لقد أشرقت شمس الإسلام على العالم يوم كانت المجتمعات البشرية تتعذب وهي مكبلة بقيود الجهل والاضطراب والفوضى، يوم كانت الرذائل الأخلاقية تسود تلك المجتمعات بدلاً من الفضائل، يوم لم تكن البشرية في كلّ أرجاء العالم ـ وهي قد تاهت عن الطريق السوي ـ لتتمتع بأي مظهرٍ من مظاهر حياةٍ تليق بإنسانية الإنسان فيما بين مجتمعاتها، التي كانت تسودها الاضطرابات والاشتباكات والفساد والجهل والتوحش، ويخيم عليها ظلام دامس لا يُطاق.
في مثل تلك الفترة التي فقدت الحياةُ فيها لك مظاهر الاستقرار والهدوء والراحة كانت الحاجة ملحةً إلى ظهور مُصلحٍ وقائدٍ قوي يحمل رسالة ذات مسؤولية عالميةٍ لإنقاذ هذه البشرية المتهاوية الضعيفة.
فكان أنّ بُعث رسولُ الإسلام ـ صلى الله عليه وآله ـ يحمل رسالةً تحيط بجميع شؤون الحياة البشرية بكل أبعادها وجوانبها وخصائصها المختلفة. كانت رسالته سماوية خالدة لم تغفل عن ذكر كلّ ما من شأنه أنّ يبني الإنسان بناءً صالحاً.
إنّ كلّ محقق متتبع يعلم أنّ هذه الثقافة الإسلاميّة لم تترك أي زاوية من زوايا الحياة الإنسانية دون أنّ تعني بها العناية اللازمة؛ يقول سبحانه وتعالى: "ما فرطنا في الكتاب من شيء" الأنعام:38 (من مقال للدكتور. محمد باقر)
والبشرية الآن كما نرى، فهي تتشابه مع وضع العالم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أرادت البشرية الهداية والفوز بالدارين فلا سبيل أمامها إلا بالتمسك بهذا الدين، والفخر به، ونشره في ربوع الدنيا؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور..
لقد قدّم الإسلام للبشرية نـوراً تهتدي به لتخرج من الظلمات.. وقدّم الإسلام الأمن والعدل والحرّية الطاهرة المتوازنة..، وقدم العلم في مختلف فروعه.. والمعارف في ميادين مختلفة متعدَّدة كان السبّاق فيها..، وكان لا يحجزها عن أحد . وحسبه أنه قدّم رسالة الله إلى عباده، رسالة الله التي حملها جميع الأنبياء والمرسلين، وختاما بمحمد صلى الله عليه وسلم، رسـالة واحدة وديناً واحداً هو الإسلام، لا دين عند الله غيره، ولا دين غيره عند الأنبياء والمرسلين..
إن الإسلام دين الله الحق، جاء متكاملاً مفصّلاً ليكون صالحاً للناس كافة، للبشرية كلها، وللعصور كلها .
أما الحضارة الغربيّة فإنها لم تقدَّم للإنسان حرّيّته الحقيقيّة . إنهاتشجع حرّية الرذيلة والخمر وغيرها، وبما تقدَّمه من نظام إداريّ يسهّل له بعض أمور حياته، وبما تَدَّعيه من إعطائه حرّية القول والاعتراض والمظاهرات، دون أن يؤثر ذلك في اتخاذ القرار . وبهذا الخدر يغيب عن بال الإنسان في ظل هذه الحضارة أن يكتشف أنه فقد سلامة الفطرة، وصفاء الإيمان والتوحيد..
ولا يغيب عن بالنا أن هذه الحضارة المادية الغربية ترتكب أبشع الجرائم بحق الشعوب . ولا يغيب عن بالنا ماذا فعلت هذه الحضارة من مآس وتدمير في غواتيمالا والعراق وفلسطين والبوسنة والشيشان والصومال والسودان..وغيرها الكثير والكثير ..!
وما أردنا من المقارنة البسيطة إلا إظها الحق..والضد يظهر حسنه الضد.
نواصل الحديث عن عطاء الإسلام للبشرية وهنا نتكلم عن جانب واحد وهو جانب المعاملات فقد أحلَّ الإسلام البيع، وفصَّل أحكامه وشروطه وأركانه، والحلال منه والحرام، فأحل منه ما كان المجتمع محتاجًا إليه وفيه نفعهم، وحرَّم ما كان ظلمًا وأكلاً لأموال الناس بالباطل، كما حرَّم الإسلام الربا لما فيه من أخطار ومضار كثيرة، فهو يسبب العداوة بين الناس، ويقضي على التعاون فيما بينهم، ويؤدي إلى وجود طبقة لا عمل لها إلا أن يتزايد مالها على حساب الآخرين يقول الله تعالى "وأحل الله البيع وحرم الربا ".. (البقرة 275)
ومجَّد الإسلام العمل وحث عليه؛ لأنه وسيلة لإعمار الكون ورخاء الأمة، وعمل على حفظ الدَّين بكتابته والإشهاد عليه، وحث المقترض على رد دينه، وأمر بضرورة الوفاء بالعهد واحترام العقود، كما أوجب الإسلام ضرورة إبداء شهادة الحق وعدم كتمانها، وحرم قول الزور، وحرَّم الغش في الكيل والميزان، وأمر بالعدل، وحث عليه، وجعله أساسًا من أسس الحكم في الإسلام، لما له من أثر في راحة الناس واطمئنانهم على حقوقهم..