وصل سؤال بالفاكس من شاب يقول أنا في الثالثة عشر من عمري وأنا في الصف الأول الإعدادي (السابع) وأرعى بيتين، ولي مشكلة واحدة هي أنه عندما أفكر في اليوم الآخر وكيفية يوم القيامة أشعر بالاكتئاب والخوف ومع أنني ولد لا أفوِّت صلاة واحدة ولا حتى صلاة العيدين وأقوم بكامل واجباتي تجاه الله عز وجل فما تفسير ذلك؟
القرضاوي
الخوف من الله ومن اليوم الآخر مطلوب كما قال الله تعالى (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) وحكى عن الأبرار أنهم يقولون (إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً) فالخوف من اليوم الآخر ومن الحساب ومن الجزاء ومن الجنة والنار، خوف مطلوب بشرط ألا يصبح خوفاً مرضياً يصيب الإنسان بالهلع والرعب، شكا لي أحد الآباء أن ابنته صغيرة سمعت شريطاً عن عذاب القبر وهو شريط مخيف، حيات كالأفيال وعقارب كالبغال، بعض الوعَّاظ والمحدِّثين يهولون في هذه الأمور ويعتمدون على أحاديث ضعيفة وأحاديث موضوعة وحكايات لا أصل لها لتخويف الناس، ولكن هذا التخويف زائد، وكل شيء إذا زاد عن حده ينقلب لضده، فيؤدي هذا الرعب الذي يجعل البنت تقوم فزعة في الليل وأقلقت الأسرة وقد أصيبت هذه البنت بحالة أشبه بالهستيريا، ولذلك أنا أنصح المذكِّرين والمحدِّثين والوعَّاظ أن يكونوا مقتصدين في هذا، القرآن يحاول أن يعمل توازن بين الرجاء والخوف، بين الترغيب والترهيب (يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه)، (يرجون رحمته ويخافون عذابه) ولذلك القرآن يصف الله تبارك وتعالى بقوله (غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول)، (إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم)، (إن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب)، (وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان)، فأنا أنصح الذين يعرضون لأمور الآخرة وأمور القبر وأمور الموت وأمور الحساب أن يكونوا على سُنَّة القرآن بحيث ترجية مع تخويف، وترغيب مع ترهيب ووعد مع وعيد، حتى يتوازن هذان الأمران في نفس الإنسان المسلم، لا يصل به الرجاء إلى حد الأمن من مكر الله ولا يصل به الخوف إلى حد اليأس من رَوح الله (فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)، (ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون).
المقدم
إذن نصيحتنا لولدنا هذا أنه كما يذكر الأمور التي تخوِّف من الآخرة يذكر رحمة الله ويذكر الجنة
القرضاوي
يذكر رحمة الله سبحانه وتعالى وأن الله عنده مائة رحمة أنزل من هذه المائة رحمة واحدة الناس يترحمون بها في الدنيا وأبقى 99 رحمة للآخرة.
السؤال الأول: لو أصيب شخص باكتئاب ولم يعالج هذا الاكتئاب فهل عليه جزاء؟
السؤال الثاني: يتعلق بما يسمى في بعض البلدان العربية التنمية الرياضية وهي عبارة عن مجموعة من الناس تشارك في مسابقة على هيئة فِرَق ويفوز في النهاية فريق منهم مع العلم أن هؤلاء الناس يدفعون مبالغ من المال للمشاركة ولكن المال في النهاية يفوز بنسبة منه الفريق الفائز، والذي توصل إلى الأجوبة الصحيحة وقد سمعت بعض شيوخ الدين حلل هذا النوع من المسابقات فما رأي فضيلتكم في ذلك؟
المقدم
بالنسبة للسؤال الأول وهو إذا لم نصل إلى حل للاكتئاب وقد يلجأ أحياناً بعض الناس إلى تصرفات خاطئة والعياذ بالله قد يعاقر الخمر وقد يؤذي نفسه أحياناً نتيجة إما ديون تراكمت عليه أو أي هم من هموم الدنيا.
القرضاوي
العلاج كما قلت هو الإيمان والله تعالى يقول (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) الصبر هو قوة الإرادة، أنه يقوي إرادته في مواجهة هذه المحن ويقويها بمجموعة من المفاهيم أعطاها له الإسلام، وقد قال الله (وبشِّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إن لله وإنا إليه راجعون) بعد أن قال لنبلونكم بكذا وكذا، كما قالت أم سليم حينما مرض أحد أطفالها وأدركه الأجل أي مات وجاء زوجها أبو طلحة الأنصاري وسألها عن الطفل قالت له: قد هدأت نفسه وأرجو أن يكون قد استراح ففهم أنه شفي وهو مات، وأصابها في تلك الليلة وبعد هذا قالت له: أرأيت لو كان عندنا متاع لجيراننا ائتمنونا عليه ثم طلبوه منا قال: من حقهم هذه أمانتهم وطلبوها، قالت له: فإن الله أعطانا ابننا فلان هذا وديعة ثم استرده منا، فغضب وشكا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعلت أم سليم فأثنى النبي عليها ودعا لهما بالبركة ورزقهما الله في هذه الليلة بطفل وكان من هذا الطفل تسعة بعد ذلك منهم إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة أحد المحدثين المشهورين، المهم إن الإنسان يقول (إنا لله وإنا إليه راجعون) أي سنرجع إلى الله فيكافئنا ويجازينا لا يضيع شيء عند الله، فالإنسان عليه أن يعالج نفسه بمثل هذه المفاهيم الإسلامية وإن الصبر وراءه خير الدنيا والآخرة، عزَّى سيدنا علي رجلاً في وفاة ابنه فقال له: يا أبا فلان إنك إن صبرت نفذت فيك المقادير وأنت مأجور وإن جزعت نفذت فيك المقادير فأنت مأزور، العوام عبروا عن هذا فقالوا: "إن صبرتم أجرتم وسهم الله نافذ وإن ما صبرتم كفرتم وسهم الله نافذ" أي أن سهم الله نافذ في كلا الحالتين ومادام سهم الله نافذاً فلماذا لا يصبر الإنسان، فهذه المفاهيم مطلوبة حتى يستطيع الإنسان أن يتغلب على همومه وأحزانه، الصبر والصلاة، الصلاة أيضاً مدد، كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة يجد فيها عون على مصائب الدنيا، أيضا الإنسان لا يعتزل بل يخالط المؤمنين لأنه إذا بقي وحده يستوحش، والوحدة أحياناً تكون قاتلة، يشتغل مع المؤمنين يسلي نفسه بعمل الخير يشارك في جمعية يحسن إلى الناس فيدعون له، يشعر بسرور إنما بعض الناس إذا أصابه شيء اعتزل، العزلة نفسها خطر بمثل هذه الأمور ينبغي أن يعالج الإنسان نفسه، فهناك شيء في مقدور الإنسان وربنا يحاسبه لماذا قصرت فيه، وهناك شيء فوق طاقة الإنسان (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها). أما بالنسبة للسؤال الآخر فأنا أقول إذا دخل الشخص هذه المسابقة ليس لغرض إلا ليكسب فإما يربح وإما يخسر فهذا هو القمار، إنما لو دخل شخص هو يعجبه هذا ويريد أن يشارك وليس هناك مشاركة إلا برسوم فيدفع، إنما لو كان داخل ويقول أنا أريد أن أكسب ولولا هذا ما دفعت ولا فلس مثل اليانصيب فهذه الأشياء التي تحتمل إما الربح أو الخسارة هذه هي الميسر أو القمار وهي محرمة.
لي صديق كان مسيحي وأسلم ليتزوج وبعد فترة 10 - 15 سنة وجدت أنه لا يصلي وبعيد عن الإسلام وأصبح كل أصدقائه من المسيحيين فما الذي يمكن أن نعمله معه هل هو في حكم المرتد وبذلك تحرم عليه زوجته، هو يقول أنه على الإسلام ولديه أولاد ولكنني لم أره ولا مرة يصلي في مسجد فماذا نفعل وجزاكم الله خيراً؟
القرضاوي
جزاك الله خيراً على الاهتمام بهذا الأمر ولكن هذا الاهتمام لا يجب أن يجعلك تكتئب نحن لا نريد للمسلمين أن يكتئبوا وأن يحاولوا علاج الأمور وأن يجدوا لكل مشكلة حلاً وكل مشكلة في الدنيا لها حل، الناس تقول: كل عقدة ولها حلال، وهذا عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم "ما أنزل الله داءً إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله" لابد أن نعلم أنه لا يوجد شيء بدون حل، أنا أقول للأخ إذا كان الرجل قد أسلم حقاً في وقت من الأوقات، المشكل إن بعض الناس هو لا يريد الإسلام إنما يريد فلانة وأسلم من أجلها وهذا إسلام مدخول مشكوك فيه، إنما لو جعلته فلانة يحب الإسلام ودخل في الإسلام ولكنه لم يعمل الأعمال الصالحة، هنا هل عمل بعض الأعمال الصالحة أم لم يعمل عملاً صالحاً قط، الإيمان لابد أن يكون له أثر، ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، ولكن حتى ولو بعض العمل يصلي الجمعة مرة، يصلي العيد مرة، يعمل أي شيء ليثبت إسلامه، إن كان يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقول أنا مسلم فيكون الخلاف هل ترك الفرائض وعمل الكبائر يكفِّر أو لا؟ هذه قضايا ورأي أهل السُنَّة، إنه إذا كان مؤمناً بأنه لا إله إلا الله محمد رسول الله ولو قصر في الأعمال فهو مسلم فاسق يعني لا تطلَّق منه زوجته، إنما لو كان ليس له بالإسلام أي صلة وهي كلمة قالها وانتهت من زمان فهذا مرتد ولا تستطيع إدارة الإفتاء أن تجبره على شيء ما لم تقم الزوجة نفسها بتقديم شكوى أن هذا لم يعد مسلماً إنما من غير ذلك فلن يجبره أحد على شيء، كان في السابق من الممكن لشخص أن يحتسب على شخص آخر، إنما ظهر الآن قانون في مصر أنه لا يجوز لشخص أن يحتسب على شخص آخر إلا إذا كان له هو فيه مصلحة تخصه من غير ذلك لا يستطيع أن يحتسب على الآخرين.
قرأت في كتاب أحمد بن حنبل هذا النص "دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه الكآبة" النص الآخر "دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كئيباً حزيناً" ربط بين الكآبة والحزن كيف كان حزن الرسول عليه الصلاة والسلام ونحن نعلم أنه حزن على وفاة ابنه إبراهيم؟
القرضاوي
لاشك أن الحزن يعتري الأنبياء كما يعتري عامة الناس ذكرنا حزن سيدنا يعقوب عليه السلام والرسول عليه الصلاة والسلام بشر يفرح كما يفرح البشر ويحزن كما يحزن البشر، لذلك حزن على وفاة عمه حمزة وحزن على من أصيبوا من الصحابة في أُحُد، ونزل قول الله تعالى (ولا تهِنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلَون إن كنتم مؤمنين) وحزن على وفاة ابنه إبراهيم وقال: "إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون" هنا ميزة المؤمن عن غيره "لا نقول إلا ما يرضي ربنا" الحزن هذا شيء طبيعي حينما ماتت حفيدة للنبي عليه الصلاة والسلام فدمعت عيناه فقيل له: يا رسول الله نهيتنا عن البكاء فقال: هذه رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء، فالحزن الطبيعي والرحمة الطبيعية لا يمنع منها بشر، إنما الذي يمنع هو الاستسلام لهذه الأشياء والاستمرار فيها حتى تصبح مرضاً وهذا أعاذ الله منه رسوله صلى الله عليه وسلم فقد كان يستعيذ بالله من الهم والحزن وقال الله تعالى (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون)