[frame="1 10"]
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
الإمام أحمد بن حنبل
ولد في النصف الأول من القرن الثالث، وليس من أحد في عصره بلغ من الشهرة والثقة ما بلغه، ذلك أنه كان رحمه الله إماماً في الورع، إماماً في الزهد، إماماً في الفقه، إمام أئمة الحديث في عصره وإماماً في الثبات والصبر.
ولد الإمام أحمد عام 164 هـ، توفي والده وهو صغير وتولت أمه تربيته، ومع أنها كانت شابة وتقدم لخطبتها والزواج منها عدد كبير من الراغبين لكنها رفضت وامتنعت وفضلت أن تعيش لولدها ونذرت نفسها له، وهذا الأمر أنشأ في نفس أحمد بِراً بأمه، ولم يتزوج حتى ماتت وكان قد بلغ الثلاثين.
وكسائر أترابه تعلم القرآن في صغره، وعندما تجاوز الخامسة عشرة من عمره، بدأ يطلب العلم، وأول من طلب العلم عليه هو الإمام أبو يوسف القاضي. ثم تحول إلى مجالس الحديث وأعجبه هذا النهج، وأخذ يجول ويرحل في سبيل الحديث حتى ذهب إلى الشام والسواحل والمغرب والجزائر ومكة والمدينة والحجاز واليمن والعراق وفارس وخراسان والجبال والأطراف والثغور وهذا فقط في مرحلته الأولى من حياته.
ولقد التقى الشافعي في أول رحلة من رحلاته الحجازية في الحرم، وأُعجِبَ به، وبقي الإمام أحمد أربعين سنة ما بات ليلة إلا ويدعو فيها للشافعي، وكان يقول عندما يروي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها. وكان يقول: لقد أرسل الله تعالى سيدنا عمر بن عبد العزيز يجدد لهذه الأمة دينها على رأس المئة الثانية وآمل أن يكون الشافعي على رأس المئة الثالثة.
وقد حيل بين أحمد ومالك بن أنس فلم يتمكن من لقائه وكان يقول: لقد حُرِمتُ لقاء مالك فعوَّضني الله عز وجل عنه سفيان بن عيينة.
وكان الشافعي يكثر من زيارة الإمام أحمد، فلما سئل عن ذلك أنشد قائلاً:
قالوا يزورك أحمد وتزوره قلتُ الفضائل لا تبارح منزله
إن زارني فبفضله أو زرته فلفضله فالفضل في الحالين له
محنة الإمام أحمد
عاش الإمام أحمد في عصر المأمون ثم المعتصم ثم الواثق ثم المتوكل.
وفي هذه العصور، كانت صولة المعتزلة وجولتهم في أعلى ذروتها لاسيما في عصر المأمون، وكان المأمون تلميذاً لأبي هذيل العلاف من رؤساء المعتزلة، فافتُتِنَ بالفلسفة اليونانية.
واستغل هذه الصلة أحمد ابن أبي دؤاد المعتزلي المتعصب وراح يكلم المأمون ويتودد إليه حتى عيَّنه وزيراً خاصاً له ومستشاراً، وفي هذه الأثناء قال المعتزلة بخلق القرآن أي أنَّ القرآن حادث مخلوق وليس كلام الله الأزلي وتبنى المأمون هذا القول.
وفي عام 218 هـ أرسل كتاباً إلى نائبه في بغداد وهو إسحاق ابن إبراهيم أمره فيه أن يجمع كل العلماء ويقنعهم بأنَّ القرآن مخلوق وأمره أن يقطع رزق وجراية كل من لم يقتنع بهذا.
امتثل إسحاق لهذا الأمر فجمع كل العلماء من أهل السنَّة وهددهم بقطع أرزاقهم ومنع الجراية عنهم إن هم لم يقتنعوا، وأرسل إلى المأمون بأجوبة هؤلاء التي تتضمن رفض هذا القول.
فأرسل المأمون ثانية أمراً بقطع أرزاق من لم يقتنع وإرساله إليه مقيداً بالأغلال تحت تهديد القتل.
وكان الإمام أحمد من بين الثلة التي رفضت أن تقتنع ولم تتراجع، فقُيِّدوا جميعاً بالأغلال وذُهِبَ بهم إلى طرطوس.
وفي الطريق تراجع البعض خوفاً ومات البعض الآخر ولم يبق إلا أحمد الذي جاءه خادم المأمون وقال له: إنَّ المأمون أقسم على قتلك إن لم تجبه، ولكن أحمد رفض التراجع عن الحق وبينما هو في الطريق لا يفصله عن المأمون إلا ساعات من السَّير، إذ جثى على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء ودعا بهذه الكلمات: سيدي غرَّ حِلمُكَ هذا الفاجر حتى تجرَّأ على أوليائك بالضرب والقتل، اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته، فتوفي المأمون قبل أن يصل أحمد إلى طرطوس فأُعيد الإمام أحمد وأودع السجن ريثما تستقر الأمور.
وجاء بعد ذلك المعتصم ولكن المأمون كان قبيل موته قد أوصى أخاه أن يُقَرِّبَ ابن أبي دؤاد المعتزلي منه. لذلك لما استقر الأمر للمعتصم استدعى الإمام أحمد وهو مثقل بالحديد وكان عنده ثلة من المعتزلة على رأسهم ابن أبي دؤاد الذي كان يضمر كيداً شديداً لأحمد، وسأله: ما تقول في خلق القرآن؟ قال: أقول إنه كلام الله. قال: أقديم أم حادث؟ قال: ما تقول في علم الله ؟ فسكت أبو دؤاد. قال أحمد: القرآن من علم الله ومن قال إنَّ علم الله حادث فقد كفر! وطلب المعتصم أن يناقشوه وكاد أن يقتنع بقول أحمد ولكن قال له المعتزلة وابن أبي دؤاد إنه لضال مبتدع.
عرض المعتصم على الإمام أحمد أن يرجع عما يقول مغرياً إياه بالمال والعطايا ولكن الإمام أحمد قال له: أرني شيئاً من كتاب الله أعتمد عليه (أي أعطني دليلاً على ما تزعم من كتاب الله تعالى).. وبعد مرور عامين ونصف على هذه المعاناة وهذه المحنة، أطلق المعتصم سراحه وأعيد إلى بيته يعالج جراحه، ورفع الله قدره بعد هذه المحنة رحمه الله رحمة واسعة.
إسلام ويب
[/frame]
lpkm hgYlhl Hpl] lpl] lî,é çgilçl