من روائع القرآن الكريم
- (وبطل ما كانوا..) - (وباطل ما كانوا..) -
د. صالح بن عبد الله التركي
(فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) الأعراف)
(إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) الأعراف)
يقول الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) الأعراف) في حين أن الله عز وجلّ يقول فيها أيضًا (إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) الأعراف) والآية الأولى في شأن قصة موسى مع السحرة والآية الثانية في شأن بني إسرائيل لما عبروا البحر وعكفوا على أصنام لهم فقال الله تبارك وتعالى في الآية الأولى بصيغة الفعل (وبطل) وقال في الآية الثانية بصيغة الاسم (وباطل) فما السر البياني في اختلاف هاتين الصيغتين في هذه الآيات.
قاعدة لغوية: التعبير بالفعل يدل على التجدد والحدوث والانقطاع وأن التعبير بالاسم يدل على الثبوت والدوام والاستقرار. فلما كانت الحالة انتهت وتلاشت واضمحلت وهي هزيمة السحرة من موسى عليه السلام عبّر القرآن الكريم بصيغة الفعل الذي يدل على الانقطاع وعلى التجدد وقال تعالى (وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ولما كانت الحالة دائمة مستمرة ثابتة وهي حال القوم الذين يعكفون على أصنام لهم عبّر القرآن الكريم بصيغة الاسم وقال (وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) إذ أن هؤلاء القوم معتكفون مقيمون على عبادة الأصنام كما قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الواحدي. فلما كانت الحالة ثابتة عبّر القرآن الكريم بصيغة الاسم وقال (وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ولما كانت الحالة منقطعة غير ثابتة عبّر القرآن الكريم بصيغة الفعل وقال (وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وذلك في هزيمة السحرة. وبهذا تتجلى هذه الألفاظ وهذا المعاني الربانية
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
من روائع القرآن الكريم
- (لا يعقلون شيئا) - (لا يعلمون شيئا) -
د. صالح بن عبد الله التركي
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) البقرة)
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104) المائدة)
يقول الله تبارك وتعالى في سورة البقرة (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) على حين أن الله عز وجلّ يقول في سورة المائدة (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) كلتا هاتين الآيتين في شأن الكفار، ذمّ الله عز وجلّ الكفار في الآية الأولى بعدم العقل وذمّهم في الثانية بعدم العلم. فما السر البياني في اختلاف هذا الذم بين هاتين الآيتين؟
بالتدبر والنظر في سياق الآيتين نجد أن الله تبارك وتعالى دعا الكفار في الآية الأولى إلى اتباع ما أنزل (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) ففضلوا ما ألفوا عليه آباءهم واتبعوا ضلال آبائهم بما أنزل الله عز وجلّ من النور والهدى والبينات فذمّهم الله عز وجلّ بعدم العقل.
أمر آخر أن الله عز وجلّ يقول في سياق الآية (قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) وألفى في القرآن واللغة لا تأتي إلا في سياق الذم فذمّهم الله عز وجلّ بعدم العقل.
وثمة أمر ثالث أن الله عز وجلّ شبه أولئك الكفار بقطيع الأغنام التي لا تفقه ما يقول راعيها كما قال الله تبارك وتعالى (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً) [البقرة: 171) فشبههم الله عز وجلّ بقطيع الأغنام ويكفي من هذا عدم عقل منهم فقال الله عز وجلّ في ذلك (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) فذمهم الله عز وجلّ بعدم العقل في سياق هذه الآيات.
أما في آية المائدة فإن الله عز وجلّ دعا الكفار إلى ما أنزل الله والرسول (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) فقولهم (حسبنا) يعني يكفينا فاكتفوا بما عند آبائهم من العلم فبيّن الله عز وجلّ أنه ليس عند آبائهم شيء من العلم وذمّهم الله عز وجلّ بعدم العلم أصلًا وقال (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) فلما اكتفوا بما عند آبائهم من العلم بيّن الله عز وجلّ أنه ليس عندهم أصلًا شيء من العلم وقال الله عز وجلّ في ذلك (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) فذمّ الله عز وجلّ الكفار في هاتين الآيتين بعدم العقل وعدم العلم ولا ريب أن الذم بعدم العقل أشد قبحًا من الذمّ بعدم العلم لأن الذي لا يعقل لن يعلم ولن يفهم شيئا وهذا جمع للآيتين الكريمتين والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده.
اسلاميات