بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علي المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلي اله وصحبه ومن اهتدي بهديه الي يوم الدين وبعد :
مقدمة
بداية علاقة الفلسفة بالدين
ظهرت الفلسفة قديماً واشتهرت شهرة عظيمة في بلاد اليونان وقد عُرف من بين الفلاسفة أرسطو وأفلاطون وأبو قراط وسقراط، وقد كان لكلّ فيلسوفٍ منهم منهجه وطريقته في التّفكير الفلسفي، وبعد أن وصلت الفتوحات الإسلاميّة إلى أوروبا، وفتح المسلمون بلاد الأندلس ظهر الكثير من الفلاسفة العرب الذين أخذوا علم الفلسفة القديمة عن اليونان، وانكبوا على كتبهم ودراستها ومحاولة إخراج علم فلسفة يدعم الدّين والأخلاقيّات، ويكون ضمن منظومة العلوم الإسلاميّة، وقد عُرف من بين هؤلاء العلماء ابن رشد والفارابي وابن طفيل، فهل نجح هؤلاء العلماء في ربط الفلسفة بالدّين؟ وما هي العلاقة الحقيقة بينهما؟(1)
وموضوع البحث هي في محاولة بن رشد التوفيق بين الفلسفة والدين خاصة بعد الهجوم الشديد الذي تعرضت له علي ايدي الغزالي مما كان سبب في بداية وفاتها والأسس التي اعتمد عليها ابن رشد في تلك المحاولة
منهج البحث
وقد اتي البحث معتمدا علي الاصول والمؤلفات لكلا الفيلسوفين الغزالي وابن رشد في ( تهافت الفلاسفة ) للأول ( وتهافت التهافت) لابن رشد بالاضافة الي مؤلفاته الاخري التي تناولت محاولته التوفيق بين الفلسفة والدين ودفاعه عن الفسفة كما في ( مناهج الأدلة ) ، ( فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال ) بالاضافة الي الدراسات العديدة التي تناولتهما خاصة تلك القضية والرؤي التي تناول بها الكثير من الباحثين والدارسين لتلك الاشكالية في العصر الحديث
أهم الدراسات السابقة
ابن رشد سيرة وفكر ، دراسات ونصوص».. لمحمد عابد الجابري ، (بين الدين والفلسفة في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط).. لمحمد يوسف موسى ،
«الفيلسوف المفترى عليه ابن رشد».. لمحمود قاسم ، (النزعة العقلية في فلسفة ابن رشد).. لعاطف العراقي ، «فلسفة ابن رشد».. لفرح أنطون
موقف المسلمين من الفلسفة اليونانية
لم يكن الفكر اليوناني الذي بدأ بالدخول في المجال الإسلامي في بدايته صريح التعارض مع الإسلام، فقد ترجمت في البداية العلوم الفلسفية الطبيعية، والمنطقية، والأخلاق، واستقبلت البيئة الإسلامية ذلك بالترحاب، ولم يشتد الصراع بين الفكر الإسلامي والفلسفة اليونانية إلا عند ترجمة الكتب التي تتعرض للمشاكل الميتافيزيقية كالألوهية، ولم يتقبل علماء الكلام أن يكون النبي في كفة، مقارنة مع الفيلسوف في الكفة الأخرى، وأكثر ما أثار ثائرة علماء الدين المحافظين، ما فهموه من إمكان الاستغناء عن الوحي للحصول على معرفة مؤسسة من العقل وحده
لقد كانت قضية العلاقة بين العقل والوحي، وبالتالي بين الحكمة والنبوة، أو الدين والفلسفة، أو العقل والنقل، قضية حاضرة في المحيط الإسلامي، وقد حاول المفكرون أن يظهروا التوافق بين المصدرين، لكن معظمهم أخطأ حينما ظن التوفيق بين الدين والعقل، يعني التوفيق بين الإسلام والفلسفة اليونانية.
وبالرغم من اتفاق فلاسفة الإسلام على وحدة الحقيقة الدينية والفلسفية إلا أنهم تباينوا من حيث تقديمهم لأحد الجانبين على الآخر، فقد قدم الكندي الوحي على الفلسفة، بينما سوّى الفارابي وابن سينا بينهما تقريباً، وكان لابن رشد رأي باستقلالهما من دون تعارض(2)
الفلاسفة المسلمين قبل بن رشد وموقفهم من التقريب بين الفلسفة والدين
ظهر فلاسفة الإسلام وانتسبوا فى فكرهم العام الى الفلسفة الأرسطية المشائية ، وكان العديد منهم على دراية بعلوم الإسلام بحكم المولد والدراسة التقليدية ، وكان الغالب على المتفقهين منهم حفظ الفقه وعلم التفسير ، ومع تنامى دراسة الفلسفة وذيوعها بين طائفة من المسلمين ، تنامى التوجس منها والتحذير ، غير أنه لم يبلغ أن يكون هجوما قاطعا ، قوياً مؤثرا ، خصوصا وأن الدائرة الضيقة التى تدرس الفلسفة اليونانية ، لم يكن لها تأثير فى المحيط الإجتماعى ، وبحكم طبيعة هذه العلوم وطبيعة العصر لم يكن على عوام المسلمين أى تأثير منها ، كان التأثير يأتى من الحركات الفكرية الدينية التى تجعل الفلسفة جزء من بنائها الفكرى كالاسماعيلية ، وما فى سياقها من الحراكات الباطنية ، أو بعض المتكلمين من المعتزلة وغيرهم والتي يتصل فكرها بالعقل والشريعة كما يتصل بالفلسفة(3)
وكان الهجوم على هذه الحركات منصب على البدعة الظاهرة التى تقول بها الفرقة الدينية الكلامية ومع سطوع نجم الفلاسفة الإسلاميين ، وظهور كتبهم فى أسواق الوراقين ، واتصال بعضهم بالخلفاء والحكام تعاظم قليلا دور الفلسفة واتسعت الدائرة ، لكن كلما زاد الظهور أتسعت دائرة النقد ، وكان لا بد من جهد للتوفيق بين الحكمة والشريعة ، لتلافى هجوم علماء الكلام الذى جاء مبكرا على هجوم أهل الفقه والحديث (4)
أقسام البحث :
1- صور التوفيق بين الدين والفلسفة عند فلاسفة المسلمين السابقين لابن رشد
2- المنهجية والأسس التي اعتمد عليها بن رشد في محاولة التوفيق بين الدين والفلسفة
3- رد بن رشد علي الغزالي في تكفيره للفلاسفة كمحاولة متمة منه للدفاع عن الفلسفة وتوافقها مع الشرع
4- ثم النتائج والمراجع
صور التوفيق بين الدين والفلسفة في الفكر الإسلامي
اتخذت محاولات التوفيق بين الدين والفلسفة صوراً شتى، فمنها ما أولى العناية للتركيز على الغاية، كبيان غاية الأخلاق في الفلسفة والدين من حيث سعادة الإنسان، ومنها ما تناول بالمقارنة العامة الخطوط الأساسية لكل من الدين والفلسفة –رغم اختلاف منهجيهما- ومنها ما صدر على هيئة رسائل تشرح سبل وصول الفكر الحر النزيه للحقائق الكبرى التي نادى بها الدين الحق، ومنها ما تبنى إلباس بعض المصطلحات والمبادئ الفلسفية ثوباً دينياً كما يظهر في نظرية الفيض عند الفارابي وابن سينا، ومنها ما اتخذ صورة الرمز والقصص المفضي إلى نفس الغاية من إثبات لقدرة العقل على الوصول إلى الحقائق التي دعا لها الدين، كقصة ابن طفيل “حي بني يقظان” وغيرها كما سيأتي معنا.
والحقيقة أن احتمالات التوفيق بين الدين والفلسفة، تجعل المحاولين إما أن يقفوا مع الفلسفة ويطوعوا النصوص لتؤدي فكرتهم المسبقة، وإما أن يجعلوا اليد الطولى للدين، وإما أن يضعوهما في كفتي ميزان متعادلتين، فالكندي أعلن تفوق الدين على الفلسفة ، بينما يكاد الفارابي يرى تكافؤ الفلسفة الصحيحة والدين الصحيح، فإن بدا تناقض؛ فهذا يدل على أن النظام الفلسفي المتناقض مع الدين يعتبر نظاماً واهياً لم تكتمل فيه البراهين المؤدية إلى اليقين
محاولة الكندي( (185 – 256هـ
كان الكندي فيلسوف العرب الأول الذي واجه لأول مرة الفلسفة اليونانية في المحيط الإسلامي، حيث خالف أرسطو في نقطة الخلق والرعاية واتصال الله بالعالم وإحاطته علماً بذلك، فقد كان أرسطو يرى أن لا علاقة بين الله والعالم إلا في جانب العلة الأولى التي بدأ بها الحركة والحياة في العالم، وبعد ذلك لا يليق بالمحرك أن يتصل بالعالم، وكأنه لم يبق للإله إلا التأمل في ذاته.
فحيث قال أرسطو بقدم العالم، قال الكندي بحدوثه، وحيث يقطع أرسطو الصلة بالله والعالم بعد ذلك، يحتفظ الكندي بتأكيد دوام الصلة والرعاية، ويستند الكندي في كثير من آرائه للقرآن للترجيح.
موقف الكندي من النبوة
لم يقصر الكندي وسائل المعرفة على الحس والعقل، بل أضاف إليهما الإشراق الذي تمثل قمته النبوة، ويؤكد أن هذا العلم خاص بهؤلاء الذين اصطفاهم الله، وهذا الاصطفاء ينأى أن يكون ما يأتي به هؤلاء مكتسباً بالبحث والدراسة، فلو أراد الفيلسوف الإجابة عن ذات الأسئلة التي طرحت على الرسل؛ فلن يتمكن من الإجابة عليها بمثل الوضوح الذي أجاب به الأنبياء، ويمثل لذلك برد الوحي على سؤال (من يحيي العظام وهي رميم؟) فكانت خلاصة الآيات تبين أن العظام قد وجدت بالفعل، بعد أن لم تكن، وعليه فمن الممكن إذا صارت رميماً أن توجد من جديد، فجمع المتفرق أسهل من صنعه من العدم، وإن تساوى الأمران بالنسبة لله تعالى، فالقوة التي ابتدعت، يمكن أن تعيد ما أبادت، إن هذا من أعظم الأجوبة برأي الكندي، وهو ما حجبت عنه العقول الجزئية، ويوضح الكندي لرواد الفلسفة أن النبوة ليست إلا مظهراً من مظاهر العناية الإلهية بهذا الكون.
ويظهر لنا أن الكندي أعلى من صوت الدين، وعليه فلم يفكر بالتوفيق بين الطرفين إلا بعد أن تيقن أن الفلسفة الحقة كما عرفها: “علم الأشياء بحقائقها” علم الربوبية، وعلم الوحدانية، وعلم الفضيلة(5)
توفيقه بين الدين والفلسفة
يقول الكندى فى تعريف الفلسفة : " إن أعلى الصناعات الإنسانية منزلة وأشرفها مرتبة ، صناعة الفلسفة التي حدها : علم الأشياء بحقائقها بقدر طاقة الإنسان ، لأن غرض الفيلسوف في علمه إصابة الحق ، وفي عمله العمل بالحق .. وأشرف الفلسفة وأعلاها مرتبة الفلسفة الأولى : أعني علم الحق الأول الذي هو علة كل حق(6)
ومن خلال هذا التعريف يقدم الكندى الفلسفة باعتبارها صناعة هدفها معرفة الحقائق ..وهذا أمر لا يتعارض مع الدين إذ أن هدف الدين هو معرفة الحق والعمل به ، وبهذا تتوافق مهمة الفلسفة والدين ، لأن في علم الأشياء بحقائقها علم الربوبية والوحدانية والفضيلة، وهذه العلوم تدعو إلى كل علم نافع والسبيل إلى هذه العلوم النافعة، كما أنها أيضا تدعو إلى الاحتراس والبعد عن كل ضار كانت جهوده للتوفيق بين الدين والفلسفة بادية من خلال معارضتة لنظرية البراهمة فى قصر المعرفة على العقل وحده ، فأخذ يدافع عن النبوة والوحى كمصدر للمعرفة بجانب العقل ، وكذلك التوفيق بين النبوة والعقل ، ويشيرابن النديم في كتابه ( الفهرست( يقول : إن بين مؤلفات الكندي رسالة في إثبات الرسل، ورسالة أخرى في نقض مسائل الملحدين.(7)
ثم إن الكندى فى رسالته للمعتصم يقر بفضل السابقين فى هذا المجال وإن كانوا من غير أهل الملة فهو يرى أن من الحق ألا نذم احد ا مادام كان سببا لمنافعنا الهزيلة فكيف بمن صار سببا لأحد منافعنا العظيمة ، ثم يعتذر عنهم ، بأنهم لو قصروا عن بعض الحق فقد كانوا لنا أنسابا وشركاء فيما أفادونا من ثمار فكرهم (8)
ثم يقرر أنه لولا جهود هؤلاء القدما ماكان يمكن لأحد أن يصل لكل هذه الحقائق ولو كان من أذكياء العالم ومن أكثرهم عمرا(9) . وسنلاحظ أن هذه الأفكار سيكررها بعد قرون أبو الوليد بن رشد فى فصل المقال(10)
التوفيق بين الفلسفة والشريعة عند ابن سينا
أسس ابن سينا فلسفة مشرقية توخى فيها التوسط بين فلسفة اليونان ومذاهب المتكلمين والدين
اعترف ابن تيمية ان ابن سينا أصلح الفلسفة اليونانية بعض اصلاح وقربها من الملة الاسلامية ، وهذا يناقض رأى الدكتورعابد الجابرى فى أن ابن سينا فشل فشلا ذريعا فى محاولته التوفيقية
فيقول: أما الشيخ الرئيس فقد عمل بالفعل على تحقيق هذا النوع من التجاوز بمنهج إنتقائى تلفيقى يغذيه الطموح الى تأسيس فلسفة أخرى غير فلسفة المشائين التى يعتبرها فلسفة العامة من المتفلسفة فى عصره ، فلسفة مشرقية يقول عنها أنها زبدة الحق عنده حيث أراد ابن سينا ان يوفق بين الأرسطية والأفلاطونية والفلسفة الهرمسية البا طنية وعلم الكلام المعتزلى بإدخال قيم وسطى بين القيم المتعارضة فى هذه المذاهب .
كان يعتقد أن قضية العلاقة بين الدين والفلسفة يمكن تجاوزها على العمل بإيجاد اجوبة فلسفية لقضايا العقيدة الدينية ، وقد جعله هذا المسلك يقترب الى حد الانخراط من الفلسفة الدينية الاسماعيلية التى قامت اصلا على الأساس نفسه ، إنشاء فلسفة دينية تكون بديلا عن الدين والفلسفة فى آن واحد . (11)
ثم يتحدث الدكتور الجابرى عن القضايا الثلاث الكبرى التى صدر بموجبها تكفير الغزالى اللفلاسفة وموقف ابن سينا التلفيقى فيها للجمع بين الدين والفلسفة ، وينتهى الجابرى أن لا احد من الفلاسفة قبلها ، ولا أحد من رجال الدين أرتضاها .
وابن تيمية رحمه الله يعطينا صورة أوسع عن مذهب ابن سينا التوفيقى بما لا يختص بالمسائل الثلاث المشهورة فيقول : (وابن سينا لما عرف شيئا من دين المسلمين وكان قد تلقى ما تلقاه عن الملاحدة وعمن هو خير منهم من المعتزلة والرافضة اراد ان يجمع بين ما عرفه بعقله من هؤلاء وبين ما اخذه من سلفه فتكلم في الفلسفة بكلام مركب من كلام سلفه ومما احدثه مثل كلامه في النبوات واسرار الايات والمنامات بل وكلامه في بعض الطبيعيات و المنطقيات وكلامه واجب الوجود ونحو ذلك والا فأرسطو واتباعه ليس في كلامهم ذكر واجب الوجود ولا شيء من الاحكام التي ل واجب الوجود وانما يذكرون العلة الاولى ويثبتونه من حيث هو علة غائية للحركة الفلكية يتحرك الفلك للتشبه به (12)
إن الذى يهمنا هنا هل بالفعل قام الفلاسفة وخصوصا ابن سينا بعملية تقريب الفلسفة والدين عند التعارض هذا مايؤكده مؤرخ العقائد الكبير ابن تيمية اذ يقول : " كل من سلك سبيل أولئك اليونان واتبعهم في حكمتهم والذين اتبعوهم من المتأخرين فصرحوا فيها بأشياء وقربوها إلى الملل(13)
ويقول : وصار ابن سينا وابن رشد الحفيد وأمثالهما يقربون أصول هؤلاء إلى طريقة الأنبياء ويظهرون أن أصولهم لا تخالف الشرائع النبوية (14)
ومع معرفتنا بموقف الغزالى الذى انتهى الى تكفير ابن سينا والفلاسفة ، إلا أن ابن سينا وجد من يدافع عنه من المؤرخين الاسلاميين ، ويرفض الأقوال فيه ، ويعتذر عنه كما يظهر ذلك من كلام ابن تغرى بردى اذ يقول فى ترجمته " كان إمام عصره في الحكمة وعلوم الأوائل، بل كان إماماً في سائر العلوم. وتصانيفه كثيرة في فنون العلوم، حتى قيل عنه: إنه ليس في الإسلام من هو في رتبته. و كان حنفي المذهب، تفقه على الإمام أبي بكر بن أبي عبد الله الزاهد الحنفي - وتاب في مرض موته، وتصدق بما كان معه، وأعتق مماليكه، ورد المظالم على من عرفه، وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة إلى أن توفي يوم الجمعة في شهر رمضان "(15)
الفارابي
كان ابو نصر الفارابى أبعد الفلاسفة المشهورين الأربعة فى عملية التوفيق إذ أنه كان يرى أن الفلسفة هى الحق المطلق والدين تابع للفلسفة فى الوجود وتابع لها فى دوره الاجتماعى ، وحتى يتلائم الدين مع الفلسفة فيجب أن يكون مبنيا على الفلسفة ، فإذا لم يكن كذلك كان تعاند الدين والفلسفة أشد وبالتالى فإن التوفيق المتاح فى هذه الحالة هى محاولة أهل الفلسفة أفهام أهل الدين أن مافى دينهم هو خيالات ورموز تدل على الفلسفة الصحيحة وأنهم يفهمون الدين بصورة غير صحيحة(16)
وهناك وجهة نظر اخري تعارض ماسبق وتري ان الفارابي كان متمسكاً بعقيدته الإسلامية، ويأسف لتهجم الكثيرين عليه وتكفيره وزندقته كما فعل ابن كثير، والغزالي الذي قصده أساساً مع ابن سينا في كتابه “تهافت الفلاسفة” ومثلهما فعل الشهرستاني والرازي وغيرهم من هؤلاء المدافعين عن الفارابي الدكتور محمد كمال جعفر ويؤكد علي صحة ماذهب اليه بالدلائل الآتية :
أنه كان يرى أن النزعة الإيمانية هي المنطلق للنظام الفلسفي، من خلال الإقرار بالصانع، فيجب البدء من العقيدة السليمة في توحيد الألوهية.
رأى الفارابي خطورة من الاعتداد المسرف بالتفكير النظري، دون مراعاة لبعض الحقائق الدينية التي قد تعي دقتها كبار العقول، وتتجلى محاولة الفارابي التوفيق بين الدين والفلسفة في كثير من بحوثه ومقالاته، ولعل أشهرها مبحث مكونات وشروط الرئيس الحاكم والحكيم الذي يحكم المدينة الفاضلة، وفي نظرته للنبوة والدفاع عنها في وجه خصومها.
بعض شروط الفارابي لرئيس المدينة أبعدته عن أفلاطون وقربته من الشريعة الإسلامية، بالرغم من التكلف أحياناً والخطأ في أحيان أخرى، ومما يؤكد ذلك نظرته للبشرية على أنها مجمع يسكن المعمورة وهذه النظرة الشاملة هي نظرة الإسلام، وهي على النقيض من نظرة اليونانيين الذين كانوا يفكرون ببدائل فعلية عن مجتمعاتهم الواقعية، دون تفكير في الأمم والشعوب الأخرى.
فاستلهام الفارابي من القرآن دعاه لتأمل مصائر السابقين وعواقبهم للعظة والعبرة، فلم يقتصر في مدينته الفاضلة على النمط الأمثل، فقد تناول المدينة الجاهلة والفاسقة ومدينة الغلبة والبطش، وحكمه على هذه المدن تدل على استيعابه لمكارم الأخلاق كما قررها الإسلام، ويتضح أثر العقيدة الإسلامية في ثنايا فكره عند حديثه عن أدلة وجود الله، وحين يشير لتعدد أسمائه وصفاته مع توحده وتفرده وبذلك فلم يكن الفارابي مفتوناً بالفلسفة لدرجة نسيان عقيدته، ولم يكن ممن يضحي بدينه في سبيل فكرته، ونلاحظ أنه حينما وضع الشروط التي ينبغي التقيد بها لطالب الحكمة جعل منها تعلم القرآن وعلوم الشرع أولاً، غير مخل بركن من أركان الشريعة وآداب السنة. فلا محل إذن للاتهامات المتعلقة بنيته وقصده، فهذه الاتهامات لا يؤيدها دليل، ولا يدعمها برهان، بل هي حصيلة تخمين وظن، وسوء استغلال لنصوص الفارابي(17).
منهج بن رشد في التوفيق بين الفلسفة والدين
لقد سادت في المجتمع حينذاك موجة سخط على الفلسفة، وخصوصاً بعد حملة الإمام الغزالي، فكانت الفكرة الشائعة في المجتمع الأندلسي أن الفلسفة بعيدة كل البعد عن الإسلام، وكل من يشتغل بها أهل لأن يرمى بالإلحاد والزندقة، حمل هذا الموقف غير المنصف ابن رشد على الدفاع عن الفلسفة والتفلسف الصحيحين، وراح يثبت بالأدلة العقلية والنقلية أن لا تعارض ولا تناقض بين الدين والفلسفة، ولا يختلف ابن رشد عن جهود من اشتغلوا على قضية التوفيق بين الفلسفة والدين حيث أراد القول إن الفلسفة باعتبار أنها طريق اجتهادي وكسبي، تفضي إلى نفس الحقيقة التي دعا إليها الدين والتوفيق بين الدين والفلسفة عند ابن رشد لا يعني جعلهما شيئاً واحدا، فهو لم يغفل استقلال الدين عن الفلسفة، وإن كان ذلك لا يعني تناقضهما بالضرورة(18)
مفهوم الفلسفة عند بن رشد
في ( كتاب فصل المقال( لابن رشد نجده يعرف الفلسفة بأنها تعني" المصنوعات التي يصنعها الصانع تدل عليه، وكلما عرفنا الموجودات معرفة أتم تكون معرفتنا بصانعها أتم، والشرع ندب إلى اعتبار الموجودات والنظر بها وبيان دلالتها، حيث دعا الشرع إلى اعتبار الموجودات لأن النظر في الموجودات نظر عقلي، وهناك أكثر من آية تشير إلى اعتبار الموجودات بالعقل."
وسائل بن رشد في الرد علي المهاجمين للفلسفة
1-(إيجاب الدين للتفلسف (التفكير
2- التأويل
تقدير قيمة العقل، وتحديد مدى قدرته وصلته بالدين.
ففي النقطة الأولى بين أن الفلسفة ليست أكثر من النظر في الموجودات باعتبارها تدل على صانعها، ويرد على من يقول إن الفلسفة تؤدي للكفر والغواية بالقول إن ما يقع من كفر وغواية لا يرجع لطبيعة الفلسفة وإنما لنقص نظرة الناظر، أو سوء ترتيب نظره في القضايا الفلسفية، وقد يكون ذلك من غلبة شهواته، أو أنه فهم خطأ لغياب المعلم المرشد، ويستشهد ابن رشد بالحديث في مسألة الرجل الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يسقي أخاه العسل لإسهال كان به.
ويؤكد ابن رشد أن الشرع أوجب النظر العقلي واستنباط المجهول من المعلوم من خلال القياس العقلي والبرهاني الذي حث عليه الشرع.(19)
لقد حاول ابن رشد في بداية تناوله المشكلة في فصل المقال أن يثبت أن الشريعة توجب التفلسف؛ وكان هذا أول مبدأ من المبادئ التي اعتمد عليها ابن رشد لحل هذه المشكلة، وأثبت ذلك لا بالبرهان العقلي؛ وإنما بذكر الآيات التي تدل على ذلك؛ مما يثبت فكرتنا عن هذا الكتاب؛ ألا وهي أن ابن رشد يتناول فيه موضوع التوفيق تناولاً شرعياً.. إن الدين الإسلامي يدعو إلى تأمل الكون، والقرآن مليءٌ بالآيات التي تدعو إلى التعقل والتفكر والحكمة؛ وكلمة حكمة المذكورة في القرآن ما هي إلا الفلسفة.. يقول ابن رشد: " أما أن الشرع دعا إلى اعتبار الموجودات بالعقل، وتطلب معرفتها به فذلك بين في غير ما آية من كتاب الله تبارك وتعالى، مثل قوله سبحانه وتعالى: )فاعتبروا يا أولي الأبصار (سورة الحشر 2:؛ وهذا نص على وجوب استعمال القياس العقلي، أو العقلي والشرعي معاً.. ومثل قوله تعالى: ( أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء (سورة الأعراف : 185(20)
الشريعة توجب التفلسف
لقد دعا الإسلام إلى التفلسف؛ لأن الفلسفة وسيلة الإنسان لمعرفة الله؛ ومن ينهى الناس عنها فقد صدهم عن الباب الذي دعا الشرع الناس منه إلى معرفة الله.. ولا يخفى بالطبع هنا أن حديث ابن رشد ينصب على هذا الجزء من الميتافيزيقا الذي يدرس موضوع الله، وهو المعروف بمبحث الألوهية.. ولقد سبق لابن رشد أن قال ": إن أجزاء الفلسفة المختلفة من شأنها أن تنتهي بنا إلى معرفة الله؛ فكأن كل فروع الفلسفة في خدمة مبحث الألوهية، أو هي أدوات أو تمهيد لمعرفته فمن لا يعرف المصنوع لا يعرف الصانع(21)
فالدين مجموعة من الحقائق أوحى الله بها للأنبياء، وهذه الحقائق تقدم للإنسانية ما يمكن أن تعرفه عن أمور الشريعة (مثل الثواب والعقاب في الحياة الأخرى)، كما تقدم له المعرفة العملية؛ أي معرفة ما ينبغي عمله لتحقيق السعادة، وما ينبغي الامتناع عنه لتجنب عقاب الآخرة.. تتفق الفلسفة والدين إذن في نظر ابن رشد من حيث الموضوع؛ فكلاهما يبحث في الله والكون والحياة ولكنهما يختلفان من حيث منهج المعرفة(22)
و تحتاج الشريعة إلى الوسائل الخاصّة بالخَطابة، والشِّعر، الأمر الذي يتطلَّب استخدام عدد من وسائل المجاز، والتشابيه، والقصص، حتى تتكوَّن أركان الخطاب الشرعيّ المتكاملة، وفي هذه الحالة يتمّ تأويلها على يدي الفيلسوف بطريقته الخاصّة به(23) فمن يحرم الفلسفة كما سبق أن ذكرنا هو الكافر؛ لأنه يثني الناس عن معرفة الله حق المعرفة بالعقل.. الفلسفة واجبة إذن بالشرع وإن كانت دراستها من أجل معرفة الله"(24)
اهتم ابن رشد في إظهار أن الشرع قد أوجب النظر في الموجودات و اعتبارها ، وذلك أخذا من قوله تعالى :" فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ "(الحشر 2:59) ، ويقول " أن العلاقة بين الفلسفة التي تمثل العقل ، والشرع الذي يمثل الدين ، هي أن الفلسفة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة ، وهما المصطحبتان بالطبع المتحابتان بالجوهر والغريزة ، وأي خلاف بينهما إنما يرجع إلى أصحاب الأفهام الفاسدة و الاعتقادات المنحرفة". ويعتمد ابن رشد علي القياس البرهاني في النظر إلى الموجودات ، و البرهان هو كل ما ينطلق مما هو مشاهد ومحسوس . ويقول ابن رشد في كتابه (تهافت التهافت ): "إن الفلسفة تفحص عن كل ما جاء في الشرع ، فإن أدركته استوي الإدراكان ، وكان ذلك أتم في المعرفة ، وإن لم تدركه أعلمت بقصور العقل الإنساني عنه ، و أن يدركه الشرع فقط" .
2-التأويل
يشير بن رشد إلى ازدواج النظرة إلى النصوص القرآنية على مستويين قريب جلي، وبعيد خفي لا يدرك إلا بالتأويل، فالأول يدركه العامة، والباطن له أهل الخاصة من ذوي البرهان، وابن رشد يقصد هنا أن المعنى الباطني لا بطريقته الصوفية، وإنما ما يتوصل إليه من خلال النطاق العقلي المستند لقواعد المنطق، وهو يقسم الناس إلى ثلاث طوائف: الخطابيون والجدليون والبرهانيون، فالأولى طائفة العامة يقتنعون بالأدلة الخطابية، والجدليون علماء الكلام، وهم أحسن من العامة ودون الفلاسفة، لأن الفلاسفة لا يقنعهم إلا الأدلة البرهانية اليقينية بحسب ابن رشد.
ويقرر ابن رشد أن ذوي الاقتناع الخطابي والجدلي عليهم أن يقبلوا النصوص الشرعية على ظاهرها، وليس لهم تأويلها، فذلك شأن البرهانيين وحدهم، وتلعب فكرة العامة والخاصة لدى ابن رشد دوراً رئيسياً في نظرته للتوفيق بين الدين والفلسفة، فللخاصة وحدهم حق التأويل لأنهم بطبيعتهم برهانيون أي فلاسفة، وهذا يعني أننا بحاجة للفلسفة للقيام بهذا الدور التأويلي، والحقيقة أن مبدأ التأويل عند ابن رشد دليل على هدفه التوفيق بين العقل والوحي، أو بين الدين والفلسفة(25)
فللشرع إذن معنيان باطن وظاهر وهما في الحقيقة معنى واحد فلسفي إن خالفه الظاهر رد إليه بالتأويل وإلا بقي على حاله غير تأويل ومن ثم فمن الخطأ أن تنسب إلى ابن رشد تلك الازدواجية التي تنسب إليه قديماً. فالشرع جاء متمماً للعقل والوحي يزيد على الحقيقة الفلسفية أوصافاً ورموزاً توافق عقلية الشعب وتحثه على العمل الصالح. وهكذا كان الوحي متمماً لعجز العقل في الناحية العلمية فمعنى الملائكة في الشرع عقول الأفلاك، ومعنى الجنة والنار والثواب والعقاب المعرفة العقلية في العالم الآخر في شكلها الخاص إيجاباً وسلباً ومعنى الخلق من العدم الفيض الضروري ومعنى حشر الأجساد الانتقال من طور إلى طور في المعرفة العقلية(26)
وذلك هو الإطار الذي يجب أن يفهم فيه إلحاحه على التمييز بين – الجمهور – والعلماء – وعلى ضرورة أخذ الجمهور بما يقيده ظاهر النصوص وبالتالي ضرورة تجنب إفشاء التأويل لهم وذلك في الحقيقة هو المقصد العميق من تأليفه كتاب(27)
وإن ابن رشد يقرر توافق وعدم تعارض التشريع مع الحكمة ويقرر بقوة أن التعارض هو بين كل من الفلسفة وظاهر الشرع وبين تأويلات المتكلمين الذين أوقعوا الناس في شنآن وتباغض وحروب ومزقوا الشرع وفرقوا الناس ".
....أما الفلسفة والشريعة فهما أختان - لا بالنسب – بل بالرضاعة وترضعان من منبع واحد وهو الحق ... والحق كما يقال : لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له ...وتسعيان نحو غرض واحد هو الفضيلة"
وللتأويل قانون لابد من التمسك به "فالناس على ثلاثة أصناف: صنف ليس هو من أهل التأويل أصلاً وهم الخطابيون الذين هم الجمهور الغالب وصنف هو من أهل التأويل الجدلي وهم الجدليون وصنف هو من أهل التأويل اليقيني وهؤلاء هم البرهانيون.
فالتصريح بالتأويل يجب أن يحصر في أهل البرهان بالتأويلات اليقينية لا لمن هم من أنصار الظاهر ولا يمكنهم من فهم المؤول لأنهم من غير أهله فيجب إذاً أن لا يصرح بالتأويل للجمهور. وفي هذا يقول : " يجب أن لا تثبت التأويلات إلا في كتب البراهين لأنها إذا كانت في كتب البراهين لم يصل إليها إلا من هو من أهل البرهان. وأما إذا أثبتت في غير كتب البرهان واستعمل فيها الطرق الشعرية والخطابية أو الجدلية، كما يصنعه أبو حامد، فخطأ على الشرع وعلى الحكمة، وإن كان الرجل إنما قصد خيراً، وذلك أنه رام أن يكثر أهل العلم بذلك، ولكن كثر بذلك أهل الفساد بدون كثرة أهل العلم. وتطرق بذلك قوم إلى ثلب الحكمة، وقوم إلى ثلب الشريعة، وقوم إلى الجمع بينهما. ويشبه أن يكون هذا أحد مقاصده بكتبه. والدليل على أنه رام بذلك تنبيه الفطر، أنه لم يلزم مذهباً في كتبه، بل هو مع الأشعرية، أشعري، ومع الصوفية، صوفي، ومع الفلاسفة فيلسوف، حتى أنه كما قيل:
يوماً يمان إذا لاقيت ذا يمن وإن لقيت معدياً فعدنـان "
ومن هنا يحمل ابن رشد على المتكلمين عامة والغزالي خاصة لأنهم أولوا آيات كثيرة وصرحوا بتأويلهم للجمهور " فأوقعوا الناس من قبل ذلك في شتات وتباغض وحروب ومزقوا الشرع وفرقوا الناس كل التفريق"(28)
وعن ضرورة ان يكون التأويل لأهل البرهان دون عرضه علي الجمهور الا أهل الاختصاص والمعرفة مؤكدا في الوقت نفسه علي رفضه منعها تماما لان ذلك مخالف للشرع لدورها في خدمته والدفاع عنه فيقول بن رشد في كتابه ( فصل المقال ) : " يجب على أئمة المسلمين أن ينهوا عن كتب البرهان من ليس أهلاً لها. لأنه لا يقف على كتب البرهان أهل الفطر وإنما يؤتى هذا الصنف من عدم الفضيلة والقراءة على غير ترتيب وأخذها من غير معلم. ولكن منعها بالجملة صاد لما دعا إليه الشرع، لأنه ظلم لأفضل أصناف الناس ولأفضل أصناف الموجودات، إذ كان العدل في أفضل أصناف الموجودات أن يعرفها على كنهها من كان معداً لمعرفتها على كنهها، وهم أفضل أصناف الناس...ولولا شهرة ذلك عند الناس، وشهرة هذه المسائل التي ذكرناها، لما استجزنا أن نكتب في ذلك حرفاً، ولا أن نعتذر في ذلك لأهل التأويل بعذر، لأن شأن هذه المسائل أن تذكر في كتب البرهان. "
عصمة الصدر الأول عن التأويل
ويؤكد بن رشد علي مااحدثه التأويل من مآسي كان يمكن تجنبها لو تم الاقتداء بما كان عليه الصدر الأول من عصمتهم عن التأويل وفي هذا يقول في كتابه ( فصل المقال ) : " وذلك ظاهر جداً من حال الصدر الأول، و حال من أتى بعدهم فأن الصدر الأول إنما صار إلى الفضيلة الكاملة والتقوى باستعمال هذه الأقاويل دون تأويلات فيها ومن كان منهم وقف على تأويل لم ير أن يصرح به. وأما من أتى بعدهم فإنهم لما استعملوا التأويل قل تقواهم وكثر اختلافهم وارتفعت محبتهم وتفرقوا فرقاً."
وفي موضع اخر من كتابه ( فصل المقال ) يؤكد علي هذا المنهج الصحيح الذي التزم به في جيل الصحابة والتابعين قائلا : " وأما كثير من الصدر الأول فقد نقل عنهم أنهم كانوا يرون أن للشرع ظاهراً وباطناً، وأنه ليس يجب أن يعلم بالباطن من ليس من أهل العلم به ولا يقدر على فهمه - مثل ما روى البخاري عن علي رضي الله عنه أنه قال: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله!). ومثل ما روي من ذلك عن جماعة من السلف، فكيف يمكن أن يتصور إجماع منقول إلينا عن مسألة من المسائل النظرية، ونحن نعلم قطعاً أنه لا يخلو عصر من الأعصر من علماء يرون أن في الشرع أشياء لا ينبغي أن يعلم بحقيقتها جميع الناس؟
3-الاستدلال العقلي
إن الفلسفة عنده هي :"النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع أعني من جهة ما هي مصنوعات؛ فإن الموجودات إنما تدل على الصانع لمعرفة صنعتها "(29)
وفي هذا يقول : " فعل الفلسفة ليس أكثر من النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع والشرع قد ندب على ذلك وأوجب العمل به كما في قوله تعالى : (أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء ) الأعراف : 184 ( فاعتبروا يا أولي الأبصار(الحشر: 2 و الاعتبار والنظر لا يكون إلا بالقياس العقلي" إذ الاعتبار ليس شيئاً أكثر من استنباط المجهول من المعلوم واستخراجه،و هذا هو القياس ولئن قال قائل أن النظر بالقياس الفقهي لم يكن في أول الإسلام فإنه أستنبط ولم يقل أحد أنه بدعة كذلك يجب ان نعتقد فى القياس العقلى ، وأكثر اصحاب هذه الملة مثبتون للقياس العقلى ، إلا طائفة من الحشوية قليلة ، وهم محجوجون بالنصوص "(30)
وهكذا نجد عند بن رشد دعوة الشرع الي الاعتبار والنظر وهذا لا يكون إلا بالقياس العقلي" إذ الاعتبار ليس شيئاً أكثر من استنباط المجهول من المعلوم واستخراجه، هذا هو القياس أو بالقياس(31)
ولما تبين أن الشرع يحث على الأخذ بالقياس العقلي ويوجبه كان على الناس والواجب على المفكر أن يدرس قوانين القياس وذلك بتعلم المنطق والفلسفة.، وعلينا أن نستفيد ممن سبقونا ولو كانوا غير مشاركين لنا فى الملة ، فما كان من صوابهم قبلناه ، وما كان من خطئهم نبهنا عليه "(32)
و الفلاسفة عند بن رشد قسموا القياس إلى ثلاثة أنواع تبعا لمدي مقدرتهم علي الإدراك والتعقل
1- القياس البرهاني: يقوم على مقدمات يقيني ويرتكز على مبدأ أول من مبادئ العقل وهو من ثم ذا نتيجة يقينية وهو القياس الفلسفي.
2- القياس الجدلي: ويقوم على مقدمات محتملة وتكون النتيجة محتملة وهو لا يصلح إلا أن يكون أداة للجدل والمناظرة.
3- القياس الخطابي: ويستند إلى مقدمات واهية موافقة لاستعدادات السامع العاطفية فهو قياس عاطفي يهدف إلى التأثير أكثر مما يهدف إلى الإفهام. وعلى هذا الأساس قسم ابن رشد البشر إلى ثلاثة أصناف: البرهانيون وهم الفلاسفة والجدليون وهم المتكلمون والخطابيون وهم عامة الناس(33)
وفي هذا يقول ابن رشد في)فصل المقال" إن طباع الناس متفاضلة في التصديق؛ فمنهم من يصدق بالبرهان، ومنهم من يصدق بالأقاويل الجدلية تصديق صاحب البرهان بالبرهان؛ إذ ليس في طباعه أكثر من ذلك، ومنهم من يصدق بالأقوال الخطابية كتصديق صاحب البرهان بالأقاويل البرهانية " (34)
وعلماء الكلام يمثلون عند ابن رشد الفئة التي تتوسط فئة الفلاسفة أصحاب الاستدلالات البرهانية؛ والعامة أي عامة الناس أصحاب الاستدلالات الخطابية؛ إذن هم أصحاب الاستدلالات الجدلية، وبينما نجد العامة يأخذون النصوص الدينية بمعناها الحرفي، ويقبلون بلا جدال كل الرموز الخيالية الموجودة فيها دون أن يلحظوا أي تناقض بينها وبين العقل، نجد أن علماء الكلام في استطاعتهم ملاحظة هذه التناقضات إلا أنهم عاجزون عن التوصل وحتى عن إدراك الحل البرهاني وما زاد عن ذلك فضولٌ وعجمة.. والفارق بين التوصل والإدراك: أن التوصل عملٌ بعد علم، وأن الإدراك علمٌ بلا عمل؛ بسبب العجز عنه).. إن علماء الكلام لا يستطيعون إلا التفكير الجدلي دون البراهين؛ وهذا هو سبب عجزهم عن التوصل إلا إلى حلول مضطربة ومتنوعة ومختلفة أي أن علماء الكلام لا يتفقون فيما بينهم؛ نظراً لعدم اعتمادهم على مقياس ثابت؛ ألا وهو البرهان)
الدفاع عن الفلسفة اليونانية
ويعلل ابن رشد لـجوئه للفلسفة الأرسطية بأنه من الصعب جداً أن ينشئ فردٌ علماً بأكمله؛ ولذلك فاللاحق يعتمد على السابق؛ وإذا كان هذا صحيحاً في مجال العلم: فهو صحيح أيضاً في مجال الفلسفة؛ هذا أمر بينٌ بنفسه ليس في الصنائع العلمية فقط؛ بل وفي العملية؛ فإنه ليس منها صناعة بقدر أن ينشئها واحد بعينه؛ فكيف بصناعة الصنائع، وهي الحكمة؟!؛
وهو يجعل هذا الأخذ عن الأقدمين الذين يختلفون معنا في الملة متوقفاً على تقييمه؛ فما كان منه موافقاً للحق قبلناه منهم، وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه، وحذرنا منه.. ويحدد لنا ما يعتبره حقاً بأنه: الذي حثنا الشرع عليه(35)
الدفاع عن الفلاسفة ضد تكفير الغزالى
أدرك ابن رشد أن السبيل الوحيد للدفاع عن الفلسفة هو الرد بمؤلَّف يفند ما ورد بكتاب الغزالي فأسماه (تهافت التهافت) ولا بد من ملاحظة أن الغزالي لم يقصد هدم الفلسفة، وإلا لسمى كتابه )تهافت الفلسفة( وإنما أراد دحض وإثبات وتفاهة آراء الفلاسفة المسلمين وبشكل مخصوص الفارابي وابن سينا، لذلك سمى كتابه “تهافت الفلاسفة(36)
وقد عرض ابن رشد إلى ذلك ضمن نزعة هجوميّة غير خافية، لذلك كان قاسيا على الغزالي والمتكلّمين فحشد ترسانة من الآيات الّتي تعضد موقفه لترتيب العلاقة بين الدّين والفلسفة، وما لم يستطع بلورته علنا عبّر عنه بين السّطور، أو من خلال المُنافحة عنه بشرح ما يوافق هواه ممّا ورد في متون فلاسفة اليونان، وهذا ما يُفسّر برأينا اتّجاهه ناحية تلخيص جمهوريّة أفلاطون الّتي تزخر بمواقف جدّ مثيرة في التّدبير المدني، لم يجد ابن رشد غضاضة في شرحها وتقديمها لمدينته وإن كان لخاصّتها وليس لعامّتها، الّتي كانت في ذلك الحين بعيدة عن إدراك ذلك(37)
فما الذي دفع الغزالي لتأليف كتاب يهاجم الفلاسفة ثم يقوم ابن رشد بالرد عليه بداية ينبغي القول بأن " على الرّغم من إيمان الفلاسفة المسلمين بمسلّمات الدّين والمعلوم منه بالضّرورة، إلا أنّهم ناقشوا مسائل مثل البعث وصفات الله تعالى، وهي عين الذّات أم منفصلة عنه وغير ذلك من المسائل، وقد ردّ العلماء المسلمون وعلى رأسهم حجّة الإسلام أبو حامد الغزالي على منهج الفلاسفة هذا في كتابه تهافت الفلاسفة، حيث فنّد منهجهم وبيّن قصوره عن الوصول إلى حقائق هي غائبة عن الفكر والعقل، وأنّ التّصوّر البشري بإمكاناته التي خلقه الله بها غير قادر على إدراك الكثير من الغيبيّات التي استأثر الله تعالى بها لنفسه "(38)
يرى كثير من المستشرقين أن للغزالي اليد العليا في اضمحلال المستوى المعرفي والثقافي للأمة بعد ذلك بسبب ما كتب في تهافت الفلاسفة عن تعارض الفلسفة التي تتضمن حتى علم المنطق والرياضيات مع الدين الإسلامي. فلو نظرنا إلى التصوف الذي اعتنقه الغزالي لينفرط من عقدة الشك، نجد بأنه مذهب يقوم على تهميش العقل بصورة كبيرة.(39)
المنهجية التي اتبعها بن رشد في ردوده علي الغزالي
وردّ إبن رشد على الغزالي فقام بفحص نقدي لكل اقاويله واستدلالاته. فخلص الى انها ظنون غير صادقة وغير برهـانية وكان يندهش للأدلة التي يدخلها ويحكيها الغزالي عن الفلاسفة إذ لا يعلم إبن رشد احداً منهم قالها فيردّ عليه بأنها شكوك للتشويش على الفلاسفة
او يجد انها معانٍ استقاها من الفارابي وإبن سينا ولا محل لها في فلسفة أرسطو واللذان انتقدهما ابن رشد بشدة في كتابه هذا مبيناً ان ما يثبتانه عن ارسطو وعلوم الاوائل ليس صحيحاً. وأن ذلك هو ما افاد الشكوك التي عرضها الغزالي في كتابه لضرب الفلاسفة بعضها ببعض
وهو يركز على ما في الدعاوى المطروحة من ضعف منطقي ولينبه الى ان ما يقوله الغزالي لا يمثل رأي ظاهر النصوص الدينية : القرآن والحديث وأن الامر يتعلق بتأويل خطأ
اعتمد إبن رشد في ردّه على الغزالي وغيره اخلاقية رفيعة حيث دعا الى اعتماد حوار موضوعي وبنّاءوبه حيادية ومرونة وبعدا عن التعصب ونستنتج ذلك من تعليق ابن رشد على الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة ، فيقول : "فإن كان الرجل يقصد قول الحق في هذه الأشياء فغلط فهو معذور ، وإن كان علم التمويه فيها فقصده ، فإن لم يكن هنالك ضرورة داعية له فهو غير معذور ، وإن كان قصد بها ليعرف أنه ليس عنده قول برهاني يعتمد عليه في هذه المسألة ـ كما يظهر من قوله فهو صادق في ذلك ، إذ لم يبلغ الرجل لمرتبة من العلم المحيط بهذه المسائل ، وهذا هو الظاهر ، و سبب ذلك أنه لم ينظر إلا في كتب ابن سينا ، فلحقه القصور في الحكمة من هذه الجهة . "(40)
كما في رأيه في مسألة عجز الفلاسفة عن الاستدلال على وجود صانع العالم لأن مذهبهم بوضعه متناقض؛ رد ابن رشد شارحا "أن مذهب الفلاسفة فى إثبات وجود الله أقرب إلى العقل من مذهب أهل السنة ومذهب الدهرية"، ولكنه يوافق الغزالى رأيه فى عجزهم عن إقامة الدليل على أن الله واحد، وأنه لا يجوز فرض اثنين واجبى الوجود ، كل واحد منهما لا علة له؛ يقول موافقا : "هذا المسلك فى التوحيد..انفرد به ابن سينا، وليس مسلكا لأحد من قدماء الفلاسفة".
وموقف بن رشد مما قد يفهمه البعض من تكفير الغزالي للفلاسفة وهو يحاول ان يوضح موقف الغزالي قائلا في عرضه لتلك المسألة : " فإن قلت: فإذا لم يجب التكفير بخرق الإجماع في التأويل إذ لا يتصور في ذلك إجماع، فما تقول في الفلاسفة من أهل الإسلام، كأبي نصر وابن سينا؟ فإن أبا حامد قد قطع بتكفيرهما في كتابه المعروف التهافت في ثلاث مسائل: في القول بقدم العالم، وبأنه تعالى لا يعلم الجزئيات - تعالى عن ذلك - وفي تأويل ما جاء في حشر الأجساد وأحوال المعاد
قلنا: الظاهر من قوله في ذلك أنه ليس تكفيره إياهما في ذلك قطعاً، إذ قد صرح في كتاب التفرقة أن التكفير بخرق الإجماع فيه احتمال. وقد تبين من قولنا أنه ليس يمكن أن يتقرر إجماع في أمثال هذه المسائل، لما روي عن كثير من السلف الأول، فضلاً عن غيرهم، أن هاهنا تأويلات يجب أن لا يفصح بها إلا لمن هو من أهل التأويل وهم الراسخون في العلم. لأن الاختيار عندنا هو الوقوف على قوله تعالى: (والراسخون في العلم)، لأنه إذا لم يكن أهل العلم يعلمون التأويل لم تكن عندهم مزية تصديق توجب لهم من الإيمان به لا يوجد عند غير أهل العلم. وقد وصفهم الله بأنهم المؤمنون به، وهذا إنما يحمل على الإيمان الذي يكون من قبل البرهان، وهذا لا يكون إلا مع العلم بالتأويل
فإن غير أهل العلم من المؤمنين هم أهل الإيمان به لا من قبل البرهان. فإن وكان هذا الإيمان الذي وصف الله به العلماء خاصاً بهم فيجب أن يكون بالبرهان. إن كان بالبرهان فلا يكون إلا مع العلم بالتأويل، لأن الله تعالى قد أخبر أن لها تأويلاً هو الحقيقة، والبرهان لا يكون إلا على الحقيقة. وإذا كان ذلك كذلك، فلا يمكن أن يتقرر في التأويلات التي خص الله العلماء بها إجماع مستفيض. وهذا بين بنفسه عند من أنصف "(41)
اتفاق الغزالي وابن رشد في مهاجمة علماء الكلام
- والنقطة الهامة التي يتفق فيها بن رشد مع الغزالي هي موقفهما من علم الكلام وعلمائه فقد اخذ كلاهما علي علماء الكلام انهم اهل جدل وشغب بل قال الامام الغزالي ان الشر انما نبع في هذه الأمة منذ ظهر علماء الكلام ، الذين أرادوا ان يضيقوا رحمة الله الواسعة وان يجعلوا الجنة وفقا علي شرذمة يسيرة من المتكلمين . وذلك لأن كل فريق منهم يكفر من يخالفه في الرأي . ثم تجاوز كل فريق منهم هذا الحد الي تكفير عوام المسلمين اذا لم يؤمنوا بمنهجهم في البرهنة علي العقائد الاسلامية ، مع ان الايمان الذي يكتسب عن طريق الجدل والتشعيب والتفريع لايرقي بحال ما الي قوة ايمان العامة .
اما ابن رشد فقد اراد أن يبرهن برهنة تفصيلية علي فساد مناهج علماء الكلام ، وان يبين كيف تصدع الصرح وتشتت الفكر وتفرقت هذه الأمة بسبب جدل علماء الكلام وانصرافهم الي تكفير بعضهم بعضا والي تقليد شيوخهم وتعطيل عقولهم ، فانصرفت كل فرقة منهم الي اللجج والتظاهر بالمعرفة ولو كان ذلك علي حساب التفكير السليم والشريعة الحقة ...وفي كتاب ( مناهج الأدلة ) يبين لنا بن رشد أن المشكلات التي فرقت بين الأشاعرة والمعتزلة مشكلات مزعومة بل هي مشكلات لفظية ، وان المسائل لو عولجت بطريقة علمية منطقية بعيدة عن روح التعصب لما وجد هؤلاء مايوجب الخلاف بينهم ، أو مايدعو الي التراشق بالكفر "(42)
وقد اختلف علماء الكلام في مسألة الصفات الالهية والصلة بينها وبين ذات الله سبحانه ، كما اختلفوا في مسألة الجهة وفي امكان استحالة رؤية الله تعالي في الحياة الأخري ، وفي الحسن والقبيح ولم يتفقوا في مسألة العدل والجور والقضاء والقدر الخ فأراد بن رشد ان يبين لهؤلاء جميعا ان العقائد الاسلامية مطابقة للعقل ومن ثم فليس هناك مايوجب الخلاف(43)
وكنموذج علي منهج ابن رشد الذي اتبعه في تأويل الصفات الالهية الذي اتبعه في رده علي الفلاسفة الذين كان عليهم ان ياخذوا بظاهر الشرع نجد في كتابه (الكشف عن مناهج الادلة) وفي مقام تناوله لصفات الكمال السبع المسندة الى الله تعالى بالنص القرآني (العلم والحياة والقدرة والارادة والسمع والبصر والكلام)، حاول ابن رشد اثباتها بطريقة الاستنتاجات المنطقية اعتماداً على صفة العلم، وكون العلم يُعرف من خلال الدقة الموجودة في المصنوع. والعلم يقتضي الحياة، حيث لا علم بلا حياة، وان الارادة والقدرة تثبتان من خلال وجود الفاعل العالم، وان السمع والبصر مؤولان عنده الى صفة العلم بمدركات هاتين الصفتين، وان الكلام يثبت من قيام صفة العلم وصفة القدرة على الاختراع، حيث الكلام ليس اكثر من ان يفعل المتكلم فعلاً ليدل به المخاطَبَ على العلم الذي في نفسه. لكن البت في كيفيتها غير ممكن، وهذا ما جعله متحفظاً غير منحاز، لا الى المتكلمين ولا الى الفلاسفة . بل انه نقد كلاً من الاشاعرة والمعتزلة حول تحديد الصفات ان كانت زائدة او متحدة مع الذات، واتخذ موقفاً محتاطاً يتفق مع دلالات النص الديني، فلم يقرر شيئاً بكيفية الاتصاف، واعتبرها من الامور الخارجة عن احاطة الادراك البشري، لذلك نصح الجمهور بالتمسك في الاعتقاد بوجودها كما وردت عن الوحي من دون تفصيل.(44)
ومن دلالات الاحتياط الشرعي لابن رشد، حياده عن ابداء اي نظر ازاء صفة الله الجسمية، فلم يصرح حولها بنفي ولا باثبات، لكنه ذكر بأنه نور تبعاً لما جاء في آية النور، وما جاء في بعض الاحاديث كما في صحيح مسلم (ان لله حجاباً من نور، لو كُشف لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره)، واعتبر التمثيل بالنور شديد المناسبة للخالق، وذلك لان فيه تجتمع خصلتان مناسبتان، احداهما انه محسوس تعجز الابصار والافهام عن ادراكه، والاخرى انه ليس بجسم.(45)
-اتفاق الغزالي مع ابن رشد ، في أنه لا يوجد تعارض بين العقل والشريعة ، تكون النصوص الدينية ( الآيات و الأحاديث) ، هي المرجع لكليهما ، حيث أنها تحث علــى استخدام العقل في الفهم والتفكر و التأمل و التدبر لنصوص الشرع وآلاء الله ، و أُمر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أن يخاطبوا الناس على قدر عقولهم ، و الآيات و الأحاديث الدالة على ذلك كثيرة ، منها على سبيل المثال لا الحصر :
-"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" (البقرة2:164) .
-"الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (آل عمران3:191).
- وقال صلوات الله و سلامه عليه : "أمرنا معاشر الأنبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم"(46)
رد بن رشد علي الغزالي في المسائل التي كفر فيها الفلاسفة
حيث نجد بن رشد يرد بشدة علي ابوحامد الغزالي والأشاعرة فى المسائل موضع النزاع والتي كانت محل هجومهم علي الفلاسفة
فالغزالى قد كفر الفلاسفة فى ثلاث مسائل وهى قولهم :
1- بقِدم العالم" قضية القدم والحدوث"
2- أن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات
3- إنكار حشر الأجساد في الآخرة اكتفاء ببعث الأرواح فقط.
"ويرى الغزالي أن هذة المسائل الثلاث لا تلائم الإسلام مطلقا ومن يعتقد في هذة الآراء فإنه يعد مكذبا للأنبياء ويكون بذلك خارجا عن العقيدة الإسلامية"(47)
يقول الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة " نحن لم نخض في هذا الكتاب خوض الممهدين بل خوض الهادمين المعترضين ولذلك سمينا الكتاب تهافت الفلاسفة لا "تمهيد الحق "
أولا : مسألة قدم العالم
ونقطة الخلاف أرجعها ابن رشد الى الاختلاف فى الزمان الماضى هل العالم محدث أم قديم ، والمتكلمون يرون انه متناهى ، وهو ايضا مذهب أفلاطون وشيعته لكن ارسطو وفرقته يرون انه غير متناه . ويرى ابن رشد انه ليس محدثا حقيقيا ولا قديما حقيقيا ، ففيه شبه من الوجود الحادث من حيث انه معلول لله تعالى – وفيه شبه من الوجود القديم من حيث انه يصعب تحديد بداية لوجوده ، فمن غلب احد الشبهين قال به ، وبهذا فالمذاهب لا تتباعد ليكفر بعضها بعض"
ويذهب ابن رشد في مجال دفاعه عن الفلسفة الي ان المتكلمين أنفسهم اختلفوا في القدم والحدوث وان تلك المسائل ليست فيها اجماع كما يدعون وانما يجب الأخذ بظاهر الشرع والذي قالت به فرقة من الفلاسفة اليونانيين كأرسطو فيقول بن رشد :"فإن المتكلمين يسلمون أن الزمان غير متقدم عليه، ... وهم أيضاً متفقون مع القدماء على أن الزمان المستقبل غير متناه، وكذلك الوجود المستقبل. وإنما يختلفون في الزمان الماضي، والوجود الماضي: فالمتكلمون يرون أنه متناه، وهذا هو مذهب أفلاطون وشيعته. وأرسطو وفرقته يرون أنه غير متناه كالحال في المستقبل. فهذا الوجود الآخر الأمر فيه بين أنه قد أخذ شبهاً من الوجود الكائن الحقيقي ومن الوجود القديم. فمن غلب عليه ما فيه من شبه القديم على ما فيه من شبه المحدث سماه قديماً ومن غلب عليه ما فيه من شبه المحدث، سماه محدثاً وهو في الحقيقة ليس محدثاً حقيقياً، ولا قديماً حقيقيا ... فإن ظاهر الشرع إذا تصفح ظهر من الآيات الواردة في الأنباء عن إيجاد العالم أن صورته محدثة بالحقيقة ... أعني غير منقطع. وذلك أن قوله تعالى: ((وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء)) يقتضي بظاهره أن وجوداً قبل هذا الوجود، وهو العرش والماء، وزماناً قبل هذا الزمان، أعنى المقترن بصورة هذا الوجود، الذي هو عدد حركة الفلك. - وقوله تعالى: ((يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات)) يقتضي أيضا بظاهره أن وجوداً ثانياً، بعد هذا الوجود. وقوله تعالى: ((ثم استوى إلى السماء وهي دخان)) يقتضي بظاهره أن السموات خلقت من شيء فالمتكلمون ليسوا في قولهم أيضاً في العالم على ظاهر الشرع، بل متأولون. فإنه ليس في الشرع أن الله كان موجوداً مع العدم المحض، ولا يوجد هذا فيه نصاً أبداً. فكيف بتصور في تأويل المتكلمين في هذه الآيات أن الإجماع انعقد عليه. والظاهر الذي قلناه من الشرع في وجود العالم قد قال به فرقة من الحكماء"
ثانيا : رد ابن رشد علي الغزالي في اتهامه للفلاسفة بأن الله تعالي يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات
ورد ابن رشد على الغزالى بأنه غلط فى فهم قولهم ، حيث يرون انه تعالى يعلم الجزئيات ، بعلم غير مجانس لعلمنا بها ، فعلمنا معلول للمعلوم ، ومحدث بحدوثه ، وعلم الله علة للمعلوم فلايجوز تشبيه العلمين ببعضهما
ففي أثناء عرضه لتلك الاشكالية والتي بدأها متسائلا في كتابه ( فصل المقال ) هل يعلم الله تعالي الجزئيات ؟
" فقد نرى أن أبا حامد قد غلط على الحكماء المشائين بما نسب إليهم من أنهم يقولون أنه تقدس وتعالى لا يعلم الجزئيات أصلاً. بل يرون أنه تعالى يعلمها بعلم غير مجانس لعلمنا بها وذلك أن علمنا بها معلول للمعلوم به فهو محدث بحدوثه ومتغير بتغيره. وعلم الله سبحانه بالوجود على مقابل هذا، فإنه علة للمعلوم الذي هو الموجود. فمن شبه العلمين أحدهما بالآخر فقد جعل ذوات المتقابلات وخواصها واحداً، وذلك غاية الجهل. فاسم العلم إذا قيل على العلم المحدث والقديم فهو مقول باشتراك الاسم المحض، كما يقال كثير من الأسماء على المتقابلات، مثل الجلل المقول على العظيم والصغير، والصريم المقول على الضوء والظلمة، ولهذا ليس هاهنا حد يشتمل العلمين جميعاً كما توهمه المتكلمون من أهل زماننا. وقد أفردنا في هذه المسألة قولاً حركنا إليه بعض أصحابنا وليس يرون أنه لا يعلم الجزئيات فقط على النحو الذي نعلمه نحن، بل ولا الكليات، فإن الكليات المعلومة عندنا معلولة، أيضاً عن طبيعة الوجود، والأمر في ذلك العلم بالعكس. ولذلك ما قد أدى إليه البرهان أن ذلك العلم منزه عن أن يوصف بكلي أو جزئي فلا معنى للاختلاف في هذه المسألة، أعني في تكفيرهم أو لا تكفيرهم "
وقد تناول تلك المسالة أيضا في كتابه ( تهافت التهافت )وجاء رد "ابن رشد" على نقد "الغزالي" للفلاسفة في قولهم بعدم إدراك الله الجزئيات قائلا : "الأصل في هذه المشاغبة تشبيه علم الخالق بعلم الإنسان وقياس أحد العلمين على الثانى وأن تغير الإدراك بتغير المدركات وتعدد الإدراك بتعدد هذه المدركات ليس بعلم كما قال الغزالي.. وقول الغزالى إن تعدد الأنواع والأجناس يوجب التعدد في العلم صحيح، ولذلك الفلاسفة لا يصفون علمه سبحانه بالموجودات لا بكلى ولا بجزئي، والعقل الأول هو فعل محض وعلة فلا يقاس علمه على العلم الإنسانى لأن علمنا معلول للموجودات وعلمه علة لها "
ثالثا : مسألة المعاد
أنكر الفلاسفة رجوع الأرواح للأجساد وبعثهم في الآخرة، ووجود النار الجسمانية والجنة وحور العين وسائر ما وعد به الناس في الآخرة، ويرون أن النفس جوهر روحانى مستقلا عن البدن، كانت موجودة قبله وستبقى بعده، وأن النفس وحدها دون البدن هي التي ستكون موضع الثواب والعقاب في الآخرة.(48)
ورد "الغزالي" على ذلك في كتابه ( تهافت الفلاسفة ) قائلا: "من المخالف للشرع إنكار حشر الأجساد وإنكار اللذات الجسمانية في الجنة وإنكار الآلام الجسمانية في النار وإنكار وجـود الجنة والنار كما وصفت في القرآن، فما المانع من تحقيق الجمع بـين السعادتين الروحانية والجسمانية وكذا الشقاوة، ويرى الغزالى أن النفس باقية بعد الموت، وهى جوهر قائم بنفسه، وأن ذلك لا يخالف الشرع، بل دل عليه الشرع في قوله “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” وبما ورد من الإخبار بشعور الأرواح بالصدقات والخيرات، وسؤال منكر ونكير، وعذاب القبر وغيره، كل ذلك يدل على البقاء، وأن البعث سيكون بالبدن ـ أي بدن ـ سواء كان من مادة البدن الأول، أو من غيره، أو من مادة استؤنف خلقها".
رد ابن رشد علي ماخذه الغزالي علي الفلاسفة من إنكارهم حشر الأجساد في الآخرة اكتفاء ببعث الأرواح فقط حيث " يقرر ابن رشد ان هناك مبادئ لا يجوز التأويل فيها ومنها الايمان بالمعاد الأخروى ، وأشياء يجب التأويل فيها ولا تحمل على ظاهرها كما يقر بذلك المتكلمون فى بعض الصفات ، ومسائل مترددة بين الصنفين فمن الناس من يلحقه بأحد الصنفين وذلك لاشتباهه والمخطئ فيه معذور من العلماء ، وبهذا يجب الحاق صفات المعاد ، فالايمان بالمعاد ذاته لايجب تأويله ولكنه صفاته وكونه روحيا او جسديا مما تختلف فيه الأنظار وهو النوع الثالث الذى تحدث عنه ابن رشد "(49)
عن حشر الأرواح أم الأجساد، قال ابن رشد: "إن هذه المسألة أول من قال بها هم أنبياء بنى إسرائيل الذين أتوا بعد موسى عليه السلام، وذلك بين من الزابور ومن كثير من الصحف المنسوبة لبنى إسرائيل وكذلك في الإنجيل وفى شريعة الصابئة".
ويعتقد ابن رشد أن الحشر والوجود الأخروى سوف يكون له نشأة أخرى أعلى من هذا الوجود وطور آخر أفضل من هذا الطور، مستشهدًا بالحديث القدسى عن الجنة: "فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر".(50)
" ويشبه أن يكون المخطىء في هذه المسألة من العلماء معذوراً والمصيب مشكوراً أو مأجوراً، وذلك إذا اعترف بالوجود وتأول فيها نحواً من أنحاء التأويل، أعنى في صفة المعاد لا في وجوده، إذا كان التأويل لا يؤدي إلى نفي الوجود. وإنما كان جحد الوجود في هذه كفراً لأنه في أصل من أصول الشريعة، وهو مما يقع التصديق به بالطرق الثلاث المشتركة للأحمر والأسود، وأما من كان من غير أهل العلم، فالواجب عليه حملها على ظاهرها وتأويلها في حقه كفر، لأنه يؤدي إلى الكفر(51)
وفي هذا الصدد يقول ايضا : " فإذا كانت الآية القرءانية الصريحة تمس جوهر الدين فمن الممنوع قطعا تأويلها، فإذا كانت لا تمسه، فمن الواجب على ذوي الحجة البرهانية أن يتأولوها، بينما من الممنوع قطعا على ذوي (الحجة الجدلية) أن يفعلوا، كما أنه من الممنوع على البرهانيين أن يذيعوا تأويلهم على الجدليين ، ولا ينبغي أن يتحدث للجمهور لا على التأويل الحق ولا على التأويل الباطل" (52)
.
خلاصة منهج بن رشد في رده علي الغزالي ودفاعه عن الفلسفة
1-قد سلك ابن رشد مسلكاً موضوعياً عند النظر في آراء الآخرين ، سواء فيما يتعلق بآراء الغزالي أو الفلاسفة المسلمين أو غيرهم من الفلاسفة ، فلم يرفض كل ما قالوه ولم يقبل كل ما قالوه . ويقول ابن رشد في كتابه فصل المقال ، عند الرجوع إلى كتب السلف (ننظر في الذي قالوه من ذلك وما أثبتوه في كتبهم ، فما كان منها موافقا للحق قبلناه منهم وسررنا به وشكرناهم عليه ، وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه وحذرناهم منه وعذرناهم) .(53)
و يرى ابن رشد أن أصول الدين موضوع إيمان فلا يجوز للعقل الجدال فيها ، لأنها تتعلق بموضوعات غيبية تقع خارج ميدان العقل وخارج البديهة و الحس ، أما مقاصده فهي حمل الناس علي الفضيلة بواسطة العمل ووفق ما يقرره الشرع
وعليه فقد خالف جميع الفلاسفة، كما خالف تأويلات المعتزلة، وحمل الكثير من ايات الصفات على ظواهرها، ومن ذلك انه اعتبر اثبات الجهة واجباً بالشرع والعقل معاً، وان ابطال ذلك هو ابطال للشرائع كافة.
- وأخذ على الغزالي سلوكه الذي ينم عن عدم الاعتراف بالجميل للذين تعلّم منهم واستفاد من جهودهم وثمار فكرهم وترتفع لهجة إبن رشد في حق مواقف الغزالي عندما يبالغ في هجومه دون ان يجد له مايبرره كما فعل مع مواطن سابقة التمس العذر فيها للغزالي
- فهو لم يتفق بالمطلق مع كل ماذهب اليه فلاسفة اليونان وقد اتبع بن رشد هذا المنهج بالفعل في تعامله مع الفلسفة اليونانية فلم يلتزم طريقه كفيلسوف بأن يجعل الفلسفة في محل الصدارة لتقويم النص الديني وتأويله كما نجد استلهامه الاصالة الشرعية لظواهر النص الديني وعدم الوقوف عند حدود ما يفرضه العقل من اعتبارات وهو مما لا نجده عند الغير من الفلاسفة الذين سبقوه. وربما لهذا الانفتاح يميل البعض الى اعتباره ممثلاً للاسلام الحقيقي(54)
النتائج
1- طرحت مشكلة التوفيق بين الدين والفلسفة في الفلسفة الإسلامية عامة وعند ابن رشد خاصة وتباينت مواقف الفلاسفة المسلمين في مدي قربهم وبعدهم من الدين او اعتبار الفلسفة مقدمة علي الدين وهي نقطة البداية كما عند بن سينا والفارابي او تابعة له كما عند الكندي
2- خلاصة منهج بن رشد في محاولة توفيقه بين الدين والفلسفة كانت قائمة علي عدة اسس منها :
أ-قد سلك ابن رشد مسلكاً موضوعياً عند النظر في آراء الآخرين ، سواء فيما يتعلق بآراء الغزالي أو الفلاسفة المسلمين أو غيرهم من الفلاسفة ، فلم يرفض كل ما قالوه ولم يقبل كل ما قالوه . ويقول ابن رشد في كتابه فصل المقال ، عند الرجوع إلى كتب السلف (ننظر في الذي قالوه من ذلك وما أثبتوه في كتبهم ، فما كان منها موافقا للحق قبلناه منهم وسررنا به وشكرناهم عليه ، وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه وحذرناهم منه وعذرناهم) .
ب- يرى ابن رشد أن أصول الدين موضوع إيمان فلا يجوز للعقل الجدال فيها ، لأنها تتعلق بموضوعات غيبية تقع خارج ميدان العقل وخارج البديهة و الحس ، أما مقاصده فهي حمل الناس علي الفضيلة بواسطة العمل ووفق ما يقرره الشرع وعليه فقد خالف جميع الفلاسفة، كما خالف تأويلات المعتزلة، وحمل الكثير من ايات الصفات على ظواهرها
ج- قدم أدلة على وجوب القياس العقلى والنظر من القرآن مما يؤكد عدم مخالفة النظر العقلى للشريعة أنه لا يوجد تعارض بين العقل و الدين ، فإستخدام العقل في الفهم و التفكر و التدبر و التأمل في آيات الله وآلائه ، أمر حثت عليه نصوص القرآن و السنة
د- اعتمد في محاولته للتوفيق علي التأويل فللشرع ظاهرا وباطنا، على العامة أن يقبلوا ظاهر النصوص دون جدل أو تأويل؛ لأنهم ليسوا أهلا لذلك، وإنما التأويل هو من شأن البرهانيين وحدهم لأنهم أهل لذلك، ولا ينبغي أن تذاع التأويلات على العامة، بل يجب أن تكون في وسط الخاصة فقط لمناسبتها عقولهم.
و-رده علي الغزالي في تكفيره للفلاسفة اتسم بالاحترام والمرونة وموافقته في بعض الاشياء التي أخذها علي فلاسفة الاسلام كابن سينا وغيره والذي راي بن رشد انهم اخطاوا في تقديرهم لها ولما ذهب اليه فلاسفة اليونان خاصة ارسطو وقد التمس العذر للغزالي في مواطن واشتد في حدته في الرد عليه في مواطن اخري لايجد له فيها مبرر لهجومه علي الفلاسفة
فالاشياء التي اتفق فيها بن رشد مع الغزالي هي :
-موقفهما من علم الكلام وعلمائه فقد اخذ كلاهما علي علماء الكلام انهم اهل جدل وشغب وانهم من تسببوا في فرقة الأمة وتشتتها في مسائل ماكان لهم الوقوف عندها او عرضها علي الجمهور
--اتفاق الغزالي مع ابن رشد ، في أنه لا يوجد تعارض بين العقل والشريعة ، تكون النصوص الدينية ( الآيات و الأحاديث) ، هي المرجع لكليهما
والاشياء التي خالف فيها الغزالي واشتد هجومه عليه فيها هي
في تكفيره الفلاسفة في مسائل ثلاثة جاءت ردود الغزالي عليه باختصار كالاتي :
-مسالة القدم والحدوث ذهب ابن رشد الي ان المتكلمين أنفسهم اختلفوا فيها وان تلك المسائل ليست فيها اجماع كما يدعون وانما يجب الأخذ بظاهر الشرع والذي قالت به فرقة من الفلاسفة اليونانيين كأرسطو
-تكفير الغزالي للفلاسفة في مسالة علم الله بالكليات وليس الجزئيات ورد ابن رشد على الغزالى بأنه غلط فى فهم قولهم ، حيث يرون انه تعالى يعلم الجزئيات ، بعلم غير مجانس لعلمنا بها...
-أما مسالة المعاد وتكفير الغزالي للفلاسفة لانكارهم حشر الاجساد في الاخرة فيرد عليه ابن رشد بأن الايمان بالمعاد ذاته لايجب تأويله ولكنه صفاته وكونه روحيا او جسديا مما تختلف فيه الأنظار ويشبه أن يكون المخطىء في هذه المسألة من العلماء معذوراً والمصيب مشكوراً أو مأجوراً، وذلك إذا اعترف بالوجود وتأول فيها نحواً من أنحاء التأويل، أعنى في صفة المعاد لا في وجوده
المراجع :
1-العلاقة بين الفلسفة والدين : طلال مشعل
2-التوفيق بين الفلسفة والدين عند الكندي وابن مسرة : إبراهيم إسماعيل.
3- ابو الوليد بن رشد – فصل المقال فى تقرير مابين الشريعة والحكمة من الإتصال – تقديم الدكتور محمد عابد الجابرى –تحقيق محمد عبد الواحد العسرى ،ص 19
4- جهود الفلاسفة الإسلاميين فى التوفيق بين الدين والفلسفة : انور علوانى
5- التوفيق بين الفلسفة والدين عند الكندي وابن مسرة : إبراهيم إسماعيل
6- يعقوب بن إسحاق الكندي – رسائل الكندى الفلسفية – تحقيق محمد عبد الهادى ابوريدة
7- الأستاذ: ت . ج دى بور -تاريخ الفلسفة فى الإسلام – ترجمة د. محمد عبد الهادى أبوريدة –الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2010 ص 123
8- ابو يعقوب الكندى : رسائل الكندى الفلسفية – ص 1
9- ابو يعقوب الكندى –رسائل الكندى الفلسفية ، ص1
10-جهود الفلاسفة الإسلاميين فى التوفيق بين الدين والفلسفة : انور علواني
11- د. محمد عابد الجابرى – مقدمة فصل المقال لإبن رشد – ص 38
12-تقى الدين ابن تيمية - الرد على المنطقيين ص143 ومابعدها
13-تقى الدين بن تيمية – الصفدية – كتاب الكترونى (2/ 325)
14- الصفدية 1/ 237
15-ابن تغرى بردى - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (1/ 492)
16-جهود الفلاسفة الإسلاميين فى التوفيق بين الدين والفلسفة : انور علوانى
17- في الفلسفة الاسلامية : محمد كمال جعفر ، ابو نصر الفارابى – كتاب الحروف – كتاب الكترونى – موقع المكتبة الشاملة - ص 44
18- التوفيق بين الفلسفة والدين عند الفارابي وابن رشد : إبراهيم إسماعيل
19- التوفيق بين الفلسفة والدين عند الفارابي وابن رشد : إبراهيم إسماعيل
20- فصل المقال ص 9 - 10
21- فصل المقال، ص12 ومابعدها
22-علاقة الدين بالفلسفة عند المسلمين : ابن رشد نموذجا
23-كيف دافع ابن رشد عن الفلسفة : غادة الحلايقة د.محمد المصباحي، رؤية ابن رشد الفلسفية للعالم، ص 1-3 بتصرّف
24- مبحث الالوهية
25- التوفيق بين الفلسفة والدين عند الفارابي وابن رشد : إبراهيم إسماعيل
26-فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال : بن رشد
27- المرجع السابق
28-ابو الوليد ابن رشد : فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الإتصال – تحقيق د. محمد عمارة – دار السلام – الطبعة الأولى – مصر – 2012 ص 33 الى ص72
29-ابن رشد: فصل المقالص9
30-علاقة الدين بالفلسفة عند المسلمين ) ابن رشد نموذجا )
31- جهود الفلاسفة الإسلاميين فى التوفيق بين الدين والفلسفة : انور علوانى
32- علاقة الدين بالفلسفة عند المسلمين ) ابن رشد نموذجا )
33-ابن رشد وعلاقة الفلسفة بالدين : يحيى محمد
34- فصل المقال، ص 15
35- فصل المقال، ص 12 - 14.
36- التوفيق بين الفلسفة والدين عند الفارابي وابن رشد : إبراهيم إسماعيل
37- علاقة الدين بالفلسفة عند المسلمين ) ابن رشد نموذجا )
38- العلاقة بين الفلسفة والدين : طلال مشعل
39- الغزالي.. بين الفلسفة والدين - ساسة بوست
40- تهافت التهافت" في رد ابن رشد على الغزالي ، ياسين الرفاعية جريدة الحياة
41- فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال : بن رشد
42- الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة لابن رشد : تحقيق محمود قاسم ص 155 ، 156
43- الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة لابن رشد ،ص156
44-ابن رشد وعلاقة الفلسفة بالدين : يحيى محمد
45- المرجع السابق
46-ذكره السلمي في التفسير ص 377 / 1 ، والغزالي في الإحياء ص 144 ، الحوار بين الغزالي وابن رشد في كتابيهما تهافت الفلاسفة و تهافت التهافت : إجلال السلاموني ومها دياب
، جامعة تهتم بالقضايا الحضارية والمسائل الفلسفية علي الميديا 47- الفكر بين الغزالي وبن رشد :موقع الفكر
48- العقل المسلم في قفص الاتهام : بوابة فيتو
49- ابو الوليد ابن رشد : فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الإتصال ، ص 33 الى ص 72، جهود الفلاسفة الإسلاميين فى التوفيق بين الدين والفلسفة : انور علوانى)
50- تهافت التهافت : ابن رشد
51-فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال : بن رشد
52- فصل المقال ص 8-19-21-32
53- الحوار بين الغزالي وابن رشد في كتابيهما تهافت الفلاسفة و تهافت التهافت : إجلال السلاموني ومها دياب- ابن رشد وعلاقة الفلسفة بالدين : بحي محمد
54- الحوار بين الغزالي وابن رشد في كتابيهما تهافت الفلاسفة و تهافت التهافت : إجلال السلاموني ومها دياب
lki[ fk va] td hgj,tdr fdk hg]dk ,hgtgstm lkin hgj,tdr çgïdk fdk vw] ,hgtgstm