منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   منتدي القصص الأدبية (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=97)
-   -   (قضى نحبه) (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=26380)

أحمدالحارون 15-08-2011 04:36 PM

(قضى نحبه)
 

(قضى نحبه)

نظر سامح فى مرآته، دقق النظر، تعجب؛ ينتبه، البياض يغزو بعضَ شعره،
جلسَ على حافةِ سريرة، أغمض عينيه، أسند وجه إلى كفيه، وغاص فى ذكرياته الأليمة.
يتذكر حين علا صوتُ معلمه رافعاً لأعلى نظارته، وممسكاً بعصاته:
اجلس بجوار زميلك، فاسمك الحقيقى سامح محمود، أما من تقول له بابا ....فهو عمك.
كلماتٍ قالها المعلمُ بوقع السياطِ على جسده النحيل، نزلتْ على الصبى فصمَّتْ آذانه، لا يعرف كيف قضى يومه؟
وماذا حدث فى يومه الأول من عامه الدراسى الأول؟ لكنه يتذكر أنه عاد إلى البيت متثاقلا،
وكأن أقدامه تغوص لتعانق الأرض, ومن ساعتها غادرته بسمته، وخفض صوته، وخبا ضوء الشمس فى عينه،
فرغم حنان عمه وزوجته، فمرارة الحرمان سكنتْ أحشاءه، ووقفتْ غصة الفقد فى حلقه، فتشابه لديه العذبُ والأجاج، وتغيرت نظرته لمن حوله.
وتمضى السنون، وعلى مشارف تحقيق حلمه ليكون طبيباً، لكن لم ينس ذاك اليوم، وتلك اللحظة الأليمة، ألهمه ربه ثباتا وصبرا، وكلما وجد نفسه هكذا صابرا، أقبل على ربه طائعا.
لم يعرف فى حياته غير مسجده ومسكنه وعلمه، حباه الله بمسحة قبولٍ، فبدا حسن الوجه حسن الصمت، وسكبَّ عليه اليتم تواضعاً أعلى شأنه، وأما التزامه فأحاط هالة من نور حول جبينه، فكان فراغه من علمه فى مسجده يتعبد.
وتذكر فى مطلع الشباب، وجال بفكره حين كانت امرأة ذات عقل وجمال تراقبه، فشغفتْ به وطال عليها ذلك، فلما أتى عليها العشق، وصبَّ الصبُّ فى قلبها الوجد، وهز منها الجوى أفنان الفؤاد، وصعب عليها احتماله، وقفت له على طريقه، والشمس حين إذ تحرك أخر خيط فى الطرقات، وهو يريد مسجده، قالت له: اسمع منى يا فتى كلماتٍ، ثم اقض ما أنت قاضٍ، فمضى ولم يكلمها، فتعرضتْ له ثانية وهو يريد مسكنه، فقالت له:
يا فتى، بربك اسمع منى كلماتٍ أكلمك بها، فأطرق مليّاً، وقال لها: هذا موقف شبهة، وأكره أن أكون لها موضعاً،
فقالت له: والله ما وقفتُ موقفى جهالة بشأنك، وأعلم أنك مثل الزجاج أو أرقُّ ، أدنى شيء يعيبه، وغاية ما عندى أن جوارحى بك مشغولة، وقلبى بك متيم، فالله الله فى أمرى، فمضى الشاب إلى بيته، أراد أن يصلى كعادته، لم يستطع، فكتب كلماتٍ على عجل، ثم خرج فإذا هى فى موضعها، فألقى إليها كتابه وآب لمقره.
وكان فى كتابه...يا هذه إنى والله عاجز عن إصلاح نفسى، فأنى لى بإصلاح غيرى، وإن كان حقا ما ألم بك، فاقصدى رب العالمين، فإنى عنك متشاغل بـــ (يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور).
وعرضتْ له فى طريقه بعد أيام، فلما رآها من بعيد، سفك وجهه دم الخجل، ثم همَّ راجعا، فقالت له: لا ترجع، فلا كان الملتقى بعدُ إلا بين يدى رب العالمين، وأجهشت باكية، ثم قالت: أسأل الله أن يفتح لك مغالق الأمور، امننْ علىَّ بموعظةٍ عنك أحملها، وأوصنى.
فقال لها: لا أذاقكم الله طعم أنفسكم، وأوصيكم بحفظ نفسك من نفسك، وطوبى لمن قرن ذنبه باستغفار، والويل كل الويل لمن عصى بإصرار، واعلمى أن لذة الدنيا مثل لمعان برقٍ، فبكتْ كمن لم يبكِ من قبلُ، وتبعثر بعضها فوق الأرض، ثم أفاقتْ، فغادرتْ متوكئة على منسأة الوجد، فلزمتْ بيتها، وأخذتْ فى العبادة، وكانتْ إذا جهدها الأمر، وتحنظلت شجرة البعاد، تأتى بكتابه وتضعه على عينيها، فكأنها تسمع صوته من طيات حرفه،
فيقال لها: وهل يخففُ هذا من أمرك شيئا؟ فتقول: وهل لى دواءٌ غيره، فقدانفصمت عرى الوصال، وأُكرهتُ على كأس الفراق، ومالىَّ عن هواه فطام، ثم تخوض فى دموعها، وتتكوم فى زاوية الغرفة، ويرتخى ظلها فوق الجدار كئيباً، فظلتْ هكذا بين محرابها وكتابه، ونال منها الوجد مآربه، حتى أوشكتْ على الهلاكِ، وتهدمت حيطان العمر.
أما طبيبنا فكان يذكرها ثم يبكى ويدعو قائلا: يا ربَّ القلوب ويا مثبتها قد أعنتنى على طمعها فىَّ أول أمرها،
فاجعل قطعها ذخيرة لى عندك، وظل بها موصولا حتى.....؟


الساعة الآن 07:53 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام