ليس للقول بحل التدخين أي وجه في عصرنا بعد أن أفاضت الهيئات العلمية الطبية في بيان أضراره، وسيء آثاره، وعلم بها الخاص والعام، وأيدتها لغة الأرقام. وإذا سقط القول بالإباحة المطلقة، لم يبق إلا القول بالكراهة أو القول بالتحريم. وقد اتضح لنا مما سبق أن القول بالتحريم أوجه وأقوى حجة. وهذا هو رأينا. وذلك لتحقق الضرر البدني والمالي والنفسي باعتياد التدخين. لأن كل ما يضر بصحة الإنسان يجب أن يحرم شرعا. والله تعالى يقول: ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(البقرة: من الآية195) ويقول جل جلاله (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)(النساء: من الآية29) ويقول الله عزوجل وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)(الأنعام: من الآية141) ، ( وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً .إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) (الاسراء:26-27 ) ، فهناك ضرر بدني ثابت وهناك ضرر مالي ثابت كذلك، فتناول كل ما يضر الإنسان يحرم، لقوله تعالى: ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)(النساء: من الآية29) . من أجل هذا يجب أن نفتي بحرمة هذا التدخين في عصرنا. والواقع الذي لاشك فيه هو ان الأطباء يجمعون على أن في التدخين ضررا مؤكدا. صحيح أن ضرره ليس فوريا ، ولكنه ضرر تدريجي. والضرر التدريجي كالضرر الفوري في التحريم، فالسم البطيء كالسم السريع كلاهما يحرم تناوله على الإنسان . والانتحار محرم بنوعيه السريع والبطيء، والمدخن ينتحر انتحارا بطيئا. والإنسان لا يجوز أن يضر أو يقتل نفسه، ولا أن يضر غيره. ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم : " لا ضرر ولا ضرار" أي لا تضر نفسك ولا تضر غيرك، فهذا ضرر مؤكد على نفس الإنسان بإجماع أطباء العالم، لهذا أوجبت دول العالم على كل شركة تعلن عن التدخين أن تقول إنه ضار بالصحة بعد أن استيقن ضرره للجميع، لهذا لا يصح أن يختلف الفقهاء في تحريمه.
والضرورات الخمس التي ذكرها الأصوليون وفقهاء الدين، وأوجبوا الحرص على المحافظة عليها وعدم الإضرار بها هي الدين والنفس والعقل والنسل والمال. وكلها تتأثر بهذه الآفة. فدين الإنسان يتأثر، فمن الناس من لا يصوم رمضان لأنه لا يستطيع أن يمتنع عن التدخين. والنسل يتضرر بالتدخين، سواء كان المدخن أحد الأبوين أو كلاهما، بل إن الجنين يتضرر من تدخين أمه، بما يعني أن المدخن لا يضر نفسه فقط وإنما يضر غيره، وهناك ما يسمى الآن التدخين القسري، أو التدخين بالإكراه، فيدخن الإنسان رغم أنفه وهو لا يتناول السجارة وإنما يتناولها قهرا عندما يجلس بجوار إنسان مدخن أو في بيئة فيها التدخين. فأنت أيها المدخن تضر نفسك وتضر غيرك رغم إرادته وأنفه، فمن أجل هذا الضرر وغيره يجب أن يحرم التدخين وأن يجمع العلماء على تحريمه. وقد أدار بعض العلماء معظم الحكم في التدخين على المقدرة المالية وحدها، أو عدمها، فيحرم في حالة عجز المدخن عن مصاريف التدخين، ويكره للقادر عليه. وهذا رأي غير سديد ولا مستوعب. فإن الضرر البدني والنفسي الذي أجمع العلماء والأطباء في العالم على تحققه له اعتباره الكبير، بجوار الضرر المالي. ثم إن الغني ليس من حقه أن يضيح ماله، ويبعثره فيما يشاء. لأنه مال الله أولا، ومال الجماعة ثانيا . وينبغي للإنسان المسلم العاقل أن يمتنع عن هذه الآفة الضارة الخبيثة، فالتبغ لاشك من الخبائث، وليس من الطيبات، إذ ليس فيه أي نفع دنيوي أو نفع ديني. ونصيحتي للشباب خاصة، أن ينزهوا أنفسهم عن الوقوع في هذه الآفة، التي تفسد عليهم صحتهم، وتضعف من قوتهم ونضرتهم، ولا يسقطوا فريسة للوهم الذي يخيل إليهم أن التدخين من علامات الرجولة، أو استقلال الشخصية. ومن تورط منهم في ارتكابها يستطيع التحرر منها، والتغلب عليها وهو في أول الطريق، قبل أن تتمكن هي منه، وتغلب عليه، ويعسر عليه فيما بعد النجاة من براثنها، إلا من رحم ربك. وعلى أجهزة الإعلام أن تشن حملة منظمة بكل الأساليب على التدخين، وتبين مساوئه. وعلى مؤلفي ومخرجي ومنتجي الأفلام والتمثيليات والمسلسلات، أن يكفوا عن الدعاية للتدخين، بوساطة ظهور السيجارة بمناسبة وغير مناسبة في كل المواقف. وعلى الدولة أن تتكاتف لمقاومة هذه الآفة، وتحرير الأمة من شرورها، وإن خسرت خزانة الدولة الملايين فإن صحة الأمة وأبنائها، الجسمية والنفسية، أهم وأغلى من الملايين. والواقع أن الدولة هي الخاسرة ماليا عندما تسمح بالتدخين، لأن ما تننفقه في رعاية المرضى الذين يصيبهم التدخين بأمراض عديدة وخطيرة تبلغ أضعاف ما تجنيه من ضرائب تفرضها على التبغ، بالإضافة إلى ما تخسره من نقص الإنتاج بسبب زيادة تغيب المدخنين عن العمل نتيجة ما يعانونه من أمراض. نسأل الله تبارك وتعالى أن ينير بصائرنا، وأن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، إنه سميع قريب. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.