كي أبصر العالم كله، يكفيني أن أقرأ.. ونعلم أنّه ليس من بديهيات المعرفة التعلّم في مدارس أو فصول، ليس استخفافًا بالتعليم، -ولو أنه لا يزال في قمقمه المنغلق-، لكنه ولاستتمام المعرفة يجبُّ تعلّم القراءة، والقراءةِ وحدها، بمفهومها العامّ، لا الحرفيّ فحسب؛ إذ بها وحدها تتشكّل ميول القارئ في علومه التي يرغبها، ويبحث عنها، ويقرؤها بنهم واستمتاع. لهذا تصبح القراءة، النافذة الأصدق لمعرفة ثقافات الشعوب المكتسبة والموروثة، وبها وحدها نستطيع معرفة تاريخ هذه الأمم الماثلة أمامنا أو الزائلة وراءنا، سواء أكانت متحضّرة أو ما زالت تحبو نحو التطور، وبهذا وحده نجزم بأنّ لكل أمة تاريخها وثقافتها، التي استطاعت أن تبقى حتى عصرنا، الذي تشتّتتْ فيه المعارف والثقافات. يقول (ابراهام لينكون): "إنّ القدرة على تذوّق القراءة، هي ما يتيح لك اكتشاف الآخرين". ونلمس هذا حين نقرأ شكسبير-مثلاً- و روايتيه الشهيرتين (عطيل) و(تاجر البندقية)، فنكتشف أنه ضد العنصرية والطبقية أولاً، كما يجعلنا نعايش أجواء لندن وضبابها القديمَ ثانيًا. وحين نقرأ (دوستوفسكي) –مثلاً- ندرك أيّ شخص عانى من الفقر والظلم كثيرًا، وأيّ وحول خضناها ونخوضها معه في ضواحي موسكو وبترسبيرغ. بالقراءة المتوالية أيضًا، نلاحظ مدى تغيّر ميولنا القرائية، فحين يروقني "منيف"، الروائي العربي الكبير، أرى أنّ المنفلوطي يروق الجيل السابق أكثر. وهنا ندرك أنّ للأجيال افتتانها الخاصّ، واختلافاتها الذوقية والقرائيّة والجماليّة؛ فليس بالضرورة أن ما يروقني الآن سيروقني بعد عشرة أعوام مثلاً، والعكس ليس صحيحًا أيضًا؛ إذ لا تزال أسماء من مثل "الجاحظ"، و"المعري"، و (ملفل)، و(وولف)، و(دانتي)، و"الخيّام" تلمع في سماء التاريخ والعالم والعظمة. ولعلّ من عوائد سطوة التكنولوجيا على الثقافة العالمية، وفي ذيلها الثقافة العربيّة، إفراز مخرجات كبيرة وثرّة يبدو من أهمّها تطوّر آلة النقد الحديثة للأعمال العربيّة والأجنبية، لتضع بذلك أمامنا لائحة بأهم وأجمل الكتب والأعمال التي علينا أن نقرأها. فأمام عدد ضخم من النتاجات العالمية المكتوبة والمترجمة نبدو عاجزين عن انتقاء الكتب الأكثر فائدة وتشويقًا، والأهم من ذلك مواكبة ذائقتنا. و عليه لابد من قراءة نبذات تعريفية عن الكتب والأعمال المنتجة، وهي متوفرة لو طرقنا الشبكة العنكبوتية قليلاً، أو طالعنا الملاحق الأدبية والثقافيّة. وبهذا ننجو ونسعد، بدلاً من أن نُرزَأ بشراء كتب كيفما اتفق، نملّ أثناء قراءتها قبل الصفحة الثالثة، ومن ثم نتركها عديمة الفائدة والجدوى. إن العنوان ليس مغريًا للمغامرة؛ فقد انتهى زمن أن يُعرف "الكتاب من عنوانه"، وجاء زمن الأكثر مبيعًا على لائحة الصحف والأسواق والبورصة ودكاكين الثقافة الزائفة، زمن المليون نسخة والطبعة السابعة عشرة والبوكر.. والخ. وقد يحقّ لنا أن نقامر على اسم الكاتب لا الكتاب. وأقول مقامرةً؛ لأن هنالك استثناءات في أسماء الكُتّاب، حتى الكبار منهم؛ إذ حين نقرأ "اسمي أحمر" –مثلاً- (لباموق)، ندرك أنّ "ألوان أخرى" عمل متواضع جدًا أمام العمل الأول. ولهذا تصبح مقولة (ديفيد ثورو): "اقرأْ أفضل الكتب أولاً، فربما لا تكون هناك فرصة أخرى لقراءتها"، حكمة ذهبيّة المعنى، وماسيّة التطبيق.