· تقدمة: عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (أتى بالبراق ليلة أسرى به ملجما مسرجا فاستصعب عليه فقال له جبريل عليه السلام: أبمحمد تفعل هذا؟! فما ركبك أحد أكرم على الله منه قال فارفضّ عرقا), رواه مسلم, إن المصطفى صلى الله عليه وسلم هو أكمل خلق الله وأكرمهم على الله حتى طالب كل مؤمن أن يؤمن به ويعزره وينصره ويوقره فقال تعالى: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ), وابتدأ بنفسه وملائكته ثم أمر المؤمنين بالصلاة عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا), ويقول هو عن نفسه: (أنا سيد ولد آدم), إنه أوتي حسن الخُلق وجمال الخَلق وكما قال عنه عبد الله بن رواحة:
لو لم تكن فيه آيات مبينة .. لكان منظره ينبيك بالخبر.
ثم أتم الله عليه فضله بالوحي والرسالة فكان خاتم النبيين والكتاب المنزل عليه هو المهيمن على ما سبقه من رسالات السماء وجعله الله القدوة والأسوة الحسنة لكل مؤمن: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ), وكانت بعثته صلى الله عليه وسلم تكملة وتتميما لمكارم الأخلاق فيقول صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق), وتشهد له أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأنه: (كان خلقه القرءان), وكان تطبيق عمليا لكل ما دعا إليه من مثل عليا فاستحق أن يجمع له ربه الثناء فيقول: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
· كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا.. قال أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحسن الناس خلقا, وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي أفا قط, ولا قال لي لشيء لما فعلت كذا؟, وهلاّ فعلت كذا؟), وفي رواية: (ولا عاب على شيئا قط)... صحيح مسلم. ويقول سيد قطب في ظلاله: (وتتجاوب أرجاء الوجود بهذا الثناء الفريد: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ), على النبي الكريم ويثبت هذا الثناء في صميم الوجود ويعجز كل قلم, ويعجز كل تصور عن وصف هذه الكلمة العظيمة من رب الوجود وهي شهادة من الله), ومدلول الخلق العظيم يتسع ليشمل كل مكارم الأخلاق, فإن ضربنا لكل خلق منهم لوجدنا للرسول صلى الله عليه وسلم الحظ الأوفر فيه. ويكون قول الله فيه قول اللطيف الخبير الذي يعلم من خلق, وحين يجعلها ربنا قرآنا يتعبد به وتتردد في الأفاق حتى يرث الله الأرض ومن عليها, وتبنى هذه القيمة في إطاقة النبي صلى الله عليه وسلم لتلقيها وهو يعلم من قائلها وما مبلغ عظمته وما مداها فهو صلى الله عليه وسلم يعلم هذه العظمة المطلقة التي يدرك هو منها ما لا يدركه أحد من العالمين, ومع هذا الإدراك لا تتأرجح شخصيته تحت وقعها ولا تضطرب فيرتفع إلى قمم سامقة من عظمة الشخصية أكرم به من نبي وأعظم به من إنسان, ولا نزال نتفيأ ظلال سيد قطب لنقرأ فيها: (ومرة أخرى أجد نفسي مشدودا إلى جوار الدلالة الضخمة لتلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الكلمة من ربه وهو ثابت راسخ متوازن مطمئن الكيان, فانظر معي إذا أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو بشر- على أحد أصحابه فيهتز كيان صاحبه من وقع هذا الثناء العظيم وهو بشر وصاحبه يعلم أنه بشر, فكيف به صلى الله عليه وسلم يتلقى هذه الكلمة من الله وهو يعلم من هو الله, هو يعلم منه ما لا يعلمه سواه ثم يصطبر ويتماسك, إنه أمر فوق كل تصور). إنه محمد صلى الله عليه وسلم وحده الذي يرقى إلى هذا الأفق من العظمة, وهو الذي يكافئ الرسالة لكونية العالمية, حتى أنها تتمثل في شخصية حية تمشي على الأرض: (والله أعلم حيث يضع رسالته), وكان من عظمته صلى الله عليه وسلم أن ربى جمهرة من أصحابه ليكونوا منارات هداية لكل خلق, فإن تحدثنا عن الصبر.. الشجاعة.. الكرم.. فنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الذي به توزن وتقيم أخلاق البشر فكيف تكون الأخلاق على كمالها.
· أولا: صبره صلى الله عليه وسلم وتحمله الأذى في الله.. ولنعلم أن هذه الأخلاق تُحمد إذا كانت في محلها, وسنرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع كل شيء في محله, فلما كان الصبر محمودا في المرحلة المكية, وبداية الدعوة, صبر صلى الله عليه وسلم وتحمل الأذى في الله دون حنق أو خور, وإذا علمنا أن هذه الفترة استغرقت ثلاثة عشر عاما, لأدركنا مقدار الصبر الذي تمتع به رسول الله صلى الله عليه وسلم على الاضطهاد والتعذيب والإيذاء والتجويع والسخرية والردود القبيحة عليه والإهانات المتوالية والاتهامات الباطلة بالجنون والكذب والسحر- التي تفرغها الألسنة الكافرة والتي كانت تقوم مقام الإعلام بوسائله المتنوعة في عصرنا الحديث- وكل هذا يجرح مشاعر ونفس الإنسان, ومع ذلك لم يأبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا كله, بل تحمله.. فوا عجبا أن يرموه بالأكاذيب والافتراءات.. وهم يعلمون على كفرهم وعنادهم أنه منهم براء, فكلما أمعنوا في إيذائهم له, تسامى وتعالى على الأذى بهذا الزاد الذي لا ينقطع والمعين الذي لا ينضب ألاّ وهو الصبر.
· إيذاؤه في الدعوة, وصبره على ذلك.. 1. أخرج الطبراني عن حارث بن الحارث قال: (فنزلنا فرسول الله يدعو إلى توحيد الله عز وجل والإيمان, وهم يردون عليه ويؤذونه حتى انتصف النهار وانصدع الناس عنه, ومنهم من سبه, فأقبلت جارية بعس من ماء فغسل وجهه ويديه وقال: يا بنية لا تخشي على أبيك غيلة ولا ذلة). 2. وعن ابن أبي شيبة عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (ما رأيت قريشا أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوما ائتمروا به وهم جلوس في ظل الكعبة, ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام فقام إليه عقبة بن أبي معيط فجعل رواءه في عنقه فجذبه حتى وجب على ركبتيه ساقطا, وتصايح الناس فظنوا أنه مقتول, فأقبل أبو بكر رضي الله عنه حتى أخذ بضبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراءه ويقول: (أتقتلون رجلا يقول الله ربي), فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما انصرفوا عنه.. فصلى.. فلما قضى صلاته مر بهم وهم جلوس فقال: يا معشر قريش! أما والذي نفس محمد بيده ما أرسلت إليكم إلا بالذبح وأشار بيده إلى حلقه). 3. وأخرج البزار والطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وأبو جهل بن هشام وشيبة وعتبة ابنا ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف ورجلان آخران كانوا سبعة وهم في الحجر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فلما سجد وأطال السجود, فانطلق أشقاهم عقبة بن أبي معيط فأتى بفرث جذور فألقاه على كتفيه صلى الله عليه وسلم وهو ساجد, فأقبلت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وألقت عن عاتقه ثم استقبلت قريشا تسبهم فلم يرجعوا إليها شيئا). 4. وذكر في البداية (ج3 ص 136), عن موسى بن عقبة: (وقعد له أهل الطائف صفين على طريقه, فلما مر جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدموه فخلص منهم وهما يسيلان الدماء, وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم ليسبونه ويصيحون به.. حتى اجتمع عليه الناس وألجئوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة). 5. في ذات يوم صنع عقبة وليمة, ودعا لها كبراء قريش وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: والله لا آكل طعامك حتى تؤمن بالله فتشهد أني رسول الله, فنطق بالشهادتين معلنا إسلامه, فبلغ ذلك أٌبي بن خلف الجمحي وكان صديقا لعقبة فقال: يا عقبة! ما الذي بلغني عنك؟ قال: لا شيء, دخل منزلي رجل شريف أبى أن يأكل طعامي حتى أشهد له فاستحييت أن يخرج من بيتي ولم يطعم, فشهدت له, فقال له أٌبي: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا فلم تطأ عنقه وتفعل كذا وكذا, وبالفعل عندما رأى عقبة النبي صلى الله عليه وسلم فعل به ما أمره به أٌبي فوطأ عنقه وهو ساجد عند الكعبة حتى كادت عيناه تبرزان.. فأنزل الله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا). 6. واشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم العذاب, وزاد عليه البلاء, وسدت قريش أبواب الدعوة في وجهه حتى اضطروه إلى الهجرة من مكة إلى المدينة...
§ ومن هذه القصص قصص الإيذاء الرهيب نعرف ما لاقى وهو الشريف الهاشمي ذو النفس الحساسة, ومع ذلك تحمل واستمر, وكما أوذي هو أوذي أتباعه كذلك وقتل بعضهم.. فصبر صلى الله عليه وسلم وامتثل لأمر الله وإنها لرسالة الله: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)[سورة الأحقاف].
· موطن القتال وصبره صلى الله عليه وسلم فيه: ولنعلم أن الصبر لا يكون على الإيذاء فحسب، ولعلنا بصدد موطن لنرى فيه العجب العجاب، فمواقفه، صلى الله عليه وسلم الصابرة في الحرب تتحطم فيها أقوى الأعصاب.. موقفا.. يوم أحد ويوم الخندق، يوم الهزيمة الذي بقى فيه ثابتا، ويوم الحصار الذي أخذ بالأنفاس، وهاله وصفا مختصرا لموقفه الصابر في اليومين..
· يوم الهزيمة: روى مسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش), "استطاع المشركون أن يخلصوا قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم فرماه أحدهم بحجر كسر أنفه ورباعيته وشجه في وجهه فأثقله وتفجر منه الدم, وشاع أن محمدا قتل.. في هذا اليوم الشديد إذ فرَّ المسلمون فلم يبق مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا هذا العدد القليل, وبقى صلى الله عليه وسلم صابرا يدير المعركة التي طرفاها ثلاثة آلاف مقابل أفراد, ولكنه أصر مع من معه على الاستبسال.. فأي صبر هذا الصبر؟, فقد أوذي صلى الله عليه وسلم نفسيا وأشيع أنه قتل, وبدنيا حتى شج وجهه الشريف, وتجرح شفته وتكسر رباعيته حتى يسيل الدم.. فما كان منه إلا أن يمسح الدم عن وجهه وهو يقول: (كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم), وصبر صلى الله عليه وسلم وما دعا عليهم بالعذاب ولا بالنقمة".
· يوم الخندق: وقد حوصرت المدينة هذا الحصار الطويل الصعب الذي لم يعرف المسلمون فيه نوما ولا راحة, والأحزاب تمطرهم بوابل من الهجمات على الأمكنة الضعيفة, وتحركات المسلمين متلاحقة وقد طالت الفترة وتعب المسلمون وكانوا كما وصفهم ربهم: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا*هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)[الأحزاب: 10،11], وفي هذا الوضع المخيف, يأتي الخبر الصاعق أن قريظة نقضت عهدها وقررت القتال, وأصبح المسلمون معرضين لقتل الأنفس وسبي الذرية فأي صبر يحتاجه القائد في مثل هذا الموقف الذي يحطم الأعصاب, إن خطورة الموقف الشديد لم تؤثر ذرة على أعصاب القائد العظيم بل هو الصبر الذي يربو على الصبر.
· صبره صلى الله عليه وسلم في موطن آخر: وهو موطن موت الأهل والأقارب والأصحاب, فنجد من هذا القلب الرحيم تفيض العبرة بلا شكوى ولا ضجر: · أخرج بن سعد عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معتمد على عبد الله بن عوف رضي الله عنه وإبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجود بنفسه فلما مات دمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عبد الرحمن: أي رسول الله: هذا الذي تنهى الناس عنه متى يرك المسلمون تبكي يبكوا, قال: فلما شريت عنه عبرته قال: (إنما هو رحم وإن من لا يرحم لا يٌرحم, إنما ننهى الناس عن النبياحة, وأن يندب الرجل بما ليس فيه). · وأخرج والطيالسي وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلت إليه إحدى بناته تدعيه وتخبره أن صبيا لها في الموت, فقال للرسول: ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب, فعاد للرسول فقال: إنها أقسمت لتأتينها, فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقلم معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأٌبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال انطلقت معهم.. فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تقعقع كأنها في شن ففاضت عيناه فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده إنما يرحم الله من عباده الرحماء). · والكل يعرف من حمزة بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قتل رضي الله عنه جاء فقام عليه وقد مٌثل به, فقال: (لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع ثم أمر بالقتلى فجعل يصلى عليهم), وصبر صلى الله عليه وسلم في كل ذلك صبرا جميلا.
· موطن أخر: ومن المواطن التي يمتحن فيها الصبر وهو الصبر على الجوع والفقر نجد دائما القمة التي لا يرقى إليها الراقون... · أخرج أحمد والطبراني: (أن فاطمة ناولت النبي كسرة خبز من شعير فقال: ما هذه؟ قالت: قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى أتينك بهذه الكسرة, فقال لها: هذا أول طعام أكله أبوك منذ ثلاثة أيام). · أخرج مسلم والترمذي عن نعمان بن بشير رضي الله عنه قال: (ألستم في طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه (الدقل: أردأ التمر)), وفي رواية عن لمسلم عن نعمان.. ذكر عمر رضي الله عنه ما أصاب الناس من الدنيا فقال: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدقل ما يملأ بطنه). · وأخرج بن ماجة وابن أبي الدنيا عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موعوك (محموم), عليه قطيفة فوضع يده على القطيفة فقال: (ما أشد حماك يا رسول الله, فقال: إنا كذلك يشدد علينا البلاء ويضاعف لنا الأجر, ثم قال: يا رسول الله: من أشد الناس بلاء؟ قال: الأنبياء, قال: ثم من؟ قال: العلماء, قال: ثم من؟. قال: الصالحون)...
· فأنت أخي القارئ ترى من هذه الأمثلة أنه ما من موطن من مواطن امتحان الصبر إلا امتحن فيه صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفي كل مرة تجده عند الصبر الذي لا يخالطه هلع إنها أخلاق النبوة في أعلى كمالات البشر.
· ثانيا: شجاعته ونجدته صلى الله عليه وسلم...
· وأما الشجاعة والنجدة: · فالشجاعة: فضيلة قوة الغضب وانقيادها للعقل. · النجدة: ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت تحمد فعلها دون خوف. · وكان صلى الله عليه وسلم منهما بالمكان الذي لا يجهل فقد حضر المواقف الصعبة, وفر الكماة والأبطال عنه غير مرة وهو ثابت لا يبرح ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح, وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرّة وحفظت عنه جولة سواه. · فدع الذين شهدوه في المواطن، وأبصرته أعينهم في المعامع، يحدثوننا كيف كانت شجاعته, كيف كان بأسه, كيف لم تعرف الدنيا مثله. · يقول علي رضي الله عنه: (كنا إذا احمرت البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه), ويقول: (لقد رأيتني يوم بدر, ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو, وكان من أشد الناس بأسا). · فقد كان صلى الله عليه وسلم شجاعا شجاعة يضرب بها المثل.. فكان لا يهاب الموت ولا يخشى العدا, يجهر بالحق ويصدع به مهما كلفه ذلك من تبعات, وإن قلّ ناصروه, وعز مؤيدوه, حتى إنه كان إذا حمى الوطيس, وتعالت قعقعة السيوف, وأخذ الكثير يبحث له عن سبيل للنجاة, وقف النبي صلى الله عليه وسلم معلنا عن نفسه في شجاعة لا توصف وثبات لا يتزحزح, فعن أبي إسحاق.. سمع البراء وسأله رجل: أفررتم يوم حنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لكن رسول الله لم يفر, ثم قال: لقد رأيته على بغلته البيضاء وأبو سفيان أخذ بلجامها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا النبي لا كذب).. هذا في رواية البخاري في باب الجهاد وزاد غيره.. (أنا بن عبد المطلب), قيل فما رُئيَّ يومئذ أحد أشد منه, وقيل نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته, وذكر مسلم عن العباس قال: فلما التقى المسلمون والكفار, ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار وأنا أخذ بلجامها أكفها إرادة أن ألا تسرع وأبو سفيان أخذ بركابه ثم نادى يالِلمسلمين... · بأبي أنت وأمي يا رسول الله, فداك نفسي وما ملكت يدي, معجزة النبوة, شجاعة متناهية تعلن عن نفسها في عزة وشموخ ينافح عن الدين ويقاتل عن أصحابه, وهو ينادي معلنا صوته يجلجل في أركان الكون.. أنا النبي لا كذب. · فكما يقول البراء بن عازب: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها, كان وجهه مثل القمر مستديرا وقال أبو هريرة رضي الله عنه كأن الشمس تجري في وجهه فكيف كان حال وجهه في غضبه؟ وما غضب لنفسه قط, إلا أن تنتهك حرمة من حرمات الله, فيغضب له غضبا لا يقوم له شيء, وفي الحديث كان إذا غضب أحمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجهه حب الرمان), ويقول عمر: (ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهذه صفاته الجسمية, والخلقية تنبيك عما يريده وما يزعجه, كما يقول أبو سعيد رضي الله عنه: (وكان صلى الله عليه وسلم إذا شيئا عرفناه في وجهه). · لقد فزع أهل المدينة ليلة, فانطلق الناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا قد سبقهم إلى الصوت, وقد استبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عُرْىٍ والسيف في عنقه وهو يقول: (لن تراعوا). · وفي غزوة أحد وما كان من شجاعة واستبسال النبي صلى الله عليه وسلم, ونذكر منها.. لما رآه أٌبي بن خلف وهو يقول أين محمد؟ لا نجوت إن نجا وقد كان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم حين افتدى يوم بدر عندي فرس أعلفها كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليها, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أقتلك إن شاء الله), فلما رآه يوم أحد شد أّبي على فرسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترضه رجال من المسلمين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هكذا), أي خلّوا طريقه وتناول الحربة من الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك وهو ابن أخت أٌبي بن كعب, فانتفض بها انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشعر عن ظهر البعير إذا انتفض ثم استقبله صلى الله عليه وسلم فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارا, وقيل بل كسر ضلعا من أضلاعه فرجع إلى قريش يقول: قتلني محمد, وهم يقولون: لا بأس عليك, فقال: لو كان ما بي بجميع الناس لقتلهم, أليس قد قال أنا أقتلك, والله لو بصق عليَّ لقتلني فمات عدو الله بسَرِف في قفولهم إلى مكة. · ولقد ذكرت لكم سابقا عند الحديث عن صبره صلى الله عليه وسلم.. كيف أنه وقف في شجاعة لأشراف قريش ثم قال: أتسمعون يا معشر قريش.. أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح, وأشار بيده إلى حلقه, وهنا أطرق القوم وعقدت ألسنتهم المقولة الشجاعة القوية, وظلوا في سكون وكأن على رؤوسهم الطير, وقطع أشدهم بأسا على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السكون قائلا: انصرف يا أبا القاسم راشدا فوالله ما كنت جهولا . · وهكذا نجد أن سيرته صلى الله عليه وسلم زاخرة بما يعبر وينطق بشجاعته الفائقة النادرة التي تناقلتها الأجيال مقتدية به عبر التاريخ والأزمان, وملئت بها المراجع والأسفار, فقد قال عنه المقداد: (فو الذي بعثه بالحق, ما زلّت قدمه شبرا واحدا وأنه لفي وجه العدو, تفيء إليه طائفة من أصحابه مرة, وتفترق عنه مرة, وهو قائم يرمي عن قوسه ويرمي بالحجر, حتى انحازوا عنه).. في غزوة أحد... · وقال عنه عمران بن الحصين:(ما لقى رسول الله كتيبة إلا كان أول من يضرب), وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية ولوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثُم أقتل).
· ثالثا: نماذج من رحمته صلى الله عليه وسلم. أعلم أخي القارئ أن الذين يخوضون المعارك ويسوسون البشر, تقسو قلوبهم وتجف دموعهم, ونادرا ما يتصف بصفة الرحمة, ولكن - كما سنرى - رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من هذا الطراز, فمهما شئت عنده من شجاعة وإقدام وقوة وصبر وجدت, ولكن هذه الصفات لا تطغى على خلق الرحمة أبدا, وكما أن كل الصفات وصلت إلى حد الكمال كذلك الرحمة. وقد رأيناه في فقرة سابقة صلى الله عليه وسلم كيف فاضت عينه في مواقف كثيرة وهو يقول: (من لا يرحم لا يٌرحم), (إنما يرحم الله من عباده الرحماء), صلى الله عليه وسلم.
· مواطن ينسى الرحماء فيها رحمتهم: · لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفارقه رحمته.. يؤذى, ويضرب, ويضطهد فيقول: (اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون), قد كان صلى الله عليه وسلم رحيما شفيقا رفيقا بأصحابه, وبأمته, وبأهله وبالناس أجمعين, وليس من الضروري أن هناك سبب لهذه الرحمة فانظر معي إلى فتح مكة: يوم فتح مكة وقد فعلت به ما فعلت, فلم يعف عن مكة بأسرها فحسب عندما قال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء), ولكن استمع معي إلى قول عمر رضي الله عنه: (لما كان يوم الفتح ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة أرسل إلى صفوان بن أمية وإلى أبي سفيان بن حرب وإلى الحارث بن هشام فقلت: (لقد أمكن الله منهم لأعرفنهم بما صنعوا حتى قال صلى الله عليه وسلم: مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته: (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ), قال عمر: فافتضحت حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم, كراهية أن يكون بدر مني, وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال.. · كان في رحمته متمثلا أمر ربه:(وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)[الحجر:88]... (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة:128], مما حدا بالناس الالتفاف حوله, والانجذاب إليه فيأنسون به ويميلون عن حب واطمئنان وكما عبر عن ذلك القرءان في قوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[آل عمران:159].
· رحمته صلى الله عليه وسلم بمن حوله: · قال صلى اله عليه وسلم: (إني لأقوم في الصلاة أريد التطويل فيها, فأسمع بكاء الصبي, فأتجوز- أخفف – من صلاتي كراهية أن أشق على أمه), ياللرحمة المهداة. · وصدق فيه قول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ), فتحكي لنا أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها إذ تقول: (قدمت على أمي, وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية, فهي مشركة.... بهدية من سمن وزبيب وقرظ, فأبيت أن أدخلها إلى بيتي وأن أقبل هديتها, وأرسلت إلى أختي عائشة لتسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لتدخلها ولتقبل هديتها), فكان ذلك منه دليلا على رحمته بالأمهات والتي تسمو إلى أعلى درجات الحنان والشفقة.
· وبالأطفال: · وكان رحيما بالأطفال محبا لهم, مشفقا عليهم ويداعبهم ويجلسهم في حجره ويقبلّهم ويلزمهم, وكثيرا ما كان يفعل ذلك مع الحسن والحسين ابني بنته, فكان يصلي وهو يحمل على عاتقه أمامة بنت زينب رضي الله عنها, وذات يوم أطال في سجوده.. فقال له أصحابه يا رسول الله: إنك سجدت سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث في الأمر شيء, فقال: لكن ابني ارتحلني, فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته. · وكان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح على رؤوسهم, فصلى الله عليه وسلم, حتى أنه ذات مرة رآه الأقرع بن حابس, يقبل الحسن, فقال له: إن لي عشرة من الولد ما قّبلت واحدا منهم.. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لا يرحم لا يٌرحم). · (ويقول أنس رضي الله عنه خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم سنين فما سبني سبة قط, ولا ضربني ضربة قط, ولا انتهرني, ولا عبس في وجهي ولا أمرني بأمر فتوانيت فيه فعاتبني عليه, فإن عاتبني أحد من أهله قال: دعوه), صلى الله عليه وسلم. · أين هذه الرحمة السامقة في عالم الخلق من تصرفات وأفعال أصحاب الحضارات المزيفة, والتقدم المدعى.. أين الرحمة من أصحاب الديمقراطية الممقوتة بأهدافها الخسيسة, وانظروا كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم إمامنا وقدوتنا, والرحمة المهداة عند توزيع الأسرى قال: (استوصوا بالأسارى خيرا..).. رغم أنهم أعداء إلا أنه أمر بالرحمة بهم، وحث على الخير معهم.. أين من يتشدقون بالحرية وحقوق الإنسان وغير ذلك مما لا تجد له في واقعهم إلا العكس, وما حدث بسجون أمريكا ومعتقلاتها سواء بالعراق أو جوانتانموا ليس عنا ببعيد, لم يكن الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم مقصورا على ذلك إلا أنه فتح لهم بابا من الفكاك والنجاة, وأعفى فقرائهم من الفدية وقبل منهم أن يعلم كل واحد منهم عشرة من صبيان المدينة القراءة والكتابة. · قيل له وهو يقاتل الأعداء: (لو لعنتهم يا رسول الله! فقال: إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعانا), وكان صلى الله عليه وسلم إذا سئل أن يدعو على أحد عدل عن الدعاء عليه إلى الدعاء له كما هو الحال مع دوس قال: (اللهم أهد دوسا وائت بهم).
· رحمته بالحيوان: · رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان ظاهرة في سيرته صلى الله عليه وسلم ومشهورة.. ومما لا يخفى قصة الرجل الذي سقى كلبا بخفه فغفر الله له, فقالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا.. قال: (في كل كبد رطبة أجر)..أي في كل روح أجر وثواب لمن يفعل معها ما فيه من رحمة ورفق, قال عبد الرحمن بن عبد الله: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأينا حمرة (طائر مثل العصفورة) معها فرخان لها فأخذناها فجاءت الحمرة تعرش (ترفرف) فلما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم قال: من فجع هذه بولدها, ردوا ولدها عليها), ونهى صلى الله عليه وسلم أن يتخذ الحيوان هدفا, يرمى بالنبال ليتعلم فيه الرمي, وأمر لمن يريد الذبح أن يحد شفرته, ويريح ذبيحته وألا يذبح الحيوان بمرأى من الحيوان.. صلى الله عليه وسلم.
· ولكن .. الرحمة لا تجاوز حدها: · لما أَسر أبا عزة الشاعر أول مرة استعطفه حتى أطلق سراحه على شرط ألا يقف بعد اليوم ضده وتدور الأيام وينكث عهده ويأسره صلى الله عليه وسلم فيستعطفه أبو عزة فيقول صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين). · إنها.. الرحمة التي تفيض حتى تكاد تقتل صاحبها أسى لما يرى من انصراف الخلق عن طريق الجنة إلى طريق النار حتى يعاتب الله عز وجل صاحبها: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)[الكهف:5]...
إنها.. رحمة النبوة وصفاتها.
· رابعا: نماذج من عفوه صلى الله عليه وسلم.. · لئن كان النبي صلى الله عليه وسلم صبورا على الأذى, مع كراهيته لمن أساء إليه لكان أمرا طبيعيا, ولكنه صلى الله عليه وسلم ترفع عن حظ نفسه وكان سرعان ما يصفح ويغفر, ويعفو ويتجاوز عن الإساءة بدون كراهية للمسيء أو الحقد عليه وكان عفوه صلى الله عليه وسلم وتسامحه مع القدرة عليه وليس عن عجز وضعف. · حيث قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا لنفسه قط ما لم تنتهك محارم الله, فإذا انتهكت كان أشدهم غضبا), فهو يعفو عمن يصيبه هو, ولكن لا يعفو عن من يمس الدين بأذى, لأن هذا تهاون في رعاية حقوق الله, وكان صلى الله عليه وسلم أبعد عن ما يكون هذا..
· وكثيرة هي المواقف التي تتجلى فيها هذه الصفة العظيمة.. · وكما هو معلوم أن مقتل سيدنا حمزة رضي الله عنه كان فاجعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أسد الله وقد حزن عليه صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا فهو بطل الأبطال الذي نصره يوم أن خذله الناس.. حيث يقول صلى الله عليه وسلم وهو واقف أمام جثة عمه حمزة: (ما وقفت موقفا قط أغيظ إليّ من هذا الموقف لما رأى في جثته من تمثيل وتشويه), ومع ذلك يأتيه وحشي قاتل حمزة ليسلم بين يديه.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وحشي.. قال: نعم يا رسول الله, قال: اقعد, فحدثني كف قتلت حمزة.. فحدثه.. فلم يزد بعد أن سمع منه على أن قال: ويحك غيب وجهك عني, فلا أرينك), أرأيت أيها القارئ الكريم إلى أي مدى بلغ عفوه العظيم رغم عظيم الجرم وأثره في نفسه حزنا ومرارة فهي أخلاق النبوة حينما تسم إلى العلياء لا يدانيها أخلاق. · كان سهيل بن عمرو من أشد خطباء قريش معاندة ومعاداة للإسلام, وكان من أفحشهم لسانا, وابلغهم بيانا, فلما وقع أسيرا في بدر, قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (دعني أنزع ثنيتيه ليلدغ لسانه, فلا يقوم خطيبا أبدا, فقال صلى الله عليه وسلم: لا أمثل به.. فيمثل الله بي وإن كنت نبيا), صلى الله عليه وسلم. · انظروا أيها الأحبة الكرماء... عندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم فاتحا لمكة, وكان أهلها في السابق قد آذوه ونكلوا به, وبالمسلمين وحاصروه ومنعوا عنه الميرة والطعام والشراب, حتى هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من شدة إيذائهم له فقد قال لهم وقد تملكهم الخوف والرعب والفزع: ما تقولون وما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. فقال صلى الله عليه وسلم: أقول لكم قال أخي يوسف لإخوته: (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ), اذهبوا فأنتم الطلقاء), فتفرقوا كأنهم بعثوا من قبورهم, ودخلوا في دين الله أفواجا, فما أعظم العفو عند المقدرة وكان صلى الله عليه وسلم خير من قدر ثم عفى. · موقف أخر يتجلى فيه عفوه صلى الله عليه وسلم: فعندما قفل صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه من غزوة ذات الرقاع.. فنام.. فانسل رجل والمسلمون في غفلة عنه حتى قام على رأسه وأخذ السيف المعلق بالشجرة وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: من يمنعك مني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الله, فسقط السيف من يد الرجل فأخذه صلى الله عليه وسلم.. وقال للرجل: من يمنعك مني؟ فقال الرجل كن خير آخذ.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل أشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله.. فقال الرجل: لا غير أني لا أقاتلك ولا أكون معك ولا أكون مع قوم يقاتلونك.. فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن عفا عنه وخلى سبيله.. فجاء الرجل أهله وقال جئتكم من عند خير الناس)... · وكان صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه والأمة ويأمرهم بالعفو والصفح في أقواله كما هي في أفعاله..
(إن الله عفو يحب العفو)
(من عفا عند المقدرة عفا الله عنه عند العسرة)
قال صلى الله عليه وسلم لعتبة بن عامر:
(ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ تصل من قطعك, وتعطي من حرمك، تعفو عمن ظلمك)
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
· خامسا: الحلم وكظم الغيظ.. لقد كان حليما كاظما لغيظه جامحا لجماح نفسه من الثأر لها من غيره وإن آذاه وظلمه, فلم يؤثر عنه قط في يوم من الأيام أن انتصر لنفسه أو انتقم لحظها, مع قدرته على ذلك, بل كان دائما يقابل الأذى والعدوان بالحلم وكظم الغيظ والصبر والعفو, فكان حقا كما قال الله عز وجل: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ), وكان في ذلك ممتثلا لأمر ربه في قوله: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ), وكذلك قوله: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ), فلقد كان صلى الله عليه وسلم من أحلم الناس وأصبرهم وأكظمهم للغيظ... ذو صدر رحيب وسماحة نفس, مما حدا بالنفوس أن تنجذب إليه وبالقلوب أن تلتف حوله, وصدق الله إذ يقول: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)...
· ومن الأمثلة الدالة على حلمه وكظم غيظه صلى الله عليه وسلم.. 1. ما حدّث به سيدنا أنس رضي الله عنه إذ يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا معه فأدركه أعرابي, فجذبه جذبا شديدا, وكان على النبي بٌرد نجراني غليظ الحاشية فنظرت إلى عنق رسول الله صلى اله عليه وسلم وقد أثرت فيه حاشية البرد, فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحك, وقال: ما شأنك؟ فقال له الأعرابي: يا محمد, احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك, فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك, فسكت النبي صلى الله عليه وسلم, ثم قال: المال مال الله وأنا عبده, ثم قال: ويُقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟ قال الأعرابي: لا, قال النبي: ولم؟ قال الأعرابي: لأنك لا تكافئ السيئة بالسيئة, فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم أمر أن يحمل للأعرابي على بعير شعير وعلى الأخر تمر), فقد حلم النبي صلى الله عليه وسلم على أعرابي تتطاول عليه بيده ولسانه في فظاظة لا تطاق, ثم يعطيه ما أراد بل أكثر مما أراد وهنا لا نملك إلا أن نقول حقا: إنها أخلاق النبوة التي لا تدانيها أبدا أخلاق. 2. كان زيد بن سَعْنة من أحبار اليهود يقول: (ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد حين نظرت إليه إلا اثنتان لم أخبرهما منه وهما أنه يسبق حلمه جهله, ولا يزيده شدة الجهل إلا حلما), وكنت أنطلق لأخالطه فأعرف حلمه من جهله, وكان لزيد هذا دينا على النبي صلى الله عليه وسلم, فجاءه يتقاضاه قبل مُحِلِّه بيوم أو يومين أو ثلاثة... أأفجذب النبي صلى الله عليه وسلم من ثوبه عند منكبيه جذبة شديدة آخذا بمجامع ثوبه مغلظا له في القول بوجه جهم قائلا له: ألا تقضيني يا محمد؟ فو الله ما علمتكم بني عبد المطلب لمُطْل, وقد كان لي بمخالطتكم علم, فقال عمر وكان معه: أي عدو الله أتقول هذا لرسول الله؟! وتصنع به ما أرى؟! وتقول ما أسمع؟! وانتهره عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في تؤدة وسكون ويبتسم, ثم قال صلى الله عليه وسلم: لأنا وهو أحوج إلى غير هذا منك يا عمر, تأمرني بحسن القضاء وتأمره بحسن التقاضي, ثم قال: لقد بقى من أجله ثلاث (أي على ميعاد سداد الدين), اذهب يا عمر فاقض حقه وزده عشرين صاعا من تمر, وذلك لأنه رَوّعه, وعندئذ وجد زيد ضالته التي يبحث عنها وهي أن يرى من النبي ما فيه دلالة على أن يسبق حلمه جهله, ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما, فما كان منه إلا أن قال: أشهدك يا عمر أنني قد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا, وأشهدك أن شطر مالي – فإني أكثرها مالا- صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم, فقال له عمر: أو على بعضهم فإنك لا تسعهم كلهم, قلت: أو على بعضهم, قال عمر: فرجع عمر وزيد بن سَعْنة إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله), فآمن به وصدقه وبايعه وشهد معه مشاهد كثيرة وكان ذلك سببا لإسلام زيد رضي الله عنه وأرضاه. 3. (جاءه أعرابي يطلب شيئا فأعطاه ثم قال له: هل أحسنت إليك؟ فقال الأعرابي: لا ولا أجملت, فغضب المسلمون وقاموا إليه, فأشار إليهم أن كفوا, ثم قام ودخل منزله, وأرسل إلى الأعرابي, وزاده شيئا, ثم قال له: أحسنت إليك؟, قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: إنك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي شيء من ذلك فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي, حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك, قال: نعم, فلما كان الغد أو العشي جاء, فقال النبي صلى الله عليه وسلم, إن هذا الأعرابي قال ما قال, فزدناه, فزعم أنه رضي, أكذلك؟ قال الأعرابي: نعم, فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا, فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه, فأتبعها الناس, فلم يزيدوها إلا نفورا, فناداهم صاحب الناقة: خلوا بيني وبين ناقتي, فإني أرفق بها وأعلم بها, فتوجه لها بين يديها فأخذ لها من قُمام الأرض, فردها هوناً هونا حتى جاءت واستناخت وشد عليها رحلها, واستوى عليها, وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه, دخل النار).. أرأيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحلم على من أعطاه فجحد عطائه..؟ أرأيت إليه كيف يعطيه ثانية فيسمع رضاه ودعاءه؟ ثم أرأيت إليه وهو يحرص على أن يمحوا من نفوس أصحابه غضبتهم على هذا الأعرابي, حتى لا ينزل به أحدهم عقوبة على جلافته ونكرانه الجميل, ولكن حقا هو الخلق العظيم كما قال رب العالمين: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).... 4. أتى شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبى الله أتأذن لي في الزنا؟ فصاح الناس فيه, فقال النبي صلى اله عليه وسلم: (قرّبوه, ادْنُ, فدنا حتى جلس بين يديه صلى الله عليه وسلم قال له النبي: أتحبه لأمك؟ فقال الشاب: لا, جعلني الله فداك, قال النبي: كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم, أتحبه لابنتك؟, قال الشاب: لا, جعلني الله فداك, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم.. أتحبه لأختك؟ حتى ذكر العمة والخالة وهو يقول في كل مرة لا, جعلني الله فداك, والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: كذلك الناس لا يحبونه),ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدر الشاب, وقال: (اللهم طهر قلبه, واغفر ذنبه, وحصّن فرجه), فلم يكن أبغض إليه من الزنا, وها هنا تتجلى حكمة المعلم الأول في صدر متسع فسيح وحلم عظيم فلم يسفهه أو يؤنبه, ولكن أخذ يبصّره بقبح الزنا وشناعته ويشعره أثره وعاره على الناس, ثم عطف عليه عطف الأب الودود ودعا له بالبرء من دائه الذي كان يظن الشاب أنه لا فكاك له منه ولا شفاء, فحقا إنه حلم الحليم وحكمة الحكيم. إضافة إلى المواقف السابقة ما كان منه صلى الله عليه وسلم من حث وحض لأصحابه على الحلم ومن ذلك: 1. كانت السيدة عائشة رضي الله عنها إذا غضبت أخذ بأنفها وقال: (يا عُويشُ, قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي, واذهب غيظ قلبي, وأجرني من مضلات الفتن). 2. (إن الرجل ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم).. 3. (ما تجرع عبد جرعة أفضل عند الله من جرعة غيظ يكظمها ابتغاء وجه الله).. 4. قوله صلى الله عليه وسلم لمن يسأله عما يأمره به ويقلل له.. فقال له: (لا تغضب) ثم أعاد عليه فقال: (لا تغضب).. 5. (من كظم غيظا وهو يقدر علي إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا), وغير ذلك كثير مما حرص صلى الله عليه وسلم أن يحض أصحابه على التخلق بخلق الحلم وكظم الغيط فصلي اللهم وسلم على الحليم الذي ما غضب لنفسه قط ..
· وأخيرا.. وبعد أن ضربنا أمثلة على خمسة من أمهات أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وضح بما لا يقبل الشك أن العالم لم يعرف ارتفاعا في الأخلاق في كلياتها وجزئياتها وأبعادها وشمولها, كما عرفه في رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما شهد بذلك القرءان العظيم, وأن منتهى آمال الأخلاقيين أن يقلدوه في خّلق واحد من أخلاقه وهم بذلك لا يرتقون إلا إلى بعض ما عنده صلى الله عليه وسلم..
فإن قلت أكرمك الله لا خفاء على القطع بالجملة أنه صلى الله عليه وسلم أعلى الناس قدرا, وأعظمهم محلا وأكملهم محاسن وفضلا, وقد ذهبنا سويا في الوريقات السابقة في تفاصيل خصال الكمال مذهبا جميلا, شوقني أن أقف عليها من أوصافه صلى الله عليه وسلم..
· صفاته الِخلقية صلى الله عليه وسلم.. · فاعلم نَوَّرَ الله قلبي وقلبك, وضاعف في هذا النبي الكريم حبي وحبك, أنك إذا نظرت إلى خصال الكمال وجبلة الخلقة, وجدته صلى الله عليه وسلم حائزا لجميعها بل قد بلغ بعضها مبلغ القطع.. · أما الصورة وتناسب أعضائه في حسنها, فقد جاءت الآثار الصحيحة, والمشهورة الكثيرة بذلك, من حديث علي وأنس بن مالك وأبي هريرة والبراء بن عازب وغيرهم, على أنه صلى اله عليه وسلم كان أزهر اللون, فعن جابر رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان (مقمرة مسفرة) فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو كان أحسن في عيني من القمر). · وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه, وما رأيت أحد أسرع في مشيه منه, كأن الأرض تطوى له إنا لنجهد وإنه غير مكترث), أخرجه الترمذي. · وأخرج الشيخان عن البراء قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها, وأحسنهم خلقا, ليس بالطويل الذاهب وليس بالقصير).. · وأخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم القدمين, حسن الوجه, لم أرى بعد مثله).. · وأخرج الدرامي عن ابن عمر قال: (ما رأيت أشجع ولا أجود من رسول الله صلى الله عليه وسلم).. · وقال فيه أبو طالب:
· وأخرج عبد الله بن الإمام أحمد والبيهقي عن علي قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم ليس بالذاهب طولا, وفوق الربعة, إذا جاء مع القوم غمرهم, أبيض ضخم الهامة أي الرأس أغر أبلج, أهدب الأشفار (طويل الشعر أسوده) كأن العرق في وجهه اللؤلؤ, لم أرى قبله ولا بعده مثله),
لو لم تكن فيه آيات مبينة .. لكان منظره ينبيك بالخبر..
· وكان منظره صلى الله عليه وسلم لمن أمامه يوحي بأنه نبي, فقد أخرج الترمذي عن عبد الله بن عبد السلام قال: (لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جئته لأنظر إليه فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب). · وكان صلى الله عليه وسلم إذا مس أحدا أحس بطمأنينة عجيبة وروح عجيبة, وكيف لا وقد هيأه الله للنبوة ولحمل الرسالة خلقة وخلقا صلى الله عليه وسلم. · وعن أنس رضي الله عنه قال: (ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف رسول الله, ولا شممت مسكا ولا عنبرا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم). · ولقد وصفه هند بن أبي هالة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما, يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر, عظيم الهامة, رجٍل الشعر, أزهر اللون, واسع الجبين, أزج الحواجب سوابغ في غير قرن, بينهما عرق يدره الغضب (الحاجب الأزج: المقوس الطويل) أقنى العرنين (العرنين: الأنف أو ما صلب منه, والقنا طول الأنف ودقة أرنبته واحد يداب وسطه), له نور يعلوه, يحسبه من لم يتأمله أشم (الطويل قصبة الأنف), كث اللحية, أدعج (الدعج شدة سواد العينين) سهل الخدين, ضليع الفم, أشنب, مفلج الأسنان (أي لأسنانه رونق وغير متراكبة), دقيق السربة (خفيف شعر ما فوق السرة) كأن عنقه جيد دمية في صفاء معتدل الخلق, بادن متماسك, سواء البطن والصدر, عريض الصدر, بعيد ما بين المنكبين.. أنور المتجرد، طويل الزندين, رحب الراحة, شثن الكفين والقدمين, سابل الأطراف (طويل الأصابع), سريع المشية, إذا مشى كأنما ينحط من صبب, وإذا التفت التفت جميعا, خافض الطرف, ناظره إلى الأرض, أكثر من نظره إلى السماء.
· وختاما.. فإن الأحاديث المشهورة كثيرة فلا نطول عليك بسردها وقد اختصرنا في وصفه, نُكَت ما جاء فيها وفي القصد الكفاية, فقلناها بين يدي صفاته وكمالاته الخلقية لتتضح لك شخصيته من جميع جوانبها صلى الله عليه وسلم.
· يقول وليم موير.. (وكان محمد بأخلاقه شخصية فريدة, لا تبديل ولا تغيير فيها, هي النفس التي اتصلت بالسماء, وعاشت على الأرض محببة إلى الناس في كل أطوار حياته, كان بطل الأبطال صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى الذي نحن اليوم أحوج ما نكون إليه..)أ.هـ .
رد: سلسلة ... " هو النبي لا كذب "(7) (محمد صلى الله عليه وسلم.. شمائله وصفاته)
اللهم صلى على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
جزاكم الله خيرا أخى محمد سعد
وهنيئا لك تسميتك باسم النبى (محمد - صلى الله عليه وسلم )
وكيف لا يتسمى بالرسول سمى
فى الحقيقة مجهود أكثر من رائع فى هذه السلسلة التى لكم وددت لو كنت أستطيع كتابة شىء منها
جعلها الله فى ميزان حسناتك
توقيع : فاروق ابوعيانه
اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتنى ، وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبى فاغفر لى فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .