كم جاء الثواب إليك فوقف بالباب فرده بواب: سوف، ولعل، وعسى. كيف الفلاح بين إيمان ناقص، وأمل زائد، ومرض لا طيب له ولا عائد، وهوى مستيقظ، وعقل راقد، ساهيا في غمرته، عمها في سكرته، سابحا في لجة جهله، مستوحشا من ربه، مستأنسا بخلقه، ذكر الناس فاكهته وقوته، وذكر الله حبسه وموته، الله منه جزء يسير من ظاهره، وقلبه ويقينه لغيره.
من أحدث قبل السلام بطل ما مضى من صلاته، ومن أفطر قبل غروب الشمس ذهب صيامه ضائعا، ومن أساء في آخر عمره لقي ربه بذلك الوجه.
فائدة: المأثم والمغرم جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المأثم والمغرم فإن المأثم يوجب خسارة الآخرة، والمغرم يوجب خسارة الدنيا.
جمع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "فاتقوا الله وأجملوا في الطلب" (رواه ابن ماجه في التجارات.) بين مصالح الدنيا والآخرة، ونعيمها ولذاتها إنما ينال بتقوى الله، وراحة القلب والبدن وترك الاهتمام والحرص الشديد والتعب والعناد والكد والشقاء في طلب الدنيا إنما ينال بالإجمال في الطلب، فمن اتقى الله فاز بلذة الآخرة ونعيمها، ومن أجمل في الطلب استراح من نكد الدنيا وهمومها، فالله المستعان.
صاح بالصحابة واعظُ: {اقترب للناس حسابهم}(سورة الأنبياء، الآية: 24.). فجزعت للخوف قلوبهم فجرت من الحذر العيون {فسالت أودية بقدرها}.
بين العبد وبين الله والجنة قنطرة تقطع بخطوتين: خطوة عن نفسه، وخطوة عن الخلق، فيسقط نفسه ويلغيها فيما بينه وبين الناس، ويسقط الناس ويلغيهم فيما بينه وبين الله، فلا يلتفت إلا إلى من دله على الله وعلى الطريق الموصلة إليه.
ودع ابن عون رجلاً فقال: عليك بتقوى الله، فإن المتقي ليست عليه وحشة. وقال زيد بن أسلم كان يقال: من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا. وقال الثوري لابن أبى ذئب: إن اتقيت الله كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئا
اللذة تابعة للمحبة، تقوى بقوتها وتضعف بضعفها، فكلما كانت الرغبة في المحبوب والشوق إليه أقوى كانت اللذة بالوصول إليه أتم، والمحبة والشوق تابع لمعرفته والعلم به، فكلما كان العلم به أتم كانت محبته أكمل، فإذا رجع كمال النعيم في الآخرة وكمال اللذة إلى العلم والحب، فمن كان بالله وأسمائه وصفاته ودينه أعرف كان له أحب وكانت لذته بالوصول إليه ومجاورته والنظر إلى وجهه وسماع كلامه أتم.
لا تسأم من الوقوف على الباب ولو طردت، ولا تقطع الاعتذار ولو رددت، فإن فتح الباب للمقبولين دونك فاهجم هجوم الكذابين وادخل دخول الطفيلية وابسط كف: {وتصدق علينا}(الآية: 88 من سورة يوسف.).
أوثق غضبك بسلسة الحلم فإنه كلب إن أفلت أتلف.
غرس الخلوة يثمر الأنس.
إنما تفاوت القوم بالهمم لا بالصور
لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم وظلمة في قلوبهم وكدر في أفهامهم ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى ربي فيها الصغير، وهرم عليها الكبير، فلم يروها منكراً، فجائتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن، والنفس مقام العقل، والهوى مقام الرشد، والضلال مقام الهدى، والمنكر مقام المعروف، والجهل مقام العلم، والرياء مقام الإخلاص، والباطل مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة، والظلم مقام العدل، فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور، وأهلها هم المشار إليهم، وكانت قبل ذلك لأضدادها، وكان أهلها هم المشار إليهم
كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه وولد لا يعذره وجار لا يأمنه وصاحب لا ينصحه وشريك لا ينصفه وعدو لا ينام عن معاداته ونفس أمارة بالسوء ودنيا متزينة وهوى مرد وشهوة غالبة له وغضب قاهر وشيطان مزين وضعف مستول عليه، فإن تولاه الله وجذبه إليه انقهرت له هذه كلها، وإن تخلى عنه ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة.
شهوات الدنيا كلعب الخيال، ونظر الجاهل مقصور على الظاهر، فأما ذو العقل فيرى ما وراء الستر. لاح لهم المشتهَى فلما مدوا أيدي التناول بان لأبصار البصائر خيط الفخ فطاروا بأجنحة الحذر وصوبوا إلى الرحيل
لما رأى المتيقظون سطوة الدنيا بأهلها وخداع الأمل لأربابه، وتملك الشيطان وقيادة النفوس رأوا الدولة للنفس الأمارة لجئوا إلى حصن التضرع والالتجاء كما يأوي العبد المذعور إلى حرم سيده.
قال يحيى بن معاذ من جمع الله عليه قلبه في الدعاء لم يرده. قلت: إذا اجتمع عليه قلبه وصدقت ضرورته وفاقته وقوي رجاؤه فلا يكاد يرد دعاؤه.
من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته، وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه بنعيم الإقبال عليه والإنابة إليه. وأعجب من هذا علمك أنك لا بد لك منه وأنك أحوج شيء إليه وأنت عنه معرض، وفيما يبعدك عنه راغب.
لما عرف الموفقون قدر الحياة الدنيا وقلة الحياة الدنيا وقلة المقام فيها أماتوا فيها الهوى طلباً لحياة الأبد لما استيقظوا من نوم الغفلة استرجعوا بالجد ما انتهبه العدو منهم في زمن البطالة فلما طالت عليهم الطريق تلمحوا المقصد فقرب عليهم البعيد، وكلما أمرت لهم الحياة حلا لهم تذكر: {هذا يومكم الذي كنتم توعدون}(الآية: 103 من سورة الأنبياء.).
طائر الطبع يرى الحبة وعين العقل ترى الشرك، غير أن عين الهوى عمياء
القواطع محن يتبين بها الصادق من الكاذب فإذا خضتها انقلبت أعواناً لك توصلك إلى المقصود.
من فقد أنسه بين الناس ووجده في الوحدة فهو صادق ضعيف. ومن وجده بين الناس وفقده في الخلوة فهو معلول. ومن فقده بين الناس وفي الخلوة فهو ميت مطرود، ومن وجده في الخلوة وفي الناس فهو المحب الصادق القوي في حاله، ومن كان فتحه في الخلوة لم يكن مزيده إلا منها، ومن كان فتحه بين الناس ونصحهم وإرشادهم كان مزيده معهم، ومن كان فتحه في وقوفه مع مراد الله حيث أقامه في أي شيء استعمله كان مزيده في خلوته ومع الناس، فأشرف الأحوال ألا تختار لنفسك حالة سوى ما يختاره لك ويقيمك فيه فكن مع مراده منك ولا تكن مع مرادك منه.
قيل لبعض العباد: إلى كم تتعب نفسك فقال: راحتها أريد.
يا بائعاً نفسه بهوى مَنْ حُبُّه ضنى ووصله أذى، وحسنه إلى فنا، لقد بعت أنفس الأشياء بثمن بخس كأنك لم تعرف قدر السلعة ولا خسة الثمن حتى إذا قدمت يوم التغابن لك الغبن في عقد التبايع. لا إله إلا الله، سلعة: الله مشتريها وثمنها الجنة والدلال الرسول، ترضى ببيعها بجزء يسير مما لا يساوي كله جناح بعوضة.
كم قطع زرع قبل التمام فما ظن الزرع المستحصد. اشتر نفسك فالسوق قائمة والثمن موجود. لا بد من سنة الغفلة ورقاد الهوى ولكن كن خفيف النوم فحراس البلد يصيحون: دنا الصباح.
إذا عرضت نظرة لا تحل فاعلم أنها مسعر حرب فاستتر منها بحجاب {قل للمؤمنين}(الآية: 30 من سورة النور.) فقد سلمت من الأثر { وكفى الله المؤمنين القتال}.(الآية: 25 من سورة الأحزاب.)
الذنوب جراحات، ورب جرح وقع في مقتل. لو خرج عقلك من سلطان هواك عادت الدولة له. دخلت دار الهوى فقامرت بعمرك.
بحر الهوى إذا مد أغرق، وأخوف المنافذ على السابح فتح البصر في الماء.
إياك والمعاصي فإنها أذلت عِزَّ { اسجدوا} وأخرجت إقطاع :{ اسكن}. يا لها لحظة أثمرت حرارة القلق ألف سنة ما زال يكتب بدم الندم سطور الحزن في القصص ويرسلها مع أنفاس الأسف حتى جاءه توقيعُ: {فتاب عليه}.
ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبد له ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره إليه، إنما العجب من مالك يتحبب إلى مملوك بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع إحسانه مع غناه عنه. كفى بك عزًّا أنك له عبد ** وكفى بك فخراً أنه لك رب
ارجع إلى الله واطلبه من عينك وسمعك وقلبك ولسانك، ولا تشرد عنه من هذه الأربعة فما رجع من رجع إليه بتوفيقه إلا منها، وما شرد من شرد عنه بخذلانه إلا منها، فالموفق يسمع ويبصر ويتكلم ويبطش بمولاه، والمخذول يصدر ذلك عنه بنفسه وهواه.
أرض الفطرة رحبة قابلة لما يغرس فيها، فإن غرست شجرة الإيمان والتقوى أورثت حلاوة الأبدان، وإن غرست شجرة الجهل والهوى فكل الثمر مر.
من عظم وقار الله في قلبه أن يعصيه وقره الله في قلوب الخلق أن يذلوه.
طوبى لمن أنصف ربه فأقر بالجهل في عمله والآفات في عمله والعيوب في نفسه والتفريط في حقه، والظلم في معاملته، فإن آخذه بذنوبه رأى عدله وإن لم يؤخذ بها رأى فضله، وإن عمل حسنة رآها من منته وصدقته عليه، فإن قبلها فمنة وصدقة ثانية، وإن ردها فلكون مثلها لا يصلح أن يواجه به، وإن عمل سيئة رآها من تخليه عنه، وخذلانه له، وإمساك عصمته عنه، وذلك من عدله فيه، فيرى في ذلك فقره إلى ربه وظلمه في نفسه، فإن غفر له فبمحض إحسانه وجوده وكرمه.
لما طلب آدم الخلود في الجنة من جانب الشجرة عوقب بالخروج منها. ولما طلب يوسف الخروج من السجن من جهة صاحب الرؤيا لبث فيه بضع سنين.
دافع الخطرة، فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافع الفكرة، فإن لم تفعل صارت شهوة، فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهِمَّة. فإن لم تدافعها صارت فعلا.
يخرج العارف من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه، وثناؤه على ربه.
المخلوق إذا خفته استوحشت منه وهربت منه، والرب تعالى إذا خفته أنست به وقربت إليه.
كيف يكون عاقلا من باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة.
الدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة فكيف بغم العمر.
للعبد ستر بينه وبين الله وبينه وبين الناس، فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله هتك الله الستر الذي بينه وبين الناس. للعبد رب هو ملاقيه وبيت هو ساكنه، فينبغي له أن يسترضي ربه قبل لقائه، ويعمر بيته قبل انتقاله إليه
تأمل خطاب القرآن تجد ملكاً له الملك كله وله الحمد كله، أزِمَّة الأمور كلها بيده ومصدرها منه ومردّها إليه، مستوياً على سرير ملكه، لا تخفى عليه خافية في أقطار مملكته، عالماً بما في نفس عبيده، مطلعاً على أسرارهم وعلانيتهم، منفرداً بتدبير المملكة، يسمع ويرى، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، يخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويقدر ويدبر، الأمور نازلة من عنده دقيقها وجليلها، وصاعدة إليه لا تتحرك في ذرة إلا بإذنه ولا تسقط ورقة إلا بعلمه.
أنزه الموجودات وأظهرها وأنورها وأشرفها وأعلاها ذاتاً وقدراً وأوسعها: عرش الرحمن جل جلاله، لذلك صلح لاستوائه عليه، وكل ما كان أقرب إلى العرش كان أنور وأنزه وأشرف مما بعد عنه، ولهذا كانت جنة الفردوس أعلى الجنات وأشرفها وأنورها وأجلها لقربها من العرش إذ هو سقفها، وكل ما بعد عنه كان أظلم وأضيق، ولهذا كان أسفل سافلين شر الأمكنة وأضيقها وأبعدها من كل خير. وخلق الله القلوب وجعلها محلاًّ لمعرفته ومحبته وإرادته فهي عرش المثل الأعلى الذي هو معرفته ومحبته وإرادته.
فائدة من دعاء " اللهم اجعل القرءان ربيع قلبى ..." ولما كان الصدر أوسع من القلب كان النور الحاصل له يسري منه إلى القلب؛ لأنه قد حصل لما هو أوسع منه، ولما كانت حياة البدن والجوارح كلها بحياة القلب تسري الحياة منه إلى الصدر ثم إلى الجوارح سأل الحياة له بالربيع الذي هو مادتها، ولما كان الحزن والهم والغم يضاد حياة القلب واستنارته سأل أن يكون ذهابها بالقرآن فإنها أحرى ألا تعود. وأما إذا ذهبت بغير القرآن من صحة أو دنيا أو جاه أو زوجة أو ولد فإنها تعود بذهاب ذلك.
الرب تعالى يدعو عباده في القرآن إلى معرفته من طريقين: أحدهما: النظر في مفعولاته" اى جميع ما خلق " ثانيهما: التفكر في آياته وتدبرها، فتلك آياته المشهودة، وهذه آياته المسموعة المعقولة.
من تحقق بمعاني الفاتحة علماً ومعرفة وعملاً وحالاً فقد فاز من كماله بأوفر نصيب، وصارت عبوديته عبودية الخاصة الذين ارتفعت درجتهم عن عوام المتعبدين، والله المستعان.
حظ العبد من النعمة على قدر حظه من الهداية، وحظه منها على قدر حظه من الرحمة
قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} يتضمن بيان أن العبد لا سبيل له إلى سعادته إلا باستقامته على الصراط المستقيم، وأنه لا سبيل له إلى الاستقامة على الصراط إلا بهدايته. وقوله: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} يتضمن بيان طرفي الانحراف عن الصراط المستقيم، وأن الانحراف إلى أحد الطرفين انحراف إلى الضلال الذي هو فساد العلم والاعتقاد، والانحراف إلى الطريق الآخر انحراف إلى الغضب الذي سببه فساد القصد والعمل. فأول السورة رحمة وأوسطها هداية وآخرها نعمة.
قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لعمر "وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" فالذي نظن في ذلك -والله أعلم- أن هذا خطاب لقوم قد علم الله سبحانه أنهم لا يفارقون دينهم بل يموتون على الإسلام، وأنهم قد يفارقون بعض ما يقارفه غيرهم من الذنوب ، ولكن لا يتركهم سبحانه مصرِّين عليها، بل يوفقهم لتوبة نصوح، واستغفار وحسنات تمحو أثر ذلك، ويكون تخصيصهم بهذا دون غيرهم؛ لأنه قد تحقق ذلك فيهم وأنهم مغفور لهم.
من صفات اهل الجنه : {وجاء بقلب منيب} (الآية: 33 من سورة ق.)، قال ابن عباس: راجع عن معاصي الله مقبل على طاعة الله. وحقيقة الإنابة: عكوف القلب على طاعة الله ومحبته والإقبال عليه. ثم ذكر سبحانه جزاء من قامت به هذه الأوصاف بقوله: {ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود . لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد}
من صفات اهل الجنه : {من خشي الرحمن بالغيب} (الآية: 33 من سورة ق.)، يتضمن الإقرار بوجوده وربوبيته وقدرته،وعلمه واطلاعه على تفاصيل أحوال العبد، ويتضمن الإقرار بكتبه ورسله وأمره ونهيه، ويتضمن الإقرار بوعده ووعيده ولقائه، فلا تصح خشية الرحمن بالغيب إلا بعد هذا كله.
من صفات اهل الجنه : اواب حفيظ لما كانت النفس لها قوتان: قوة الطلب وقوة الإمساك، كان الأواب مستعملاً لقوة الطلب في رجوعه إلى الله ومرضاته وطاعته، والحفيظ مستعملاً لقوة الحفظ في الإمساك عن معاصيه ونواهيه، فالحفيظ: الممسك نفسه عما حرم عليه، والأواب: المقبل على الله بطاعته.
قال عبيد بن عمير: الأواب: الذي يتذكر ذنوبه ثم يستغفر منها، وقال مجاهد: هو الذي إذا ذكر ذنبه استغفر منه. وقال سعيد بن المسيب : هو الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب.
المراد بقوله: "نحن" فى قوله تعالى " ونحن اقرب اليه من حبل الوريد "أي ملائكتنا، كما قال: { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} (الآية 18 من سورة القيامة.) أي إذا قرأه عليك رسولنا جبريل، قال: ويدل عليه قوله: { إذ يتلقى المتلقيان} (الآية: 17 من سورة ق.) فقيد القرب المذكور بتلقي الملكين فلا حجة في الآية لحلولي ولا معطل.
إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه ، وألق سمعك ، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه ، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله .
تفسير قوله تعالى ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) قوله ( إن في ذلك لذكرى ) إشارة إلى ما تقدم من أول السورة إلى ههنا ، وهذا هو المؤثر . وقوله ( لمن كان له قلب ) فهذا هو المحل القابل ، والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله . وقوله ( أو ألقى السمع ) أي وجّه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له ، وهذا شرط التأثر بالكلام . وقوله ( وهو شهيد ) أي شاهد القلب حاضر غير غائب .
معنى قوله تعالى ( وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ):أخبر سبحانه أن قرينه وهو الذي قرن به في الدنيا من الملائكة يكتب عمله . وقوله يقول لما يحضره : هذا الذي كنت وكلتني به في الدنيا قد أحضرته وأتيتك به ، هذا قول مجاهد . وقال ابن قتيبة : المعنى هذا ما كتبته عليه وأحصيته من قوله وعمله حاضر عندي . والتحقيق أن الآية تتضمن الأمرين، أي هذا الشخص الذي وكلتُ به، وهذا عمله الذي احصيته عليه
حقيقة الإنابة عكوف القلب على طاعة الله ومحبته والإقبال عليه
بركة الأرض : من بركتها أن الحيوانات كلها وأرزاقها وأقواتها تخرج منها ، ومن بركتها أنك تودع فيها الحب فتخرجه لك أضعاف أضعاف ما كان ، ومن بركتها أنها تحمل الأذى على ظهرها وتخرج لك من بطنها أحسن الأشياء وأنفعها ، فتواري منه كل قبيح ، وتخرج له كل مليح ، ومن بركتها أنها تستر قبائح العبد وفضلات بدنه ، وتواريها وتضمه وتؤويه ، وتخرج له طعامه وشرابه ، فهي أحمل شيء للأذى وأعوده بالنفع ، فلا كان من التراب خير منه وأبعد من الأذى وأقرب إلى الخير
الرب تبارك وتعالى يدعو عباده في القرآن إلى معرفته من طريقين : أحدهما : النظر في مفعولاته ، والثاني : التفكر في آياته وتدبرها ، فتلك آياته المشهودة ، وهذه آياته المسموعة . فالنوع الأول كقوله (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ ...... ) وقوله (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ) وهو كثير في القرآن . والثاني كقوله ( أفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) وقوله (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ) وقوله (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ) .
متى شهد العبد أن ناصيته ونواصي العباد كلها بيد الله وحده يصرفهم كيف يشاء ، لم يَخَفْهم بعد ذلك ، ولم يرجهم ، ولم يُنزلهم منزلة المالكين ، بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين ، فمتى شهد نفسه بهذا المشهد صار فقره وضرورته إلى ربه وصفاً لازماً له ، ومتى شهد الناس كذلك لم يفتقر إليهم ولم يعلق أمله ورجاءه بهم ، فاستقام توحيده وتوكله وعبوديته
يتضمن قول العبد في الحديث ( اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك )ان العبد ليس له غير باب سيده وفضله وإحسانه . وأن سيده إن أهمله وتخلى عنه هلك ولم يؤهِ أحد ، ولم يعطف عليه ، بل يضيع أعظم ضيعة . وفي ضمن ذلك الاعتراف بأنه مربوب مدبَّر مأمور منهي ، إنما يتصرف بحكم العبودية لا بحكم الاختيار لنفسه ، فليس هذا شأن العبد بل شأن الملوك الأحرار ، وأما العبيد فتصرفهم على محض العبودية . ويتضمن التزام عبوديته من الذل والخضوع والإنابة وامتثال أمر سيده واجتناب نهيه ودوام الافتقار إليه واللجأ إليه والاستعانة به والتوكل عليه . وفيه أيضاً : إني عبد من جميع الوجوه : صغيراً وكبيراً ، حياً وميتاً ، مطيعاً وعاصياً ، معافى ومبتلى بالروح والقلب واللسان والجوارح .
قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضدهِ ، وهذا كما أنه في الذوات والأعيان فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات ، فإذا كان القلب ممتلئاً بالباطل اعتقاداً ومحبة لم يبقَ فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع ، كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه إلا إذا فرّغ لسانه من النطق بالباطل ، وكذلك الجوارح إذا اشتغلت بغير الطاعة لم يمكن شغلها بالطاعة إلا إذا فرغها من ضدها ، فكذلك القلب المشغول بمحبة غير الله وإرادته وحبه والشوق إليه والأنس به لا يمكن شغله بمحبة الله وإرادته وحبه والشوق إلى لقائه إلا بتفريغه من تعلقه بغيره
السر في ذلك ، أي أن القلب لا يمكن شغله بمحبة الله إلا إذا فرغ من محبة غير الله : أن إصغاء القلب كإصغاء الأذن ، فإذا أصغى إلى غير حديث الله لم يبق فيه إصغاء ولا فهم لحديثه ، كما إذا مال إلى غير محبة الله لم يبق فيه ميْل إلى محبته
قوله تعالى ( ألهاكم التكاثر ) يدخل فيه كل ما يكاثر به العبدُ غيره ، سوى طاعة الله ورسوله ، وما يعود عليه بنفع معاده ، فهو داخل في هذا التكاثر ، فالتكاثر في كل شيء من مال أو جاه أو رياسة أو نسوة أو حديث أو علم ، ولا سيما إذا لم يحتج إليه ، والتكاثر في الكتب والتصانيف وكثرة المسائل وتفريعها وتوليدها ، والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره ، وهذا مذمـوم إلا فيما يقرب إلى الله ، فالتكاثر فيه منافسـة في الخيرات ومسابقة إليها
إضاعة الوقت أشد من الموت ، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة ، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها
أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها وأنفع لها في معادها
لو نفـع العلم بلا عمل لما ذم الله سبحانه أحبـار أهل الكتاب ، ولو نفع العمل بلا إخـلاص لما ذم المنافقين
من خلقه الله للجنة لم تزل هـداياها تأتيه من المكاره ، ومن خلقه للنار لم تزل هداياها تأتيـه من الشهوات .
التقوى ثلاث مراتب : إحداها : حميّة القلب والجوارح عن الآثام والمحرمات ، والثانية : حميّتها عن المكروهات ، والثالثة : الحمية عن الفضول وما لا يعني . فالأولى تعطي العبد حياته ، والثانية تفيده صحته وقوته ، والثالثة تكسبه سروره وفرحه وبهجته
إذا جرى على العبد مقدور يكرهه فله فيه ستة مشاهد ، أحدها : مشهد التوحيد ، وأن الله هو الذي قدّره وشاءه وخلقه ، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن . الثاني : مشهد العدل ، وأنه ماضٍ فيه حكمه ، عدل فيه قضاؤه . الثالثة : مشهد الرحمة ، وأن رحمته في هذا المقدور غالبة لغضبه وانتقامه ورحمته حشوه . الرابع : مشهد الحكمة ، وأن حكمته سبحانه اقتضت ذلك ، لم يقدّره سدى ولا قضاء عبثاً . الخامس : مشهد الحمد ، وأن له سبحانه الحمد التام على ذلك من جميع وجوهه . السادس : مشهد العبودية ، وأنه عبد محض من كل وجه تجري عليه أحكام سيده وأقضيته بحكم كونه ملكه وعبده ، فيصرفه تحت أحكامه القدرية كما يصرفه تحت أحكامه الدينية .
بعض نتائج المعصية : قلة التوفيق ، وفساد الرأي ، وخفاء الحق ، وفساد القلب ، وخمول الذكر ، وإضاعة الوقت ، ونفْرة الخلق والوحشة بين العبد وبين ربه ، ومنع إجابة الدعاء ، وقسوة القلب ، ومحق البركة في الرزق والعمر ، وحرمان العلم ، ولباس الذل .
يا مخنث العزم أين أنت والطريق طريق تعب فيه آدم ، وناح لأجله نوح ، ورمي في النار الخليل ، وأُضجع للذبح إسماعيل ، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ، ونشر بالمنشار زكريا ، وذبح السيد الحصور يحيي ، وقاسى الضر أيوب ، وزاد على المقدار بكاء داود ، وسار مع الوحش عيسى ، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم
الدنيا كامرأة بغي لا تثبت مع زوج ، إنما تخطب الأزواج ليستحسنوا عليها ، فلا ترضى بالدياثة
ما أخذ العبد ما حرم عليه إلا من جهتين : إحداهما : سوء ظنه بربه ، وأنه لو أطاعه وآثره لم يعطه خيراً منه حلالاً . والثانية : أن يكون عالماً بذلك وأن من ترك لله شيئاً أعاضه خيراً منه ولكن تغلب شهوته صبرَه وهواه عقلَه . فالأول من ضعف علمه ، والثاني من ضعف عقله وبصيرته
العمل بلا إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملاً يثقله ولا ينفعه .
من تلمح حلاوة العافية هانت عليه مرارة الصبر .
من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه من العمل ، وبأي شغل يشغله
الاجتماع بالإخوان قسمان : أحدهما : اجتماع على مؤانسة الطبع ، وشغل الوقت ، فهذا مضرته أرجح من منفعته ، وأقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع الوقت . الثاني : الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر ، فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها ، ولكن فيه ثلاث آفات : إحداها : تزين بعضهم لبعض . الثانية : الكلام والخلطة أكثر من الحاجة . الثالثة : أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود .
طالب الله والدار الآخرة لا يستقيم له سره وطلبه إلا بحبسين : حبس قلبه في طلبه ومطلوبه ، وحبسه عن الالتفات إلى غيره ، وحبس لسانه عما لا يفيد ، وحبسه على ذكر الله وما يزيد في إيمانه ومعرفته ، وحبس جوارحه عن المعاصي والشهوات ، وحبسها على الواجبات والمندوبات
جمع النبي ïپ¥ بين تقوى الله وحسن الخلق في قوله ( اتق الله .. وخالق الناس بخلق حسن ) لأن تقوى الله تُصلح ما بين العبد وبين ربه ، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه ، فتقوى الله توجب له محبة الله ، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته
الرزق والأجل قرينان ، فما دام الأجل باقياً كان الرزق آتياً ، وإذا سد عليك بحكمته طريقاً من طرقه فتح لك برحمته طريقاً أنفع لك منه . فتأمل حال الجنين يأتيه غذاؤه وهو الدم ، من طريق واحدة وهو السرة ، فلما خرج من بطن الأم وانقطعت تلك الطرق فتح له طريقين اثنين وأجرى له فيهما رزقاً أطيب وألذ من الأول لبناً خالصاً سائغاً ، فإذا تمت مدة الرضاع وانقطعت الطريقان بالفطام فتح طرقاً أربعة أكمل منها : طعامان وشرابان ، فالطعامان من الحيوان والنبات ، والشرابان من المياه والألبان وما يضاف إليهما من المنافع والملاذ ، فإذا مات انقطعت عنه هذه الطرق الأربعة ، لكنه سبحانه فتح له – إن كان سعيداً – طرقاً ثمانية ، وهي أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ، فهكذا الرب سبحانه : لا يمنع عبده المؤمن شيئاً من الدنيا إلا ويؤتيه أفضل منه وأنفع له ، وليس ذلك لغير المؤمن
من عرف نفسه اشتغل بإصلاحها عن عيوب الناس .
أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس بالإخلاص ، وعن نفسك بشهود المنّة ، فلا ترى فيه نفسك ولا ترى الخلق
دخل الناس النار من ثلاثة أبواب : باب شبهة أورثت شكاً في دين الله . وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته . وباب غضب أورث العدوان على الآخرين .
أصول الخطايا كلها ثلاثة : الكبر : وهو الذي أصار إبليس إلى ما أصاره . والحرص : وهو الذي أخرج آدم من الجنة . والحسد : وهو الذي جر أحد ابني آدم على قتل أخيه .