رد: صدر حديثا : كتابي ( وربك فكبر) .. تقديم أ.د. عبد الحي الفرماوي
لماذا آية الكرسي ؟
· كلما تكاتفت عليّ سحب الهموم وأحاطت بي الأحزان والغموم وغلبتني الوساوس والظنون .. تأملت في آية الكرسي فوقع بصري علي قوله تعالي (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) فأحسست بها تهز قلبي وتزلزل كياني وتحطم أحزاني وكأنها تخاطبني : ربك عزوجل يتولي إمدادك ورعايتك ويتولي حفظك ونصرتك ويمسح آلامك ومتاعبك .. فإذا هزتك الأزمان، وطوقتك الحوادث، وحلت بك الكربات، فقل لقلبك : أتدري في كنف من أنت ؟ .. أنت في كنف وحمي الركن الذي لا يضام ، والقوة التي لا تُرام ، والعزة التي لا تُغلب .. حسبك (الْحَيُّ الْقَيُّومُ)
· كلما هممت بمعصية أوغلبتني شهوة أوغرتني نفسي الأمارة بالسوء فأوقعتني في شباك الهوي .. طالعت قول ربي في آية الكرسي (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ) فإضطرب فؤادي وارتجفت أوصالي وتزلزلت جوارحي .. ويحك يانفس .. أتدرين من يراقبك ؟ من يطّلع علي ظاهرك وباطنك ؟ إنه الله عزوجل (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر19) يا الله ! حتى خائنة الأعين ! الخائنة التي يظن الإنسان أنه وحده الذي يحسها ويعرفها، وألا أحد في الوجود كله يراها أو يفهمها ؟ إنه لشعور رهيب أن تحس فجأة بأنك موضوع تحت المراقبة .. المراقبة الدقيقة التي لا تترك صغيرة من عملك ولا كبيرة إلا أحصتها وسجلتها عليك .
· كلما ضعفت في مواجهة الشدائد والأزمات وكدت أنهار أمام الخطوب والملمات .. فضاقت عليّ السبل ، وبارت الحيل، وتقطعت الحبال، وضاق الحال .. إذ بآية الكرسي توقظني من غفلتي وكأنها تعاتبني : هل نسيت الملك عزوجل الذي (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) ؟ أما علمت أن الملك سبحانه (يسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ) ( الرحمن 29) .. فهلا رفعت إليه شكواك ؟! هلا قصدت باب مولاك ؟! .. ويحك .. أنسيت ما خولك وأعطاك ؟ أما خلقك فسواك ؟ .. أما ألهمك الإسلام وهداك ؟ .. أما قربك بفضله وأدناك ؟ .. أما بِره في طرفة عين يغشاك ؟
· كلما ردد لساني قوله تعالي (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) .. سارع قلبي وجوارحي بالسجود لله عزوجل .. ألا ما أروع السجود لعظمته .. فهو أقصى درجات العبودية، وأجل مظاهر التذلل، وأصدق دلائل الإذعان، أجمل رسائل الحب وأعذب مناظر الخشوع وأفضل أثواب الافتقار وهو انطراح للجبار، وتذلل للقهار .. إلهي .. سجد لك قلبي وخشعت جوارحي وهتف لساني معلنا أن العظمة لله ، والكبرياء لله ، والاستعلاء لله ، والقوة لله ، والجبروت لله ، والملك لله ، والعبودية لله .
فحقيق بآية احتوت على هذه الأسماء والصفات والمعاني الجليلة أن تكون أعظم آية في كتاب الله ويحق لمن قرأها بتدبر وتفهم أن يمتلئ من اليقين والعرفان والإيمان.
رد: صدر حديثا : كتابي ( وربك فكبر) .. تقديم أ.د. عبد الحي الفرماوي
الهدف من هذا الكتاب
إن الهدف الرئيس من هذا الكتاب هو أن يتعرف الإنسان علي ربه وأن يزداد في قلبه المهابة والخشية والتعظيم لله عزوجل لينطلق المرء بعدها متوجها إلي ربه بقلبه وعقله وروحه وجوارحه وكيانه مستجيبا لدعوته (ففروا إلي الله) ليرتقي في مراتب الإحسان فيعبد الله كأنه يراه ويجتهد في التقرب إليه بما يحب ويجتنب ما يكرهه جل وعلا ويبغضه .. فلا يمكن أن تصل العبادة إلى أعلى كمالها إلا بتعظيم الله عزوجل واجلاله ... فكلّما كان العبد أكثر تعظيماً لله كلّما كان أقرب للتوحيد والإخلاص، وأبعد عن الشرك صغيره وكبيره وخفيّه وعلانيّه
والمفتاح الرئيسي لغرس عظمة الله في القلوب هو التأمل والتفكر
التفكر في أسماء الله الحسني وصفاته العليا
التفكر في آيات الله في الأنفس والآفاق
التفكر في نعم الله الظاهرة والباطنة .. الخاصة والعامة
وإن من أعظم صور التأمل والتفكر هو تدبر أسماء الله تعالي وصفاته وأفعاله
إن صفات الله تعالى وأسماءه الحسنى لها فى نفس المؤمن إشراقة روحية يحس بها من صفا بالإيمان قلبه ، وزكت بنور أسماء الله وصفاته نفسه ، وتلذذ بالمعرفة بربه شعوره الداخلى ووجدانه
إن من يطالع كتاب الله بتدبر وتأمل فإنه يري صفحات هذا الكتاب وقد إمتلأت بالحديث عن الله وصفاته وأفعاله .. وهذا ماقرره الإمام بن القيم رحمه الله ( تأمل خطاب القرآن تجد مَلِكًا له الملك كله، وله الحمد كله، أزمّة الأمور كلها بيده، ومصدرها منه، ومردّها إليه، مستويًا على سرير ملكه، لا تخفى عليه خافية في أقطار مملكته، عالمًا بما في نفوس عبيده، مطلعًا على أسرارهم وعلانيتهم، منفردا بتدبير المملكة، يسمع ويرى، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويقدّر ويقضي ويدبر، الأمور نازلة من عنده دقيقها وجليلها وصاعدة إليه، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ولا تسقط ورقة إلا بعلمه.. فتأمل كيف تجده يثني على نفسه، ويمجّد نفسه، ويحمد نفسه، وينصح عباده، ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم ويرغبهم فيه، ويحذرهم مما فيه هلاكهم، ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه، فيذكّرهم بنعمه عليهم، ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها، ويحذرهم من نقمه، ويذكّرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه، وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه)
ولعلنا- بفضل الله - نقف في هذا الكتاب مع آية من كتاب الله .. وأي آية ؟! إنها أعظم آية في كتاب الله ... إنها آية جمعت مظاهر العظمة كلها .. إنها آية الكرسي ... ندندن حولها .. نعيش في ظلالها .. نستضيء بأنوارها .. نتنسم عبيرها .. نسترشد بهديها , لعلها تؤتى فى النفوس ثمارها .. وعندها يتوجه المؤمن إلي الله وحده .. فله حبه .. ومنه خوفه .. وإليه رجاؤه وعليه توكله واعتماده
شعاره ...( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام 162-163)
هتافه ... (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) (طه84)
مناجاته ...
فطرت حياتي على الفقر لـك وفكري وقلبي على العلم بـك
ونفسي على حب ما قد وهبت وروحي على الأنس في حضرتِك
لذلك يا رب آمــنت بـك خضوعاً وحباً وأسلمت لــك
رضيتك ربا فأذللت قلبا وروحا ولبا إلى عزتك
وأخضعت نفسي وفكري وحسي ووجهي ورأسي إلى قدرتك
وسلمت أمري بجهري وسري وخيري وشري إلى حكمتك
ومحياي ربي وغفران ذنبي وموتي وبعثي إلى رحمتك
رد: صدر حديثا : كتابي ( وربك فكبر) .. تقديم أ.د. عبد الحي الفرماوي
من مقدمة الكتاب : إن الإنسان لا ينال درجة القرب من الله عزوجل إلا بعد أن يصطبغ بذل العبودية ولا يتأتي له ذلك إلا من خلال إيمانه بالله والتمسك بأوامره والإنتهاء عن نواهيه ولا يتأتي له هذا إلا بعد التفكر والتأمل في أسماء الله الحسني وصفاته العلي فالأسماء والصفات هي الوسائل التي تعرف الله بها إلي خلقه .. وهي النوافذ التي يطل منه القلب علي الله مباشرة .. وهي التي تحرك الوجدان وتفتح أمام الروح آفاقاً فسيحة تشاهد فيها أنوار الله وجلاله .. وهي الروح التي يسير بها السالكون إلى الله تعالى وهي حاديْهم في سيرهمومحركُ عزيمتهم إذا فتروا ومثير همهم إذا قصروا .. وهذه المعرفة هي غذاء القلوب وبها تزكو النفوس وتطمئن القلوب وتنشط لطاعة الله بذكره ومحبته وعبادته وتعظيمه وتكبيره وحمده وشكره . فمن كان بالله سبحانه وأسمائه وصفاته أعرف وفيه أرغب وله أحب وإليه أقربوجد من هذه الحلاوة فى قلبه ما لا يمكن التعبير عنه ولا يعرف إلا بالذوق والوجد .. ومتى ذاق القلب ذلك لم يمكنه أن يقدم عليه حبا لغيره ولا أنسابه وكلما ازداد له حبا ازداد له عبودية وذلا وخضوعا ورقاّ له وحرية عن رق غيره.. فكلما أدام العبدُ النظر في أسماء الله والتأمل في صفاته ازدادت محبته لربهوإقباله على طاعته وتحققت له لذة عبادته فأنس بربه واشتاق إلى لقائه .. فعلى قدر المعرفةِ يكون تعظيم الربّ تعالى في القلب وأعرف النّاس به أشدّهم لله تعظيمًا وإجلالاً .