شهر رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الهجري... كما أن لشهر رمضان مكانة خاصة في التراث والتاريخ الإسلامي ..
حيث أنه بدء الوحي, وأول ما نزل من القرآن على نبينا محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان في ليلة القدر من هذا الشهر في عام 610 م، حيث كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في غار حراء عندما جاء إليه الملك جبريل ، وقال له " اقرأ باسم ربك الذي خلق " وكانت هذه هي الآية الأولى التي نزلت من القرآن،
والقرآن أنزل من اللوح المحفوظ ليلة القدر جملة واحدة، فوضع في بيت العزة في سماء الدنيا في رمضان ، ثم كان جبريل ينزل به مجزئا في الأوامر والنواهي والأسباب ، وذلك في ثلاث وعشرين عام مدة النبوة .
وهذه هي القاعدة الكبرى في تكاليف هذه العقيدة كلها . فهي ميسرة لا عسر فيها . وهي توحي للقلب الذي يتذوقها , بالسهولة واليسر في أخذ الحياة كلها ; وتطبع نفس المسلم بطابع خاص من السماحة التي لا تكلف فيها ولا تعقيد . سماحة تؤدي معها كل التكاليف وكل الفرائض وكل نشاط الحياة الجادة وكأنما هي مسيل الماء الجاري , ونمو الشجرة الصاعدة في طمأنينة وثقة ورضاء . مع الشعور الدائم برحمة الله وإرادته اليسر لا العسر بعباده المؤمنين .
وقد جعل الصوم للمسافر والمريض في أيام أخر , لكي يتمكن المضطر من إكمال عدة أيام الشهر , فلا يضيع عليه أجرها . وهكذا تبدو منة الله تعالى في هذا التكليف الذي يبدو شاقا على الأبدان والنفوس . وتتجلى الغاية التربوية منه , والإعداد من ورائه للدور العظيم الذي أخرجت هذه الأمة لتؤديه , أداء تحرسه التقوى ورقابة الله وحساسية الضمير .
فهي أمة ذات رسالة مكلفة بتبليغها إلى العالمين , وبدون إدراك هذه الحقيقة تنعدم الرؤية للدور المنوط بنا أن نساهم به في بناء الحضارة على وجه الأرض.
يمدح تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله تبارك وتعالى . فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس،
قام النبي محمد باستشارة من معه، فتكلم كل من أبو بكر وعمر بن الخطاب، ثم قام المقداد بن الأسود فقال:
يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : " اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ههنا قاعدون المائدة : 24 " ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه...
ثم وجه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كلامه إلى الأنصار قائلا :أشيروا علي أيها الناس، فقال له سعد بن معاذ : والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟
فقال النبي محمد : أجل .
فقال سعد:
فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة فأمض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء. لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله.
فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : سيروا وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم..
حديث صحيح رواه عبد الله بن عباس
المصدر: عمدة التفسير
******
اعترض المسلمون قافلة أبي سفيان القادمة من الشام، وكان السبب الذي دفع المسلمين لاعتراض القافلة هو استرجاع اموالهم التي نهبتها منهم قريش قبل وأثناء هجرتهم إلى المدينة، لان أغلب المهاجرين تركوا اموالهم في مكة أو اخذتها منهم قريش بالقوة.
ولكن أبو سفيان نجح بالهروب بالقافلة,
أرسل أبو سفيان إلى قريش أن القافلة قد نجت، ولا حاجة لهم في قتال أهل يثرب، لكن أبا جهل أبى إلا القتال، وقال قولته المشهورة: "لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم ثلاثا ننحر الجُزر، ونطعم الطعام، ونشرب الخمر، وتعزف القيان علينا، فلن تزال العرب تهابنا أبدا.
*******
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : أشيروا علي في المنزل ، فقال الحباب بن المنذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره ؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل هو الرأي والحرب والمكيدة . قال : فإن هذا ليس بمنزل ، انطلق بنا إلى أدنى ماء القوم . . .
المصدر: أحكام القرآن - الصفحة أو الرقم: 1/391
شرب المسلمون من الآبار حتى ارتوا ثم غطوه ليعطش الكفار عند مجيئهم للقتال .
خرج ثلاثة من كبار قريش هم عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة فقال عتبة ( يا محمد اخرج الينا نظراؤنا من قومنا ) فخرج حمزة بن عبدالمطلب وعبيدة بن الحارث وعلي بن ابي طالب.
بارز حمزة عتبة فقتله, وبارز علي الوليد فقتله, وبارز عبيدة شيبة فجرحا انفسهما. ثم بدأت المعركة
قال تعالى في سورة ال عمران :
قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ - 13
﴿ قد كان لكم آية ﴾أي: عبرة عظيمة﴿ في فئتين التقتا ﴾وهذا يوم بدر﴿ فئة تقاتل في سبيل الله ﴾وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه﴿ وأخرى كافرة ﴾أي: كفار قريش الذين خرجوا من ديارهم بطرا وفخرا ورئاء الناس، ويصدون عن سبيل الله، فجمع الله بين الطائفتين في بدر، وكان المشركون أضعاف المؤمنين، فلهذا قال﴿ يرونهم مثليهم رأي العين ﴾أي: يرى المؤمنون الكافرين يزيدون عليها زيادة كثيرة، تبلغ المضاعفة وتزيد عليها، وأكد هذا بقوله ﴿ رأي العين ﴾فنصر الله المؤمنين وأيدهم بنصره فهزموهم، وقتلوا صناديدهم، وأسروا كثيرا منهم، وما ذاك إلا لأن الله ناصر من نصره، وخاذل من كفر به، ففي هذا عبرة لأولي الأبصار، أي: أصحاب البصائر النافذة والعقول الكاملة، على أن الطائفة المنصورة معها الحق، والأخرى مبطلة، وإلا فلو نظر الناظر إلى مجرد الأسباب الظاهرة والعدد والعدد لجزم بأن غلبة هذه الفئة القليلة لتلك الفئة الكثيرة من أنواع المحالات، ولكن وراء هذا السبب المشاهد بالأبصار سبب أعظم منه لا يدركه إلا أهل البصائر والإيمان بالله والتوكل على الله والثقة بكفايته، وهو نصره وإعزازه لعباده المؤمنين على أعدائه الكافرين.
قتل عمرو بن هشام ( أبو جهل ) على يد معاذ بن عمرو بن الجموح .. وقتل بلال بن رباح ( أمية بن خلف ) .
وارسل الله 10,000 من الملائكة ليقاتلوا في صف المسلمين ..
وفي النهاية انتصر المسلمون في المعركة بقتل 70 واسر 70 من الكفار بينما قتل من المسلمين 14 شهيدا ..
وتم فداء الاسرى ب4000 درهم مقابل إطلاق سراحه الواحد منهم.. بينما من لايملك يعلم 10 من المسلمين الكتابة والقراءة.
إن جميع فرائض الإسلام تنشيئ الهمة الروحية التي تنعكس على الهمة البدنية , فكان تاريخ الإسلام يسجل أعظم الإنتصارات في شهر رمضان .
******
تحدثنا في اللقاء السابق عن الإنتصار الكبير للمسلمين في غزوة بدر وكان في شهر رمضان , ونتحدث اليوم بعون من الله تعالى عن فتح القسطنطينية , الذي يعتبر من أهم الفتوحات في العصر الحديث وهي من دلائل النبوة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش . رواه: البخاري
وصل السلطان العثماني في جيشه الضخم أمام الأسوار الغربية للقسطنطينية المتصلة بقارة أوروبا يوم الجمعة الموافق ( 12 من رمضان 805هـ الموافق 5 من إبريل 1453م ) ونصب سرادقه ومركز قيادته أمام باب القديس "رومانويس"، ونصبت المدافع القوية البعيدة المدى، ثم اتجه السلطان إلى القبلة وصلى ركعتين وصلى الجيش كله، وبدأ الحصار الفعلي وتوزيع قواته، ووضع الفرق الأناضولية وهي أكثر الفرق عددًا عن يمينه إلى ناحية بحر مرمرة، ووضع الفرق الأوروبية عن يساره حتى القرن الذهبي، ووضع الحرس السلطاني الذي يضم نخبة الجنود الانكشارية وعددهم نحو 15 ألفًا في الوسط. وتحرك الأسطول العثماني الذي يضم 350 سفينة في مدينة "جاليبولي" قاعدة العثمانيين البحرية في ذلك الوقت، وعبر بحر مرمرة إلى البوسفور وألقى مراسيه هناك،
وهكذا طوقت القسطنطينية من البر والبحر بقوات كثيفة تبلغ 265 ألف مقاتل، لم يسبق أن طُوقت بمثلها عدة وعتادًا،
وبدأ الحصار الفعلي في السبت الموافق ( 13 من رمضان 805هـ الموافق 6 من إبريل 1453م ) ، وطلب السلطان من الإمبراطور " قسطنطين " أن يسلم المدينة إليه وتعهد باحترام سكانها وتأمينهم على أرواحهم ومعتقداتهم وممتلكاتهم، ولكن الإمبراطور رفض؛ معتمدًا على حصون المدينة المنيعة ومساعدة الدول النصرانية له.
وضع القسطنطينية
تحتل القسطنطينية موقعا منيعا، حباه الله بأبدع ما تحبى به المدن العظيمة، تحدها من الشرق مياه البوسفور، ويحدها من الغرب والجنوب بحر مرمرة، ويمتد على طول كل منها سور واحد. أما الجانب الغربي فهو الذي يتصل بالقارة الأوروبية ويحميه سوران طولهما أربعة أميال يمتدان من شاطئ بحر مرمرة إلى شاطئ القرن الذهبي، ويبلغ ارتفاع السور الداخلي منهما نحو أربعين قدمًا ومدعماَ بأبراج يبلغ ارتفاعها ستين قدما، وتبلغ المسافة بين كل برج وآخر نحو مائة وثمانين قدما. أما السور الخارجي فيبلغ ارتفاعه خمسة وعشرين قدما، ومحصن أيضا بأبراج شبيهة بأبراج السور الأول، وبين السورين فضاء يبلغ عرضه ما بين خمسين وستين قدما، وكانت مياه القرن الذهبي الذي يحمي ضلع المدينة الشمالي الشرقي يغلق بسلسلة حديدية هائلة يمتد طرفاها عند مدخله بين سور غلطة وسور القسطنطينية، ويذكر المؤرخون العثمانيون أن عدد المدافعين عن المدينة المحاصرة بلغ أربعين ألف مقاتل.
ولكن النصر من عند الله العزيز الحكيم.
دخل محمد الفاتح المدينة ظافرا ترجل عن فرسه، وسجد لله شكرا على هذا الظفر والنجاح، ثم توجه إلى كنيسة " أيا صوفيا "؛ حيث احتشد فيها الشعب البيزنطي ورهبانه، فمنحهم الأمان، وأمر بتحويل كنيسة " أيا صوفيا " إلى مسجد، وأمر بإقامة مسجد في موضع قبر الصحابي الجليل " أبي أيوب الأنصاري "، وكان ضمن صفوف الحملة الأولى لفتح القسطنطينية، وقد عثر الجنود العثمانيون على قبره فاستبشروا خيرًا بذلك.
اتبع محمد الفاتح سياسة التسامح الديني مع جميع رعاياه المسيحين والمسلمين سواء, اصدر أول قانون عدم اضطهاد المسيحين بأي شكل من الأشكال وسمح لهم بإقامة شعائرهم الدينية كما في السابق ووفق عادات وتقاليد المسيحين آنذاك، كذلك أعلن نفسه الحامي الرسمي للكنيسة وابقى لرجال الدين المسيحين جميع امتيازاتهم في السابق بل زاد لهم في العطاء فجعل 1000 قطعه ذهبيه وخيل مزين بطقم فاخر ومزين بذهب والحاقه بحاشية وعين البطريك جناديوس لتولي امور الكنيسة دينيا بعد فتح العثمانيون واعطى لهم صلاحيات كثيرة وألزم جميع الوزراء بتنفيذ قرارات البطريك.
وقرر الفاتح الذي لُقِّب بهذا اللقب بعد الفتح اتخاذ القسطنطينية عاصمة لدولته، وأطلق عليها اسم "إسلام بول" أي "دار الإسلام"، ثم حُرفت واشتهرت بـ " إستانبول "، وانتهج سياسة سمحة مع سكان المدينة، وكفل لهم حرية ممارسة عبادتهم، وسمح بعودة الذين غادروا المدينة في أثناء الحصار والرجوع إلى منازلهم، ومنذ ذلك الحين صارت إستانبول عاصمة للبلاد ..
*******
وهكذا عرف أجدادنا العظام مقدار هذا الشهر الكريم.
فكانت تتم أعظم الفتوحات فيه فهو شهر الهمة والنشاط.
تحدثنا في اللقاءات السابقة عن الإنتصار الكبير للمسلمين في غزوة بدر وكان في شهر رمضان , ثم فتح القسطنطينية وكان أيضا في شهر رمضان , ونتحدث اليوم بعون الله تعالى عن إنتصار العاشر من رمضان.
تحرير سيناء العاشر من رمضان ( 10 رمضان 1393هـ - 6 أكتوبر 1973م )
يتذكرالكثير منا معركة العاشر من رمضان 1393هـ - 6 أكتوبر 1973م
تم تعبئة الشعب المصري إيمانيا ورفع شعار العلم والإيمان وكان هذا بمثابة السلاح الأقوى الذي لا يقهر في وجه القوى المتسلطة من الكيان الصهيوني الذي زرع في قلب الوطن العربي ليكون كالسرطان يعمل على إضعافه وتفتيته وتخلفه.. فقد تم إحتلال أجزاء كبيرة من أكبر أربع دول في العالم العرب في ست ساعات - 5يونية 1967 - وكسبت إسرائيل ما كسبت، وضاعت به -إلى اليوم- القدس والضفة والقطاع والجولان، بالإضافة إلى سيناء التي استردتها مصر فيما بعد.
بالإيمان تسترد الكرامة
لقد عبر الجيش المصري القناة وكان الهتاف يهز الأرض ( الله أكبر )، صنع قناطر أو جسورا للعبور عليها، مكونة من أجزاء، تُركب في الحال، ويوصل بعضها ببعض، فتكون جسرا فوق الماء تعبر فوقه المصفحات والمجنزرات والدبابات إلى البر الآخر،
وقد كان هذا العمل مستحيلا في ظل الدفاعات العملاقة من الجانب الصهيوني حيث أقامت ساترا ترابيا ضخما يستحيل إختراقه مزود بأنابيب ضخ لمادة النبالم الحارقة لمن يفكر في عبور القناة. فيمكن في خلال دقائق تحويل القناة إلى جحيم...
بعد عبور القناة بسلام وأمان ونجاح، اقتحمت القوات المصرية ما عُرف باسم خط بارليف، الذي أقامته إسرائيل؛ ليكون حاجزا ترابيا بعد الحاجز المائي، وكانت العدة قد أعدت لتخطيه بإحكام ومهارة.
وكان كل شيء مُعدا بجدارة وأناة وحكمة، ولم يكن هناك شيء مرتجل، وقام كل سلاح بدوره: سلاح المهندسين، وسلاح الفرسان والمدرعات، وسلاح الطيران، كل قام بما هيئ له، وما كلف به.
******
إن ذكريات رمضان عبر العصور المختلفة كلها خير للأمة الإسلامية, فهو شهر الكرم والتقوى وقرآءة القرآن. وهو خير مدرسة نتعلم معها أن بالإيمان والتقوى نسود.