إذا كانت حياة بعض الناس بلا دين , يحسبون أنهم بذلك قد تحرروا من القيود , وانطلقوا في الحياة يتمتعون ويتلذذون , فهم واهمون بل غارقون في الوحل ولا يدرون , فنداء الفطرة تناديهم , وصرخة الضمائر تلاحقهم , فهل يسمعون , أو يدركون, أم تراهم مغيبون ؟ , والله تعالي يقول :
( وتعيها أذن واعية ) .
إن الذين يبحثون جادين في الحياة , عن الوضوح في الفكر , والصراحة في السلوك , والراحة في تصرفات لا يندمون عليها , لن يجدوا تبياناً أيسر ولا أسهل من رسالة الإسلام : ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ ) , وكما قال المفسرون في كلمة جامعة : لكل شئ من رب كل شئ , فعلام الحيرة والتخبط ؟ , ولماذا نسمع بين الحين والآخر عمن ينال من هذا التبيان وكأنه لا يري ولا يسمع ؟ .
إذن الأمر ليس في الدين وإنما في الفهم المغلوط عند البعض , فمن أين أتت هذه المغاليط , وتربعت على العقول ؟ , لا أري لها سبيلاً إلا من داخل الضمائر , إما لجهل يتحكم في صاحبها فهو في حاجة إلى بصيرة ترقيه , أوإما لمصلحة توجهه فهو في أمس الحاجة إلى تربية تنقيه , وفي كل خير !
2 - تنظيم الحياة
أمر فطري أن ينظم الانسان حياته من مأكل أو مركب أو نوم أو راحة أو علاقات , فإن لم ينظم حياته بيده نظمت بيد غيره , فيكون أسيراً لغيره , لا ينفك عنه ولا يتحرر منه , ومن جمال دين الفطرة أن نظم الحياة دون إكراه على أحد , في بساطة دون تعقيد , وفي مرونة دون تجميد , لأنه اهتم بالجوهر عن الشكل , وبالروح عن الصورة , بما رتبه من آداب رفيعة في كل جوانب الحياة من لحظة ميلاد الانسان حتي موعد موته المحتوم .
ولا يتوقف الإسلام عند حياة الانسان فحسب , بل يتعداه إلى الأسرة والمجتمع والدولة والأمة والعالم الانساني أجمع , حيث يقول تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) , ويؤكد على ذلك قوله تعالى : ( إن هو إلا ذكر للعالمين ) , فهو رسالة الوجود , وحلم الحياة .
3 - اتباع آمن
ما أحوج البشرية للأمان اليوم في عالم مضطرب , تسوسه الفوضى , وتوجهه الرغبات السافلة , ولا نجاة له إلا في اتباع مضمون , لمنهج لا نقص فيه ولا ثغرات , ولن يحصل على أمانه إلا في اتباعه لدين كامل شامل يمنحه الاستقرار والطمأنينة , وهوأمر مسلم به من العقلاء , ويدعو إلى نشره الفهماء , يقول تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلامديناً ) .
فما بقي لنا إلا الاتباع : ( وجعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ) , حيث لا نقيصة : ( وما فرطنا في الكتاب من شئ ) , ولا ثغرة : ( وكل شئ أحصيناه كتاباً ) , ولا تفريق بين مادي وروحي , أو عقلي وأخلاقي , فالكل سواء : ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ) , ولا ترك دنيا لآخرة ولا آخرة لدنيا بل الاثنين معاً لقول الحبيب صلي الله عليه وسلم : " ليس خيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه " , فالاسلام كما أنه عقيدة وعبادة , فهومعاملة وخلق , سواء بسواء .
ولذلك فالاسلام ليس دينا على المسلمين فقط , إنما على الانسان في كل مكان على الأرض : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) , يدعو إلى حرية الرأي ونصرة المرأة , ونشر السلام العادل , ورعاية الحقوق , والمحافظة على البيئة , وهذا مانراه حقيقة لا خيالاً , في صحبة المصطفي صلي الله عليه وسلم :
- " من آذى ذمياً فأنا خصمه ومن كنت خصمه خاصمته يوم القيامة "
- " إلا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة "
- في الحرب : " لا تقتلوا شيخاً أو امرأة أو طفلاً ولا تقطعوا شجرة ولا تهدموا بيتاً "
- وقد وقف عند مرور جنازة يهودي قائلاً : " أليست نفساً "
أولاً : الاقتداء بالحبيب صلي الله عليه وسلم في حياته فهو خير زوج , وأكمل عابد , وأحن أب , وخير أخ , وأعز صديق , وأبر ابن , وأعظم قائد , وأفضل زعيم .
ثانياً : التوجه الصادق لله تعالى والتجرد الكامل لرسالة الاسلام : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) .
ثالثاً : النية الخالصة المخلصة في كل عمل , وبذلك تتحول عادات النوم والأكل والحركة والعمل إلى عبادة .
رابعاً : الدعوة إلى الله تعالى ونشر الخير بين الناس , فالاسلام ليس دينا للنفس بل للنفس والناس والحياة : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ).
خامساً : اتخاذه نظاماً يتناول كل مظاهر الحياة , في الدولة والحكومة والثقافة والقانون والاقتصاد والتعليم والصحة والدفاع والعدالة والفن .
سادساً : نشره كرسالة الله للبشرية بتوضيحه للعالم بديلاً عن التخبط فهو رسالة للتغيير , ورسالة للواقع , ورسالة كاملة , ورسالة تطويرية في تجديد وابتكار وسائل وأساليب الحياة .