شجرة التوت أو الـ Mulberry وتعرف علميا باسم الـ Morus هي من النباتات المزهرة متساقطة الأوراق، والتي يعرف منها 10 – 16 نوعا، وأشجاره سريعة النمو في صغرها، ثم يبطؤ نموها عند الكبر، ونادرا ما يتعدى ارتفاعها 10 – 15 مترا، تترتب أوراقها بالتناوب على الأشجار، وهي أوراق بسيطة، مفصصة، مسننة الحواف، أما ثمارها فهي عنقودية، يبلغ طول إحداها من 2-3 سم، وهي إما بيضاء أو حمراء أو سوداء، وتنتشر أشجار التوت في كثير من بلدان العالم شرقا وغربا، ويمكن زراعتها باستخدام البذور والشتلات، وتحصد ثمار التوت مرة في العام من مايو إلى يونيو، أو يوليو إلى أغسطس، باختلاف البيئات، أما أوراقه فتجنى من 3-4 مرات في العام، ولأشجار التوت وثمارها وأوراقها فوائدة عدة غذائية وعلاجية واقتصادية.
غذاء للإنسان والحيوان: تؤكل ثمار التوت وتدخل في كثير من الأكلات المنزلية وتصنع منها عصائر ومربات؛ حيث يشتهر في هذا المجال عصير التوت والمربى الدمشقية طالع تقريرا للشرق الأوسط حولها، وتحتوي ثمار التوت على الكثير من العناصر الغذائية المفيدة للإنسان كالأحماض والدهنيات والبروتين والسكريات والفيتامينات.
أما كغذاء للحيوان فيشير تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة نشر عام 2000 أن شجر التوت "ينتج من المغذيات أكثر مما تنتجه معظم الأعلاف التقليدية، ويمكن أن تستخدم أوراقه كعلف رئيسي للماعز والأغنام والأرانب، وكغذاء تكميلي بدلا من المركزات للماشية المدرة للبن، وكأحد المكونات في أعلاف الحيوانات وحيدة الأمعاء مثل الخنازير"، ويشير التقرير أيضا إلى أن شجر التوت "يتراوح المحتوى البروتيني الخام لأوراقه من 15% إلى 28% مما يجعله في وضع مشابه لمعظم الأعلاف البقولية، ومن مميزاته البارزة ارتفاع المحتوى المعدني؛ حيث تبلغ فيه نسبة الأخشاب 25%، ومن حيث قابليته للهضم فهو يشبه معظم الأعلاف الاستوائية، أما من حيث الطعم فهو مستساغ جدا، وقد لاحظ العلماء أن الحيوانات المجترة الصغيرة "تستهلك أوراق التوت الطازجة والسيقان الصغيرة بشراهة، حتى ولم لم يسبق لها تذوقها".
التوت كعلاج: عرفت مجتمعات العالم منذ القدم استخدام التوت في الوصفات العلاجية، فقد "وجدت ثمار التوت في مقابر هوارة الفرعونية، واستخدم الفراعنة عصير التوت شراباً لعلاج حالات البلهارسيا وحرقان المعدة ولعلاج حالات الكحة والسعال الديكي، كما ذكره كل من ابن سينا وابن البيطار وداود الأنطاكي في علاج بثور الفم، كما استخدم التوت في إطار الطب الشعبي لعلاج الديدان الحلقية، ويحتوي التوت على مادة الأنثوسيانين وهي إحدى المواد المضادة للأكسدة، ويعتقد أن لها فوائد في الوقاية من السرطان، وتقليل الكوليسترول، وإبطاء أعراض الشيخوخة.الفوائد الاقتصادية لشجر التوت
الفوائد الاقتصادية لشجر التوت
لأشجار التوت فوائد اقتصادية عديدة؛ حيث يدخل في الكثير من الصناعات وعمليات الإنتاج:
1- الصناعات الغذائية: كالعصائر والمربات والتي يمكن أن تدر دخلا لربات البيوت وصغار الباعة، وتصلح كمشروع إنتاجي بأحجام مختلفة.
2- صناعة الأعلاف الحيوانية: وقد سبق ذكر استخدام أوراقها في هذا الغرض.
3- صناعة الورق والأخشاب: حيث يشير تقرير منشور على موقع "كوريا.نت" إلى أن الورق الكوري التقليدي المعروف باسم "هانجي، والمصنع من لحاء شجر التوت قد عرف منذ القرن الأول قبل الميلاد، واستخدم في الكتابة، وصناعة أدوات المطبخ والسلال والحقائب والزهور الصناعية والنوافذ، وما زال حتى الآن يستخدم في مجالات عدة مثل: دمى الأطفال، وحقائب اليد، وورق التغليف والزينة، وخامات الديكور والكماليات، كما يتجه مصممو الأزياء لاستخدامه في صناعة الملابس الداخلية والجنيز والجوارب، وذلك بخلطه بخامات أخرى، وبفضل تأثيره الفعال كمضاد حيوي طبيعي انتشرت استخداماته في ورق التعقيم والضمادات والحفاظات والجلد الصناعي. هذا من حيث الورق، أما الأخشاب فإن فروع شجر التوت تقطع في فصل الخريف بعد تساقط الأوراق وتستخدم في صناعة السلال طويلة العمر، والتي تستخدم في أغراض كثيرة خاصة بالزراعة وتربية الحيوانات.
4- صناعة الأصباغ الطبيعية: حيث إن هناك طرقا رخيصة صناعيا لتنقية الأنثوسيانين كصبغة طبيعية من ثمار التوت يمكن استخدامها لدباغة النسيج أو تلوين الأغذية ذات القيمة العالية اللون، مع احتفاظ الثمار بعد استخلاص الصبغة بمحتوياتها من السكريات والأحماض والفيتامينات؛ حيث يمكن أن يستخدم المتبقي منها لأغراض مختلفة.
5- تربية دود القز وإنتاج الحرير الطبيعي: تعد تربية دود القز على أوراق شجر التوت وصناعة الحرير الطبيعي من أشهر الأنشطة الاقتصادية التي ارتبطت بشجر التوت. على الرغم من وجود عدة أنواع من دود القز، فإن أشهر تلك الأنواع هو النوع المعروف علميا باسم "بومبيكس موري"، وقد أصبحت تربية دودة القز واحدة من أهم الصناعات المنزلية في عدد من البلدان مثل الصين واليابان والهند وكوريا والبرازيل وروسيا وإيطاليا وفرنسا، واليوم تعتبر الصين والهند هما المنتجتان الرئيسيتان؛ إذ ينتجان معا أكثر من 60 ٪ من الإنتاج العالمي كل عام.
مراحل إنتاج الحرير
في تجربة قام بها أحد أبناء قرية "زوير" مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية المصرية في ديسمبر من عام 2008، وقام فيها بزراعة 500 شتلة توت على جوانب مصرف القرية، تكلفت بأجر العمالة ألفين من الجنيهات، أي إن الشتلة تتكلف 4 جنيهات بزراعتها.
أما الدراسة التي نشرت على موقع كنانة أون لاين، فتشير إلى اقتصاديات دورة واحدة لإنتاج شرانق دود القز كالتالي: 60 جنيها ثمن علبة بيض الديدان بها 20 ألف بيضة، و5 جنيهات ثمن صناديق ورق التوت، و100 أجرة عامل لمدة الأيام العشرة الأخيرة من دورة الإنتاج (التي تستمر 45 يوما)، أما المبيعات فهي تقدر بـ 250 جنيها ثمن 8 صفائح من الشرانق التي تنتجهم علبة البيض (ثمن الصفيحة 65 جنيها)، علما بأنه يمكن القيام بـ 5 دورات أثناء العام الواحد.
وتمر عملية تربية الديدان وإنتاج الشرانق بعدة مراحل تشتمل على: تجهيز الغرفة وتصنيع حوامل وصواني التربية، وتفقيس البيض، وسحب اليرقات، وتغذيتها على أوراق التوت، عندما تبلغ اليرقة 25 يوما يصل وزنها إلى 10 آلاف مرة وزنها وقت الفقس، حينئذ تكون جاهزة لإنتاج شرنقة الحرير من غدتين في رأسها، تنتج الدودة الواحدة ما طوله ميل من الشعيرات تتشرنق فيها يومين أو ثلاثة، وتنتج 5500 دودة ما يزن كيلو جراما من الحرير، ويمكن الحصول على الحرير من الشرنقة بحكها بفرشاة بحثا عن الطرف الخارجي من الشعيرات، والتي يتم وضعها على بكرة، وتحتوي الشرنقة الواحدة على 1000 ياردة من خيوط الحرير الخام.
التوت ودود القز كمدخل للتنمية المحلية
أشجار التوت إذا بالأنشطة الاقتصادية القائمة حولها يمكن أن تكون مدخلا مناسبا للتنمية المحلية للمجتمعات الريفية في بلادنا بمنطق إعادة اكتشاف الخامات المحلية، وبمنطق أن الحكمة ضالة المؤمن.
وقد قدمت بنجلاديش نموذجا في هذا المجال، وإن كان يعتمد بالأساس على نشاط واحد يتمثل في تربية دود القز وإنتاج الحرير؛ حيث أوردت صحيفة الإندبندانت تقريرا في عددها الصادر يوم 3 أغسطس 2010 حول المشروع القومي الذي بدأ في العام الحالي 2009/2010، ويتعاون فيه كل من مجلس بنجلاديش لتربية دود القز، ومعهد بنجلاديش لتدريب وأبحاث تربية دود القز، ومؤسسة بنجلاديش للحرير، ويهدف البرنامج الذي يتكلف 30 مليار تكا إلى تأسيس 23 قرية منتجة للحرير من خلال رفع كفاءة صغار المزارعين لتأسيس حدائق توت عالية الإنتاج، وإنتاج شرانق حرير عالية الجودة؛ حيث سيتم تقسيم أهل القرية إلى 6 مجموعات لتربية الشرانق واستخراج الحرير والغزل والنسيج والصباغة والطباعة والتجهيز والتداول، وهو ما سيتيح فرص عمل للمزارعين الهامشيين والذين بلا أرض والحرفيين الريفيين، وكذلك للمنخرطين في صناعات الحرير في المدن، وسوف يساهم المشروع عند نهايته في تخفيف حدة الفقر لدى 50 ألف بنغالي، ويضيف 4200 مربي شرانق سوف يساهمون في زيادة إنتاج الشرانق بمقدار 650 طنا.
وإذا كان هذا جانبا واحدا من استثمار الفوائد الاقتصادية لأشجار التوت، فما بالنا إذا استثمرت جميع الجوانب الاقتصادية والغذائية والدوائية لها، في نشاط تتعاون فيه الجهات البحثية والتنفيذية والأهلية؛ إذا لكان الناتج تنمية ريفية هائلة توفر الآلاف من فرص العمل وزيادة الدخل، وتمنع الهجرات الداخلية في أوطاننا من الفقر الريفي إلى الفقر المديني بما له من آثار اجتماعية سلبية على بلداننا