20 ـ قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56﴾}(الأحزاب) .
أمَرَنا الله سبحانه وتعالى بالصلاة والسلام على سيِّدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم لِما في ذلك من فوائد عظيمة للمُصَلِّين والمُسَلِّمين عليه، وأهمها (راجع في ذلك: "غنية المسلم فيما يحتاج إليه"؛ للشيخ جودة قاسم) :
1 ـ الامتثال لأمر الله - سبحانه وتعالى.
2 ـ موافقته سبحانه وتعالى في الصلاة عليه، وإن اختَلَفت الصلاتان؛ فصلاتُنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة الله عليه ثناءٌ وتشريف.
3 ـ يحصل المصلي عليه - مرَّة واحدة - على عشر صلوات من الله.
4 ـ يُرفع المُصلي عليه عشر درجات، ويُكتب له عشر حسنات، وتُمحى عنه عشر سيِّئات.
5 ـ إذا صلَّى الداعي على الرسول قبل دعائه وبعد دعائه، فإنه يُرجى إجابة دعائه؛ لأن الصلاة على الرسول تُرفع إلى ربِّ العالمين، وتَصعد إليه، مع ما بينها من دعاء.
6 ـ إنها سببٌ لشفاعته صلَّى الله عليه وسلَّم للمُصلي يوم القيامة.
7 ـ إنها سببٌ لقضاء الحوائج.
8 ـ إنها سببُ تذكُّر العبد ما قد نَسِيه.
9 ـ إنها زكاة للمصلي وطهارة له.
10 ـ إنها تقوم مقام الصَّدقة لدى المُعسرين.
11 ـ إنها سببٌ لنَفْي الفقر ونفي البخل عن المصلي.
12 ـ إنها سبب لردِّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على المصلي والمُسَلِّم عليه.
13 ـ إنها سببٌ لمحبَّة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وهداية للعبد وحياة لقلبه.
14 ـ إنها سببٌ لعَرْض اسم المصلي على الرسول الكريم، وسبب لذِكره عنده.
15 ـ إنَّ الصلاة عليه صلَّى الله عليه وسلَّم أداء لأقلِّ القليل من حقِّه علينا، وشكر الله على هذه النعمة الكبرى،
والله أعلم.
<<<<<<<<<<<<
21 ـ قال تعالى: { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72﴾} (الأحزاب) .
حقًّا وصدقًا ما تقول يا ربَّنا؛ أنت خلَقتنا وتَعلم ظاهرنا وباطنَنا، فماذا نقول بعد قولك على الإنسان:
{ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً } ؟
والأمانة في الآية الكريمة عند ابن عباس - رضي الله عنهما - (الطاعة)، أو أنها الفرائض.
وهي (الفرائض) أيضًا عند مجاهد والضَّحَّاك، والحسن البصري.
وهي (الدين والفرائض والحدود) عند قَتادة.
وهي (الصلاة والصوم، والاغتسال من الجنابة) عند زيد بن أسلم.
وظاهر هذه الأقوال يومِئ بأنها تتَّفق حول أنَّ المقصود بالأمانة - التي عرَضها الله على السموات والأرض، والجبال والإنسان - التكليف وقَبول الأوامر والنواهي.
والمعنى بوجه عام أنَّ الله - سبحانه وتعالى - عرَض (الطاعة) أو التكليف على السموات والأرض والجبال، قبل أن يعرضَها على آدم، فلم يُطِقْنَها، وأشْفَقْنَ على أنفسهنَّ من الإخلال بحفظها، ثم عرَضها على آدم، فقَبِلها.
قال ابن عباس عن الأمانة: (الطاعة) عرضَها عليهم قبل أن يعرضَها على آدم، فلم يُطِقْنَها، فقال لآدم: إني قد عرَضت الأمانة على السموات والأرض والجبال، فلم يُطِقْنَها، فهل أنت آخذٌ بما فيها؟ قال يا ربُّ: وما فيها؟ قال: إن أحْسَنت جُزِيت، وإن أسأْتَ عُوقِبْتَ، فأخَذها آدم فحَمَلها، فذلك قوله تعالى: { وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً }.
و{ ظَلُومًا جَهُولاً } من صِيَغ المبالغة في الظلم والجهل.
لقد تفهَّمت السموات والأرض والجبال أمرَ الله، وعَلِمت قَدرها، وأحسَّت أنها لا صبرَ لها ولا طاقة على أداء الأمانة، واختارَت السمع لله والطاعة.
أمَّا آدم، فعلى الرغم من عِلمه من أنه إن قام بذلك أُثيب، وإن ترَكها عُوقِب، فإنه قَبِلها على ضَعفه وجَهده، إلاَّ مَن وَفَّقه الله وأعانَه عليها، اللهمَّ وفِّقنا إلى طاعتك والقدرة على حَمْل أمانتك.
<<<<<<<<<<<
22 ـ قال تعالى: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)}(يس) .
سبحان ربي العظيم، هو القاهر فوق عباده، إذا أراد شيئًا فيكفي أن يقول له:
{ كُنْ } { فَيَكُونُ } ؛ قال كثير من الصالحين: إنما أمره مُحقَّق لا محالة، قبل أن يَنطق النون من { كُنْ } ؛ أي: بين الكاف والنون".
وأرجَف المرجفون، وأنكر المنكرون؟! واعجبًا من أمرهم.
وفي أنفسهم أفلا يُبصرون، أفلا يتأمَّلون، أفلا يتذكَّرون أو يَعقلون؟!
لقد خلَق الله الناس، وسخَّر لهم ما يُيسِّر لهم حياتهم، فصار الناس فيما يَسَّر الله لهم يقولون له: "كن، فيكون"، قبل أن ينطقَ الإنسان لفظ "كن"، إذا أراد الوقوف تَمَّ له ما أراد، وإذا أراد أن يَضرب، فبمجرد الرغبة في ذلك امتدَّت يداه لتحقيق ما يريد، وإذا أراد مَشيًا أو حركة، أو جَريًا أو نومًا، فبمجرد الإرادة فإن كلَّ شيء مُحقَّق، لا يعصي له أمرًا ومن دون تفكيرٍ.
فبالله، كيف يكون الأمر مع الخالق العظيم الذي أحسَن كلَّ شيء صُنعًا؟!
ألا خَسِئ المنكرون، وساء فِعْل المُرجفين، وسبحان الله العظيم.
وقد أكَّد الله سبحانه هذه القدرة في القرآن في أكثر من موضع، لعلَّ الخَلْق يتَّعظون ويُدركون، فيؤمنوا؛ قال تعالى:
{ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117﴾}(البقرة) .
﴿ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59﴾}(آل عمران) .
﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ (73﴾}(الأنعام) .
﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40﴾}(النحل) .
﴿ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35﴾}(مريم) .
﴿ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68﴾}(غافر) .
وصدَق الله وكذَب الكافرون، ما أصدَقَك يا ربَّنا قيلاً!
<<<<<<<<<<<<<<
23 ـ قال تعالى: { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21﴾}(فصلت) .
هذا مصير أعداء الله المجرمين الذين أنكروا آيات الله وأنكروا البعث، فعاثوا في الأرض فسادًا، ونَسُوا الله فأنساهم أنفسهم، وغرَّتهم الحياة الدنيا، وكذَّبوا المرسلين، لقد جاءهم وعدُ الله، وحدَث لهم ما كانوا يُنكرون.
{ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } ؛ أي: يَحشرهم زبانية جهنَّم، ويَجمعونهم، أَوَّلهم على آخرهم، ويَسوقونهم إلى النار؛ كما قال تعالى:
{ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86﴾}(مريم) ؛ أي: عطاشًا يسوقونهم :
{ حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا }، ووَقَفوا على حافِتها، وحتى يُلزمهم الله الحجَّة:
{ شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.
سبحان ربي القادر العظيم.
لقد قَهَر لهم السمع والبصر والحواس في الدنيا، وجعَلها تأْتَمر بأمرهم، وإن كان خطأً، وإن كان شِركًا، إنها تفعل ما تُؤمَر به، فأَسَاؤوا استخدامها وهي مقهورة لهم.
أمَّا في الآخرة، فقد رُفِع عنها التكليف وصارَت حرَّة تَشهد بما فعَلت للمُسيئين، لا تترك صغيرة ولا كبيرة، إلاَّ شَهِدت بها، وبذلك ينخرس المجرمون، وليتهم يسكتون! بل نظروا إلى جنودهم في حسرةٍ وزَيْغ وقالوا معاتبين : { لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا } ، كيف لا يشهدون وهم خَلْق من خَلق الله مثلكم، سُخِّروا لخدمتكم، وأَسَأتُم التسخير؟!
ولقد نَطَقت جلودهم نُطقَ الحقِّ الذي كانوا به يكذبون: { قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } .
لقد أنطقَكم أنتم أوَّل مرَّة، وأنطَق خَلْقه كلَّهم يوم القيامة، وهو قادر عليه:
{ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } .
{ فسبحان الذي بيده ملكوت كلِّ شيء وإليه ترجعون (83) }(بس) ،
وساء فِعْل المجرمين.
<<<<<<<<<<<<<
24 ـ قال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39﴾}(فصلت) .
ما أكثر آيات الله التي تَنطق وحدانيَّته وقدرته.
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)}(الرعد) .
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذكرى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21﴾}(الزمر).
هي فقط آيات لمن يُفكِّر، وآيات لذَوِي العقول.
أمَّا الذين ألغوا عقولهم، وعاشوا كالأنعام - بل هم أضلُّ سبيلاً - وأمَّا الذين لا يُفكرون وعاشوا كالسائبة لا فِكْر لهم، وأَلْغوا العقول وعاشوا في لَججٍ وإنكار، يقولون:
{ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37﴾}(المؤمنون) ، وأنكروا النشور، فإنَّ الله ما زال ولا يزال يضرب لهم الأمثال؛ لعلَّهم يَهتدون، ولعلهم يرجعون.
انظروا إلى الأرض التي تسيرون عليها، ففيها آية على البعث والنشور، فعلى الرغم من أنكم ترونها هامدة لا حياة فيها، كأنها جثة هامدة ساكنة، حتى إذا أتاها إذنُ الله، وأنزَل عليها الماء، فإنها تدبُّ فيها الحياة والحركة، وتخرج من بطنها زرعًا أخضرَ بهيجًا، وزهرًا ذا ألوان مختلفة.
بل إنَّ الجبال الجاثمة الصَّلدة، التي كأنها في مواتٍ منذ آلاف السنين، إذا ما أنزَل الله عليها الماء، تراها كأنها بُعِثت من مَرقدها، وأخرَجت ما في باطنها، وصارَت في أحسن صورة، وأجَل بهاء.
أيها المنكرون، ألا تَقيسون هذا على ذاك؟ ألا تتفكَّرون؟ ألا تعقلون؟ أليس في ذلك مثلٌ لقدرة الخالق على إحياء الموتى؟! بلى ؛
{ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39﴾}(فصلت) .
وتبارَك الله أحسنُ الخالقين.
يتبع
عن موقع شبكة الألوكة الشرعية