منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   منتدى التنمية البشرية (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=130)
-   -   الشخصيه الاسلاميه ... (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=27736)

محمد فراج عبد النعيم 22-09-2011 12:26 AM

الشخصيه الاسلاميه ...
 
تعريف الشخصية:
إن كلمة الشخصية من مصطلحات العلوم النفسية، وهي ترجمة لكلمة إنجليزية ، هي ( Personality) وهي مشتقة من الكلمة اليونانية (persona) وتعني: القناع الذي يغطي الوجه” ويرجعها بعض الباحثين إلى لفظة: personare ومعناها (عن طريق الصوت)، فقد كان اليونانيون في احتفالاتهم يأتون ببعض الأشخاص الذين يرتدون أقنعة على وجوههم، ثم يتحدثون، ويتحاورون فيما بينهم على وجه التمثيل لتظهر صفات كل واحد منهم من خلال حديثه وحواره مع الآخرين، فيستدلون بالصوت على الصفات و الأخلاق. فجاءت لذلك دلالة هذا المصطلح على هذا المعنى: (معرفة خصائص الفرد وطباعه عن طريق حديثه و تعبير لسانه عن أفكاره ومشاعره وقيمه وأخلاقه).تطورمفهوم الشخصية:
ثم مع مرور الزمن وتطور اللغات والمصطلحات استخدم هذا المصطلح للدلالة على الشخصية عموما بكل جوانبها.
أما عند العرب فالشخصية لفط يطلق على كل جسم له ارتفاع وبروز وظهور فيقولون : هذا شخص إنسان ذكرا كان أو أنثى و شخص من البلدة أي خرج منها وظهر بارزا، وجمع الشخص شخوص وأشخاص و شخاص.
الفرق في دلالتها بين العرب واليونانيين..
إذن .. فدلالة لفظ الشخص عند العرب مرتبطة بحاسة البصر، بينما عند اليونانيين هي مرتبطة بحاسة السمع
أما تعريف (الشخصية) في العلوم النفسية في العصر الحاضر ، فهي مجموع الصفات والخصائص و السمات البدنية والعقلية والعاطفية والميول والرغبات والقيم الأخلاقية و الإمكانات والمواهب والقدرات و الاتجاهات السلوكية التي يتصف بها الفرد، وتحدد تفاعله مع نفسه وغيره من الناس، وتكيفه في البيئة الاجتماعية و تميزه عن الآخرين.
فالشخصية إذن نظام متكامل من سمات تتفاعل مع بعضها وتؤثر في بعض، وهذه السمات ليست صفات طارئة عابرة، ترتبط بموقف دون موقف، وإنما هي ثابتة يبدو أثرها في معظم المواقف ، ولها أثر كبير في سلوكه.(1)
اختلاف الشخصية ظاهرة طبيعية:
فإنها حقيقة لا تحتاج إلى تدليل أن كل فرد في هذه الحياة يمتاز بخصائص وفروق لا توجد في غيره، والأشخاص و الأفراد يختلفون في الملامح والأشكال والمواهب والقدرات والأذواق والأمزجة اختلافا يؤدي بالطبيعة- إلى اختلافهم في الشخصية، فاختلاف الشخصية يعد ظاهرة طبيعية وحالة فطرية في البشر، و من هنا اهتم رجال التربية في بناء الشخصية المتكاملة وإبراز المواهب وصقل القدرات لدى الإنسان اهتماما عظيما، لتكون مؤائمة للفطرة الإنسانية ، متلائمة مع الطبيعة البشرية التي فطر الله الناس عليها حتى لا يعود الإنسان متصادما مع الفطرة وكائنا غير سوي في الحياة.
بناء الشخصية في السيرة النبوية:
ومن هنا.. فإن إمام المربين وسيد المعلمين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكد على بناء الشخصية المتميزة وأكد في رعايتها وإعدادها إعداداً سليما، فقال: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه(2)
ولقد أجمع جميع رجال التعليم وخبراء التربية على أن الإنسان يولد على فطرة التوحيد الخالص، و إن للبيئة التي ينشأ فيها، والمجتمع الذي يتربى فيه دوراً أساسيا في إبراز توجهاته وتكوين شخصيته، فإذا توفرت له التربية الصالحة والبيئة الطيبة، نشأ الولد على صحة العقيدة والأخلاق القوية والعادات الحسنة، وقد اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بجانب تربية الطفل، و تنشئته نشأة صالحة، وإعداده للمستقبل وزرع الثقة فيه، وتحذيره من السلبية، وتثبيت العقيدة الصحيحة في قلبه، كما يدل على ذلك قوله- صلى الله عليه وسلم،- لأبن عباس في الحديث المشهور: (احفظ الله يحفظك، أحفظ الله تجده إتجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعونك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك”، وكما حرص صلى الله عليه وسلم على أن يكون للمسلم شخصية متميزية متفردة بمظهرها الموافق للفطرة السليمة، و ألايصبح إمعة يقلد غيرة، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يكن أحدكم إمعة يقول أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساء الناس أسأت، لكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم)) وكفى ذلك نموذجا ودليلا على أهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بحسن التربية وتكوين الشخصية المستقيمة، السوية الشريفة.
أبرز خصائص الشخصية الإسلامية وسماتها:
إن للشخصية الإسلامية خصائص تمتاز بها عن غيرها، وسنتحدث فيما يلي عن أهمها وأبرزها.
-1 الربانية.
لعل أبرز وأعظم خصائص الشخصية الإسلامية الربانية ، فمنطلقات الشخصية الإسلامية من الله، و غاياتها إلى الله ، ووسائلها لا تحيد عن شرع الله }قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيءhttp://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_R.GIF
(الأنعام: 164-161).
فصاجها (أي الشخصية الإسلامية) أول مايقرع سمعه- وهو يستقبل هذا العالم الأراضي- كلمة التوحيد، وآخر ما يلقن- وهو يحتصر - كلمة التوحيد، فهو يعيش عاملا بالتوحيد، داعيا إلى التوحيد، فالمسلم رباني الغاية والوجهة، ورباني المصدر والمنهج ، فأما كون الشخصية الإسلامية ربانية الغاية والوجهة، فنعني بها: أن الإسلام يجعل غايتها الأخيرة و هدفها البعيد هو حسن الصلة بالله تبارك وتعالى، والحصول على مرضاته، فهذة هي غاية الإسلام، وبالتالي هي غاية الإنسان، ووجهة الإنسان، ومنتهى أمله وسعيه، وكده في الحياة :
http://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_L.GIFيا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيهhttp://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_R.GIF (الإنشقاق:6) http://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_L.GIFوأن إلى ربك المنتهىhttp://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_R.GIF (النجم:42).
ومعنى كون الشخصية الإسلامية ربانية المصدر و أن المنهج الذي رسمه الإسلام للوصول إلى غاياته و أهدافه، منهج رباني خالص، لأن مصدره وحي الله تعالى إلى خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم.
لم يأت هذا المنهج نتجية لإرادة فرد، أو إرادرة طبقة، أو رادة حزب، أو إرداة شعب، و إنما جاء نتيجة لإرادة الله، الذي أراد به الهدى والنور، والبيان والبشرى، والشفاء والرحمة لعباده كما قال تعالى يخاطبهم:
http://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_L.GIFيا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبيناhttp://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_R.GIF(النساء :174)(3)
2- الشمول والتكامل
من أبرز سمات الشخصية الإسلامية أنها تتسم بالشمول والتكامل... تجمع بين الجوانب المادية والروحية و العقلية جمعا عادلا متزنا، لا تطغى ناحية على ناحية. فلا نقصان ولا طغيان.. فلا رهبانية في الإسلام كالمسيحية .. ابتدعوها وما كتبها الله عليهم ولا المادية المحضة كالحضارة الغربية التي سماها بعض المفكرين. الحضارة العرجاء لأنها تقوم على رجل واحدة، أو : الحضارة العوراء لأها تنظر بعين واحدة: عين المادية، يقول الدكتور يوسف القرضاوي: إن الإسلام لم يشطر الإنسان إلى شطرين (كما فعلت أديان أخرى): شطرا روحيا يوجهه الدين و يتجه به للمعبد.. وشطرا آخر ماديا لا سلطان للدين ولا لرجاله عليه، ولا مكان لله فيه”(4)
ويزيد الشيخ محمد قطب هذه الحقيقة عندما يقول: إن الإنسان المسلم يعبد ربه روحيا وعقليا ونفسيا، وهذا الأمر يختلف عما تفعله التربية الوصفية التي نسيت الكيان المتكامل للإنسان و أهملته من الحساب، وشمولية العبادة تقتضى أن تهتم التربية بالشخصية من جميع جوانبها، وأن تهتم بالأخلاق الإسلامية التي تشمل العلاقة بين الزوجين و العلاقة بين الأبوين والأولاد، و العلاقة بين الأرقاب و الأرحام، وعليها أن تهتم- كذلك - بالآداب الاجتماعية الآخرى كآداب الأستئذان ، ولا يجوز أن تنسى التربية أخلاقيات الإسلام المتعلقة بالكون الكبير الذي هو مجال للانتفاع والاستمتاع بما أودع الله فيه من الآراء والنعم.
-3 التميز والتفرد
اهتم الإسلام بتميز الشخصية الإسلامية اهتماما كيبرا، ودعا إلى ذلك بقوة عبر الكتاب والسنة، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم- وهو المربي الأعظم - حريصا- أشد ما يكون الحرص- على أن تكون للمسلمين شخصية مستقلة متميزة.. فيكون المسلمون شامة بين أفراد الديانات و الأيديولوجيات الأخرى... شامة في جميع مظاهر الحياة.. وأنماط السلوك، في المعاملات والعبادات والاتجاهات والوجهات.. في جميع شعب الحياة.
صور من تميز الشخصية الإسلامية
سنتعرض فيما يلي - بإنجاز - لعدد من صور التميز للشخصية الإسلامية
أ- التميز في المنهج والاتجاه
من أبرز الدلائل على حرص الإسلام على كون الشخصية الإسلامية متميزة واضحة: تحويل القبلة، من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام .. ليكون ذلك من أعظم المعالم وأوضحها على تفرد الأمة الإسلامية وتميزها في الوجهة والقبلة، والمنهج والاتجاه، والراية والعلامة
http://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_L.GIFقد نرى تقلب وجهك الخhttp://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_R.GIF (البقرة:144)
على أن التوجه إلى القبلة - في حد ذاته- لايعني إلالخضوع والاستسلام للأمر، والارتباط بالمنهج، و الحرص على التميز في الشخصية والمنهج، فالأمة بدون هذا المنهج المتميز أمة لا قيمة لها ولا اعتبار، أمة مفقودة الخصائص، والسمات، فمن هنا.. لزم تمسك الأمة بهويتها، واعتزازها بدينها.
ب- التميز في مظاهر الفرح والسرور حرص الإسلام على تميز شخصية المسلمين في كل شيء من شؤون الحياة، حتى في مناسبات الأفراح و المسرات، فما أحب للمسلمين أن يتشبهوا حتى في إظهار الفرح بغيرهم، حينما جاء الرسول - صلى الله عليه وسلم المدينة، وجد أهلها يحتلفون بالأعياد بعيدين لهم، فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم - أن يكون للمسلمين تميز وتفرد و شأن خاص في الاحتفال بالأعياد و الأفراح أيضا، فقال : إن الله تبارك وتعالى قد أبدلكم بهما خيرا فهما يوم الفطر ويوم النحر و ذلك لأن الأعياد تعد من معالم شخصية أمة- أي أمة- كما وضع- الرسول صلى الله عليه وسلم- قاعدة اجتماعية عامة، وهي الحظر على اتباع سنن الآخرين والتشبه بهم، والذوبان في تيارهم فقال: (من تشبه بقوم فهو منهم) لأن التشبه بالغير يفقد الإنسان هويته وتفرده، فوجب على أن تكون مولعة بالتمسك بخصائصها في كل شأن من شؤون حياتها، فالأمة التي تتجاهل شخصيتها وهويتها، وتلغي كرامتها وعقلها انبهارا بالتيارات الوافدة والثقافات الغازية- تستحق الرثاء لا التكريم، والعزاء لا التقدير:
إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها
هوانا بها كانت على الناس أهونا
ج- التميز، في المعاشرة والاجتماع
لقد دعا الإسلام إلى الاحتفاظ بالهوية والتميز في جميع الأمور صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها في المأكل والمشرب والملبس، في العبادات والمعاملات والاختلاط بالناس ومعاشرتهم، وعلَّم طريق ممارسة الأفعال والأعمال من التيامن والاستئذان والاستقبال والاستدبار، ونهى عن التشبه بالآخرين نهيا واضحا صريحا
http://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_L.GIFثم جعلناك على شريعة من الأمر، فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمونhttp://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_R.GIF(الجاثية:18).
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يراقب خطوات المسلمين، وينقلهم تدريجيا من رواسب الجاهلية إلى معالم الشخصية الإسلامية للمجتمع المسلم الجديد ويخلصهم من رواسب الجاهلية أو اليهودية ويصرح لهم أحيانا بالعلة الباعثة على ذلك ويقول لهم: خالفوا اليهود، قد أدرك اليهود حرص الإسلام على مخالفتهم في سائر أمورهم فقالو: مابال محمد لا يريد أن يترك شأننا، وعن أنس بن مالك: إن اليهود كانوا اذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي النبي فأنزل الله تعالى
http://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_L.GIFيسألونك عن المحيضhttp://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_R.GIF فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اصنعوا كل شيء إلا النكاح، فبلغ ذلك اليهود، فقال: يا رسول الله: إن اليهود تقول كذا، وكذا أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما ، فسقاهما، فخرجا فعرفا أنه لم يجد عليهما.(5)
إن دل هذا الحديث فإنما يدل على الحرص النبوي الشديد الأكيد على أن تكون للمسلمين شخصية ممتازة في الأمور كلها، حتى في مثل هذه الأمور التي جاءت الإشارة إليها في الحديث الشريف، لكي يعلم أن المسلمين أمة شامة ممتازة لها خصائصها و سماتها ولها توجيهاتها الخاصة بها وهويتها التي تميزها عن غيرها.
-4 الاتزان والاعتدال:
من أهم سمات الشخصية الإسلامية- أيضا- أنها متوازنة معتدلة، لا تجنح إلى التفريط والتقصير، ولا إلى الإفراط والغلو، ولا ترجح كفة على أخرى، توازن بين متطلبات الحياة ورضا الله وتعطي كل ذي حق حقه، تعطي للجسم حقه، وللنفس حقها وللرب حقه، وللروح حقها، وللعقل حقه، فتعطي- مثلا - للروح حقها من إشباعها بالامتثال لأمر الله عز وجل، والاتصال به اتصالا قويا مباشرا مطلوبا من الخالق جل وعلا
http://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_L.GIFوما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدونhttp://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_R.GIFوتعطي - كذلك حقه من التمتع بما أحل الله من الطيبات http://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_L.GIFكلوا من طيبات ما رزقناكمhttp://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_R.GIFhttp://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_L.GIFكلوا واشربواhttp://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_R.GIFوالبدن حقه من الاعتناء بجانب الصحة والرياضة حتى يظل قادرا على أداء الحقوق والواجبات على اختلاف أنواعها وأشكالها في يسر وسهولة، وكذلك تعطي العقل حقه من إشباعه بالقراءة والتثقيف وصقل المواهب والقدرات العقلية وتنميتها وتسليحها بجميع أنواع الحكمة والعلم على قدر المستطاع.
فبهذا التوازن والاعتدال في بناء الشخصية يستطيع المسلم القيام بأداء رسالته الكبرى من حيث كونه خليفة الله في الأرض . وإلى هذا التوازن والاعتدال في بناء الشخصية جاءت الإشارة في هذا الحديث الشريف: إني أصوم وأفطر، وأقوم وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني، وقال علي رضي الله عنه: عليكم بالنمط الأوسط ، يلحق به التالي ويرجع إليه الغالي.
فالشخصية الإسلامية لا ترجح كفة على كفة، وإنما تزن بالقسطاس المستقيم، وتعطي كل ذي حق حقه، فلا تغلب جانب العقل على جوانب أخرى، فيعود الإنسان إلى آلة محضة لاروح فيها ولا عاطفة، ولا شعور ولا إحساس و- كذلك - لا تميل - الشخصية الإسلامية- إلى إرضاء متطلبات الجسد كل الميل، فيصير الإنسان لا هم له إلا إشباع الغرائز و الشهوات البهيمية. وكذلك- لا تؤثر جانب الروح على حساب الجوانب الأخرى، فيعود الإنسان راهبا زاهدا في الدنيا، فلا رهبانية في الإسلام
http://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_L.GIFولا تنس نصيبك من الدنياhttp://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_R.GIFفليست الشخصية الإسلامية شخصية المنبر والمحراب أو الصومعة والبرج العاجي، وإنما هي كما وصف السلف: رهبان بالليل وفرسان بالنهار وللشخصية الإسلامية في رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قدوة كاملة.. فكان مربيا روحيا يقوم بتزكية الناس وتطهيركم ، وأستاذا عطوفا يعلمهم الكتاب والحكمة، وزعيما سياسيا يقود الناس ويسوسهم على أساس كامل من العدل والتزام تام بالنصفة ، وقائداً عسكريا ناجحا يقود الجيوش في المعارك والغزوات بمهارة فائقة وخبرة عسكرية نادرة، فربى الصحابة أبر الناس قلوبا وأعمقهم علما، وأقلهم تكلفا، وقد صدق القائل:
كونوا كالصحابة أهل دنيا
وآخرة وعبادا وغزى
فالشخصية الإسلامية تمتاز بالتوازن الإنساني بين متطلبات الروح والجسد، وتصوغ الحياة صياغة تشبع الروح و القلب والنفس والضمير.
-5 الاستقلال
من أهم مزايا الشخصية الإسلامية استقلالها، ويعني ذلك الالتزام والسير على هداه غير عابئ بالمؤثرات الخارجية والضغوط الجانبية، وقد حثت السنة على استقلال شخصية المسلم لئلا تتأرجح بين مد الحياة و جزرها، تابعة كل ناعق، ومقلدة كل من هب ودب تقليداً أعمى.. عبر عنه النبي- صلى الله عليه وسلم- بــــ: إمعة ، وهو الرجل الذي لا يتصرف مستقلا عن سواه، يفعل كما يفعل غيره خيرا ذلك أم شرا، وإلى هذا المعنى يشير الشاعر:
ولا خير في ود امرئ متلون
إذا الريح مالت مال حيث تميل
فعن حذيفة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا))(6).
إن هذا الحديث الشريف يشر إلى داء سلوكي بغيض يفقد صاحبه الشخصية و المروءة والإرادة المستقلة، و دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى النموذج المثالي لهذا النمظ المريض، وهو أن يكون للمرء رأيه وقراره و شخصية وإرادته، ولا يرجو من أقواله وأفعاله إلا رضا الله لا رضا الناس، والحقيقة أن استقلال الشخصية يعني المحافظة على دعائم الحق والخير، فلا يتأثر صاحب الشخصية المستقلة بالعوامل الخارجية أو الضغوط المحيطة به، وكما يعني حماية النفس من الانبهار بخصائص الغير أو الذوبان في تيار أجنبي أو التأثر بالأيديولوجيات التي تتعارض مع روح الإسلام، وتتنافى فضائله، ويعني للإنسان الاعتزاز بقدراته الخاصة والاقتناع بمواهبه الذاتية وتوجهيها إلى الخير والحق حين لا يكون في جانبه، فيرجع للحق، ويقوم بواجب التعاون مع الجماعة حين يحتاجون إليه، ولا يعد هذا أوذاك خروجا عن استقلال الشخصية، وإنما الخروج: أن يكون إمعة بين الناس، مشتت الرأي، متطفلا على أحاديث الناس وأخبارهم، ورحم الله الشافعي حيث قال:
ولست بإمعة في الرجال..
أن سائل هذا وذا ما الخير.
-6 الإنسانية
إن الإنسانية من أبرز معالم الشخصية الإسلامية، ومن أكبر آيات التسامح الإسلامي و الشعور بالمسؤولية الإنسانية العالمية، أن علماء المسلمين ودعاتهم عندما يعرضون لقضايا الخلل الإنساني لا يصدرون عن شعور عنصري يحصر عرضهم في المحيط الإسلامي أو القومي، بل يعملون على حل المشكلات الحضارية المعاصرة كلها (7) فالشخصية الإسلامية شخصية إنسانية محضة تريد الخير للإنسانية جمعاء متسامية عن الاعتبارات الطائفية والمذهبية والقبلية والقومية، لا مكان عندها لتعصب أو عصبية، وقد أعلن صاحب السيرة العطرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم - مدويا مجلجلاً- رفعة الإنسانية وسموها على جميع الاعتبارات.. حيث يقول: إيها الناس إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية و تعاظمها بالآباء، كلكم لأدم وآدم من تراب، وأنكر على العصبية و دعاتها قائلا: ليس منا دعا إلىالعصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية، دعوها فإنها منتنة”.
بل إن إنسانية الشخصية الإسلامية لأعلى وأسمى من ذلك بكثير و كثير، حيث سوت بين عموم البشر على اختلاف جنسياتهم و أوطانهم وألوانهم: أيها الناس إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، لافضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي ولا أحمر على أبيض ، ولا أبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى ، وأكد على معنى الحديث الشريف هذا .. القرآن الكريم قائلا
http://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_L.GIFيا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلنا كم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكمhttp://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_R.GIF(الحجرات 13).
والنبي صلى الله عليه وسلم بالغ في الإنكار على العصبية حينما خاطب أبو ذر الغفاري - في حضرة النبي- عبدا زنجيا بـــ يا ابن السوداء، وغضب غضبا شديدا، وقال: طف الصاع (أي قد زاد الأمر عن حده) ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى أو بالعمل صالح، فحزن أبو ذر ووضع خده على الأرض، وقال للعبد قم فطأ على خدي فليس في الإسلام إنسان أفضل من آخر بفضل حسبه ونسبه، بل الكل سواسية ولا تفاضل: إلا بالعمل الصالح فقط
وهذا من الناحية الإنسانية البحته(8)
-7 الأنفة وعزة النفس
ومن خصائص الشخصية الإسلامية أن صاحبها- صاحب الشخصية- يكون بالإيمان عزيز النفس رافع الرأس معتزا بشخصيته، متحصنا بثوابته بعيدا عن مركب النقص والذل والجبن و الهوان..
http://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_L.GIFولله العزة ولرسوله وللمؤمنينhttp://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_R.GIF(المنافقون:8) مؤمنا من أعماق قلبه- بأن: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، غير مصاب بالإحباط أو اليأس http://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_L.GIFومن يقظ من رحمة ربه إلا الضالونhttp://haras.naseej.com/Images%5CBRAKET_R.GIFولعل خير ما يمثل هذا المعنى قول الإمام الشافعي - رحمه الله- وهو الرجل الأبي الثائر على الذل والضيم ، فكان يقول: لو علمت أن شرب الماء البارد يثلم مروءتي ما شربته، وقال للرجل الذي سأله أن يوصيه: إن الله تعالى خلقك حرا، فكن حرا كما خلقك، وكان ينشد:
أمطري لؤلؤا سماء سرنديب
وفيضي جبال تكرور تبرا
أنا إن عشت لست أعدم قوتا
وإذا مت لست أعدم قبرا
همتي همة الملوك، ونفسي نفس حر
ترى المذلة كفرا
وقديما قال الشاعر العربي:
لا تسقني ماء الحياة بذلة
بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
وقال الإمام على رضي الله عنه- :لا تكن عبد غيرك، وقد جعلك الله حراً، وقال عمر في التنويه بالعزة وكرامة النفس والأنفة من الاستعباد والذل : يعجنبي من الرجل إذا سيم خطة خسف أن يقول (لا) بملء فيه.
الهوامش
-1 بتصرف وإيجاز من بحث الدكتور محمد بن عبدالله الصغير ، المنشور في مجلة الدعوة (الرياض) العدد (1660)
2- رواه البيهقي والطبراني
3- انظر الخصائص العامة للإسلام للقرضاوي ص 9 ومابعدها طبع مؤسس الرسالة، الطبعة الثامنة .1414هـ
4- الخصائص العامة للقرضاوي
5 -أخرجه مسلم
-6 رواه الترمذي
-7 إنسانيات الإسلام للدكتور عبدالحليم، الطبعة الأولى، ص: 45
-8 نفس المصدر ص 12
(*) عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
حيدر آباد- الهند


محمد فراج عبد النعيم 22-09-2011 08:55 PM

رد: الشخصيه الاسلاميه ...
 
بارك الله فيك يا أخي الحبيب ....
لقد أوعيت فأوفيت .... نفعنا الله بعلمك وجعلك من المهديين في الدنيا والآخرة .
ونرجو أن تتكرم وتكمل لنا باقي المقال للافادة ونشر العلم , وجزاكم الله خيرا ....

أسامة هوادف 22-09-2011 10:34 PM

رد: الشخصيه الاسلاميه ...
 
بارك الله فيك أخي

محمد فراج عبد النعيم 02-10-2011 04:21 AM

رد: الشخصيه الاسلاميه ...
 
شكرا لمرورك يا أخي الكريم : وهذا شرف لي ووسام علي صدر ي
جزاك الله كل خير
اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير والموت راحة لي من كل شر


الساعة الآن 05:17 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام