مَنْ يُقرضني كتابا "أتهيأ للامتحان" أو يدلّني على حصص دعم مكثّفة وأستاذة محنّكة تبسِّطُ لي الدّرس وتعينني على الاستظهار؟ فقد أخبروني بمعلومةٍ مفادها: أنّ امتحانا عسيرا ينتظرني، لا مناص من اجتيازه، في موعد توقيته مفاجئ من دون سابق إنذار... سيأتي فجأة، مهما طال الانتظار...
وحين سألِجُ قاعة "الامتحان" غَيْرِ المُرقّمةِ، ستكون مظلمةً بالكاد تتسع لأطرافي المبعثرة يمينا ويسارا، قاعة ليس فيها طاولة ولا كرسيّ اختبار، ولا نافذة منها أطلّ على باحة المؤسسة، ولا زملاء أستشيرهم في السؤال..
أسئلة الامتحان في البدء شفويّة، تلقى من لدُن اثنين، أُرسلا إليّ خصيصا بثلاث أسئلة معلومة لديّ قبل ولوج قاعة الاختبار... فيا تُرى بما سأجيب؟ أم أن عقدةَ ستربط اللسان؟ ستليها تمتمات وتنهدات وآهات، عينان جاحظتان، حائرتان، لا يعيان لمَ ضاع الجواب، ومتى سينتهي هذا التّوهان... أم تراني أكون لبيبة سريعة النطق، طليقة اللسان، أقول: ربي الله، نبيي محمد، وديني الإسلام؟..
علِمتُ أنّ قاعة الاختبار جدرانها سميكة، عليَّ لا محالة مطبقة إلى أن تتشابك أضلعي، وسيصرخ اللّسان، فمن هول مثل هذا الحادث دعا سيد الأنام محمد ربّه مستعطفا: هذه عائشُ خفّف عليها الآلام، ارحم عظامها الرقيقة، فلطالما توسدها حبيبُك أبو القاسم عليه الصلاة والسلام..
فيـا رحمان، ربّ السماوات السبع وربّ الأكوان، ثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وعند السؤال، وارحم ضعفي وقلة حيلتي وتقصيري في كل أوان، اشف عِلاّتي، واغفر زلاّتي وما تراكم عبر الأزمان، واجعل ضمّة القبر عليّ كحضن أمٍّ مشتاقة لا ضمّة إعصار، وسؤال منكر ونكير فاتحة خير، لا معقِل النّيران، يـــــا ذا العزة والجبروت يـــا رحنّان يا منّان.
هذه منـاجاتي في غسق الليل وأطراف النّهار، وحين تفيض المقلتين بالدمع ترجو الرحمان، فإنها تعلم جيّدا أن لا هروب من الحق رغم ما يعترينا من نسيان، وأنّ قاعة المحكمة أبوابها مفتوحة، تنتظر لحظة الحسم، يوم ننادى بالاسم، من لدن اثنين، شديدين لا يعصيان ربهما، ويفعلان ما يؤمران.