ما تفسير قول الله تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفَاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابَاً وَسُرُرَاً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفَاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾؟
يَقُولُ الإِمَامُ القُرْطُبُيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: ذَكَرَ حَقَارَةَ الدُّنْيَا وَقِلَّةَ خَطَرِهَا، وَأَنَّهَا عِنْدَهُ مِنَ الهَوَانِ، بِحَيْثُ كَانَ يَجْعَلُ بُيُوتَ الكَفَرَةِ وَدَرَجَهَا ذَهَبَاً وَفِضَّةً لَوْلَا غَلَبَةُ حُبِّ الدُّنْيَا على القُلُوبِ، فَيَحْمِلُ ذَلِكَ على الكُفْرِ.قَالَ الحَسَنُ: المَعْنَى: لَوْلَا أَنْ يَكْفُرَ النَّاسُ جَمِيعَاً بِسَبَبِ مَيْلِهِمْ إلى الدُّنْيَا وَتَرْكِهِمُ الآخِرَةَ لَأَعْطَيْنَاهُمْ في الدُّنْيَا مَا وَصَفْنَاهُ، لِهَوَانِ الدُّنْيَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَعَلى هَذَا أَكْثَرُ المُفَسِّرِينَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسدي وَغَيْرُهُم.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾. فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَاخْتِيَارِهَا عَلَى الآخِرَةِ ﴿لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفَاً مِنْ فِضَّةٍ﴾. اهـ.
وبناء على ذلك:
فَمَا يُنْعِمُ بِهِ اللهُ تعالى على الكُفَّارِ مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا لَيْسَتْ مُبَارَكَةً مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، إِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ لَهُمْ، قَالَ تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾. وَلَكِنْ وَمَعَ هَذَا لَوْلَا أَنْ يُفْتَنَ النَّاسُ بِدِينِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِضَعْفِهِمْ وَتَأْثِيرِ عَرَضِ الدُّنْيَا في قُلُوبِهِمْ، لَجَعَلَ لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ بُيُوتَاً سُقُفُهَا مِنْ فِضَّةٍ، وَسَلَالِمُهَا مِنْ ذَهَبٍ، وَبُيُوتَاً ذَاتَ أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ، وَقُصُورَاً فِيهَا سُرُرٌ للاتِّكَاءِ، وَفِيهَا زُخْرُفٌ للزِّينَةِ، وَكُلُّ هَذَا رَمْزٌ لِهَوَانِ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، بِحَيْثُ تُبْذَلُ هَكَذَا رَخِيصَةً لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ ﴿وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾. هذا، والله تعالى أعلم.
<<<<<<<<
يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾. ما تفسير قول الله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾؟
قَدْ شَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يَجْعَلَ آيَاتِ القُرْآنِ العَظِيمِ فِيهَا المُحْكَمُ وَفِيهَا المُتَشَابِهُ، وَلَوْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَجْعَلَهُ مُحْكَمَاً كُلَّهُ لَجَاءَ مُحْكَمَاً.
فَالآيَةُ المُحْكَمَةُ هِيَ المُتَعَلِّقَةُ بِالعَقَائِدِ وَالعِبَادَاتِ وَالأَحْكَامِ الأُخْرَى، يَطْلُبُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ العَمَلَ بِهَا، بَعْدَ الإِيمَانِ بِهَا أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ تعالى.
وَأَمَّا الآيَاتُ المُتَشَابِهَاتُ، مَا طَلَبَ اللهُ تعالى مِنْ عِبَادِهِ إلا الإِيمَانَ بِهَا بِأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ تعالى.
وَالعُلَمَاءُ اخْتَلَفُوا في الوَقْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ﴾. فَبَعْضُهُمْ قَالَ: يَقِفُ عِنْدَهَا؛ وَيُعْتَبَرُ مَا جَاءَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾. كَلَامَاً مُسْتَأْنَفَاً جَدِيدَاً.
وعلى هَذَا يَقُولُونَ بِأَنَّ الذي يَعْلَمُ تَأْوِيلَ المُتَشَابِهِ، أَو حَقِيقَةَ المُتَشَابِهِ إِنَّمَا هُوَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ. ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ لَا يَسَعُهُمْ إلا الإِيمَانَ بِالآيَاتِ المُتَشَابِهَةِ دُونَ مَعْرِفَةِ التَّأْوِيلِ، ثمَّ ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾.
وَهُنَاكَ مِنَ العُلَمَاءِ مَنْ عَطَفَ قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾. على قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ﴾. فَيَكُونُ مَعْنَى الآيَةِ: أَنَّ الرَّاسِخِينَ في العِلْمِ يَعْمَلُونَ بِالمُحْكَمِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ للمُتَشَابِهِ عَلِمُوا تَأْوِيلَهُ، وَكَانَتْ نَتِيجَةُ عِلْمِهِمْ قَوْلُهُمْ: ﴿آمَنَّا بِهِ﴾.
وبناء على ذلك:
فَالرَّاسِخُونَ في العِلْمِ وَصَلُوا إلى نَتِيجَةٍ حَتْمِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالُوا: ﴿آمَنَّا بِهِ﴾. يَعْنِي: بِكُلِّ آيَاتِ الكِتَابِ المُحْكَمَةِ وَالمُتَشَابِهاتِ ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾. فَعَمِلُوا بِالمُحْكَمِ لِأَنَّهُ هُوَ المَطْلُوبُ مِنْهُمْ، وَآمَنُوا بِالمُتَشَابِهِ لِأَنَّهُ هُوَ المَطْلُوبُ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ مَطْلُوبَاً مِنْهُمْ سِوَاهُ، وَللهِ عَزَّ وَجَلَّ في ذَلِكَ حِكْمَةٌ.
فَعَظَمَةُ الإِيمَانِ في تَنْفِيذِ الآيَاتِ المُحْكَمَةِ وَإِنْ لَمْ تَعْرِفِ العِلَّةَ وَالحِكْمَةَ، لِأَنَّ الآمِرَ حَكِيمٌ، وَأَنْ تُؤْمِنَ بِالمُتَشَابِهِ مِنَ القُرْآنِ بِدُونِ خَوْضٍ في تَشْبِيهٍ، أَو تَمْثِيلٍ، أَو تَكْيِيفٍ، أَو تَعْطِيلٍ، وَتُدْرِجَ الآيَاتِ المُتَشَابِهَةِ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾. فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مِنَ الرَّاسِخِينَ في العِلْمِ، وإلا كَانَ في قَلْبِهِ زَيْغٌ ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ. هذا، والله تعالى أعلم.
<<<<<<<<<<
ما تفسير قول الله تعالى: ﴿يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾؟
قَوْلُهُ تعالى: ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ للهِ﴾. هُوَ في سُورَةِ المُؤْمِنُونَ؛ وَمَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾. يَعْنِي: أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتعالى يُغِيثُ الـمُستَغِيثَ بِهِ مِمَّنْ أَرَادَهُ بِشَرٍّ مِنَ المَخْلُوقَاتِ، وَيَمْنَعُهُ مِمَّنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ، وَلَا أَحَدَ مِنَ الخَلْقِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْنَعَ أَحَدَاً مِنَ الخَلْقِ إِذَا أَرَادَهُ اللهُ بِسُوءٍ لَيُنَجِّيَهُ مِنْ بَأْسِ اللهِ وَعِقَابِهِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.
وبناء على ذلك:
فَاللهُ تَبَارَكَ وتعالى يُجِيرُ مَنِ اسْتَجَارَ بِهِ، وَيُغِيثُ مَنِ اسْتَغَاثَهُ، وَلَكِنْ ﴿وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾. لِأَنَّ الذي يُجِيرُكَ مِنَ الخَلْقِ إِنَّمَا يُجِيرُكَ مِنْ مُسَاوٍ لَهُ في القُوَّةِ، فَيَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْنَعَكَ مِنْهُ، وَيَحْمِيَكَ مِنْ بَطْشِهِ، وَلَكِنْ مَنِ الذي يَحْمِي العَبْدَ مِنَ اللهِ تعالى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِهِ أَو يَأْخُذَهُ؟
لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ تعالى في قِصَّةِ ابْنِ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامً: ﴿قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾.
فَاللهُ تعالى يُجِيرُ من كُلِّ شَيْءٍ وَلَا أَحَدَ يُجِيرُ عَلَيْهِ تَبَارَكَ وتعالى؛ وَمَنْ أَصْبَحَ وَأَمْسَى في جِوَارِ رَبِّهِ فَلَا خَوْفَ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا في حِرْزِكَ وَجِوَارِكَ وَأَمَانِكَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. هذا، والله تعالى أعلم.
<<<<<<<<<
في قول الله تعالى: ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلَاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾. ما معنى قوله تعالى: ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلَاً بَيْنَكُمْ﴾؟
قَدْ حَذَّرَ اللهُ تعالى مِنْ نَقْضِ العُهُودِ وَالأَيْمَانِ، فَقَالَ تعالى: ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلَاً بَيْنَكُمْ﴾. يَعْنِي: تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ خَدِيعَةً وَمَكْرَاً تَخْدَعُونَ بِهَا النَّاسَ ﴿أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ﴾. أَيْ: لِأَجْلِ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ أَكْثَرَ عَدَدَاً وَأَوْفَرَ مَالَاً مِنْ غَيْرِهَا.
كَانَ النَّاسُ يُحَالِفُونَ الحُلَفَاءَ، فَيَجِدُونَ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَعَزَّ، فَيَنْقُضُونَ حِلْفَ هَؤُلَاءِ، وَيُحَالِفُونَ أُولَئِكَ.
﴿إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ﴾. أَيْ: يَخْتَبِرُكُمُ اللهُ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ الوَفَاءِ بِالعَهْدِ، لِيَنْظُرَ المُطِيعَ مِنَ العَاصِي ﴿وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾. أَيْ: لِيُجَازِيَ كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ مِنْ خَيْرٍ أَو شَرٍّ.
وبناء على ذلك:
فَقَدْ حَذَّرَ اللهُ تعالى الأُمَّةَ مِنْ نَقْضِ الأَيْمَانِ، وَأَنْ يَجْعَلَهَا النَّاسُ خَدِيعَةً وَمَكْرَاً يُغْرُونَ بِهَا النَّاسَ لِتَحْصِيلِ بَعْضِ المَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ الدَّانِيَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.
<<<<<<<
يقول تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ من هم: ﴿أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾؟
يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقَاً غَلِيظَاً﴾.
فَهُنَاكَ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُمْ هَؤُلَاءِ الذينَ ذُكِرُوا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أُولُو الْعَزْمِ هُمْ كُلُّ الرُّسُلِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾.
وبناء على ذلك:
فَالمَشْهُورُ عِنْدَ العَامَّةِ مِنَ النَّاسِ هُمُ الذينَ ذُكِرُوا في الآيَةِ الكَرِيمَةِ؛ وَبَعْضُ العُلَمَاءِ قَالَ: هُمْ جَمِيعُ الرُّسُلِ، مَا عَدَا سَيِّدَنَا يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِأَنَّ اللهَ تعالى قَالَ: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾. وَقِيلَ: إِنَّ سَيِّدَنَا آدَمَ عَلَيْهِ السلَامُ لَيْسَ مِنْهُمْ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمَاً﴾.
وَالمُهِمُّ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَبَرَ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تعالى، وَلَكِنْ أَيْنَ نَحْنُ مِنَ الصَّبْرِ؟ هذا، والله تعالى أعلم.
<<<<<<
يقول الله تبارك وتعالى: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ﴾. فما معنى: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾؟
قَوْلُهُ تعالى: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ مِنْهُ الرَّافِعَ، أَوْ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ مِنْهُ المُرْتَفِعَ.
فَإِذَا قُلْنَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾: المَقْصُودُ: الرَّافِعُ؛ فَيَكُونُ المَعْنَى أَنَّهُ تَبَارَكَ وتعالى يَرْفَعُ دَرَجَاتِ الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ في الجَنَّةِ، وَيَرْفَعُ دَرَجَاتِ أَصْحَابِ الأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ، وَيَرْفَعُ العُلَمَاءَ على غَيْرِهِمْ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ واللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.
وَيَرْفَعُ دَرَجَاتِ النَّاسِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا في الخَلْقِ وَفي الرِّزْقِ وَالأَجَلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾: المَقْصُودُ: المُرْتَفِعُ؛ فَيَكُونُ المَعْنَى: اللهُ تَبَارَكَ وتعالى أَرْفَعُ المَوْجُودَاتِ في جَمِيعِ صِفَاتِ الكَمَالِ وَالجَلَالِ، فَهُوَ وَاجِبُ الوُجُودِ لِذَاتِهِ، وَمَا سِوَاهُ مُمْكِنُ الوُجُودِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.
المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
موقع الشيخ أحمد شريف النعسان