{ الْبُشْرَىٰ }
في لسان العرب : " من أحب القرآنَ فـَلْيـَبْشَر: أي فليفرحْ ولـْيـُسَرّ . أراد أن محبة القرآن دليل على محْض الإيمان " " وبشّرَه : فرّحه " . وفي معجم الصحاح " البشارة المطلقة لا تكون إلا بالخير ، وإنما تكون بالشر إذا كانت مقيدة كقوله تعالى : فبشرهم بعذاب أليم ." وفي القاموس المحيط " البُشرى ما يناله المُبَشـِّر " .
- لا يُذكر البشير – عادة – إلا ويذكر في المقابل النذير كما في قوله تعالى في سورة الفرقان الآية 56 وفي سورة الإسراء الآية 105 باللفظ نفسه مخاطباً نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام :
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } .
- بشر الله تعالى المؤمنين في القرآن الكريم بإيمانهم وتقواهم ، وجعل رضاه سبحانه ، والجنة جزاءهم ، وصرح بوجود الأنهار والرزق الوافر المتعدد والزوجات الطاهرات مع الخلود في هذه الجنان ، فقال – سبحانه - في الآية 25 من سورة البقرة :
{ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَـٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
وهذه البشرى تكررت في القرآن الكريم عشرات المرات .
- ونجد من أنواع المؤمنين الذين نالتهم البشرى في القرآن الكريم :
أ- الصابرين على السراء والضراء :
منحهم الله تعالى الرحمة والبركات وختم لهم بالهداية ، فقال في سورة البقرة :
{ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿155﴾ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿156﴾ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴿157﴾} .
ب- المخبتين :
وهم المطمئمون إلى الله المتواضعون له فوصفهم بأنهم يهابونه ويحبونه ، ويصبرون على ما ابتلاهم به ، ويقيمون الصلاة ويكثرون الإنفاق من مال الله الذي في أيديهم . فقال في سورة الحج :
{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴿34﴾ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (35)} .
ج- المحسنين :
وهم أهل التقوى الذين يعبدون الله كأنهم يرونه فقال تعالى في سورة الحج :
{ ... وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)} ، وقال سبحانه في سورة الأحقاف :
{ ... وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ (12)} كما صرح المولى تعالى في آيات كثيرة :
{ وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }
{ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
{ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }
{ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّـهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } .
د- عبادَ الله :
وهم الواعون لما يُتلى عليهم ، يفهمونه ويعملون به ، فكانوا مهتدين لأنهم أصحاب العقول والأفهام ، يقول تعالى في سورة الزمر الآية 17 :
{ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّـهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴿17﴾ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّـهُ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿18﴾} .
ويقول الله تعالى في أول سورة " يس " مادحاً عباده الذين يخشونه بالغيب فيعملون بما أمر مبشراً إياهم بالغفران الواسع والأجر العظيم :
{ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ ۖ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴿11﴾} .
هـ- المجاهدين :
وهم الذين باعوا أنفسهم لله تعلى فجاهدوا في سبيله ، وباعوا الدنيا بالآخرة ففازوا بالجنة ورضاء الله تعالى . يقول الله سبحانه في سورة التوبة :
{ إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿111﴾} .
و- الدعاة إلى الله :
وهم الذين جهروا بالدعوة ، وأعلنوها ، وأعلنوا العبودية لله وحده ، وكانوا قدوة في قولهم وعملهم ، هؤلاء لا يخافون حين يخاف الناس ، ولا يحزنون حين يحزن الناس ، فالجنة جزاؤهم ، والله تعالى وليـّهم ، والملائكة تبشرهم . كل هذا لأنهم آمنوا بالله رباً واحداً وأعلنوا دعوتهم على الملأ ، واستقاموا في حياتهم ، ودعوا إلى الله فكانوا نبراساً ونوراً ، يقول الله تعالى في سورة فصلت :
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴿30﴾ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴿31﴾ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ﴿32﴾ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿33﴾} .
- أما الذين غضب الله تعالى عليهم لكفرهم وفسادهم ، فهؤلاء ينذرهم بالويل والثبور والعذاب الشديد ، ويستعمل القرآن كلمة البشرى مكان الإنذار لما فيها – حين تخرج عن معناها الأصلي – من تهكم وسخرية وتوبيخ . وهؤلاء الذين بشرهم القرآن بالعذاب أنواع ، منهم :
أ - الكفار :
يقول تعالى في سورة التوبة :
{ ... وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)} ،
ويقول سبحانه في سورة الانشقاق :
{ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24)}
وتصور معي البشرى بما يكره الإنسان ويخاف . إنها لسخرية ما بعدها سخرية ، واحتقار ما وراءه احتقار . ويندرج تحت هذا المسمّى أهل الكتاب ممن كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد بعثته ، ومن الذين أشركوا مع الله آلهاً غيره ، ومن الذين كفروا به وعبدوا آلهة أخرى ، أو أنكروا وجود الخالق ، أو ادّعَوُا الألوهية .
ب - المنافقون :
هؤلاء دخل الإيمان قلوبهم ثم خرج ، { آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا } فطبع الله على قلوبهم . وهؤلاء في الدرك الأسفل من النار لغضب الله الشديد عليهم ، اقرأ معي قوله تعالى في سورة النساء يصور حالهم وتذبذبهم بين الإيمان والكفر ، ثم خلودهم إلى الكفر والبعد عن الهداية :
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّـهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137)} ، ثم يقرر في الآية التالية أنهم أصحاب النار وسيذوقون فيها العذاب الأليم :
{ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)}
لماذا ؟ وما سبب ذلك؟! إنهم انحازوا إلى الكفار أمثالهم ، ورغبوا عن الله والمؤمنين ظانّين أن العزة عند أولئك الكفار ، فخابوا وخسروا ، يقول سبحانه وتعالى بعد ذلك:
{ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّـهِ جَمِيعًا (139)}
ت - المستكبر :
قد تتوقع خيراً من كثير من المجرمين والمفسدين أما المستكبر فلا خير فيه لأنه يرى نفسه فوق الآخرين ، بل يجد الآخرين خدماً وخَولاً ، وجودهم لوجوده فقط وحياتهم مسخرة لخدمته . هذا الصنف لا يرى إلا نفسه ، ولا يسمع سوى ما يهواه . أما كلمة الحق فبعيدة عنه ، بل الحق في نظره ما يريده ويهواه ... فهل تراه بعد هذا يستجيب للدعوة أو يعطيها ظهره ويسد أذنيه ؟! اقرأ معي سمات المستكبر في سورة لقمان تصوره صورة واضحة تبين عجرفته وصدوده :
{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)}
ألا يستحق هذا المستكبر هذه الصفعة القوية والتهديد القوي ؟ كما نجد مثاله أيضاً في سورة الجاثية وقد زاد لؤمه في الصفتين الجديدتين فهو أفاك وأثيم ، قال سبحانه :
{ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّـهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)}
فهو يسمع كلمة الحق ويتجاهلها سخرية وترفعاً وكبرياء، فكانت العقوبة سخرية به واستهزاء بما يناسب جرمه.
ث - أما الذين يأكلون الدنيا بالدين :
فهؤلاء لصوص يدّعون الإيمان بالله ويجمعون باسمه المال ويكنزونه ،ويحاربون الدين في الوقت نفسه فلا يصرفون المال في وجوهه الصحيحة بل يسلبونه بكل طرق الباطل والدجل ، قال تعالى في سورة التوبة :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)}،
هؤلاء يعذبهم الله بالمال نفسه ، يحسبونه نعمة فإذا هو عليهم نقمة حيث يصبح ناراً تكوى بها أجسادهم وجباههم التي رفعوها تفاخراً على العباد بالغنى ، وجنوبهم التي مالوا بها عن الفقير حين سألهم فتغافلوا عنه ، ثم أدارو للفقير ظهورهم التي تًكوى يوم القيامة بالكنز نفسه والعياذ بالله ،
قال عز و جل بعدها :
{ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}.
فالعقوبة من جنس العمل . قال سبحانه في سورة إبراهيم :
{ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)}.
ج - والنوع الآخير مما نذكر قتـَلة الأنبياء والدعاة :
وهؤلاء المجرمون يريدون بقتل الأنبياء والدعاة تجفيف منابع الخير والدعوة ، ليغرق الناس في جاهلية جهلاء ويسعون لوأد النور والضياء ونشر الظلم والفساد .. قال عز وجل :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21)}(آل عمران) .
إنهم موجودون في كل زمان ومكان ، وتراهم منبثين في الشوارع والنوادي ويدخلون البيوت والمخادع ويبثون سمومهم بكل أطياف الفكر المنحرف والثقافة المنحطة والأهواء البهيمية ، ويدسون السم في الدسم والردّة في العلم المادّي ، قال تعالى :
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)}(الأنفال) ،
وهذا من فضل الله علينا معشر المسلمين أن الأعداء يمكرون ، ولكن الله تعالى يبطل مكرهم .
- ومن الجدير بالذكر أن الملائكة الكرام بشرى للمسلمين :
أ - إنهم يبشرون زكريا بولده يحيى (عليهما السلام) قال سبحانه :
{ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (39)}(آل عمران)
{ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا (7)}(مريم) .
ب - ويبشرون إبراهيم بولده الحليم إسماعيل عليهما السلام ، قال عز وجل في سورة الصافات :
{ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)} ،
ويبشرونه بولده العليم إسحاق عليه السلام في السورة نفسها ، قال جل ثناؤه :
{ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (112)} ،
ونجد وصف العلم في سورة الذاريات ، قال عز من قائل :
{ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28)}
ت - ويبشرون سارة بابنها إسحاق وحفيدها يعقوب عليهم السلام ، قال تعالى:
{ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)}(هود) .
ث - كما نجد أثر الملائكة الإيجابي في معركة بدر حين قاتلت مع المسلمين أعداءهم بأمر الله ، وقتالهم بشرى بالنصر عظيمة قال سبحانه في سورة الأنفال :
{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)} .
والملائكة نفسها شؤم على الكافرين :
أ - فالكفار يزعمون أنهم لا يؤمنون إلا إذا رأوا ربهم أو رأوا الملائكة ، فيخيب الله تعالى زعمهم حين يخبرهم أنهم لن يروا الملائكة إلا حين ينتهي الأمر ويكونون من أصحاب النار :
{ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا (23)}(الفرقان) .
ب - وكانت العرب تكره البنت وترغب بالصبي ، فقد كانوا يجدونها عبئاً ، ويرون نصرها بكاء وعويلاً وصراخاً ، أما الفتى فيحمل السلاح ويقاتل ، لقد كان المجتمع ذكورياً أدى بهم إلى وأد البنت في كثير من الأحيان ، وقد وثـّق القرآن وأدهم بقوله تعالى في سورة التكوير :
{ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9)}
كما نعى على هؤلاء أنهم يجعلون لله - سبحانه - البنات (الملائكة) على زعمهم ويرتضون لأنفسهم الذكور ، قال تعالى في سورة النحل :
{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّـهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)}،
فكيف يرتضون لربهم البنات ، ويطلبون لأنفسهم الذكور ؟! قال سبحانه في سورة الزخرف :
{ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)} .
بشرى الإله على التقوى منازل لا * يرقى إليها سوى المحفوف بالنعَم
من بات يسعى إلى مرضاة خالقه * ببذل معروفه بالفعل والـكـَلـِم
يُـقال أبـشِـرْ بجـنات ومغفرة * أعظِم بعفو مليك الكـون من غُنُم
يارب إني ضعيف فاحْبـُني مدداً * وسدد الخطوَ في الناجيـن بالكرم