في مكان جميل هادئ كنت أمضي استعدادا للوضوء لصلاة الفجر.. وحولي الأشجار العالية، وبعد الوضوء عدت من ذات الطريق.. كانت أصوات العصافير تعلو بشكل ملحوظ..
قلت: سبحان الله، هاهي ذي تسبح الرحمن.
صمت مبهم، عصافير تسبح وتشكر الله في أعشاشها الدافئة، خالية الروح من زخرف الدنيا..
أشجار تعرت من أوراقها.. وأشجار تحمل الكثير من الوريقات الصفراء والبرتقالية الداكنة والبنية والأوراق الجافة، ألوان متفاوتة، حشرات الشجر، نسيم الشروق البارد المنعش كان يحرك شجرة فتية بديعة الأوراق فتميس ضارعة في ترانيم العبادة..
أطلقت لفكري سبحاته العميقة.. العصافير.. كل جميل يدعوني لرحلة سماوية.. حلق عقلي بأجنحته.. رحل بشوق في عالم التأمل..
قلت: سبحان الله العظيم للناس إمام والصفوف الملتحمة خلفه( يؤمهم في رحلة إلى الله)..
أما العصافير فكل واحد منها لذاته إماما ومأموما..!! كانت تتنافس في رفع أصواتها.. كأنما تقول: صلاتي أفضل.. اسمعني أنا يا الله..
في صلاتها كانت تشكر الله على الفضاء والهواء والضياء والماء والغذاء..
تشكره يوما بيوم، وربما ساعة بساعة، وتصلي في خشوع غير عابئة بالكون حولها..
ما أروعك أيتها العصافير، يا من عرفت حق الله وجهلته بشرية غافلة، أنت لا تؤجلين الشكر، والله يعطينا أكثر مما يعطيك ولكن هل نشكره كما تشكرينه قبل السبات..
تصلين وترفعين الصوت علّ قلب مؤمن مرهف الحس يعتبر، وكم من الناس من لا يؤدي الصلاة..
ليس لك عقل، لكن قلبك من نور الله، ومنقارك الطاهر المسبح سبحان منْ سَوَّاه..
نعم أيتها العصافير، يا من أثرت الشوق في قلبي وأنت تصلي في محراب الشاكرين ..
أيتها العصافير.. يا معلمة الإنسان لمن يطلق الفكر ويحرر الوجدان..
أيتها العصافير.. غدا تعودين للفضاء الرحيب، قوتك من ثمرات الشجر، ورِيُّك من ماء الجدول أو النهر، وصوتك أنغام عذاب شعر، ونجواك سمر..
أيتها العصافير.. عجبت من هذا الشكر والتسبيح والصلاة الجماعية.. ولكل صلاته..
من علمك هذا أيتها العصافير.. علمي البشرية.. حدثيهم عن رب العالمين عن الرحيم العظيم الكريم.. فأنت مدرسة لمن أراد العلم..
(وَإِنْ مِنْ شيء إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تسْبِيحَهُمْ)