الإخلاص في القول والعمل
سورة الكهف من خلال تدبر معانيها يوماً بعد يوم وما بين الجمعتين وإستذكار هذه المعاني في حياتي تؤهلني لأن أصبح إنساناً يحسن العمل في هذه الدنيا، إنسان يتعلم الإخلاص، يتعلم فن الإخلاص، يتعلم صنعة الإخلاص حتى لا يغادر الإخلاص أيّ عمل يقوم به مهما كان ذلك العمل بسيطاً أو متواضعاً لأن الله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى حجم العمل الذي أقوم به ولا إلى حجم الصدقة التي أقدّمها بين يديه سبحانه ولا إلى عدد الركعات التي أركعها وأقف بين يديه سبحانه، ينظر إلى شيء آخر ينظر إلى القلب الذي يتوجه إليه، ينظر إلى الصدقة ليس بمعيارنا نحن في بعض الأحيان مليون دينار أم نصف دينار ولكن ينظر إلى ذلك القلب الذي أخرجها قبل أن تخرج وتمتد اليد بالصدقة، ينظر إلى القلب الذي قام حين يقوم وهو يصلي بين يدي ربه، ينظر إلى تلك الدمعة التي تخرج من خشيته وتنسكب من خشيته في جنح الظلام وفي جنح الليل ليغفر بها لصاحب الإخلاص.
لا يمكن أن يُتقبل العمل بدون الإخلاص
(لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)
إخلاص العمل. ثم أن يكون هذا العمل وفق ما جاء في هذا الوحي العظيم ولذا قال (أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا)
إن إمتلكت وتمنن الخالق المنان عليك بالإخلاص لا بد أن تراقب العمل لكي يكون وفق ما جاء في هذا الكتاب العظيم فلا يعوج بك يميناً ولا شمالاً، يا لها من سورة عظيمة!.
ثم تأتي الآية
(وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا)
لتسلي قلوب المؤمنين ليس فقط النبي صلى الله عليه وسلم. كل مؤمن سيُبتلى ويُفتن في دينه أو في أي فتنة ستتعرض لها سورة الكهف لأنها جمعت الفتن.
حين يصيبنا ما يصيب كما يحدث في أيامنا الحالية في الواقع الذي نعيش حين تزداد الخطوب والفتن ويبدأ الإنسان يشعر بالأسى والألم والأسف على ما يحدث من حوله تأتي الآية فتسلي القلب وتمسح عن هذا القلب الآلام والأحزان بقول الله
(وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا).
الدنيا بكل ما فيها، مبانيها وما فيها وأشخاصها وأعيانها وحوادثها ولامها وأفراحها وأحزانها وأتراحها وصعودها ونزولها (صَعِيدًا جُرُزًا) كأنه لم يكن.
فلا عليك، لا تنشغل بالخطوب عن ما أنت عليه لا تشغلك الخطوب والفتن والمحن والمآسي والآلام والأحزان عن إعداد العدة لذلك اليوم العظيم الذي سيأتي لا محالة.
عن إعداد العدة لأجل إحسان العمل حين تقدم عمل قدّمه خالصاً لوجه ربك قدّم أحسن العمل بين يدي الله أما الدنيا وأما الفتن فلا تأخذ منك الوقت الكثير، دع عنك ذلك.
,,,,,,,,,,,,
فتنة الدين
(قصة أهل الكهف)
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا)
قد وردت في بعض الأحاديث وفي بعض التفاسير أن النبي صلّ الله عليه وسلم سأله قومه بعد أن أرسلوا إلى يهود يريدون مساعدة اليهود في كيفية إحراج النبي في بعض الأسئلة التي لم يكن قطعاً يعرف عنها أي شيء ومن هذه الأسئلة قصة الفتية، القصة كما وردت في بعض التفاسير بأنواع مختلفة من التفاصيل التي لم يذكرها القرآن الكريم وطالما أن القرآن لم يذكرها نتوقف عندها وأذهب إلى أبعاد القصة وما تريد أن تغرسه في نفسي وفي قلبي. من هم الفتية؟ كيف خرجوا؟ في أي زمان؟ كم كان عددهم؟
القرآن لم يحفل بذلك كله القرآن يريدني فقط أن أقف على معاني القصة،
ما هي هذه القصة؟
قصة فتية شباب تعرضوا لأصعب محنة يمكن أن يتعرض لها إنسان
محنة الدين الفتنة في الدين.
هذه الفتنة في الدين التي تعرضوا لها المجموعة من الشباب أنهم كما قالت الآيات بدأوا بمواجهة الفتنة، فتنة الدين المجتمع الذي كانوا يعيشون فيه، السلطان الذي كان يسيطر على ذلك المجتمع، القوة كانت تريد أن تثني هؤلاء الفتية والشباب عن التمسك بدينهم.
ودعونا نربط الآن بين ما تعرّض له الفتية وما تعرّض له النبي صلّ الله عليه وسلم وأصحابه في ذلك الوقت.
أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام واجهوا مكة، قريش بعتادها بقوتها بالمجتمع الذي كانوا يعيشون فيه بكل شيء، والفتية هؤلاء الشباب تعرضوا لمحنة مختلفة في تلك الأثناء بنفس المسار مسار الدين، التوحيد، من قوم آخرين ربما كانوا مع يهود ربما كانوا في ذلك الزمان المهم الدعوة واحدة.
ودعونا نتوقف ونحن نصل ما بين تلك المحنة وتلك الفتنة في كل زمان ومكان قد يتعرض الإنسان شاباً كان أو في أي مرحلة عمرية لفتنة الدين، فتنة المجتمع، أحياناً فتنة الأسرة. أنا إبتغيت وجه الله عز وجل أنا قررت أن أغيّر مساري، أنا قررت فقلت
(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)
وقومي أو مجتمعي وأسرتي أو العالم من حولي أراد أن يسلك طريقاً آخر وأنا قررت أن أسلك طريق التوحيد، فتنة أم ليست بفتنة؟
فتنة، فتنة كبيرة، إبتلاء كبير.
لأني معنى ذلك حين أقرر وأتخذ قرار تغيير المسار الذي أنا فيه سأواجه تحديات كما واجه التحديات هؤلاء الفتية، كما واجهها النبي صلّ الله عليه وسلم وأصحابه. لم يتركه قومه قطعاً، القوم من قريش قرروا مواجهة ذلك الدين بكل الوسائل والأساليب. وهنا تأتي معنى التسلية للنبي صلّ الله عليه وسلم ولأصحابه ولكل مؤمن يؤمن بالحق ويدافع عن الحق ويقرر أن يغيّر حياته.
كثير منا خاصة في الزمن الذي نعيش فيه ليس بالضرورة القضية تكون توحيد وشرك وكفر، لا، أنا ممكن كما في زماننا الذي ابتلينا فيه ممكن أكون فقط قررت أن أعيش التوحيد لأننا اليوم كثير من المسلمين وكثير من العوائل، كثير من الأسر يوحّدون الله عز وجل باللسان يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله ولكن كل جزئيات وتفاصيل حياتي أبعد ما تكون عن لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وهنا يواجه الإنسان المحنة الحقيقية قررت أن أغيّر مساري عن أسرتي عن المجتمع عن المؤسسة التي أعيش فيها، ماذا أفعل؟
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
من أعظم وسائل مواجهة الفتن،
الدعاء
سورة الكهف عرضت الوسيلة الرابعة تقريباً التالية من وسائل مواجهة الفتن والصعوبات، كيف؟
(فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)
الدعاء.
الدعاء المتواصل لله سبحانه وتعالى، طلب المعونة المستمرة منه، طلب الهداية (رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) بدون دعاء، بدون الإلتجاء المتواصل، هذه الوسيلة العظيمة لمواجهة الفتن، الدعاء المتواصل لله سبحانه وتعالى بأن يرحمني برحمته الواسعة، أن يقيني من الفتن.
وتأملوا معي إختيار الكلمة (رَشَداً) الرَشَد الذي يهدي الإنسان، الرَشَد الذي يقدّم للإنسان لهداية حين تختلط الأوراق أمام عينيه حين لا يدري أي سبيل أو أي طريق يمكن أن يسلكه هيئ لنا من أمرنا رشداً، الإختيار الصائب، الإختيار الصح حين تختلط الأوراق من الذي يهيئ الرشد؟
فكان التوجه إلى الله من أعظم وسائل مواجهة الفتن، الدعاء.
ثم تأتي الإجابة الفتية هؤلاء المجموعة من الشباب الذين كما يبدو في سورة الكهف تعرضوا لمحنة أن قومهم قد حادوا عن التوحيد، ربي عز وجل سبحانه وتعالى أعطاهم العلاج، أعطاهم الهداية.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
من طلب الهداية من الله هداه ومن آوى إلى الله آواه
تأملوا قول الله عز وجل
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ)
في إشارة واضحة للنبي صلّ الله عليه وسلم ولأتباع هذا الكتاب العظيم:
لا تذهب بعيداً وتخوض في الإسرائيليات
وفي القصص المختلفة المنسوجة حول أصحاب الكهف من يهود ومن غيرهم
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ)
الحق في هذا الكتاب العظيم. ما قصتهم؟
بعيداً عن كل الخزعبلات التي يمكن أن تحاك حولهم
(فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) في كلمتين (آمنوا بربهم)
حين يصبح الإيمان القرار الذي أتخذه كيف تكون النتيجة؟
حين يصبح الإيمان والتوحيد الخالص هو القرار الذي أقرره أنظر إلى النتيجة في نفس الآية
(وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)
إنتهت المسألة.
طلبت الهداية من الله سيهديك، من طلب الهداية من الله هداه ومن آوى إلى الله آواه ومن إعتصم به عصمه ووقاه ومن توكّل عليه كفاه ومن أراد العزة والهداية في غير طريق الله ربي سبحانه وتعالى أضلّه وعماه، تأملوا معي.
ثم الجزاء الذي بعد ذلك
(وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ)
يتبع