- اختفاء 272 خنزيرًا من مجزر البساتين دون علم أحد - رجال أعمال كبار يقفون خلف عمليات التهريب - محلات الكباب وبائعو الأحشاء أبرز المستفيدين - مافيا تصنيع اللحوم المجمدة تدخلت لأخذ نصيبها - الخبراء: غياب الرقابة وتلكؤ الحكومة سبب الأزمة
تحقيق- خالد عفيفي: دق الخبراء البيطريون في الأيام الأخيرة ناقوس الخطر محذرين من انتشار لحوم الخنازير في مصر؛ وخاصة بعد قرار الحكومة المصرية بذبحها، الأمر الذي أدى إلى تعدد حالات تهريب الخنازير الحية أثناء توصيلها للمجزر، وكذلك تهريب اللحوم بعد ذبحها لبيعها في الأسواق على أنها لحوم ضأن أو ماعز.
(إخوان أون لاين) تتبع رحلة الخنازير من الزرائب وحتى حفظها في ثلاجات المجزر الآلي بالبساتين في محاولة لكشف مافيا السوق السوداء في لحوم الخنازير.
شهود عيان بالمنطقة أكدوا لنا أن عمليات تهريب الخنازير تتم تحت سمع وبصر الشرطة، ويتم توصيلها إلى "الكبار" لذبحها وبيعها لصالحهم، وأضافوا أن جزءًا كبيرًا من هذه اللحوم يذهب إلى أصحاب محالِّ الكباب الذين يبيعونها على أنها لحم ماعز أو ضأن، فضلاً عن جزء آخر يذهب إلى شركات تصنيع اللحوم المجمَّدة؛ حيث يتم خلطها باللحوم الصالحة، وتصنيع بعض الأطعمة مثل اللانشون والبسطرمة.
وفي تأكيد لشهادات الأهالي تضاربت تصريحات مسئولي الحزب الوطني من ناحية، ومسئولي الحكومة من ناحية أخرى حول أعداد الخنازير، التي تم نقلها أمس من منطقة "الزبَّالين" بمنشأة ناصر بالقاهرة إلى المجزر الآلي بالبساتين.
ففي حين أكد شحاتة المقدس أمين الحزب الوطني بالمنطقة أن مديرية الطب البيطري بالقاهرة نقلت نحو 400 خنزير؛ أوضحت الدكتورة سعاد الخولي وكيل أول وزارة الزراعة ومدير مديرية الطب البيطري بالقاهرة أن إجمالي عدد الخنازير الواردة من منطقة الزبالين بلغ 128 خنزيرًا تم ذبح 59 منها وتسليم لحومها، وإعدام 69 أخرى بين خنازير صغيرة "جراء" وعشار حُرِقَت في محرقتين بالمجزر، سعتهما طن ونصف الطن في الوردية الواحدة.
طرق التهريب
إحدى مناطق تربية الخنازير في مصر
وتبدأ المرحلة الأولى من السوق السوداء والمتمثلة في تهريب الخنازير في الطريق بين منطقة الزرائب ومجزر البساتين، ونقلها إلى المناطق الصحراوية والجبال في عدة مناطق، وأبرزها صحراء المقطم. وتبدأ بعد ذلك عمليات الذبح وتوزيع لحوم الخنازير على أماكن معينة عن طريق تجار، ووسطاء متخصصين يعرفون الطريق الذي سيذهبون إليه، وهو لا يخرج عن 4 طرق؛ أولها بيع اللحوم للتجار الكبار الذين يوزعونها عن طريق محال بيع لحوم الخنازير المملوكة لهم أو تلك التي يمتلكها آخرون. وثاني تلك الطرق هو بيعها لبعض أصحاب محال "الكباب والكفتة" الذين يدمجونها مع اللحوم الأخرى ويقدمونها للناس "ولا مين شاف ولا مين دري"، بينما يكون الطريق الثالث هو بيع أحشاء الخنازير لبائعي أحشاء الماشية في الشوارع أو ما يسمونها "الحلويات" وخاصة كبد الخنزير.
والطريق الرابع والأخير هنا يختلف كثيرًا عن سابقيه؛ حيث يتم بيع اللحوم لشركات ومصانع اللحوم المصنعة مثل اللانشون والبسطرمة والبلوبيف وغيرها من الأطعمة الموجودة داخل معظم البيوت المصرية، ويأكلها الناس، ولا يدركون شيئًا عن مصدرها أو كيفية تصنيعها.
إلى المجزر..
أحد محلات بيع لحوم الخنازير
وهنا تبدأ مرحلة جديدة يصل فيها ما تبقى من خنازير إلى المجزر يستقبلها الأطباء البيطريون ورجال الأمن على حدٍّ سواء.
وحتى كتابة هذه السطور أكدت الدكتورة سعاد الخولي وكيل أول وزارة الزراعة، ومدير مديرية الطب البيطري بالقاهرة أن ثلاجات مجزر البساتين لا تزال خاويةً، ولم يُوضع فيها غير كمياتٍ قليلة لا تذكر من لحوم الخنازير المذبوحة، وتم تسليم الجزء الأكبر منها بعد ذبحها إلى أصحاب الزرائب ومربي الخنازير.
التقينا في المجزر بأحد عمال الأمن- رفض ذكر اسمه- الذي أكد أن عمليات تهريب لحوم الخنازير تتم هذه الأيام على قدمٍ وساق؛ وذلك على الرغم من تأكيدات القيادات الأمنية أن إجراءات مشددة فرضوها على تلك اللحوم.
وأضاف أن تلك العمليات تنصبُّ على تهريب أحشاء الخنازير إلى تجار كبار يوزعونها على بائعي أحشاء الأغنام والماشية المنتشرين في المنطقة المحيطة بالمجزر، في حين لا يُبدي معظم المتعاملين في ذلك اهتمامًا باللحوم، على حدِّ تعبيره.
وعندما واجهنا أحد بائعي الأحشاء بذلك أبدى رفضًا شديدًا، وقالت أم نوسة- إحدى البائعات-: "إحنا نعرف أوي نميز بين لحمة الخنزير وأي لحمة تانية، وما قدرش أبيع للناس حاجة زي كده هروح من ربنا فين؟". ولكنها لم تنفِ في الوقت ذاته معرفتها ببائعين "معندهمش ضمير"، وعندما طلبنا منها أن تدلنا على أحدهم قالت: "أنا عندي عيال عاوزة أربيهم وبعدين أنا خايفة من اللي بيحموا البياعين دول".
التقينا بعد ذلك بالحاج كيلاني (موزع لحوم) حيث أكد أنه رأى بعينيه لحوم الخنازير تُهرَّب من ثلاجات الحفظ وتخرج إلى أماكن مجهولة، مشيرًا إلى أن عمليات التهريب موجودة طوال العام، ولكنها نشطت بشدة خلال الأيام التي ظهرت فيها إنفلونزا الخنازير.
وأضاف أن معظم اللحوم المهربة تذهب لبائعي الأحشاء في حين يُباع جزء آخر إلى مصانع اللحوم المجمدة بالسادس من أكتوبر.
ورفض سمير متولي (صاحب محل كباب) تلك الاتهامات قائلاً: "إحنا أصلاً بنقرف نتعامل مع لحوم الحيوان القذر ده، إزاي بس هنأكل الناس منه؟!!".
نفي قاطع
مصادمات بين الشرطة وأصحاب مزارع الخنازير بمنشأة ناصر
من جانبها نفت الدكتورة أنا أنطوانيت بديع مدير إدارة الطب البيطري بحي منشأة ناصر وقوع عمليات تهريب لخنازير حية أو للحومها المذبوحة، مؤكدةً وجود إجراءات أمنية مشددة تصاحب الخنازير منذ لحظة نقلها من الزرائب ووصولها إلى المجزر ثم ذبحها وتسليم لحومها إلى أصحاب الخنازير أو إعدام غير الصالح أو الصغير منها.
وقالت: "مش انتو بس اللي خايفين على صحة المصريين، إحنا كمان خايفين؛ لأننا جزءٌ من الشعب ده ولا نرضى له الضرر".
مخاوف!
د. سامي طه
من جانبه أكد الدكتور سامي طه عضو مجلس نقابة البيطريين أن التخوفَ الأكبر في تلك الأزمة يكمن في محورين أولهما إمكانية تهريب الخنازير حية إلى أماكن مجهولة وذبحها وتوزيع لحومها على أصحاب محال الكباب وبائعي الأحشاء، إضافةً إلى الخطأ الثاني الذي يتمثل في تهريب لحوم الخنازير من المجزر بعد ذبحها وتوزيعها على شركات مصنعات اللحوم، أو حتى معدومي الضمير من الجزارين أنفسهم الذين يبيعونها على أنها لحم ضأن، مشيرًا إلى اكتشاف مديرية الطب البيطري بالقاهرة في مايو 2008م جزارًا بمنطقة منشأة ناصر يذبح الخنازير ويبيع لحومها على أنها لحوم ماعز وضأن!.
وشدد د. طه على أن غياب الرقابة وتلكؤ الحكومة المصرية في تنفيذ توصيات مجلس الشعب، ومطالب الخبراء البيطريين بضرورة إعدام الخنازير وليس ذبحها، هو ما أدَّى إلى هذا الوضع السيئ، فضلاً عن إمكانية انتشار الفيروس نتيجة التأخر في تنفيذ قرار الذبح.
تدخل الجيش
وطالب الدكتور حامد عطية أستاذ الطب البيطري بجامعة الزقازيق بضرورة تدخل الجيش المصري لوقف عمليات تهريب الخنازير ولحومها، محذرًا من كارثة صحية محدقة بالشعب المصري تعادل في خطورتها انتشار الفيروس إذا انتشرت لحوم الخنازير بين المواطنين.
وأرجع د. عطية تلك العمليات إلى غياب الضمير الإنساني أولاً عند أصحاب الزرائب وصانعي القرار، وكذلك غياب دور الحكومة، ورجال الأمن في مراقبة السيارات التي تحمل الخنازير إلى المجزر ومراقبة ثلاجات الحفظ.
ودعا إلى تفعيل دور الأجهزة الرقابية في الدولة وتنظيم حملات تفتيش متلاحقة على محال بيع أحشاء الماشية ومحلات الكباب، وكذلك على شركات تصنيع اللحوم المجمدة.