المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
يسعى نحو المعالي |
البيانات |
التسجيل: |
28 - 1 - 2020 |
العضوية: |
29239 |
المشاركات: |
5,020 |
بمعدل : |
3.25 يوميا |
معدل التقييم: |
0 |
نقاط التقييم: |
10 |
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
كاتب الموضوع :
امانى يسرى محمد
المنتدى :
الأسرة والطفل
رد: ستون قاعدة ربانية في الحياة الزوجية … د . ناصر بن سليمان العمر
القاعدةُ الثالثة والعشرون: كلٌّ مُيَسَّرٌ لمِاَ خُلِقَ لَهُ
قال الله تعالى: {وَلَیۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ} [آل عمران:36].
هذا الكلامُ هوَ كلامُ اللهِ تعالى في سورةِ آلِ عمران، وسواءٌ قلنا إنَّه مِنْ كلامِ امرأةِ عمرانَ وأقرَّهُ اللهُ، أوْ قلْنا هوَ مِنْ كلامِ اللهِ تعالى، فالحُكْمُ واحدٌ {وَلَیۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ}.
كثيرٌ مِنَ الأزواجِ يَفْهمُونَ الآيةَ الكريمةَ خطأً، ويَحْسبونَ أنَّها لهم فقطْ، لكنَّها في الحقيقةِ لهم وعليْهم؛ {وَلَیۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ} كونًا وشرعًا، خِلقةً وطبيعةً، حقوقًا وواجباتٍ، فلكلِّ واحدٍ منهما خصائصُه، فكونُ الرجلِ الذكرِ ليسَ كالمرأةِ الأنثى، لا يعنِي إعطاءَ كلِّ الحقوقِ للرجلِ وعدمَ إعطاءِ المرأةِ أيَّ شيءٍ، فالشرعُ جاءَ بالعدلِ.
إنَّ مَا يُعنينا هنا -في بابِ استقرارِ الحياةِ الزوجيةِ- أنْ يُدرِكَ كلُّ واحدٍ مِنَ الزوجينِ خصائصَه وخصائصَ شريكِ حياتِه، ويَتعاملَ معَ هذهِ الخصائصِ بما يُناسبُها؛ فهناكَ مَيزاتٌ للزوجِ بوصفِهِ رجلًا ليستْ عندَ المرأةِ، وهُناكَ مَيزاتٌ للزوجةِ بوصفِها امرأةً ليستْ عندَ الرجلِ. {وَلَیۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ} فلابد أنْ نَعرِفَ خَصائصَ المرأةِ وخَصائصَ الرجلِ، وأنْ نَتعاملَ مَعَ كلِّ واحدٍ بخصائصِه ونُعطيَه حقوقَه ونُطالبَه بواجباتِه، فهذهِ الآيةُ فيها إثباتٌ للحقوقِ والواجباتِ ومنع من التعدي على الخصائصِ.
فالرجلُ مثلًا عندَه مِنَ القوةِ مَا يَجعلُه قادرًا علَى أنْ يكدحَ ويعملَ الساعاتِ الطوالَ، أمَّا المرأةُ فلَا؛ لذا تأتي المرأةُ العاملةُ إلى البيتِ مُرْهَقةً مُتعَبةً، بينما يأتي الرجلُ الذي يقومُ بنفسِ العملِ وهو نشيطٌ، بلْ ربّما يَستطيعُ أنْ يُواصِلَ ساعاتٍ وساعاتٍ، فالبنية الجسمية والنفسية تساعده على ذلك، {وَلَیۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ}. وأيضًا فإنّ مِنْ خصائصِ المرأةِ أنَّ لها حالاتِ ضعفٍ خاصةً بها، كالطَمْثِ والنِّفاسِ، فهذا مما ينبغي مراعاتُه.
وعندما يطلبُ الرجلُ مِنْ زوجِهِ شيئًا ليسَ مِنْ خصائصِها، فمِنْ حقِّها أنْ تقولَ: هَذا فَوْقَ طاقتي وليسَ مِنَ أعمالي، فما خُلقتُ لهذا {وَلَیۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ}.
وكذلكَ الرجلُ، قد تُطلبُ منْهُ بعضُ الأعمالِ وهيَ ليستْ مِنَ شاكلته ولا تُناسِبُ خَصائصَه، فمِنْ حَقِّه أنْ يَقوْلَ: هذا ليسَ منْ عَملي، ولا يُناسِبُ خصائصِي، وَهوَ مِنْ عَملِ المرأةِ ويُناسبُها.
فالآيةُ إذن تُثْبِتُ حقوقًا وخصائصَ للرجلِ وحقوقًا وخصائصَ للمرأةِ، وعلَى كلًّ منهما أنْ يستخدمَ خصائصَه فيما خُلقتْ له، ولا يُطالِبَ الآخرَ بِما يُخالِفُ خصائصَه، فكلٌّ مُيسرٌ لمِا خُلِقَ لهُ.
فإذا فهمنا الآيةَ بهذا الفهمِ، وعَمِلْنا بهذهِ القاعدةِ، تحققتِ السعادةُ والهناءُ -بإذنِ اللهِ- ونكونُ قدْ استخدمنا الحكمةَ في موضعِها الصَّحيحِ.
ومِنَ المهمِّ هنا التنبيهُ إلى الفَرقِ بين العدلِ بينَ الرجلِ والمرأةِ وبينَ المساواةِ بينهما؛ فالغربيونَ -وَمَنْ تابعَهم- يدَّعونَ المساواةَ، ويُريدونَ تسويةَ المرأةِ بالرجلِ، وهمْ -واللهِ- كاذبونَ في دَعواهُمْ، ثُمَّ إنَّهم فوقَ بطلانِ دَعْواهُم لمْ يُسَوُّوا المرأةَ بالرجلِ، بلْ عندَهُم فرقٌ عظيمٌ وتفضيلٌ للرجلِ ظلمًا وعدوانًا، حتَّى في الرواتبِ والمناصبِ، هذا فضلًا عَنْ إهانةِ المرأةِ بما يَدّعونَه مِنْ إعطائِها حريتَها، وحقيقتُه حريةُ الشَّهَوَاتِ حتَّى تُصبِحَ المرأةُ رخيصةً مبتذلةً أو سلعةً يتبادلُها الرجالُ. أما الإسلام فقائم على العدل، الذي يراعي الخصائص والمزايا وما يناسبها من الحقوق والتكاليف، {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]، فالإسلام جاء بالعدل التام، ولا يلزم من العدل المساواة، ومن أدلة ذلك المواريث فقد قسمها الله تعالى بعدله، وهناك اختلاف بين الورثة، حسب قربهم وما كُلِّف به ذكرهم وأنثاهم.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
القاعدة الرابعة والعشرون: الرضَا بقدرِ اللهِ مفتاحُ الخيرٍ
قال الله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء].
هذهِ الآيةُ الكريمةُ قريبة من الآيةِ السابقةِ {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}، وقدْ قالَ تعالى فيها: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}، ولمْ يقلْ: (ما فضَّلَ اللهُ بهِ الرجالَ -أو بعضَ الرجالِ- على النساءِ)، فهناكَ أمورٌ عندَ المرأةِ ليستْ عندَ الرجلِ، وهيَ مِنْ خصائصِها التي فضَّلَها اللهُ بها، وقدْ يَتَمناها بعضُ الرجالِ، وهناكَ أمورٌ عندَ الرجلِ ليستْ عندَ المرأةِ، وهيَ مِنْ خَصائصِه التي فضَّلَه اللهُ تعالى بها، وقدْ تَتَمناها بعضُ النساءِ. فكلٌّ منهما فضَّله اللهُ بجوانبَ ليستْ عندَ الآخَرِ، والفهمُ الصحيحُ لمثلِ هذهِ الآياتِ أنْ يَرضَى كلٌّ منهما -رجلًا كانَ أو امرأةً- بما أعطاهُ اللهُ، ولا يتَمنَّى ما أعطاه للآخَرِ؛ لأنَّه يكونُ اعتراضًا على أمرِ اللهِ وعلَى خَلقِ اللهِ، واللهُ تعالى يقولُ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36].
إنَّ الإخلالَ بهذهِ القاعدةِ -لا سيما فيما يتعلَّقُ بالآيةِ الكريمةِ- يقعُ عندَ النساءِ أكثرُ مما يقعُ عندَ الرجالِ، فكثيرٌ مِنَ النساءِ تتمنَّى مَا فضَّلَ اللهُ به الرجالَ عليها، وتنسَى ما أعطاها اللهُ، وقدْ تقولُ إحداهُنَّ -هداها اللهُ- ليتني كنتُ رجلًا لفَعلتُ كذا وكذا، ليتَ الطلاقَ بيدي، أوْ ليتَ القِوامةَ بيدي، وهكذا، فهذا لا ينبغِي ؛ لأنّه تعدٍّ علَى حدودِ اللهِ، وتمني ما فضَّل اللهُ به الرجلَ علَى المرأةِ، فيجبُ أنْ تُدرِكَ المرأةُ أنَّ هذا شرعُ اللهِ تعالى وأنَّ ما تتمناه مخالف لأمر الله تعالى.
وفي المقابلِ فإنَّ محاولةَ استغلالِ آياتِ التفضيلِ للانتقاصِ مِنَ المرأةِ، أوْ تنزيلَ حديثِ (ناقصاتُ عقلٍ ودينٍ) في غيرِ موضعِه خللٌ آخر، فإنًّ مَا جعلَه اللهُ تعالى نقصًا في المرأةِ، فيه خيرٌ لها مِنْ وجهٍ آخرَ، لكنَّ كثيرًا مِنَ الرجالِ لا يُدرِكُونَ ذلكَ، ولوْ فَهِموا هذا الحديثَ علَى وجهِهِ الصحيحِ لعَرَفوا أنَّ فيه مِنَ الخيرِ للمرأةِ الشيءَ العظيمَ.
إنَّ التفاضلَ بينَ الرجلِ والمرأةِ له حِكَمٌ بالغةٌ، مِنْ أعظمِها أنْ يُكمِّلَ كلٌ منهما الآخرَ لتقومَ الحياةُ وتَستمرَ على ظهرِ الأرضِ، وأمَّا في الآخرةِ فإنَّ التمايزَ والتفاضلَ يكونُ بالإيمانِ والعملِ الصالحِ، وأصل التكليف واحد، بمعنى أن كلًا من الجنسين مكلف بحسب خصائصه، وسيجازيه الله بحسب ما أعطاه وأقدره عليه، ولذلكَ قالَ اللهُ سبحانه وتعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195]، وقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء:124].
وممَّا ينبغي أن يُعلمَ أنَّ التفضيلَ ليسَ بينَ الرجالِ والنساءِ فحسبْ، بلْ إنَّ اللهَ تعالى فَضَّل بعضَ الرجالِ على بعضٍ، وفَضَّل بعضَ النساءِ على بعضٍ، {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}، لا ينبغي قَصْرُه على تفضيلِ الرجلِ على المرأةِ، ولا المرأةِ على الرجلِ، فالرجالُ يتفاضلونَ فيما بينَهم، والنساءُ يتفاضلْنَ فيما بينهُن، هذا واقعٌ مُشاهَدٌ، وإن كان السياق في صدد: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء:32]. ولا ينفي ذلك وجود التفاضل بين الجنس الواحد من الرجال والنساء، فأبو بكرٍ الصديقُ رضي الله عنه أفضلُ هذه الأمةِ بعدَ نبيِّها صلى الله عليه وسلم، وعمرُ رضي الله عنه أفضلُ هذهِ الأمةِ بعدَ أبي بكرٍ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: (كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ) ، أيْ هناكَ رجالٌ لمْ يَكملوا، واللهُ سبحانه وتعالى بيَّنَ أنه فضَّلَ بعضَ النبيينَ على بعضٍ {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253]، ولكنْ لا ينبغي أنْ نقولَ: فلانٌ مِنَ الأنبياءِ أفضلُ مِنْ فلانٍ، علَى وجهِ الغضِّ مِنْ حقَّه، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ ابْنِ مَتَّى) ، وفي الحديث الآخر، قال صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ) ، فكلُّهم أنبياءُ اللهِ تعالى وكلُّهم لهم مكانتُهم. فَفَرْقٌ بينَ التفضيلِ المقرِّرِ لحقيقةٍ واقعةٍ، وبينَ التفضيلِ الخاصِّ الذي قدْ يُفْهَمُ منهُ الانتقاصُ.
وكما يتفاضلُ الرجالُ تتفاضلُ النساءُ، فلسنَ سواءً، قال عليه الصلاة والسلام: (وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ: إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ) ، وأمهاتُ المؤمنينَ، وَهُنَّ زوجاتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعضُهنَّ أفضلُ مِنْ بعضٍ.
فما دَامَ هذا التفضيلُ مِنَ اللهِ؛ سواءٌ خِلقةً أوْ سببًا أوْ كَرمًا، وليسَ تقصيرًا مِنَ الإنسانِ، فعليهِ أنْ يرضَى بما قدَّره اللهُ لَه، ولا يتمنَّى مَا قدَّرهُ لغيرِهِ ولمْ يُقَدِّرْهُ لَهُ {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}.
ولأجل أن تستقيم حياتُنا فلابد من معرفة هذا التفاضل، ولابد من إجرائه مجراه الصحيح بحيث يقوم كل بواجبه وما يناسبه، ولا يطلب ما لا يلائمه، فإذا عَرَفَتِ الزوجةُ أنَّ اللهَ قدْ فضَّلَ الزوجَ في أشياءَ، وعَرفَ الزوجُ أنَّ اللهَ فضَّلَ الزوجةَ في أشياءَ، وَتَعَامَلَ كلٌّ منهما معَ صاحبِه في ضَوءِ {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}، استقامتِ الحياةُ الزوجيةُ، وبدونِها لا تستقرُ ولا يَحْدُثُ الأنْسُ ولا التكاملُ ولا الاستقرارُ.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
القاعدة الخامسة والعشرون: الإنفاقُ في حدودِ الاستطاعةِ
قال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق:7].
هذهِ القاعدةُ لو سُلَّم لها فإنها تعالج كثيرًا مِنَ المشكلاتِ الأُسْريَّةِ، وتُزيلُ كثيرًا مِنْ أسبابِ عدمِ الاستقرارِ في البيوتِ، إذْ إنَّ مِنْ أكثرِ أسبابِ عدمِ الاستقرارِ ووجودِ الشِّجارِ والخِلافِ في البيوتِ هوَ عدمُ العمل بهذهِ القاعدةِ، حيثُ تُطالِبُ الزوجةُ زوجَها بأكثرَ مِنْ طاقتِه وقدرتِهِ، فإنَّه إنْ استجابَ لها وتحمَّلَ مِنَ الديونِ ما تحمَّلَ حتَّى أثقلتْهُ، تحوَّلتْ حياتُه إلَى جحيمٍ بسببِ مُطالباتِ أصحابِ الدَّينِ وكثرةِ تفكيرِهِ في سبيلِ الخلاصِ، فالدَّينُ كما يقولونَ: همٌّ بالليلِ وذلٌّ بالنَّهارِ، ولهذَا تعوَّذَ منهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأرشدَ أمتَه إلَى التعوُّذِ منْهُ. فإنْ وَقَعَ ذلكَ رجَعَ الرجلُ باللَّومِ علَى زوجتِه وعَدَّها سببَ ما هوَ فيهِ مِنْ بلاءٍ، لمطالبتِها بأمورٍ لا يَقدِرُ عليها، فيَحدُثُ الخِصامُ والشِّقاقُ ثُمَّ قدْ يقعُ الفِراقُ كمَا نرَى ونسمعُ كثيرًا. وفي المقابلِ إنْ رَفضَ الزوجُ طلباتِها تبرَّمتْ مِنَ الحياةِ التي تَعِيشُها، وجَعَلتْ هذا الرفضَ سببًا للشِّقاقِ والخلافِ والشجارِ.
أمَّا الآيةُ الكريمةُ، فإنَّها ترْسُمُ السبيلَ القويمَ للإنفاقِ، وتضعُه في نصابه الصحيح، فعمومها تَدخُل فيه نفقتُه علَى البيتِ والزوجةِ والأولادِ.
إنَّ مِنْ أسبابِ مُطالبةِ المرأةِ زوجَها فوقَ طاقتِه، مراعاتها أحوال قرابات أو جارات! تُريدُ مِنْ زوجِها أنْ يُنفِقَ كما يُنفقُ الأغنياءُ، وأحيانًا قدْ تكونُ قدرةُ الزوجِ محدودةً {قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} وأزواجُ أخواتِها أو جاراتها مِنَ الأغنياءِ الأثرياءِ، فتضغَطُ علَى زوجِها تُريدُ مثلَ أَخَواتِها، فإنْ كانَ لأختِها بيتٌ أو قصرٌ وهيَ وزوجُها يَسْكُنَانِ شقةً بالإيجارِ، فإنَّها تضغطُ عليه تُريد مثلَ مَا لأختِها، أوْ إن كانَ لدَى أختِها سيارةٌ وسائقٌ وخادمٌ، طالبتْ زوجَها بمثلِ ذلكَ، بينما قدْ تكونُ سيارتُه بالتقسيطِ! فالمطالبات والحال كهذه خَلَلٌ كبيرٌ، عاقبته وخيمة! تأثم بها، وربما تؤثمه! بل ربما تدخله السجن! والذي لها هو أن تُطالبَه بما يَقدِرُ عليه مِنَ النفقةِ بالمعروفِ.
إنَّ مسألةَ الإنفاقِ يحْكُمُها العُرفُ، والعُرفُ أن يُنفِقَ كلُّ إنسانٍ بقدْرِ أشباهه في المكانة والاستطاعة، فلا يكلف الفقير ومتوسط الدخل نفقة الأغنياء! ولا يجوز للغني أن يقتر فينفق نفقة الفقراء {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}، فعلَى الزوجِ أنْ يُنفِقَ علَى زوجتِه وأسرتِه بمقدارِ إمكاناتِهِ دونَ إسرافٍ، {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام:141].
أما إذا كانَ الزوجُ يَملِكُ وَيقدِرُ ومِنْ ثَمَّ قتَّر على زوجتِه وأولادِه، فهذا خَللٌ كبيرٌ أيضًا، إذْ كمَا أنَّ على المرأةِ أنْ تُراعِي زوجَها في قدراتِه، فعليهِ هو أيضًا أن ينفقَ مما أنعم الله به عليه دونَ إسرافٍ أو تقتيرٍ {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:67]، وكما أن الإسراف آفة فالتقتير مثلها! وبعضَ الأزواجِ له سعة قد بسط له في الرزق ومعَ ذلكَ يُقتِّرُ على زوجتِهِ وأولاده، وفي هذا البابِ أمثلةٌ يَنْدَى لها الجبينُ:
فهذهِ زوجةٌ تُقْسِمُ أنَّهُ قدْ تمرُّ سنةٌ كاملةٌ دونَ أنْ يُنفِقَ عليها زوجُها، وأخرى تقولُ إنَّها هيَ التي تُنفِقُ علَى البيتِ رغمَ أنَّه قادرٌ مستطيعٌ، بلْ هناكَ رجالٌ أغنياءٌ وزوجاتُهم يطلُبْنَ الصدقاتِ مِنَ النَّاسِ، فتأتي إحدَاهُنَّ إلى جيرانِها وتقولُ: لا تَرمُوا شيئًا، أعْطُونا إياهُ نُصْلِحْه ونَلبَسْه أو نَبِعْه لنُنفقَ على أنفسِنا! بعضُهن تشتغلُ في البيتِ جاهدةً معَ المطاعمِ، تَكِدُّ الليلَ والنَّهارَ، لا لشيءٍ إلا مِنْ أجلِ أنْ تُنفِقَ على نَفسِها وأولادِها؛ لأنَّ زوجَها بخيلٌ شحيحٌ، فنقولُ لكلِّ هؤلاءِ: هذا ظلمٌ لا يَجوزُ، {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}، فكما أنَّ هذهِ الآيةَ تُعطي حقًا للزوجِ، وتُنبِّه الزوجةَ ألا تطلبَ منْهُ أكثرَ مما يَقدِرُ عليه، فكذلكَ هِي تُعطي للزوجةِ والأولادِ حقًا بأنْ يُنفِقَ عليهمْ مما آتاه اللهُ ويوسِّعَ عليهم كما وُسِّعَ عليه {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}، أما إذا قُدِرَ عليه رزقُه {فَلۡیُنفِقۡ مِمَّاۤ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ}.
إنَّ مِنْ أسبابِ استقرارِ الحياةِ الزوجيةِ أنْ يعملَ الزوجانِ بهذه القاعدةِ ويُذكِّرَ كلٌّ منهما صاحبَه بها إنْ ذَهِلَ عنها، فإذا طلبتِ الزوجةُ أكبرَ منْ طاقتِه يُذكِّرُها بقوله تعالى: ﴿وَمَن قُدِرَ عَلَیۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡیُنفِقۡ مِمَّاۤ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ﴾، وإذا كانَ قادرًا وقَتَّرَ في الإنفاقِ تُذكِّرُه بأنَّه لا يَنبغي لهُ ذلكَ {فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ}.
مسألةٌ مهمةٌ:
هلْ للزوجةِ أنْ تأخذَ مِنْ مالِ زوجِها الشحيحِ دونَ إذنِه لتُنفقَ على نفسِها وولدِها؟
قدْ ثبتَ أنَّ هندًا زوجةَ أبي سفيانَ رضي الله عنها شَكَتْ مِنْ شُحِّهِ وأنَّه لا يُنفقُ النفقةَ التامَّةَ، فأذِنَ لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ تأخذَ مِنْ مالِه ما يَكفيها وولدَها بالمعروفِ دونَ علمِهِ وإذنِهِ، وقدِ اختُلِفَ في هذا الإذنِ؛ هلْ هوَ مِنْ بابِ الفُتيا فتعم كل من كانت تلك حالها أو هو من باب القَضاءِ؛ فتفتقر من عداها إلى حكم قاض؟
ومهما يكنْ مِنْ أمرٍ فلا بدَّ مِنَ التنبهِ لأمورٍ:
الأولُ: أنْ يكونَ الأخذُ بالمعروفِ لا أنْ تُطْلِقَ الزوجةُ يدَها وتأخذَ ما تشاءُ مِنْ مالِه.
الثاني: أنَّ هذا يكونُ في حالِ شُحِّ الزوجِ وتَقتيرِه، أمَّا إنْ كانَ يُنفقُ مِنْ سَعته فلا ينبغي ذلكَ، إلا إنْ عَلمتِ الزوجةُ أنَّ زوْجَها يَسمحُ ولا يُمانِعُ، إذ قدْ يَترَتْبُ على أخذِها بدونِ علمِه مَا لا تُحمَدُ عُقْباه، وأنا أعرفُ رجلًا كريمًا علِمَ أنَّ زوجتَه أخذتْ مِنْ مالِه بدونِ إذنِه، فسألَها: هلْ طلبتِ ولم أعطِك؟ قالت: لا ولكنني احتجتُ المالَ، فطلَّقها بسببِ ذلكَ.
الثالث: إذا كانَ أخذُ المرأةِ مِنْ هذا المالِ دونَ أنْ يَشْعرَ الزوجُ، وكانَ علمُه لاحقًا لنْ يُؤثِّرَ على الحياةِ الزوجيةِ فهنا نقولُ خُذي ما يكفيكِ وولدَكِ بالمعروفِ، أمَّا إذَا كانَ سَيترتبُ على أخذِ المالِ مفسدةٌ أعظمُ، مثلُ شِقاقٍ يُحيلُ الحياةَ الزوجيةَ جحيمًا أو طلاقًا، فالعاقلةُ لا تفعلُ ذلكَ بلْ تتحمَّلُ الشُحَّ والجُوعَ على طلاقٍ وفِراقٍ؛ لأنَّه عندَ تزاحمِ المفاسدِ يُراعَى أنَّ المفسدةَ الكبرى تُدفَعُ بالصُّغرى، ولا شكَّ أنَّ المفسدةَ الكبرى هي الخِلافُ والشِّقاقُ والفِراقُ والطلاقُ. ويمكنُ في هذهِ الحالِ أنْ تُوسِّطَ المرأةُ بعضَ قرابتِها أو قرابةِ الزوجِ أو بعضَ مَنْ يأخذُ بقولِهم، فإنْ أعيتَها الحيلُ ولم تعُدْ تَقْدِرُ على تأمينِ حاجاتِها، فيُمكنُها أنْ تلجأَ للقضاءِ لتطلبَ حقَّها مِنَ النفقةِ لها ولأولادِها، وإنْ كنتُ لا أميلُ إلى ذلكَ، فالخلاف شر، ولكن بعض الدواء قد لا يكون منه بد وهو مر! وآخر الدواء الكي.
|