الحمد لله وحده وصلاة وسلامًا على من لا نبي بعده .. أما بعد فلقد تكلمنا في الحلقتين السابقتين في القيادة الربانية وكيف يفكر القائد الرباني.. وكيف يكون عندنا القائد الرباني وخربنا بذلك مثالاً القائد محمد الفاتح العثماني، وهذه الحلقة نتكلم عن الخونة والخائنين وكيف تتم صناعة العملاء الذين يبايعون دينهم وأمتهم وعقيدتهم لأعداء الأمة، الذين يرتضون على أنفسهم أن يأتوا على أسنة رماح الكافرين ليتبوأ مقعدهم من السلطة والقيادة ليكونوا حنجرًا في يد الأعداء يطعنون به الأمة المسلمة في أعز ما تملك في دينها وثوابتها المقدسة، وللأسف الشديد تاريخنا الإسلامي متخم بأمثال هؤلاء العملاء الجبناء وإن كان أكثرهم أو عامتهم في العصر الحديث ذلك لأن أعداء الإسلام بعد عصور متلاحقة من الحروب الدينية والقتال المتواصل في مختلف الجبهات ارتضوا أن هذا الدين وهذه الأمة لن تهزم في ميادين القتال المفتوحة حيث المواجهات العسكرية لقوة إيمانهم وتمسكهم بعقيدتهم وأن التغلب عليها يحتاج لنوع آخر من القتال والغزو وهو القتال من وراء الكواليس والغزة بالإنابة والوكالة عن طريق وهذا الأمر نلمسه بوضوح في وصية لويس التاسع ملك فرنسا وقائد الحملة الصليبية الثامنة الفاشلة عندما أيقن أنه لا سبيل للنصر على المسلمين بالقوة الحربية بل لابد من تحويل ميدان القتال إلى مجال آخر يقوم عليه صنائعهم وعملائهم من المفتونين من أبناء المسلمين، وتتضح هذه الحقيقة أيضًا من رسالة البطريرك جريجوريوس اليوناني إلى قيصر روسيا يبدين له فيها كيفية هدم الدولة العثمانية من الداخل، وذلك باستخدام العملاء والرشوة للدفع بمن لا ولاء لهم إلا للمال والجاه فقط ولو على حساب دينهم وأمتهم .
وفي هذه الحلقة نعرض لتاريخ أحد هؤلاء العملاء لنرى كيف تم تصعيدهم وترفيعهم حتى يصلوا لمدة الحكم فيحققوا كل أغراض الأعداء دونما أن تطلق رصاصة واحدة ولا يهدد دم جندي واحد .
محمد علي : يوصف محمد علي في كثير من كتب المؤرخين المعاصرين بأنه رائد النهضة الحديثة في مصر والشام وبأنه صاحب الفضل الأول في حضارة مصر الحديثة لما أدخله في ديارهم من علوم وصناعات حديثة وتوسع عمراني، ويرجعون إليه الفضل في وضع مصر على خريطة العالم المتحضر وأنه وأبناءه قاموا بنقلة حضارية في الديار المصرية والشامية، إلى غير ذلك من الأوصاف والألقاب الفخمة، والأمجاد الزائفة الطنانة التي تروج على أبناء المسلمين الذين يدرسون تاريخ مصر الحديثة حيث يمثل هذا العميل حيزًا كبيرًا من تاريخها كبطل من أبطال الإسلام وهو منه براء والإسلام منه براء.
من هو محمد علي ؟
محمد علي هو أحد أبناء الطائفة الألبانية التي دخلت في دين الإسلام أيام السلطان محمد الفاتح وصار كثير من الألبان من قادة الجيوش العثمانية لما يمتازون به من قوة وصلابة في القتال ونباهة ونبوغ في العمليات الحربية تلك المواهب حدت بالسلاطين العثمانيين بالاعتماد على الألبان في الكثير من المهام الخاصة وفي المقابل حرص كثير من الألبان على الانخراط في سلك الجندية ومن هؤلاء كان محمد علي الألباني، ولم تذكر الروايات التاريخية شيئًا عن أصله ولا تاريخ ميلاده، ولك ما يذكر عنه قبل مجيئه إلى مصر أنه كان شخصية سيئة السمعة معروفًا بالقسوة وغلظة الكبد ترسله الدولة العثمانية لتأديب القرى التي تتأخر في دفع الضرائب فيعكسر هو وحملته التأديبية حول القرية ينهبون ويسلبون ويفزعون الآمنين حتى يرى أهل القرية أن الأفضل لهم دفع الضرائب مهما كانت باهظة، وقد انتقل بعدها لتجارة الدخان والتبغ فحقق أرباحًا جديدة وظهرت مواهبه وطموحاته الواسعة ونهمه الشديد للأموال والسيطرة غير أنه قد بقى جنديًا من جنود الدولة العثمانية حتى ترقى في سلكها وصار من كبار ضباط فرقة الروملي [أي الركبان] التي أرسلت من قبل الخليفة سليم الثالث لإخراج الحملة الفرنسية من مصر .
الأحوال الداخلية في مصر :
أصبحت مصر ولاية عثمانية سنة 923هـ في عهد سليم الأول وقد ترك العثمانيون إدارة شؤون مصر للمماليك الذين كانوا أدرى بشئونها وظل الأمر هكذا حتى هجم الفرنسية، على مصر واحتلوها سنة 1213 هـ واستمرت هذه الحملة مدة ثلاثة سنوات تركت خلالها أسوأ الآثار على مصر خاصة وعلى البلدان المحيطة عامة حيث كانت بداية للهزيمة النفسية للمسلمين وكشفًا لحوارات الدولة العثمانية، والضعف الشديد والتخلف الحضاري الذي آل إليه المسلمون ذلك غير المفاسد التي بدأت تسري في جسد البلاد نتيجة تصرفات الفرنسيين المنحطة أخلاقيًا وسلوكيًا وحدث شرخ كبير في نفوس المسلمين وحالة من الانبهار بالعدو .
جاء محمد علي ضمن الفرقة الألبانية من الجيش العثماني لطرد الفرنسيين واستطاع بمكره ودهائه أن يتقرب للعوام ويكسب ثقة العلماء أصحاب الثقل الشعبي واستغل حالة الفوضى والفراغ الحادث ف يالسلطة والخلاف الذي حدث على ولاية مصر حيث عينت الدولة خسروا باشا واليًا على مصر ولم يعجب هذا الاختيار المماليك ولا العلماء ولا الشعب من ورائهم، وكان الإنجليز من وراء الستار يتقربون للمماليك الناقمين على خسرو باشا لإحداث مزيد من الفوضى والاضطرابات ببلاد الخلافة ولم يعجب هذا التقارب العثمانيون فأمروا خسروا باشا بأن يضيق على المماليك ولكن لتأخر دفع الرواتب ثار الجنود خاصة الألبان بقيادة طاهر باشا ومساعده محمد علي على خسرو باشا ، واضطر خسرو باشا لمغادرة مصر وتولى طاهر باشا الولاية، ولكنه ما لبث أن قتل على يد أحد الجنود الثائرين غيره من الألبان، وتم تعيين أحمد باشا مكانه، ولكنه لم يلبث سوى يومًا واحدًا حيث أن العلماء وهم سادة الشعب فعلاً رغبوا في تولية نائب طاهر باشا وهو محمد علي وبالفعل أصبح محمد علي واليًا على مصر في 20 ربيع أول سنة 1220هـ وتوجه عمر مكرم نقيب الأشراف وعبد الله الشرقاوي كبير العلماء إلى محمد علي وألبساه لباس الولاية وأخذوا عليه عهدًا ألا يفعل شيئًا دون الرجوع إليهم، وأرسل محمد علي بعبارات التذلل والخضوع للسلطان ودولته تعلن فيها بأنه خادم مطيع فلم يقبل السلطان في بداية الأمر لعلمه بنوايا وأطماع محمد علي ولكن نضغط الشعب الغافل والعلماء السذج أجبر السلطان على الموافقة على تعيينه واليًا على مصر، ومما رسخ أقدام محمد علي في البلاد وعزز مكانته أنه استطاع رد حملة فريزر الإنجليزية عن مصر سنة 1222هـ على الرغم أن الكفاح والجهاد جاء على يد أبناء مدينة رشيد الباسلة وقائدهم الشيخ عبد الله، ولكن المجد نسب لمحمد علي عند عامة الشعب وظهر بصورة المنقذ للبلاد وعندها بدأ محمد علي في تدعيم مركزه الشخصي وطموحاته وأطماعه الواسعة تجاه السلطة والجاه والأموال .
سياسة محمد علي :
عندما انتسب الأمر لمحمد علي داخل البلاد أخذ في التخلص من منافسيه الذين كان على رأسهم العلماء فعمل على الوقيعة فيما بينهم وإضعاف شوكتهم بالإغراء وبالقتل والتهديد بقطع الأرزاق وبالنفي حيث نفى نقيب الأشراف عمر مكرم إلى دمياط سنة 1224هـ وعزل عبد الله الشرقاوي وهرّب بعض العلماء ممن وجد فهيم ضالته من العلماء العملاء للسلطة حتى أنه قد أدخل بعض العلماء في المحافل الماسونية مثل الشيخ حسن العطار وغيره، وبعد أن خضد شوكته العلماء أصحاب الثقل الشعبي اتجه للمماليك أعدائه السابقين فعمل له المكيدة المشهورة بمذبحة القلعة سنة 1226 هـ .
الخديعة :
مدارج على المؤرخين المعاصرين والشعوب الطيبة التي تصدق كل ما تسمعه وتقرأه الإصلاحات الكبيرة التي قام بها محمد علي داخل مصر حتى خلعوا عليه ألقاب طنانة مثل باني مصر الحديثة وصاحب الإنجازات الحضارية القائد المستنير إلى غير ذلك من الأوصاف التي خدعت الكثير، صحيح أن محمد علي أدخل زراعات وصناعات حديثة بمصر ونشأ الأسطول ودعّم الجيش وأدخل النظم الحديثة في القتال، واهتم بالتعليم وأنشأ المدارس ونظم المواصلات ونشط التجارة ونظم الإدارة وبنى القناطر والسدود إلى غير ذلك من رفع لمستوى الدولة، ولكن لماذا ؟
هل قام محمد علي بذلك كله خدمة للإسلام والبلاد وطاعة لسلطانه أو تقديرًا لمنصبه وولايته؟ بالطبع كلا .. ذلك لأن محمد علي كان يعتبر نفسه الدولة فالأرض أرضه والفلاحون زراع عنده يزرعون الأرض له وهل هو على مجودهم وهو التاجر الذي تؤول إليه أموال التجارة كلها وهو ما لك الصناعة الذي تؤول إليه أراباح الصناعات كلها.
الجيش الحديث بكل أسلحته لخدمته أغراض محمد علي التوسعية ونفسه وأولاده من بعده بالجملة كل الإصلاحات التي أدخلها محمد علي على مصر كانت لسببين :
أولهما : خدمته الشخصية ومنفعته الخاصة وتثبيته لوضعه ولأبناءه من بعده.
ثانيهما : تأثيره بالغرب وابنهاره بحضارة أوروبا فراح تقليدها ليلحق بركابها ويلقى مساعدتها ومودتها.
صفات محمد علي :
كان المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي معاصرًا لمحمد علي خبيرًا بالكثير من صفاته فاضحًا لمخططاته مما دعا محمد علي أن يغتال ولده الوحيد خليل سنة 1825 هـ مما أحزن الجبرتي كثيرًا حتى فقد بصره، وكان يصفه بأنه [مخادع وكذاب يحلف الأيمان الكاذبة ظالم لا عهد له ولا ذمة له يضمر السوء واستخدام العسف والجور في نفس الوقت الذي يعد فيه بالعدل ولا يخفف من عسفه وظلمه واستبداده واستجداء شيخ].
وقال عنه : [يتسم بداء الحسد والشر ـ والطمع والتطلع لما في أيدي الناس وأرزاقهم]، وقال عنه أيضًا: [جمع على الناس عشرة أشياء من الرذائل وهي السخرة والعونة وأجرة الفعلة والذل والمهانة وتقطيع الثياب ودفع الدراهم وشماتة الأعداء وتعطيل معاشهم وأجرة الحمام] وذلك عندما كلفهم قسرًا بتعمير القاهرة.
كان محمد علي ميكافيلليًا لأقصى درجة، فالغاية عنده تبرر الوسيلة كلّف يومًا أحد النصارى المحيطين به وقد اعتاد أن يكون معظم ماشيته منهم واسمه أرتين بترجمة كتاب [المير] لمكافللي فملا وصل إلى الصفحة العاشرة توقف عن المواصلة قائلاً بأنه يمتلك من الحيل ما لم يخرط لميكافللي على بال .
محمد علي والماسونية :
عندما دخل الفرنسيون مصر كان أول ما فعله أن أنشأوا محفلاً ماسونيًا بالقاهرة وسموه محفل إيزيسي وأوجدوا له طريقة خاصة به تناسب مصر وهي الطريقة الممفيسية أو الطريقة الشرقية القديمة وتمكن هذا المحفل أن يستقطب عددًا من المصريين ويشير المنشور الأول الذي وزعه بائعون على المصريين إلى أنه قد سعى لنشر هذه الأفكار بين المسلمين فجأة في منشوره [قولوا لهم 'أي المسلمين' إن جميع الناس متساوون عند الله وإن الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط] يعني إلغاء فوارق الدين والتقى تمامًا، وعندما وصل محمد علي مصر كان شابًا صغيرًا وكان فيه من الصفات التي تؤهله للانضمام وبقوة لتلك المحافل اليهودية التي تهدف في المقام الأول لهدم الإسلام ودولة الخلافة، وقد سمح محمد علي للمحافل الماسونية بالنشاط والتوسع داخل مصر وانتشرت في الشام أيضًا، فلقد أنشأ الماسونيون الإيطاليون محفلاً بالإسكندرية سنة 1830هـ على الطريقة الإسكتلندية، ولقد ساعدت تلك المحافل الصهيونية محمد علي ومكنت له في البلاد لذلك فالمتابع للأحداث التاريخية يجد نفسه أمام تساؤلات لا إجابة لها مثل لماذا ثارت الفرقة الألبانية بالذات التي يحتل فهيا محمد علي المنصب الثاني؟ لماذا يعين طاهر باشا بالذات واليًا على مصر بعد خسرو باشا؟ ثم لماذا يقتل بعدها بعشرين يومًا؟ لماذا يساعد محمد علي خورشيد باشا في تولي الولاية ثم ينقلب عليه؟ وكيف استطاع محمد علي أن يفي برواتب الجند خاصة بعد استيلاء المماليك في الصعيد على مخصصات الأهالي هناك؟ وجوانب كثيرة يكتنفها الغموض.
ثم الناظر لسياسة محمد علي الخارجية والداخلية تجد أن تدور في فلك خدمة الماسونية العالمية فلقد كان محمد علي ثعلبًا ماكرًا همه نفسه وأولاده من بعده، ولذلك قام بأعمال شنيعة وأفعال قبيحة في إضعاف الأمة والقضاء على شوكتها وتنفيذ مخططات فرنسا وبريطانيا وحرص على أن يجمل صورته في أعين الغرب بل ويفكر كما قال عن نفسه [بعقل إفرنجي وهو يلبس القبعة العثمانية].
دور محمد علي في ضرب الإسلام :
لقد قام محمد علي نيابة عن الدولة الصليبية الممزوجة بالإسلام مثل فرنسا وروسيا وبريطانيا بتوجيه ضربات موجعة للاتجاه الإسلامي في كل من مصر والجزيرة العربية والشام والخلافة العثمانية مما كان له الأثر في تهيئة العالم الإسلامي للأطماع الغربية، وهذا الدور الخبيث تمثل في عدة نقاط قام بها الخبيث محمد علي :
1 ـ ضربه لجبهة العلماء داخل مصر واتخاذ أقذر الوسائل من قتل ونفي وتشريد وقطع أرزاق وتلفيق تهم وتشويه رغم أن العلماء هم الذين جاءوا به للسلطة .
2 ـ حربه ومقاتلته لحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية بناءً على طلبات الدول الصليبية التي ضاقت من مد إسلامي وبعث جديد للإسلام الصحيح النقي وللأسف الشديد كثير من مؤرخينا يتابعون الغرب الصليبي في نعوت تلك الحركة بالخوارج والإفساد ولكن الحق ما آلت إليه هذه الدعوة المباركة من التمكين في الأرض والانتشار بعد ذلك، وحقيقة حرب محمد علي للدعوة السلفية لم تكن بين قوات يدين طرفاها بالإسلام بل كانت حرب بين موحدين مؤمنين ومجرمين مارقين واسمع ما يقوله الجبرتي في وصف الهزيمة التي وقعت على جيوش محمد علي في أول الأمر على يد السلفيين [أين لنا النصر وأكثر عساكرنا على [غير الملة] وفيهم من لا يتدين بدين أصلاً، ولا ينتحل مذهبنا وصحبتنا صناديق المسكرات ولا يسمع في عرضتنا آذان ولا تقام به فريضة، والقوم ـ يقصد الوهابيين ـ إذا دخل الوقت أذن المؤذنون وينتظمون صفوفًا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع وينادون في معسكرهم هلموا إلى حرب المشركين المحلقين الذقون المستبيحين الزنا واللواط الشاربين الخمور وكشفوا عن كثير من القتلى فوجدوهم غلفًا غير مختونين .. ].
3 ـ من ضمن الوسائل التي حارب بها محمد علي الإسلام تقريبه لأعداء الإسلام من مختلف الملل والنحل وإبعاده للمسلمين فلقد أحاط نفسه ببطانة ومساعدين من نصارى الأروم والأرمن وكتبة من الأقباط واليهود، يقول عن ذلك الجبرتي [فتح باب للنصارى من الأروام والأرمن فترأسوا بذلك وعلت أسافلهم]، وكان بوغص بك بمثابة رئيس وزرائه وهو نصراني أرمني وكاني حب أن يظهر أمام الغرب بصورة المتحرر من كل قيود الدين، فلقد قال للفرنسيين وهو يفاوضهم على احتلال الجزائر [ثقوا أن قراري لا ينبع من عاطفة دينية فأنت تعرفونني وتعلمون أنني متحرر من هذه الاعتبارات التي يتقيد بها قومي وقد تقولون إن مواطني حمير وثيران وهذه حقيقة أعلمها]، وعندما وقعت ثورة اليونان الصليبية على حكم العثمانيين أراد أن يظهر بصورة الناصر والمتعاطف مع تلك الثورة فسمح لليونانيين الذين يقيمون في مصر بالسفر إلى اليونان والانضمام للثورة كما حرر مماليكه الذين من أصل يوناني وأرسلهم هناك للغرض نفسه، وقام محمد علي ولأول مرة في تاريخ الجيوش الإسلامية بإدخال عناصر غير مسلحة مثل الأقباط واليهود في الجيوش المصرية مما ترتب عليه إضعاف الجيوش .
ومن شدة حبه وتقريبه لأعداء الإسلام من كل ملة ونحلة اكتسب محمد علي دعاية واسعة وكبيرة لدى الشعوب الأوربية حيث يُعرف بأنه يعطف على النصارى في بلاده ويعمل على تحريك الروح الإسلامية حتى أن الحكومات الغربية كانت تتجنب الصدام معه لشعبيته الجارفة ضد شعوبهم!
4 ـ عمل محمد علي على تفتيت دولة الخلافة فشن حروب واسعة بسبب أطماعه وإشارات الدعوة السلفية تحول إلىمخلط قد بيد أعداء الإسلام يمزق في جسد الأمة فتوغل في السودان لنهب ثرواتها حتى وصل إلى منابع النيل ثم توجه إلى الشام، ودخلها بعد حروب مريرة راح ضحيتها الآلاف ثم أظهر خلافه وعصيانه للسلطان العثماني سنة 1248هـ وأخذ في محاربة جيوش الخلافة حتى كاد أن يسقط دولة الخلافة كلها، والناظر لمراحل احتلال قوات محمد علي للشام أكدت على اتجاه المعادي للمسلمين والمساند للنصارى واليهود، وأكدت أيضًا أنه كان منفذًا للأهداف البريطانية على الصعيد السياسي وكان منفذًا للأهداف الفرنسية على الصعيد الثقافي ولقد فتح محمد علي الباب على مصراعيه لدخول البعثات التبشيرية الفرنسية والأمريكية وألغى كافة القوانين الاستثنائية وجميع ما كان يسري على النصارى وحدهم ويعتبر الصليبيون عام 1834 م تحول تاريخ للتنصير والتبشير .
5 ـ من آثار محمد علي على الإسلام أنه قد أصبح أنموذجًا وإمامًا تحتذي به الدول الأوروبية في صنع عملائها في داخل ديار المسلمين كمصطفى كمال أتاتورك الذي جاء من بعده وأتم المهمة التي بدأ بها محمد علي في إسقاط دولة الخلافة وحرب الإسلام.
6 ـ من أخطر الضربات التي وجهها محمد علي على الإسلام أنه قد فتح باب مصر والشام على مصراعيه أمام حملات التغريب والغزو الثقافي الغربي للمسلمين والحضارة الإسلامية وسمح للمؤسسات المشبوهة والمعادية للإسلام مثل محافل الماسونية والإرساليات التبشيرية والأديرة والكنائس والمدارس الصليبية التي بذرت بذور التيارات القومية المعادية للإسلام، فتح محمد علي الباب أمام التغريب والغزو الثقافي بابتعاث الطلبة المسلمين لفرنسا بدعوى تلقي العلوم والمعارف الحديثة، وهم في سن المراهقة غير محصنين بشيء لينغمسوا في حلق الصناع والشهوات والشبهات ولذر الرماد في العيون أرسل معهم أئمة للوعظ والصلاة . فماذا فعل الأئمة؟ هذا هو الطهطاوي يعيش بفرنسا فينبهر بها انبهارًا يدفعه لخلع الجبة والقفطان ولبس البدلة والقبعة ويؤلف كتاب أخبار باريس ودعا فيه إلى تحرير المرأة إلى السفور والاختلاط وأثنى على الرقص وأظهر تأثرًا وإعجابًا بآراء مونتسكيو وروسو، ثم جاء من بعد الطهطاوي رجال سار على درب الوطنية والقومية والتغريب الذي بذر بذرته محمد علي أمثال علي مبارك وإبراهيم أدهم وصالح مجدي ومحمد عثمان جلال وعبد الله أبو السعود وعبد الله فكري وغيرهم حتى وقتنا الحالي حتى أننا نرى أن فاروق حسني وزير الثقافة ـ التغريب ـ المصري يقيم احتفالية كبيرة كل سنة بمثابة الحملة الفرنسية على مصر! بدعوى أنها كانت السبب في التنوير الثقافي الذي حدث بعد ذلك بمصر .
ما سبق بعض ما نكب به محمد علي على الإسلام ببلاد مصر والشام خاصة وسائر بلاد المسلمين عامة مما يكشف حقيقة محمد علي ويسقط الهالة الكبيرة المصطنعة عمدًا على شخصية صاحبة أسوأ أثر على الإسلام والمسلمين .