الحمد لله ذي الجلال الحميد المحمود بصفات الكمال و الصلاة و السلام على نبينا محمد عبد الله و رسوله المصطفى الذي نفى به علل الصدور و شفا ثم أما بعد:-
فمعركة المنصورة هي أحدى المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي و كانت هذه الموقعة من أهم عوامل إشراق شمس المماليك و دولتهم و غروب شمس الأيوبيين و دارت أحداث هذه المعركة في مدينة المنصورة في الرابع من ذي القعدة سنة 647 هجرية = 8 فبراير 1250 ميلادية و كانت بين الصليبيين بقيادة لويس التاسع و بين الدولة الأيوبية و قائدها الملك الصالح نجم الدين أيوب و أسفرت المعركة عن هزيمة الصليبين و أسر قائدهم لويس التاسع فهيا بنا نقتفى الآثار و نقتحم على الكتب خلوتها لنعرف تفاصيل هذه المعركة و أسبابها . فتيل المعركة يشتعل قبلها بسته أعوام :-
في 3 صفر سنة 642 هجرية الموافق 17 أكتوبر 1244 ميلادية شن الصليبيون هجوما ضخما على مصر و لكنهم هُزٍموا هزيمة ساحقة في غزة على يد القائد ركن الدين بيبرس و من ضخامة الهزيمة سميت هذه المعركة بحطين الثانية و على آثرها تم استرداد قلعة طبرية ثم عسقلان و بذلك نجح الملك الصالح في توحيد مصر و الشام تحت سلطانه و قد أثارت هذه الهزيمة موجه من السخط لسقوط بيت المقدس و المطالبة بحملة صليبية أخرى و هذه المرة ليست إلى بيت المقدس و لكن إلى مصر التجهيز للحملة الصليبية السابعة:-
بعد ضغوط الكنيسة بدأت أوربا بالتجهيز للحملة الصليبية السابعة و كان لويس التاسع ملك فرنسا من المتحمسين لها جدا و بدأ في فرض الضرائب و تجهيز العدة و العتاد و أعتقد لويس التاسع أن الأمر سيكون سهلا بسبب مرض الملك الصالح من جهة و الاجتياح التتري لشرق العالم الإسلامي و بهذا فلن يجد الملك الصالح من يعاونه من المسلمين . البدء في الحملة الصليبية و سقوط دمياط :-
في 24 جماد الأول 646 هجرية الموافق 25 أغسطس أبحر الملك لويس برفقة 80 ألف مقاتل على ظهر 80 سفينة إلى مصر و لكنه قرر التوقف في قبرص ليجمع شتات جيشه و ينظمه و هناك أنضم إليه عدد كبير من فرسان سوريا وعكا و قد أدى توقفه في قبرص إلى تسرب أنباء الحملة إلى مصر و عند هذا الوقت كان الملك الصالح في حصار لمدينة حمص فأنهاه وعاد إلى مصر و نزل بجيشه في شهر محرم سنة 647 هجرية عند قرية أشموم و أصدر الأوامر بتحصين دمياط و إمدادها بالمؤن و السلاح و أرسل إليهم الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ على رأس جيش كبير ليواجه حملة لويس في دمياط نزل الملك لويس بجيوشه إلى أراضى دمياط في 20 صفر سنة 647 و حدثت بعض المناوشات و لكن للأسف انتشرت شائعة أن الملك الصالح قد مات و حاول الأمير فخر الدين إرسال الرسائل إلى إليه و لكنه لم يجبه أو لم يصل الحمام الزاجل إليه فتيقن إنه مات و أنسحب بالجيش إلى المعسكر الرئيسي بقرية أشموم و أنسحب أهالي دمياط من المدينة خوفا من الجيش الصليبي فدخل لويس مدينة دمياط بدون أدنى مقاومة . وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب :-
بعد احتلال دمياط أغتر الملك لويس التاسع و قرر الاتجاه إلى القاهرة مباشرة و ذلك عبر نهر النيل و علم الملك الصالح بهذا القرار فقرر هو الآخر جعل المعركة بعيدا عن القاهرة في مدينة بين دمياط و القاهرة فقرر أن يكون معسكر الملك في مدينة المنصورة فأمر الملك الصالح بنقل المعسكر إلى مدينة المنصورة و تحرك لويس التاسع أيضا في 12 شعبان 647 هجرية متجه نحو القاهرة و في ليلة النصف من شعبان سنة 647 توفى الملك الصالح نجم الدين أيوب و حلت الكارثة بالجيش فموت القائد أثناء المعركة من أكبر المصائب التي قد تقع لأي جيش مهما كانت قوته فكما قال أحد أبطال قصتنا ركن الدين بيبرس إذا لم تكن تخشى جسد بلا رأس فلا تخشى جيش بلا قائد و بسرعة و دهاء أخفت زوجة الملك ( شجر الدر) خبر موته و أرسلت إلى ابنه توران شاه حتى يأتي من تركيا سريعا حتى يتولى الحكم تبعا لوالده و كلفت كلا من فارس الدين أقطاى و ركن الدين بيبرس بوضع الخطة و الاستعداد الكامل للمعركة . مقدمات معركة المنصورة :-
وصل لويس إلى و جيشه إلى بحر أو قناة أشموم أو ما يسمى بالبحر الصغير و هو الفاصل بينه و بين معسكر المسلمين و كان قبل مدينة المنصورة بنحو 3 آلاف كيلو متر و قرر لويس بناء جسر حتى يعبر به إلى المنصورة و لكنه وجد مقاومة شديدة من الأهالي اللذين توافدوا إلى المنصورة من كل أرجاء مصر و اشتعلت المنابر بالتحريض على الجهاد و مقاتله الفرنجة فعدل عن فكرة الجسر , فدل أحد الخونة الملك لويس على مخائض و دهاليز قناة أشموم فسار فيها حتى أستيقظ المسلمون ليجدوه و قواته بين أيديهم فدار قتال عنيف و سالت دماء و تطايرت بقايا الأجساد و أنهزم جيش المسلمين و أنسحب إلى داخل مدينة المنصورة . معركة المنصورة :-
تولى الظاهر بيبرس البندقداري قيادة الجيوش المنسحبة و قام بوضع خطة للمعركة و كان يرى ألا يتم تحصين بوابات المنصورة جيدا و أن ينسحب الجيش و السكان إلى داخل البلد و أن يلتزموا الهدوء التام حتى يدخل جنود الفرنجة المدينة و يتوغلوا فيها و عندما يقتربوا من قصر السلطان يباغتهم جنود المماليك البحرية بمساعدة سكان المدينة و يقضون عليهم و بالفعل وقع الفرنجة في الفخ وفي يوم 8 من ذي القعدة تقدمت الفرقة الرئيسية لدخول مدينة المنصورة فدخلوا المدينة و ظنوا أن السكان و الجيش قد انسحبوا كما فعلوا في دمياط و أن المدينة قد سقطت فتقدموا إلى قصر السلطان و هنا أصدر القائد أوامره بالهجوم فبدأ قتال عنيف بينهما وقاتل المماليك قتالا شديدا و قاتل أيضا الفلاحين و العامة و قذفوهم بالرماح و المقاليع وقد وضع العوام على رؤوسهم طاسات الطبخ عوضا عن خوذ الأجناد و قامت قوات من الجيش و الشعب بعمل متاريس عند بوابات المدينة و ذلك لمنعهم من التراجع و قتل في هذه المعركة الكثير و يقال إنه لم ينجوا منهم إلا ثلاثة جنود فقط . وصول توران شاه :-
في 17ن ذي القعدة و في أحد المراجع 23 من ذي القعدة سنة 647 هجرية وصل توران شاه و تسلم مقاليد الحكم أمر بنقل عدة سفن مفككة على ظهور الجمال وإنزالها خلف الخطوط الصليبية في النيل، وبهذه الوسيلة تمكن من مهاجمة السفن الصليبية المحملة بالمؤن والأقوات، والاستيلاء عليها وأسر من فيها، وأدى هذا إلى سوء الحال بالفرنسيين، وحلول المجاعة فطلب لويس التاسع الهدنة وتسليم دمياط مقابل أن يأخذ الصليبيون بيت المقدس وبعض بلاد ساحل الشام، فرفض المصريون ذلك، وأصروا على مواصلة الجهاد و قاموا بالاستيلاء على الكثير من السفن الصليبية و دمروا الكثير , و في ليل أول أيام شهر محرم الموافق 5 أبريل أنسحب الأسطول الفرنسي إلى مدينة دمياط و يقال إنهم قد نسوا أن يهدموا جسر قد نجحوا في بنائه أثناء المعركة فلحق بهم جنود توران شاه و أحاطوا بهم في مدينة فارسكور و قتلوا منهم ما يقرب من 10 آلاف مقاتل و تم أسر لويس التاسع و بذلك تنتهي الحملة الصليبية التاسعة على مصر .و بعد ذلك تم إطلاق سراح لويس التاسع و 12 ألف من جنوده و ذلك مقابل تسليم دمياط و دفع 400 ألف درهم مقابل الأضرار التي لحقت بمصر و القسم على عدم العودة إلى مصر مرة أخرى و بانتهاء الحملة الصليبية السابعة انتهى عهد حروب الجيوش و بدأ الصليبيون في استخدام نوع آخر من الحروب الفكرية و النفسية حتى استطاعوا تشتيت الأمة و اضعفوا الإسلام في صدور أبنائها و بهذا بدئوا في حروبهم الصليبية الحديثة فأين عقلاء الأمة و مقاتليها أين بيبرس و صلاح الدين , و عماد الدين زنكي و ألب أرسلان أين هؤلاء الأبطال ؟ اللهم منزل الكتاب مجرى السحاب سريع الحساب هازم الأحزاب مكن للإسلام في الأرض و مكن علينا قائد و فاتح يقودنا بكتاب الله و يخلد التاريخ أسمه و يجد بعد قرون عديدة من يكتب أسمه و يلحقه برحمة الله عليه ........