رد: الحرفيون ودورهم التاريخي في تطـور المدينة العربية الإسلامية
وصنف إخوان الصفا الصنائع حسب فائدتها على النحو التالي:
الصنائع الضرورية للمجتمع:
كالزراعة والحياكة والبناء ثم صنائع تأتي في الدرجة الثانية ، فهي إما تابعة للأولى أو متممة لها ومكملة، فمثلاً لا تتم الحياكة إلا بالغزل، والغزل لا يتم إلا بصناعة الحلج، فأصبحت صناعة الغزل وصناعة الحلج تابعة للحياكة ، كما أن الخياطة لازمة لعمل الملابس من النسيج ، فصارت الخياطة متممة للحياكة ، ثم هناك ثالثاً صنائع للجمال والزينة ، أمثال صنائع العطور والحرير والوشي، كما صنفوا الصنائع حسب موضوع الصناعة إلى نوعين:
أولاً- الصنائع الروحانية :
وتشمل المهن الفكرية، ثم الصنائع الجمسانية وتشمل الحرف اليدوية، وهذه صنفت إلى صنفين ، الأولى التي يكون موضوعها بسيطاً: مثل الماء - كالسقايين والملاحين والسياحيين -الخ والتراب (كحفاري الآبار والأنهار والمعادن- الخ) والنار (كصناعة النفاطين والوقادين والمشعلين) والهواء (كصناعة الزمارين والبواقين والنفاطين أجمع) أو الماء والتراب (كصناعة الفخارين والغضارين، وجرابي اللبن).
ثانياً- النوع الثاني:
الصنائع التي يكون موضوعها مركباً،
وهذه ثلاثة أنواع: وهي الأجسام المعدنية، ومنها (الصفارين والحدادين والرصاصين والصواغين) ثم النباتات، والصناعات من هذا النوع إما أن تتناول أصول النبات من الأشجار والقضبان والأوراق لصناعة النجارين والخواصين والبوارين والحصريين والأقفاصيين ومن شاكلهم ، أو أنها تتناول لحاء النبات كصناعة الكتانين ومن يصنع القنب والكاغد أو أن نتناول تمر الأشجار وحب النبات كصناعة الرقاقين، والقطارين والبزارين وكل من يخرج الادهان من ثمر الشجر وحب النبات، ثم الحيوان، والصناعات هنا عامة كصناعة الصيادين ورعاة الغنم والبياطرة، أو تتناول إنتاج الحيوان كصناعة الدباغين، والأساكفة، أو الطباخين، ومن الصنائع ما موضوعها أجساد الناس كصناعة الطب والمزينين ونفوس الناس كصناعة المعلمين(17).... كما صنف الإخوان الصنائع تصنيفاً.
ثالثاً- حسب قيمة إنتاجها فهي تتفاضل من حيث:
أولاً- قيمتها، والحاجة إليها، ثم فائدتها بالنسبة إلى الناس. كما صنفوها تصنيفاً رابعاً حسب الأدوات والآلات المستعملة فيها ولهذه الدراسات والتصنيفات فوائد جمة كثيرة فهي تدل على نطاق الصناعات الموجودة في عهدهم والفترات التي سلفت والأهم من ذلك أنها تلقي وتوجه الضوء على الفكر الاقتصادي في تلك الفترة... ويتضح أن المهن كانت وراثية، وكل صانع يفضل حرفته على جميع الحرف، ويوضح الجاحظ هذا التوجه(18) بقوله: لكن لكل صنف من الناس مزين عندهم ما هم فيه وسهل ذلك عليهم، والحائك إذا رأى تقصيراً من صاحبه أو سوء حذف أو خرقاً قال يا حجام، والحجام إذا رأى تقصيراً من صاحبه قال له: يا حائك، ومع كل هذا وذاك عدت بعض المهن شائنة حتى ينظر العامة مثل مهنة البوابين والقوادين والمشعوذين(19).
رد: الحرفيون ودورهم التاريخي في تطـور المدينة العربية الإسلامية
ث-الخاتمة- الصناع والطوائف الحرفية:
وهؤلاء طائفة من الناس وصفوا بأنهم يعملون بأبدانهم وأدواتهم في مصنوعاتهم الصور والنقوش والأصباغ والأشكال، وغرضهم طلب العوض عن مصنوعاتهم لمصلحة معيشة الدنيا ، وكان الصناع يقسمون من حيث العمل إلى فئتين، الأولى تضم المشتغلين بأجرة وهم الصناع الذين يعملون في المؤسسات الخلافية وفي دور الضرب أو في محلات التجارة الكبيرة ، أما الفئة الثانية فهم يعملون لحسابهم الخاص بما في ذلك المبتدئون(20)...
وكانت البضائع في أكثر الأحيان وراثية يأخذها الأبناء من الآباء، وفي حال تعلم الأبناء لصنعة الآباء والأجداد فإنهم يتقنونها(21) ويصبحون بارعين فيها، وعلى ما يبدو أن أكثر المشتغلين بالصناعة كانوا من أهل الذمة ، ولقد قويت فيما بعد الروابط الاجتماعية بين أصحاب الصنائع، وغدا كل صانع يشعر برابطة الانتماء إلى أصحاب حرفته وصنعته، وكثيراً ما عقد أهل الحرفة الواحدة الاجتماعات للتشاور والتباحث في أمور مهنتهم ثم أخذت تظهر فيما بعد تنظيمات لأهل الحرف تدفعهم لذلك ظروف المهنة ، وأخذت هذه التنظيمات تميل نحو التكتل والتنظيم لتأمين مصالحهم المشتركة ، وكان لكل حرفة رئيس من بين أعضائها تعينه الحكومة أو شيخ الصنعة أو الرئيس ، ويقوم بتنظيم أمور العاملين ، ويعمل على حل المشكلات والخلافات التي تحدث في حرفته، كما كان يقوم بدور الوسيط بينهم وبين السلطة الحاكمة، ويليه الأستاذ وهو متقدم في المهنة ، ويأتي بعده الصانع وهو الذي يعلم المهنة، ويمكنه أن يفتح محلاً خاصاً به ويمارس عمله بصورة مستقلة، ويلي هذا المبتدئ، وهذا منتمٍ إلى الصنف ويقوم بالتدرب على أيدي الصانع، وكل هذا وذاك أدى إلى تنظيمات متطورة قادت إلى نشأة(22)النقابات الخاصة بالمهنة أو الحرفة ، والتي كانت تستهدف تبادل المعونة والدفاع عن مصالح الحرفة، وكان المحتسب يشرف على حسن سير الأعمال بكل حرفة.
وعاش معظم الحرفيين في المجتمع حياة متوسطة، وربما أدت بعض الظروف السياسية الخاصة إلى ضيق أحوالهم المادية، لهذا كثيراً ما كانوا يساهمون بدور نشط في الحركات الاجتماعية التي تقوم ضد السلطة الحاكمة، وهؤلاء كانوا يتطلعون لتحسين أحوالهم الحياتية والمعاشية وبذلك كانت حركة الحرفيين تعمل على ضبط إيقاع مسير الأنظمة التي تخالف التشريعات الإسلامية وإعادة هذه الأنظمة إلى جادة الصواب، وأيضاً كانت تمارس الأسلوب نفسه في ضبط سلوك الأغنياء.
المصادر المطبوعة:
1 ـ القرآن الكريم.
2 ـ البغدادي: الخطيب، البغدادي: (ت 463هـ/1070م) أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد: تاريخ بغداد أو مدينة السلام 14 جزءاً مطبعة السعادة القاهرة، 349 وطبعة مكتبة الخانجي القاهرة ص193 وطبعة دار الكتاب العربي، بيروت1931.
3 ـ البيهقي: إبراهيم بن محمد، ت320/933م/ المحاسن والمساوئ، جزءان، تحقيق أبو الفضل إبراهيم القاهرة 1961.
4 ـ الجاحظ: أبو عثمان عمرو بن بحر (ت 255هـ/869م رسائل).
5 ـ ابن خلدون عبد الرحمن بن محمد، ت808هـ/1405م مقدمة ابن خلدون طبع دار الشعب المصرية القاهرة. وطبعة منشورات الأعلمي بيروت 1971م.
6 ـ الدمشقي: أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي (عاش في القرن السادس الهجري: الإشارة إلى محاسن التجارة دمشق 1318هـ.
7 ـ الشيباني: محمد بن الحسن الشيباني (ت 189/1804 الكسب مخطوط تحقيق د.سهيل زكار طبعة أولى دمشق 1400هـ-1980م، ص19/33.
8 ـ الصالح: صبحي النظم الإسلامية، نشأتها وتطورها، بيروت 1965 ط/2، 1968 .
9 ـ إخوان الصفا: رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا، 4أجزاء بيروت سنة 1957.
10 ـ المقدسي: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي المعروف بالبشاري من علماء النصف الثاني من القرن الرابع والنصف الأخير من القرن العاشر الميلادي ت387/997م. أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ليدن 1906.
11 ـ أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم (112هـ/730) كتاب الخراج المطبعة السلفية القاهرة ط4، 1392هـ.
12 ـ البراوي راشد: حالة مصر الاقتصادية في عهد الفاطميين مطبعة النهضة المصرية 1958م.
13 ـ بورفنسال ليفي: ثلاث رسائل أندلسية في آداب الحسبة مطبعة المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية، القاهرة 1955، انظر محاضرات في الآداب الأندلسي وتاريخها، ص89.
14 ـ الدوري عبد العزيز: النظم الإسلامية بغداد 950 تاريخ العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري (مطبعة المعارف بغداد 1948).
14 ـ زيدان: جرجي تاريخ التمدن الإسلامي 5أجزاء مراجعة حسن مؤنس دار الهلال القاهرة 1968.
16 ـ صالح أحمد العلي: التنظيمات الاقتصادية والإدارية في البصرة دار الطليعة بيروت ط1 1953، وط2 1969
17 ـ ريسلر جاكس: الحضارة العربية ترجمة غنيم عبدون الدار المصرية للتأليف والنشر.
18 ـ برنارد لويس: النقابات الإسلامية ترجمة عبد العزيز الدوري، مجلة الرسالة سنة 1940 الأعداد 355/356/362.
19 ـ الدوري: عبد العزيز الدوري: نشوء الأصناف في الإسلام. مجلة كلية الآداب جامعة بغداد العدد1 سنة 1959م.
20 ـ عاشور، سعيد عبد الفتاح: المجتمع الإسلامي في بلاد الشام في عصر الحروب الصليبية.
21 ـ واضح الصمد: الصناعات والحرف عند العرب في العصر الجاهلي.
22 ـ جواد علي: المفصل في تاريخ العرب ج7.
23 ـ محمد عبد الستار عثمان المدينة الإسلامية مجلة عالم المعرفة- العدد 18 الكويت، آب 1988- ص17-47.
24 ـ حلمي سالم: اقتصاد مصر الداخلي في العهد المماليكي.
25 ـ كتاب الملانية للسلمي: مخطوط ببرلين عن جبر الزر النقر: بعنوان الفتوة هل هي الفروسية الشرقية -دراسات إسلامية بيروت 1960.
26 ـ فهمي عبد الرزاق سعد: العامة في بغداد بلا تاريخ.
الهوامش :
(1) قرآن كريم :التوبة 105.
(2) قرآن كريم :آل عمران 195.
(3) قرآن كريم : الأحقاف 19.
(4) قرآن كريم :الكهف 88.
(5) قرآن كريم :النجم 39/41.
(6) محمد الحسن الشيباني: الكسب، مخطوط، تحقيق سهيل زكار ط1 دمشق 1400 هـ. 1980 ص19/33/62 انظر صبحي الصالح، النظم الإسلامية ، نشأتها وتطورها، بيروت 1965 /ط52 1968، ص398.
(7) واضح الصمد: الصناعات والحرف عند العرب في العصر الجاهلي، ص201-202- جواد علي: المفصل في تاريخ العرب ج7-ص543.
(8) شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي المعروف بالبشاري من علماء النصف الثاني من القرن الرابع أو النصف الأخير من القرن العاشر الميلادي ت 387هـ/997م: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم لبدن 1906، ص183، انظر الأمير علي الحسيني: تاريخ سورية الاقتصادي مطبعة بدائع الفنون -دمشق 134هـ ،ص 93.
(9) صالح أحمد العلي: التنظميات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري، ص302.
(10) جاك ريلر: الحضارة العربية، ترجمة غنيم عبدون، الدار المصرية للتأليف والنشر، ص118.
(11) المقدسي: المرجع الرابع، ص47. انظر محمد عبد الستار عثمان: المدينة الإسلامية- مجلة عالم المعرفة، ص17/47- العدد 128 الكويت آب 1988.
(12) ليفي بروفنسال: محاضرات في أدب الأندلس وتاريخها، ص89.
(13) برنارد لويس: النقابات الإسلامية "ترجمة الدوري" مجلة الرسالة سنة 1940 الأعداد 355/357/362/. انظر سعيد عاشور: المجتمع المصري في عهد سلاطين المماليك ص36، وحلمي سالم: اقتصاد مصر الداخلي في العهد المماليكي: ص196.
(14) راشد البراوي: حالة مصر الاقتصادية في عهد الفاطميين ص194/197.
(15) ورد هذا النص في كتاب الملامنية للسلمي، مخطوطة ببرلين عن جير الدز.
النفر: الفتوة هل هي الفروسية الشرقية -دراسات إسلامية: ص220، بيروت 1960.
(16) جرجي زيدان: التمدن ج5، ص47- الدوري: تاريخ العراق ص68.
(17) إخوان الصفا: ج ص113-115/220- الفارابي إحياء العلوم.
(18) الجاحظ رسائل: ص146- الدوري تاريخ، ص88.
(19) الدمشقي: الإشارة، ص42/43.
(20) إخوان الصفا: رسائل، ج1، ص217- الدوري: نشوء الأصناف والحرف في الإسلام، ص153. مقال، مجلة كلية الآداب بغداد، عدد لسنة1959.
(21) إخوان الصفا: رسائل، ج ص223، أبي يوسف الخراج، ص64/69. البغدادي: تاريخ البغدادي ج1، ص176- أحمد صالح علي: التنظيمات الاجتماعية في البقرة ص92.
(22) عبد العزيز الدوري: نشوء الأصناف والحرف في الإسلام، ص154، مقال مجلة كلية الآداب بغداد عدد لسنة 1959. انظر برنارد لويس: العرب في التاريخ، ص130- فهمي عبد الرزاق سعد: العامة في بغداد، ص65.
المصدر : مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 76 - السنة 19 - تموز "يوليو" 1999 - ربيع الأول 1420