قصة قصيرة...
شُروخٌ في صَميمِ قلبْ
مؤمنة معالي
ها هي تخطو بحذر نحو العتبة السبعين لسني عمرها المتراكب،دمعةٌ دافئةٌ ما تلبث أن تبرد قبل الوصول لحدود ثغرها الذي تحيط به تجاعيد الكبر،بشرة بيضاء مترهلة تماما كبشرة الممهدين، أطرافها لا تنفك عن الإرتجاف،تحاول الإمساك بكوب يقف فوق المنضدة،تحدق لعلها تتمكن من معرفة ما في الكوب،خانتها عيناها كما كل مرة،أمسكته وكلها لهف أن تعرف محتواه بجتراع شيئ مما فيه لكنها لم تفلح في إيصاله،سقط من يدها لتتناثر أجزاءه في نواحي حجرتها العفنة،شهقت.
صوت الزجاج المتكسر أشعل في قلبها أملا أن يكون قابض الأرواح قد شرف بيتها وانتزع روح العجوز،ركضت نحو حجرة الحماة المسكينة بلهفة،فتحت الباب،رأتها تقلب عينيها بخوف بين الكأس المحطم ووجهها العبوس،لم تنل مناها بعد فصرخت بها:أصغيرة أنت؟لماذا كسرت الكوب؟ ثم طرقت الباب بقسوتها المعتادة في التعامل معه دون جريرة سوى أنه يخفي خلفه تلك العجوز.
تنهدت الحاجة أم باهر، أهذا جزائي؟ تحاول الوصول لحمام حجرتها،كم هو قذر! فالكنة لم تحن عليه منذ زمن، وقفت متعكزة على عصا لهذا الغرض، إنها الوحيدة التي تحمل آلامها وهمومها،خطوتان هي المسافة التي سارتها قبل أن تسقط صارخة، لقد امتلأت قدماها بالزجاج.
جف حلقها فوق جفافه،نادت الكنة العنيدة لكن دون جدوى،تحاملت على نفسها وقامت تسير على أطراف الأصابع وتشكو فيما بينها وبين نفسها لله هذا الحال،ترى متى سيلوح ملك الموت ليقبض روحي وأنتهي من هذا العذاب؟ثم استدركت فهي لا ترغب بالموت،ولم تصل سنه بعد،فأجابت نفسها:"اللهم إنا نسألك طول العمر وحسن ال عمل".
بهدوءفتحت باب الحجرة،وبخطوات خائفة تتخطى الدرج لتنتفض من قوة الصرخة التي استهدفتها في وسط الطريق،إلى أين؟؟
أريد شرب الماء، فلم أعد قادرة على ما أصابني من عطش،وصمتت بانتظار الرد المعهود،لكنها تفاجأت.
ابقي مكانك حتى آتيك بالماء.. باستهجان تسائلت..تأتيني بالماء!! أين ذهب الأسلوب الساخروالضرب الذي لا يرحم شيبتي واحدداب ظهري، هل سيطر عليها جان طيب القلب؟ أم أنها أصيب بلوثة جنون؟
لا زالت تقف في منتصف الدرج امتثالا للأوامر، تتفرس في سعة المنزل،تنظر لنسق الغرف متخيلة نفسها تجلس في زواياها الرائقة عوضا عن زاويتها المشتركة مع الزواحف، أغمضت عينيها لتسرح مع خيالاتها،سمعت هاتفا يصرخ فيها، تريدين الماء؟ لم ينتظر الإجابة قبل أن يفجر شلالا من مزيجه بالصابون في وجه العجوز!
خانتها أقدامها ثانية،لم تقف في وجه الإعتداء لتثبت أنها لا تصلح للمقا ومة، في أسفل الدرج بدأت ترتجف وبصرحات متقطعة أجابت بعد فوات الأوان،لا أريد ماء ..لا أريد مـ ـ ـاء!
قرع الجرس..ها قد جاء..لكنه لن يفعل شيئا، إمعة كما عرفته، لا يعرف الثأر لأحد ولا حتى لأمه،اجهشت بالبكاء لجلب قليل من الإستعطاف بينما فتحت بؤرة اللؤم الباب ولسانها يلهج ترحيبا بالضيوف!
هما أول من عاملاها برفق منذ زمن، حملاها فوق لوح مبطن مهما كان لا يقارن باللوح الذي نامت عليه فيما خلا من أيام،وخرجا بها،أغمضت عينيها أمام محاولات أشعة غريبة اختراقهما وبعد قليل فتحتهما عندما تذكرت أنها أشعة الشمس.
في مثل عمر ابنها لكنه لا يملك ذرة من حنانهما، لا تدري إلى أين تذهب،لن تسأل فليس هنا مكان أسوء من بيتها الذي عاشت فيه تحت إدارة زوجة الإبن،وصلت إلى مبنى كبير،ليس مشفى فليست هناك علامة تدل على ذلك،لكنها لا تعرف ماهو،حاولت أن تتعرف على ما كتب فوق البناءقبل أن تتذكر انها لا تعرف القراءة والكتابه.
أدخلوها حجرة تجلس فيها خمس مسنات،جحظت عيناها،ولطمت بكلتا يديها وجهها، إنها دار المسنين التي أمرت زوجها المرحوم بترحيل أمه إليها عندما ضاقت بها وبطلباتها، أغلق الباب لتعيش المرحلة التي أجبرت عليها أم زوجها ذات يوم.
مشروخ قلبها رغم أنها الظالمة، لكنها ظلمت أيضا.. أنا الظالمة وأنا المظلومة،كثيرا ما أعادت هذه العبارة وكأنها تعتذر لروح صعدت في نفس المكان،وربما من نفس السرير،كانت تراها في كل مكان تقع عليه عيناها،لذا فضلت دوام الغمض لعل طيف المرحومة يرتحل،وبعد أيام حاولت الإبصار لكنها لم تستطع،صرخت لينبض قلبها لكنه خاف وتوقف.