الخبيص تـفتَّـقُ
ثم يعقب على ذلك داعيًا إلى الرضا والنأي بالنفس عن ذل السؤال بقوله : " إن الكوخ الخشبي وخيمة الشَّعر وخبز الشعير أعز وأشرف مع حفظ ماء الوجه وكرامة العرض وصون النفس من قصر منيف وحديقة غنّاء مع التعكير والكدر "
وعن أن دوام الحال من المحال وإن مع العسر يسرًا وأجدى للإنسان الصبر عن التعرض للبخيل بالسؤال فيقول: " المحنة كالمرض لابد له من زمن حتى يزول ومن استعجل في زواله أوشك أن يتضاعف ويستفحل فكذلك المصيبة والمحنة لابد لها من وقت حتى تزول آثارها وواجب المبتلى الصبر وانتظار الفرج ومداومة الدعاء " ([13])
3- إذا اضطر الإنسان لسؤال البخيل شيئًا فليسرع في أمره
ولا يمهل البخيل فرصة للتهرب من إجابته أو التفكير وهذا نستنتجه مما ذكره الأبشيهي بقوله:" إذا سألت لئيمًا شيئًا فعاجله ولا تدعه يفكر فإنه كلما فكر ازداد بعدًا ([14]) عن إجابة مسألتك وقضاء حاجتك. 4- عدم التوجه بالسؤال مطلقًا إلى البخيل أو اللئيم
هذا رأي الشافعي وذلك لما يبديه من عبوس وتقطيب للوجه يعكس مدى كراهيته انتفاع ومساعدة الآخرين وقد أنشد في ذلك :
أقسم بـالله لـرضخ النوى وشرب مـاء القلب المالحة
أحسن بالإنسان من حرصه ومن سؤال الأوجه الكالحة ([15])
وقيل لأعرابي: ما السقم الذي لا يبرأ أو الجرح الذي لا يندمل ؟ قال حاجة الكريم إلى اللئيم ".
وقيل لأبي حازم:ما مالك؟ فقال الثقة بما في يد الله واليأس مما في أيدي الناس ([16]) وفي كتاب كليلة ودمنة " الموت أهون من الحاجة التي تحوج صاحبها إلى المسألة ولا سيما مسألة الأشحاء واللئام فإن الكريم لو كلف أن يدخل يده في فم الأفعى فيخرج منه سمًا فيبتلعه كان ذلك أهون عليه وأحب إليه
من مسألة البخيل اللئيم ([17])
* ذم البخيل :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق "
ومما رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم إني أعوذ بك من الجبن والبخل"([18])
وفي رواية أخرى قال رسول الله r: "إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم "وفي رواية أخرى تكملة للحديث وهي "ودعاهم فقطعوا أرحامهم "([19])
وقال يحيي بن معاذ : مصيبتان للعبد في ماله عند موته لا تسمع الخلائق بمثلهما : قيل ما هما ؟ قال : يؤخذ منه كله ويسأل عنه كله([20]) ومما ورد في كتاب " كليلة ودمنة " في هذا الصدد : وجدت البلاء في الدنيا إنما يسوقه الحرص والشر لأنهما لا يزالان يدخلان صاحبهما من شيء إلى شيء والأشياء لا تنفد ولا تنتهي ولا يزال صاحب الدنيا في بلية وتعب ونصب ووجدت ركوب الأهوال وتجشم الأسفار البعيدة في طلب الدنيا أهون علي من بسط اليد إلى السخي بالمال فكيف بالشحيح به "([21])
والإنسان البخيل مبرراته لحبس ماله واهية لأنه إن كان يجمعه مخافة للفقر فإنه بسلوكه للبخل يعيش الفقر متعجلا به وفي ذلك يقول الشاعر :
كـم مانع نفسه لذاتها حذرًا للفقر ليس له مـن مال ذخر
إن كان إمساكه للفقر يحذره فقد تعجل فقـرًا قبل أن يفتقر
وابن تيمية يذكر حديث الرسول r " إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالظلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا " ثم يعقب على هذا الحديث بما روي عن عبد الرحمن بن عوف من أنه كان يكثر من الدعاء في طوافه يقول :" اللهم قني شح نفسي " فقال رجل:ما أكثر ما تدعو بهذا ؟ فقال : إذا وقيت شح نفسك وُقيت الشح والظلم والقطيع "
واعتبر ابن تيمية البخل من الأمراض التي تجعل النفس تحب ما يضرها وتكره ما ينفعها ([22])
- ومما قيل في ذم البخيل و انصراف الناس عمن يتصف به :
وآمرة بالـبخل قـلت لها: اقصري فـلـيس إليه ما حييت سبيل
أرى الناس إخوان الكريم ومـا أرى بخيلاً لـه في العالمين خلـيـل ([23])
* علاج البخل:
- بالتربية منذ الصغر على حب الإنفاق فعلى الوالدين أن يغرسا في أبنائهما هذا الخلق ويكونا قدوة عملية له في ذلك ويحثان أولادهما بماروي من جزيل ثواب الله لمن تحلى بذلك واطلاعهم على سنة الرسول r وصحابته في هذا الشأن إضافة إلى حمل الطفل بنفسه على القيام بهذا الواجب في أمور بسيطة ليتعود على ذلك ويصبح سجية له .
- يقول الشافعي :
تستر بالسخاء فكـل عيب يغطيه كما قـيـل السخاء ([24])
وفي موضع آخر من ديوانه يبدي مدى أسفه إذا أتى إليه من يسأله عن شيء ليس يملكه فيقول:
إن اعتذاري إلى من جاء يسألني ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات ([25])
وإذا كان من صفات البخيل اللازمة له أنه لا يقضي حوائج الآخرين فإن علاج هذه الصفة يكون بما يضادها بإبراز المواقف العملية والسنن القولية التي تحث على فضائل الإنفاق وتحبب الإنسان المعطي لكل الناس خيرهم وشرهم وقد خصص ابن أبي الدنيا لهذا كتابا أسماه " قضاء الحوائج" وهو يحوي الكثير من سنن الرسول r ومواقف الصحابة والتابعين في فضل الإنفاق وكيف أن البخل يعرض نعمة الله للزوال . يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " ما عظمت نعمة الله على عبد إلاّ اشتدت عليه مؤنة الناس فمن لم يحتمل تلك المؤنة للناس فقدعرّض تلك النعمة للزوال"
- وعن فضل الإعطاء لمن يستحق ومن لا يستحق .
روي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله r قال له : " يا علي كن سخيًا فإن الله تعالى يحب السخاء وكن شجاعًا فإن الله تعالى يحب الشجاع وكن غيورًا فإن الله يحب الغيور وإن امرؤ سألك حاجة فاقضها فإن لم يكن لها أهلاً فكن أنت لها أهلاً "
وعن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله عبادًا خلقهم لحوائج الناس تقضي حوائج الناس على أيديهم أولئك آمنون من فزع يوم القيامة " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله "([26])
- أما عن فضل قضاء الحاجة للإنسان قبل سؤاله
فمن صفات الإنسان الكريم الجواد أنه يقيل غيره من عثرته قبل أن يذل نفسه بالسؤال للآخرين وفي
ذلك روي أن عبد الله بن جعفر قال: ليس الجواد الذي يعطيك بعد المسألة ولكن الجواد الذي يبتدئ لأن ما يبذله إليك من وجهه أشد عليه مما يعطي عليه "
وقال عبيد الله بن عباس لأخيه: إن أفضل العطية ما أعطيت الرجل قبل المسألة فإذا سألك فإنما تعطيه ثمن وجهه حين بذله إليك " ([27])
- من يكون قضاء الحوائج عنده و يستحق التوجه بالسؤال إليه ؟
ونظرا لأن البخيل يكون قاطب الجبين عبوس الوجه عند طلب المساعدة منه فإن الرسول r يرشدنا إلى عدم التوجه إليهم لقضاء الحوائج وإنما إلى حسان الوجوه الذين تنتفي من ملامحهم عند الحاجة لمساعدتهم هذه الصفات السابقة وليس المقصود جمال الشكل أو قبحه .
وفي هذا روى ابن أبي الدنيا أن الرسول r قال: " اطلبوا حوائجكم عند حسان الوجوه فإن قضى حاجتك قضاها بوجه طلق وإن ردك ردك بوجه طليق فرب حسن الوجه دميمه عند طلب ورب ذميم الوجه حسنه عند طلب الحاجة " وسُئل حفص بن غياث عن تفسير حديث الرسول r السابق فقال : إنه ليس من صباحة الوجوه ولكنه حسن الوجه إذا سئل المعروف " ([28])
ومن النماذج العملية في ذلك ما روي من أن أسماء ابن خارجة قال : ما شتمت أحدًا قط ولا رددت سائلاً قط لأنه إنما يسألني أحد رجلين : إما كريم أصابته خصاصة وحاجة فأنا أحق من سد خلته وأعانه على حاجته وإما لئيم أفدي عِرضي منه وإنما يشتمني أحد رجلين : إما كريم كانت منه ذلة أو هفوة فأنا أحق من غفرها وأخذ بالفضل عليه فيها وإما لئيم فلم أكن لأجعل عرضي إليه " وأسماء ابن خارجة يقول في ذلك :
إذا طارقات الهم أسفرت الفتى وأعـمـل في الفكر والليل داجر
وباكرني إذا لم يكـن ملجأ له سواي ولا مـن نكبة الدهر ناصر
فرّجت بمالي همه في مكـانـه فـزايـله الـهـم الدخيل المخامر
وذكر بعض مشايخ الشاميين أن عبد الله بن رواحة أو حسان بن ثابت قال :
قـد سمعنا نبينا قـال قـولاً هـو لمـن يطلب الحـوائج راحه
اغتدوا فاطلبوا الحوائج ممـن زيـن الله وجـهـه بصبـاحـه ([29])
* علاج سبب البخل وهو حب المال :
وابن قدامة المقدسي له منهج لعلاج البخل يوضحه بقوله : اعلم أن سبب البخل حب المال ولحب المال سببان :
- أحدهما : حب الشهوات التي لا وصول إليها إلاّ بالمال مع طول الأمل وإن كان قصير الأمل وله ولد فإنه يقوم مقام طول الأمل .
- الثاني : أن يحب عين المال فمن الناس من معه ما يكفيه لبقية عمره ويفضل معه آلاف ويكون شيخًا لا ولد له ثم لا تسمح نفسه بإخراج الواجب عليه ولا بصدقة تنفعه ويعلم أنه إذا مات أخذه أعداؤه أو ضاع إن كان مدفونا وهذا مرض لا يرجى علاجه .
ثم بعد أن يقف على سبب الداء يضع الدواء والذي يوضحه بقوله : " اعلم أن علاج كل علة بمضادة سببها فيعالج حب الشهوات بالقناعة والصبر ويعالج طول الأمل بكثرة ذكر الموت ،ويعالج التفات القلب إلى الولد بأن من خلقه خلق معه رزقه وكم ممن لم يرث شيئا أحسن حالاً ممن ورث فليحذر أن يترك لولده الخير ويقدم على الله بشر فإن ولده إن كان صالحًا فالله يتولاه وإن كان فاسقًا فلا يترك ما يستعين به على المعاصي وليردد على سمعه ما ذكرناه في ذم البخل ومدح السخاء "
ولهذا وجدنا ابن قدامة يوصي بالبعد عن الاغترار بكثرة ملذات الدنيا التي ييسرها المال والحرص عليه والبخل به وذلك لأنه يصاحبها أو يتبعها الحسرة على فقدانها لأي عارض يمر بها وإنما يجب الاعتدال كما قال تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) فلا يكون الإنسان بخيلا ولا مسرفا ومن يتوسط بين الحالين فلا يسمى بخيلا وفي ذلك يقول: "واعلم أنه إذا كثرت الأموال في الدنيا كثرت المصائب بفقدها فمن عرف آفة المال لم يأنس به ولم يأخذ منه إلا قدر حاجته وأمسك ذلك لحاجته فليس ببخيل " ([30])
([1]) الطب الروحاني، ابن الجوزي , الباب السابع
([2]) علم النفس في التراث الإسلامي، جـ1 / صـ 139 , 140 نقلا عن البخلاء للجاحظ .
([3]) أدب الدنيا والدين، صـ 164 – 167
([4]) أحلى ما قيل في الحكم والأمثال، ص 241 نقلا عن ( الإعجاز و الإيجاز )
([5]) التمثيل والمحاضرة : 44 وأحلى ما قيل في الحكم والأمثال ص 241
([6]) ديوان ابن الرومي، جـ2 / 328
([7]) تذكرة الأولياء : للعطار ص 505
([8]) المستطرف في كل فن مستظرف : الأبشيهي – ج1 / ص 93
([9]) المرجع السابق، ص 292
([10]) علم النفس في التراث، ج1 / ص 144
([11]) المرجع السابق، نفس الصفحة
([12]) الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ص 155
([13]) لا تحزن : عائض القرني ص 95 , 96
([14]) المستطرف في كل من مستظرف، ج1 ص 292
([15]) أحلى ما قيل في الحكم والأمثال، ص 234 نقلا عن ديوان الشافعي: 41
([16]) الإدارة في التراث الإسلامي، ص 356 , 357
([17]) كليلة ودمنة : لابن المقفع ، ص 150 , 151
([18]) رواه البخاري و الترمذي ، مختصر منهاج القاصدين ص 204
([19]) إسناده صحيح و أخرجه مسلم وأحمد مساوئ الأخلاق ومذمومها ص 140
([20]) مختصر منهاج القاصدين، ص 196
([21]) كليلة ودمنة، ص 151
([22]) أمراض القلوب وشفاؤها ، لابن تيمية : تحقيق وتعليق : د. محمد زينهم الناشر دار العلم ص 39
([23]) المستطرف في كل من مستظرف، ص 292
([24]) أحلى ما قيل في الحكم: ص 232 نقلا عن ديوان الشافعي 19 , 36
([25]) المرجع السابق، ص 232 نقلا عن ديوان الشافعي 19 , 36
([26]) كتاب قضاء حوائج الناس:ابن أبي الدنيا
([27]) مجموعة الرسائل، لابن أبي الدنيا : كتاب قضاء الحوائج ص 87, 92
([28]) المرجع السابق، ص 93 بتصرف بسيط
([29]) مجموعة الرسائل، لابن أبي الدنيا ص 93 وما بعدها
([30]) مختصر منهاج القاصدين، ص 27 وما بعدها
H]f hgJjJuhlg hghsghld lJJJJu hgJfJoJghx lüüüüX çgçQgçld hgJfJoJghx
|
|
|