يقول الشيخ محمد رشيد رضا([1])" التكلّمُ في تفسير القرآن ليس بالأمر السهل، وربما كان من أصعب الأمور وأهمها، وما كل صعب يُترك. ولذلك لا ينبغي أن يمتنع الناس من طلبه.
والتفسير له وجوه شتى:
(أحدها): النظر في أساليب الكتاب ومعانيه وما اشتمل عليه من أنواع البلاغة ليعرف به علو الكلام وامتيازه على غيره من القول، سلك هذا المسلك الزمخشري، وقد ألمّ بشيء من المقاصد الأخرى ونحا نحوه آخرون.
(ثانيها) الإعراب: وقد اعتنى بهذا أقوام توسعوا في بيان وجوهه وما تحتمله الألفاظ منها.
(ثالثها): تتبع القصص، وقد سلك هذا المسلك أقوام زادوا في قصص القرآن ما شاءوا من كتب التاريخ والإسرائيليات، بل أخذوا جميع ما سمعوه عنهم من غير تفريق بين غثٌ وسمين، ولا تنقيح لما يخالف الشرع ولا يطابق العقل.
(رابعها): غريب القرآن.
(خامسها): الأحكام الشرعية من عبادات ومعاملات والاستنباط منها. وقد جمع بعضهم آيات الأحكام وفسروها وحدها. ومن أشهرهم أبو بكر بن العربي وكل من يغلب عليهم الفقه من المفسرين يعنون بتفسير آيات أحكام العبادات والمعاملات أكثر من عنايتهم بسائر الآيات.
(سادسها): الكلام في أصول العقائد ومقارعة الزائغين، ومحاجّة المختلفين. وللإمام الرازي العناية الكبرى بهذا النوع.
(سابعها): المواعظ والرقائق، وقد مزجها الذين وقعوا بها بحكايات المتصوفة والعبّاد، وخرجوا ببعض ذلك عن حدود الفضائل والآداب التي وضعها القرآن.
(ثامنها): ما يسمونه بالإشارة، وقد اشتبه على الناس فيه كلام الباطنية بكلام الصوفية. ومن ذلك التفسير الذي ينسبونه للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي([2]). وإنما هو للقاشاني([3]) الباطني الشهير، وفيه من النزعات ما يتبرأ منه دين الله وكتابه العزيز".([4])
وأضيفُ إلى ما تقدم:
- الدعوة لإعادة بناء مجتمع إسلامي يقوم على أساس فكرة(الحاكمية لله)، وهي رؤية توصِّف المجتمعات المعاصرة بأنها مجتمعات جاهليّة لأنها تحتكم لغير الله، وهي بالتالي تنتقد النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي السائد وتبيّن عواره وفساده، وتدعو للعودة إلى منهج الله القويم الذي أضاءت معالمه آيات الكتاب، وتتجلى هذه المحاولة في التفسير الذي كتبه سيد قطب([5]) (في ظلال القرآن ).
- المنهج الألسني الذي اعتمده خريجو المدارس الحداثية بنزوعهم لتطبيق مفاهيم المدارس الألسنية في تحليل وتفكيك وتركيب النصوص على كتاب الله. وأغلب هؤلاء ممن تتلمذ على يد المستشرقين وتأثرّ حتى النخاع بالمفاهيم الغربية التي تنزع القداسة عن النص القرآني، وعلى رأسهم محمد أرغون([6]) الجزائري المولد.
أما ابن كثير([7])، فإنه يرى بأن أفضل طرق التفسير وأصحّها هو تفسير " القرآن بالقرآن؛ فما أُجمِلَ في مكان فإنه قد بسط في موضع آخر. فإن أعياكَ ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن" فبمَ تحكم؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي. قال فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال:الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرُضي رسول الله". وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح، لا سيّما علماءهم وكبراءهم كالأئمة الأربعة الراشدين"([8]).
تعريف السورة والآية:
عرّف ابن كثير في تفسيره: (تفسير القرآن العظيم) السورة والآية فقال: "اختـُلفَ في معنى السورة مما هي مشتقة، فقيل من الإبانة والارتفاع. قال النابغة:
ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كلَّ ملكٍ دونها يتذبـْذبُ
فكأنّ القارئ ينتقل بها من منزلة إلى منزلة. وقيل لشرفها وارتفاعها كسور البلدان، وقيل سميت سورة لكونها قطعة من القرآن وجزءاً منه مأخوذ من آسار الإناء وهو البقية. وعلى هذا فيكون أصلها مهموزاً. وإنما خففت الهمزة فأبدلت الهمزة واواً لانضمام ما قبلها. وقيل لتمامها وكمالها لأن العرب يسمون الناقة التامة سورة، (قلت) ويحتمل أن يكون من الجمع والإحاطة لآياتها كما يسمى سور البلد لإحاطته بمنازله ودوره. وجمع السورة سوَر بفتح الواو، وقد يجمع على سورات وسوَارات.
وأما الآية فمن العلامة على انقطاع الكلام الذي قبلها عن الذي بعدها وانفصالها؛ أي هي بائنة عن أختها ومنفردة. قال الله تعالى (إن آية ملكه) وقال النابغة:
توهّمتُ آياتٍ لها فعرفتها لستة أعوام وذا العام سابع
وقيل لأنها جماعة حروف من القرآن وطائفة منه كما يقال خرج القوم بآياتهم أي بجماعتهم، قال الشاعر:
خرجنا من النقبين لا حيّ مثلنا بآياتنا نزجي اللقاح المطافلا
وقيل سميت آية لأنها عجب يعجز البشر عن التكلم بمثلها.. وجمعها آي وآيات وآياي"([9]).
سورة الفاتحة:
قال الإمام محمود بن عمر الزمخشري([10]) في تفسيره الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل):
" هذه السورة مكية وآياتها سبع.. قـُرّاء المدينة والبصرة والشأم وفقهاؤها على أن (التسمية) ليست بآية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وإنما كتبت للفصل والتبرك بالابتداء بها.. وقرّاء مكة والكوفة وفقهاؤهما على أنها من الفاتحة من كل سورة، وعليه الشافعي وأصحابه رحمهم الله، ولذلك يجهرون بها. وقالوا: قد أثبتها السلف في المصحف مع توصيتهم بتجريد القرآن، ولذلك لم يثبتوا(آمين) فلولا أنها من القرآن لما أثبتوها. وعن ابن عباس: " من تركها فقد ترك مائة وأربع عشرة آية من كتاب الله تعالى"([11]).
(بسم الله):
ذهب صاحب تفسير المنار الشيخ محمد رشيد رضا إلى أن" القرآن كان وحياً يلقيه الروح الأمين في قلب النبي صلى الله عليه وسلم وكلُّ سورة منه مُبتدَأةٌ ببسملة، فمتعلق البسملة من ملَك الوحي تعلم من أول آية نزل بها وهي قوله تعالى: إقرأ يا محمد هذه السورة باسم الله الرحمن الرحيم على عباده، أي اقرأها على أنها منه تعالى لا منك، فإنه برحمته بهم أنزلها عليك لتهديهم بها إلى ما فيه الخير لهم في الدنيا والآخرة. وعلى هذا كان يقصد النبي صلى الله عليه وسلم من متعلق البسملة أنني أقرأ السورة عليكم أيها الناس باسم الله لا باسمي، وعلى أنها منه لا مني، فإنما أنا مبلغ عنه عز وجل( وأمرت لأن أكون أول المسلمين 12:39). (وأن أتلو القرآن 92:27)الخ".([12])
" فإن قلتَ: بم تعلقت الباء؟ قلتُ: بمحذوف تقديره: بسم الله أقرأ أو أتلو، ونظيره في حذف متعلق الجارّ قوله عزّ وجلّ: (في تسع آيات إلى فرعون وقومه)، أي اذهب في تسع آيات".([13])
ويقول الزمخشري: فإن قلت: فكيف قال الله تبارك وتعالى متبرّكاً باسم الله أقرأ؟ قلت: هذا مقُولٌ على ألسنة العباد، كما يقول الرجلُ الشعرَ على لسان غيره، وكذلك: (الحمد لله رب العالمين.. إلى آخره)، وكثير من القرآن على هذا المنهاج، ومعناه تعليم عباده كيف يتبركون باسمه، وكيف يحمدونه ويمجدونه ويعظمونه.([14])
وقد بيّن سيد قطب في تفسيره (في ظلال القرآن) أن البدء باسم الله " هو الأدب الذي أوحى الله لنبيه [صلى الله عليه وسلم] في أول ما نزل من القرآنباتفاق، وهو قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك...).. وهو الذي يتفق مع قاعدة التصورالإسلاميالكبرى من أن الله (هو الأول والآخر والظاهر والباطن).. فهو - سبحانه -الموجودالحق الذي يستمد منه كل موجود وجوده , ويبدأ منه كل مبدوء بدأه . فباسمهإذنيكون كل ابتداء . وباسمه إذن تكون كل حركة وكل اتجاه"([15]).
وفي تفسير لفظ الجلالة يقول الزمخشري:
" لفظ الجلالة (الله) عَلـَمٌ على ذاتِ واجب الوجود، و(الله) أصله الإله. قال:
معاذ الإلهِ أن تكون كظبيةٍ
فحذفت الهمزة وعوِّض منها حرف التعريف، ولذلك قيل في النداء: يا ألله بالقطع، كما يقال يا إله، والإله- من أسماء الأجناس كالرجل والفرس- اسم يقع على كل معبود بحق أو باطل، ثم غلب على المعبود بحق، كما أن النجم اسم لكل كوكب ثم غلب على الثريا، وكذلك السنة عام القحط، والبيت على الكعبة، والكتاب على كتاب سيبويه، وأما (الله) بحذف الهمزة فمختص بالمعبود الحق، لم يطلق على غيره. ومن هذا الاسم اشتق: تأله، وأله، واستأله. كما قيل استنوق، واستحجر، في الاشتقاق من الناقة والحجر.
فإن قلت أاسم هو أم صفة؟ قلتُ: بل اسم غير صفة، ألا تراك تصفه ولا تصف به، لا تقول: شيء إله، كما لا تقول:شيء رجل، وتقول: إله واحد صمد، كما تقول: رجل كريم خير".([16])
(الرحمن الرحيم):
يقول سيد قطب في معنى الرحمن الرحيم:
" هذه الصفة التي تستغرق كل معاني الرحمة وحالاتها ومجالاتهاتتكررهنا في صلب السورة, في آية مستقلة, لتؤكد السمة البارزة في تلك الربوبيةالشاملة؛ولتثبت قوائم الصلة الدائمة بين الرب ومربوبيه. وبين الخالق ومخلوقاته ..إنها صلة الرحمة والرعاية التي تستجيش الحمد والثناء. إنها الصلة التي تقوم علىالطمأنينةوتنبض بالمودة, فالحمد هو الاستجابة الفطرية للرحمة الندية.
إنالرب الإله في الإسلام لا يطارد عباده مطاردة الخصوم والأعداء كآلهة الأولمبفينزواتها وثوراتها كما تصورها أساطير الإغريق. ولا يدبر لهم المكائد الانتقاميةكماتزعم الأساطير المزورة في "العهد القديم" كالذي جاء في أسطورة برج بابل فيالإصحاحالحادي عشر من سفر التكوين"([17]).
أما الزمخشري فيشرح معنى الرحمن قائلاً:
" فعلان من رحم، كغضبان وسكران من غضب وسكر، وكذلك الرحيم فعيل منه كمريض وسقيم، من مرض وسقم، وفي (الرحمن) من المبالغة ما ليس في (الرحيم)، ولذلك قالوا رحمن الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا، ويقولون: إن الزيادة في البناء لزيادة المعنى.. ومما طنّ على أذني من ملح العرب أنهم يسمون مركباً من مراكبهم بالشقدف، وهو مركب خفيف ليس في ثقل محامل العراق، فقلت في طريق الطائف لرجل منهم: ما اسم هذا المحمل؟ أردت المحمل العراقي، فقال: أليس ذاك اسمه الشقدف؟ قلت بلى، فقال: هذا اسمه الشقنداف، فزاد في بناء الاسم لزيادة المسمى.([18])
" فإن قلت: فلم قدّم ما هو أبلغ من الوصفين على ما هو دونه، والقياس الترقي من الأدنى إلى الأعلى كقولهم: فلان عالم نحرير، وشجاع باسل، وجواد فياض؟ قلت: لما قال (الرحمن) فتناول جلائل النعم وعظائمها وأصولها، أردفه (الرحيم) كالتتمة والرديف ليتناول ما دقّ ولطف".([19])
ويقول رشيد رضا في تفسير المنار في التفرقة بين الرحمن والرحيم:
" الجمهور على أن معنى"الرحمن" المنعم بجلائل النعم، ومعنى "الرحيم" المنعم بدقائقها، وبعضهم يقول: إن الرحمن هو المنعم بنعم عامة تشمل الكافرين مع غيرهم، والرحيم هو المنعم بالنعم الخاصة بالمؤمنين"([20]).
وزاد ابن كثير في تفسيره: " قال أبو علي الفارسي: (الرحمن) اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى، و(الرحيم) إنما هو من جهة المؤمنين؛ قال تعالى: (وكان بالمؤمنين رحيماً)".([21])
وأضاف رشيد رضا في المنار:" قد سبق العلاّمة ابن القيم إلى مثل هذه التفرقة، ولكنه عكس في دلالة الاسمين الكريمين. قال: وأما الجمع بين الرحمن والرحيم ففيه معنى بديع، وهو أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، وكأن الأول الوصف والثاني الفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفته أي صفة ذات له سبحانه، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، أي صفة فعل له سبحانه، فإن أردت فهم هذا فتأمل قوله تعالىوكان بالمؤمنين رحيماً)، (إنه بهم رءوف رحيم) ولم يجيء قط رحمن بهم، فعلمت أن رحمن هو الموصوف بالرحمة، ورحيم هو الراحم برحمته".([22])
(الحمد لله):
ذكر الزمخشري في تفسير الحمد لله ما يلي:
" الحمد والمدح أخوان، وهو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها[وزاد في تفسير المنار ص41: وقيّدوه بالجميل، لأن كلمة "ثناء" تستعمل في المدح والذم جميعاً، يقال أثنى عليه شراً، كما يقال أثنى عليه خيراً]. تقول: حمدت الرجلَ على إنعامه، وحمدتُه على حسبه وشجاعته.
وأما الشكر فعلى النعمة وهو بالقلب واللسان والجوارح قال:
أفادَتـْكُمُ النعماءُ مني ثلاثة يدي ولساني والضميرَ المحجَّبا
والحمد باللسان وحده، فهو إحدى شعب الشكر، ومنه قوله عليه السلام: " الحمد رأس الشكر، ما شكر اللهَ عبدٌ لم يحمده" وإنما جعله رأس الشكر؛ لأن ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها، أشيع لها وأدلّ على مكانها من الاعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب. وما في الجوارح من الاحتمال، بخلاف عمل اللسان وهو النطق الذي يفصح عن كل خفي ويُجلي كل مشتبه.
والحمد نقيضه الذم، والشكر نقيضه الكفران".([23])
" وقرأ الحسن البصريالحمدِ لله) بكسر الدال لإتباعها اللام. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة: (الحمدُ لـُلهِ) بضم اللام لإتباعها الدال، والذي جسرهما على ذلك- والإتباع إنما يكون في كلمة واحدة كقولهم منحدر الجبل ومغيرة- تـنزّل الكلمتين منزلة كلمة لكثرة استعمالهما مقترنتين، وأشفّ القراءتين قراءة إبراهيم حيث جعل الحركة البنائية تابعة للإعرابية التي هي أقوى، بخلاف قراءة الحسن.
( رب العالمين):
" الرب: المالك. ومنه قول صفوان لأبي سفيان: لأن يربني رجل من قريش أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن. تقول ربه يربه فهو رب.. ولم يطلقوا الرب إلا في الله وحده، وهو في غيره على التقيد بالإضافة، كقولهم رب الدار، ورب الناقة. وقوله تعالى: ( ارجع إلى ربك)، (إنه ربي أحسن مثواي). وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما: (ربَ العالمين) بالنصب على المدح، وقيل بما دل عليه (الحمد لله)، كأنه قيل: نحمد الله ربَ العالمين".([24])
أما صاحب الظلال فإن (رب العالمين) قد أضاءت فكره وروحه بما يتجاوز فضاء المعنى وأوجه القراءات، فذهب إلى أن (رب العالمين) تمثل: " قاعدة التصور الإسلامي,فالربوبيةالمطلقة الشاملة هي إحدى كليات العقيدة الإسلامية . . والرب هو المالكالمتصرف،ويطلق في اللغة على السيد وعلى المتصرف للإصلاح والتربية . . والتصرفللإصلاحوالتربية يشمل العالمين - أي جميع الخلائق - والله - سبحانه - لم يخلقالكونثم يتركه هملاً. إنما هو يتصرف فيه بالإصلاح ويرعاه ويربيه. وكل العوالموالخلائقتحفظ وتتعهد برعاية الله رب العالمين. والصلة بين الخالق والخلائق دائمةممتدةقائمة في كل وقت وفي كل حالة.
والربوبيةالمطلقة هي مفرق الطريق بين وضوح التوحيد الكامل الشامل, والغبش الذيينشأمن عدم وضوح هذه الحقيقة بصورتها القاطعة . وكثيرا ما كان الناس يجمعون بينالاعترافبالله بوصفه الموجد الواحد للكون, والاعتقاد بتعدد الأرباب الذين يتحكمونفيالحياة. ولقد يبدو هذا غريبا مضحكاً. ولكنه كان وما يزال. ولقد حكى لنا القرآنالكريمعن جماعة من المشركين كانوا يقولون عن أربابهم المتفرقة: (ما نعبدهمإلا ليقربوناإلى الله زلفى). . كما قال عن جماعةمنأهل الكتاب: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله). . وكانت عقائدالجاهلياتالسائدة في الأرض كلها يوم جاء الإسلام, تعج بالأرباب المختلفة, بوصفهاأرباباصغارا تقوم إلى جانب كبير الآلهة كما يزعمون !
فإطلاقالربوبية في هذه السورة, وشمول هذه الربوبية للعالمين جميعاً, هي مفرقالطريقبين النظام والفوضى في العقيدة. لتتجه العوالم كلها إلى رب واحد, تقرّ لهبالسيادةالمطلقة, وتنفض عن كاهلها زحمة الأرباب المتفرقة, وعَنَتَ الحيرة كذلك بينشتىالأرباب. . ثم ليطمئن ضمير هذه العوالم إلى رعاية الله الدائمة وربوبيتهالقائمة،وإلى أن هذه الرعاية لا تنقطع أبدا ولا تفتر ولا تغيب, لا كما كان أرقىتصورفلسفي لأرسطو مثلا يقول بأن الله أوجد هذا الكون ثم لم يعد يهتم به, لأن اللهأرقىمن أن يفكر فيما هو دونه! فهو لا يفكر إلا في ذاته! وأرسطو - وهذا تصوره-هوأكبر الفلاسفة, وعقله هو أكبر العقول !"([25])
"والذي يراجع الجهد المتطاول الذي بذله الإسلام لتقرير كلمة الفصل في ذات الله وصفاته وعلاقته بمخلوقاته. هذا الجهد الذي تمثله النصوص القرآنية الكثيرة.. الذي يراجع هذا الجهد المتطاول دون أن يراجع ذلك الركام الثقيل في ذلك التيه الشامل الذي كانت البشرية تهيم فيه.. قد لا يدرك مدى الحاجة إلى كل هذا البيان المؤكد المكرر، وإلى كل هذا التدقيق الذي يتبع كل مسالك الضمير.. ولكن مراجعة ذلك الركام تكشف عن ضرورة ذلك الجهد المتطاول، كما تكشف عن مدى عظمة الدور الذي قامت به هذه العقيدة - وتقوم- في تحرير الضمير البشري وإعتاقه. وإطلاقه من عناء التخبط بين شتى الأرباب وشتى الأوهام والأساطير!
وإن جمال هذه العقيدة وكمالها وتناسقها وبساطة الحقيقة الكبيرة التي تمثلها.. كل هذا لا يتجلى للقلب والعقل كما يتجلى من مراجعة ركام الجاهلية من العقائد والتصورات، والأساطير والفلسفات! وبخاصة موضوع الحقيقة الإلهية وعلاقتها بالعالم.. عندئذ تبدو العقيدة الإسلامية رحمة. رحمة حقيقية للقلب والعقل. رحمة بما فيها من جمال وبساطة، ووضوح وتناسق، وقرب وأنس، وتجاوب مع الفطرة مباشر عميق".([26])
(ملك يوم الدين):
يقول صاحب الظلال:
" والاعتقادبيوم الدين كلية من كليات العقيدة الإسلامية ذات قيمة في تعليق أنظار البشروقلوبهم بعالم آخر بعد عالم الأرض; فلا تستبد بهم ضرورات الأرض. وعندئذ يملكونالاستعلاء على هذه الضرورات. ولا يستبد بهم القلق على تحقيق جزاء سعيهم فيعمرهمالقصير المحدود, وفي مجال الأرض المحصور. وعندئذ يملكون العمل لوجه اللهوانتظارالجزاء حيث يقدره الله, في الأرض أو في الدار الآخرة سواء, في طمأنينةلله. وفي ثقة بالخير, وفي إصرار على الحق, وفي سعة وسماحة ويقين. . ومن ثم فإنهذهالكلية تعد مفرق الطريق بين العبودية للنزوات والرغائب, والطلاقة الإنسانيةاللائقةببني الإنسان. بين الخضوع لتصورات الأرض وقيمها وموازينها والتعلق بالقيمالربانيةوالاستعلاء على منطق الجاهلية. مفرق الطريق بين الإنسانية في حقيقتهاالعلياالتي أرادها الله الرب لعباده, والصور المشوهة المنحرفة التي لم يقدّر لهاالكمال"([27])
أما الزمخشري فقد عدّد أوجه قراءات (مالك) فذكر في الكشاف:
" قـُرئ: ملك يوم الدين، ومالك، وملك بتخفيف اللام، وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه: ملـَكَ يومَ الدين، بلفظ الفعل ونصب اليوم، وقرأ أبو هريرة رضي الله عنه: مالكَ بالنصب. وقرأ غيره: ملكَ، وهو نصب على المدح؛ ومنهم من قرأ:مالكُ بالرفع. وملكِ: هو الاختيار، لأنه قراءة أهل الحرمين"([28]).
وعن سبب الجزاء في يوم الدين، رغم وجود جزاء الله لخلقه في الدنيا يجيب الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار:
" ولسائل أن يسأل: أليست كل الأيام أيام جزاء. وكل ما يلاقيه الناس في هذه الحياة من البؤس هو جزاء تفريطهم في أداء الحقوق والقيام بالواجبات التي عليهم؟ والجواب: بلى إن أيامنا التي نحن فيها قد يقع فيها الجزاء على أعمالنا، ولكن ربما لا يظهر لأربابه إلا على بعضها دون جميعها. والجزاء على التفريط في العمل الواجب إنما يظهر في الدنيا ظهوراً تاماً بالنسبة إلى مجموع الأمة لا إلى كل فرد من الأفراد، فما من أمة انحرفت عن صراط الله المستقيم ولم تراعِ سنته في خليقته إلا وحل بها العدل الإلهي بما تستحق من الجزاء كالفقر والذلِّ وفقد العزة والسلطة".([29])
(إياك نعبد وإياك نستعين):
يعقـّب سيد قطب على هذه الآية قائلاً:
" وهنا كذلك مفرق طريق.. مفرق طريق بين التحرر المطلق من كل عبودية، وبين العبودية المطلقة للعبيد! وهذه الكليّة تعلن ميلاد التحرر البشري الكامل الشامل. التحرر من عبودية الأوهام، والتحرر من عبودية النظم، والتحرر من عبودية الأوضاع. وإذا كان الله وحده الذي يعبد، والله وحده الذي يُستعان، فقد تخلص الضمير البشري من استذلال النظم والأوضاع والأشخاص، كما تخلص من استذلال الأساطير والأوهام والخرافات..
وهنا يعرض موقف المسلم من القوى الإنسانية، ومن قوى الطبيعة.
فأما القوى الإنسانية- بالقياس إلى المسلم- فهي نوعان: قوة مهتدية، تؤمن بالله، وتتبع منهج الله.. وهذه يجب أن يؤازرها، ويتعاون معها على الخير والحق والصلاح.. وقوة ضالّة لا تتصل بالله ولا تتبع منهجه. وهذه يجب أن يحاربها ويكافحها ويغير عليها.
ولا يهولن المسلم أن تكون هذه القوة الضالة ضخمة أو عاتية. فهي بضلالها عن مصدرها الأول – قوة الله- تفقد قوتها الحقيقية. تفقد الغذاء الدائم الذي يحفظ لها طاقتها.. على حين تبقى لأية ذرة متصلة بمصدرها المشع قوتها وحرارتها ونورها: " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله" غلبتها باتصالها بمصدر القوة الأول، وباستمدادها من النبع الواحد للقوة والعزة جميعا.
وأما القوى الطبيعية فموقف المسلم منها هو موقف التعرف والصداقة، لا موقف التخوف والعداء. ذلك أن قوة الإنسان وقوة الطبيعة صادرتان عن إرادة الله ومشيئته، محكومتان بإرادة الله ومشيئته، متناسقتان متعاونتان في الحركة والاتجاه..
ولقد درج الغربيون – ورثة الجاهلية الرومانية- على التعبير عن استخدام قوى الطبيعة بقولهم:"قهر الطبيعة".. ولهذا التعبير دلالته الظاهرة على نظرة الجاهلية المقطوعة الصلة بالله، وبروح الكون المستجيب لله. فأما المسلم الموصول القلب بربه الرحمن الرحيم، الموصول الروح بروح هذا الوجود المسبحة لله رب العالمين.. فيؤمن بأن هنالك علاقة أخرى غير علاقة القهر والجفوة. إنه يعتقد أن الله هو مبدع هذه القوى جميعاً. خلقها كلها وفق ناموس واحد، لتتعاون على بلوغ الأهداف المقدرة لها بحسب هذا الناموس. وأنه سخرها للإنسان ابتداء ويسر له كشف أسرارها ومعرفة قوانينها. وأن على الإنسان أن يشكر الله كلما هيأ له أن يظفر بمعونة من إحداها. فالله هو الذي يسخرها له، وليس هو الذي يقهرها:" سخر لكم ما في الأرض جميعاً". إذن فإن الأوهام لن تملأ حسه تجاه قوى الطبيعة ولن تقوم بينه وبينها المخاوف...فيعيش معها في كون مأنوس صديق وودود.. ما أروع قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ينظر إلى جبل أحد: "هذا جبل يحبنا ونحبه"([30])
وقد ذكر الزمخشري في الكشاف أوجه قراءة (إيّاك) فقال:
فَهيَّاك والأمرَ الذي إن تراحَبَتْ مواردهُ ضاقت عليك مصادرُه
والعبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل. ومنه ثوب ذو عبدة إذا كان في غاية الصفاقة وقوة النسج، ولذلك لم تستعمل إلا في الخضوع لله تعالى، لأنه مولى أعظم النعم فكان حقيقاً بأقصى غاية الخضوع. [وأضاف ابن كثير في تفسيره ص25:" والعبادةُ في اللغة من الذِّلّة؛ يقال طريق معبّد وبعيرٌ معبَّد أي مذلـَّل]، فإن قلت: لم عدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب؟ قلت: هذا يسمى الالتفات في علم البيان قد يكون من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى التكلم، كقوله تعالى: (حتى إذا كنتم في الفلك وجَرَيْنَ بهم)، وقوله تعالى: ( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً). وذلك على عادة افتنانهم في الكلام وتصرفهم فيه. ولأن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب، كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع، وإيقاظاً للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد".([31])
ويضيف ابن كثير:
"وقدّم المفعول، وهو إيّاك، وكرَّر للاهتمام والحصر؛ أي لا نعبد إلا إيّاك ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة، والدينُ كله يرجع إلى هذين المعنيين، وهذا كما قال بعض السلف: الفاتحة سرّ القرآن، وسرُّها هذه الكلمة " إيّاك نعبد وإيّاك نستعين" فالأول: تبرؤٌ من الشرك، والثاني: تبرؤٌ من الحول والقوة، والتفويض إلى الله عز وجل".([32])
(إهدنا الصراط المستقيم):
قال ابن كثير:
" قراءة الجمهور بالصاد، وقـُرئ السراط، وقـُرئ بالزاي. قال الفرّاء وهي لغة بني عذرة وبني كلب".([33]) " وأما الصراط المستقيم فقال الإمام أبو جعفر بن جرير: أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعاً على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه وذلك في لغة جميع العرب. و(السراط) الجّادة، من سَرَطَ الشيء إذا ابتلعه، لأنه يسترطُ السابلة [المارّة] إذا سلكوه، كما سميّ: لقماً، لأنه يلتقمهم. ويُجمعُ سرطاً، ويذكّر ويؤنّث كالطريق والسبيل، والمراد طريق الحق وهو ملة الإسلام".([34])
ويبين الزمخشري أن فعل (هدى)" أصله أن يتعدى باللام أو بإلى: كقوله تعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)، (وإنك تهدي إلى صراط مستقيم)، فعومل معاملة –اختار- في قوله تعالى: (واختار موسى قومه) [أي: لقومه]".([35])
وقد أفادني أخي مأمون بإضاءة لطيفة حول معنى (الصراط المستقيم) حيث قال إن الخط المستقيم - وفق القاعدة الرياضية - هو أقصر المسافات بين نقطتين؛ وعليه فإن أقصر الطرق وأسهلها للوصول إلى الله سبحانه وتعالى هو الصراط المستقيم. وقد ذكر الشيخ رشيد رضا هذه الإضاءة في تفسير المنار ص68 ضمن الفقرة السابعة.
(صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين):
يجنح الإمام محمد عبده - بما نقله عنه تلميذه محمد رشيد رضا في تفسير المنار- لترجيح القول بأن الفاتحة من أوائل ما تنزّل إن لم تكن أوّل ما تنزل، وبالتالي فإن المسلمين لم يكونوا" في أول نزول الوحي بحيث يطلب الاهتداء بهداهم، وما هداهم إلا من الوحي. ثم هم المأمورون بأن يسألوا الله أن يهديهم هذه السبيل، سبل من أنعم الله عليهم من قبلهم، فأولئك غيرهم، وإنما المراد بهذا ما جاء في قوله تعالى:" فبهداهم اقتده" وهم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين من الأمم السابقة.
وأما وصفه تعالى للذين أنعم عليهم بأنهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فالمختار فيه أن المغضوب عليهم هم الذين خرجوا عن الحق بعد علمهم به، والذين بلغهم شرع الله ودينه فرفضوه ولم يتقبلوه، انصرافاً عن الدليل، ورضاءً بما ورثوه من القيل، ووقوفاً عند التقليد.. وأن الضالين هم الذين لم يعرفوا الحق ألبَتـّة، أو لم يعرفوه على الوجه الصحيح الذي يقرن به العمل. وقرن المعطوف في قوله "ولا الضالين" بلا ،[فهو] لما في "غير" من معنى النفي، أي: وغير الضالين، ففيه تأكيد للنفي. وهو يدل على أن الطوائف ثلاث: المنعم عليهم، والمغضوب عليهم، والضالون. ولا شك أن المغضوب عليهم ضالون أيضاً لأنهم بنبذهم الحق وراء ظهورهم قد استدبروا الغاية واستقبلوا غير وجهتها، فلا يصلون منها إلى مطلوب، ولا يهتدون فيها إلى مرغوب، ولكن فرقاً بين من عرف الحق فأعرض عنه على علم، وبين لم يظهر له الحق فهو تائه بين الطرق، لا يهتدي إلى الجادة الموصلة منها؛ وهم من تبلغهم الرسالة، أو بلغتهم على وجه لم يتبين لهم فيه الحق، فهؤلاء هم أحق باسم الضالين، فإنّ الضّالّ حقيقة: هو التائه الواقع في عماية لا يهتدي معها إلى المطلوب، والعماية في الدين: هي الشبهات التي تلبس الحق بالباطل وتشبه الصواب بالخطأ.
والضَّالونَ على أقسام:-
(القسم الأول): من لم تبلغهم الدعوة إلى الرسالة، أو بلغتهم على وجه لا يسوق إلى النظر. فهؤلاء لم يتوفر لهم من أنواع الهداية سوى ما يحصل بالحس والعقل، وحُرموا رشد الدين، فإن لم يضلوا في شؤونهم الدنيوية ضلوا لا محالة فيما تُطلب به نجاة الأرواح وسعادتها في الحياة الأخرى. على أن من شأن الدين الصحيح أن يفيض على أهله من روح الحياة ما به يسعدون في الدنيا والآخرة معاً، فمن حرم الدين حرم السعادتين، وظهر أثر التخبط والاضطراب في أعماله المعاشية، وحلّ به من الرزايا ما يتبع الضلال والخبط عادة، سنة الله في هذا العالم ولن تجد لسنة الله تبديلاً. أما أمرهم في الآخرة فعلى أنهم لن يساووا المهتدين في منازلهم، وقد يعفو الله عنهم وهو الفعّال لما يريد.
وأزيد في إيضاح كلام الأستاذ: أن الذين حرموا هداية الدين لا يعقل أن يؤاخذوا في الآخرة على ترك شيء مما لا يعرف إلا بهذه الهداية. وهذا هو معنى كونهم غير مكلفين، وعليه جمهور المتكلمين لقوله تعالى في سورة الإسراء" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً".
و(القسم الثاني): من بلغته الدعوة على وجه يبعث على النظر، فساق همّتهِ إليه، واستفرغ جهده فيه، ولكن لم يوَّفق إلى الإيمان بما دُعي إليه، وانقضى عمره وهو في الطلب، وهذا القسم لا يكون إلا أفراداً متفرقة في الأمم، ولا يعمّ حالة شعب من الشعوب، فلا يظهر له أثر في أحوالها العامة، وما يكون لها من سعادة وشقاء في حياتها الدنيا. أما صاحب هذه الحالة فقد ذهب بعض الأشاعرة([36] إلى أنه ممن تُرجى له رحمة الله تعالى.
(القسم الثالث): من بلغتهم الرسالة وصدّقوا بها، بدون نظر في أدلتها ولا وقوف على أصولها، فاتبعوا أهواءهم في فهم ما جاءت به من أصول العقائد، وهؤلاء هم المبتدعة في كل دين، وهم المبتدعون في دين الإسلام، وهم المنحرفون في اعتقادهم عما تدل عليه جملة القرآن وما كان عليه السلف الصالح وأهل الصدر الأول، ففرقوا الأمة مشارب، يغصّ بمائها الوارد، ولا يرتوي منها الشارب.
(القسم الرابع): ضلال في الأعمال، وتحريف للأحكام على ما وضعت له، كالخطأ في فهم معنى الصلاة والصيام وجميع العبادات، والخطأ في فهم الأحكام التي جاءت في المعاملات، كالاحتيال في الزكاة بتحويل المال إلى ملك الغير قبل حلول الحول ثم استرداده بعد مضي قليل من الحول الثاني، حتى لا تجب الزكاة فيه، ويظن المحتال أنه بحيلته قد خلص من أداء الفريضة، ولا يعلم أنه بذلك هدم ركناً من أهم أركان دينه.([37])
الهوامش
[1] -محمد رشيد بن علي رضا (1282 -هـ1865 م). ولد في قرية "القلمون (لبنان)"، وتوفي بمصر في (1354 هـ/ 1935م). كان أبوه "علي رضا" شيخًا للقلمون وإمامًا لمسجدها، فعُني بتربية ولده وتعليمه؛ فحفظ القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، ثم انتقل إلى طرابلس، ودخل المدرسة الرشيدية الابتدائية، ثم المدرسة الوطنية الإسلامية بطرابلس التي كانت تهتم بتدريس اللغة العربية والعلوم العربية والشرعية والمنطقوالرياضياتوالفلسفة الطبيعية، وقد أسس هذه المدرسة وأدارها الشيخ حسين الجسر. حين أُغلقت المدرسة توثقت صلة رشيد رضا بالشيخ الجسر، واتصل بحلقاته ودروسه، وأحاطه الشيخ الجسر برعايته، ثم أجازه سنة 1897 لتدريس العلوم الشرعية والعقلية والعربية.، وفي الوقت نفسه درس رشيد رضا الحديث على يد الشيخ "محمود نشابة" وأجازه أيضًا لرواية الحديث، كما واظب على حضور دروس نفر من علماء طرابلس مثل: الشيخ عبد الغني الرافعي، ومحمد القاوجي، ومحمد الحسيني، وغيرهم.
ويعتبر محمد رشيد رضا مفكراً إسلامياً من رواد الإصلاح الإسلامي الذين ظهروا مطلع القرن الرابع عشر الهجري. وبالإضافة إلى ذلك، كان صحفيا وكاتبا وأديبا لغويا. هو أحد تلاميذ الشيخ محمد عبده. أسس مجلة المنار على نمط مجلة "العروة الوثقى" التي أسسها الإمام محمد عبده، ويعتبر الإمام المجدد حسن البنا أكثر من تأثر بالشيخ رشيد رضا.
أعماله: مجلة المنار، تفسير المنار، تاريخ الأستاذ الإمام، الوحي المحمدي، يسر الإسلام وأصول التشريع العام، الخلافة، الوهابيون والحجاز، محاورات المصلح والمقلد، ذكرى المولد النبوي، شبهات النصارى وحجج الإسلام، نداء للجنس اللطيف، السنة والشيعة، حقيقة الربا، مناسك الحج.
قام بأمور الدعوة والتدريس في طرابلس، إلى أن التقى بالشيخ محمد عبده حين كان منفياً لبيروت. فأعجب بأفكاره وقوي إيمانه به وبقدرته على أنه خير من يخلف "جمال الدين الأفغاني" في ميدان الإصلاح وإيقاظ الشرق من سباته. وحاول رشيد رضا الاتصال بجمال الدين الأفغاني والالتقاء به، لكن جهوده توقفت عند حدود تبادل الرسائل وإبداء الإعجاب، وكان جمال الدين في الآستانة يعيش بها كالطائر الذي فقد جناحيه فلا يستطيع الطيران والتحليق، وظل تحت رقابة الدولة وبصرها حتى لقي ربه سنة (1314 هـ = 1897م) دون أن تتحقق أمنية رشيد رضا في رؤيته والتلمذة على يديه. وهاجر إلى مصر وأصدر فيها مجلة المنار عام 1898م. حدّد رشيد رضا العلوم التي يجب إدخالها في ميدان التربية والتعليم لإصلاح شئون الناس، ودفعهم إلى مسايرة ركب العلم والعرفان، مثل: علم أصول الدين، علم فقه الحلال والحرام والعبادات، التاريخ، الجغرافيا، الاجتماع، الاقتصاد، التدبير المنزلي، حفظ الصحة، لغة البلاد، والخط.
لم يكتف رضا بدور الموجه والناصح، وإنما نزل ميدان التعليم بنفسه، وحاول تطبيق ما يراه محققًا للآمال، فأنشأ مدرسة دار الدعوة والإرشاد لتخريج الدعاة المدربين لنشر الدين الإسلامي عام 1912م. ثم جاءت الحرب العالمية لتقضي على هذا المشروع، فتعطلت الدراسة في المدرسة، ولم تفتح أبوابها مرة أخرى. من أهم مؤلفاته "تفسير المنار" الذي استكمل فيه ما بدأه شيخه محمد عبده الذي توقف عند الآية (125) من سورة النساء، وواصل رشيد رضا تفسيره حتى بلغ سورة يوسف، وحالت وفاته دون إتمام تفسيره. [ عن ويكيبيديا بتصرف].
[2] - محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي ، أحد أشهر المتصوفين لقبّه أتباعه وغيرهم من الصوفية "بالشيخ الأكبر" وبالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر، ولذا ينسب إليه الطريقة الأكبريةالصوفية. ولد في مرسية في الأندلس في شهر رمضان الكريم عام 558 هـ الموافق 1164م قبل عامين من وفاة الشيخ عبد القادر الجيلاني. كان أبوه من أئمة الفقه والحديث، وكان جده أحد قضاة الأندلس وعلمائها. توفي في دمشق عام 638هـ الموافق 1240م. ودفن في سفح جبل قاسيون.
و تزوج بفتاة تعتبر مثالا في الكمال الروحي والجمال الظاهري وحسن الخلق، فساهمت معه في تصفية حياته الروحية، بل كانت أحد دوافعه إلى الإمعان فيها. وفي هذه الأثناء كان يتردد على إحدى مدارس الأندلس التي تعلم سرا مذهب الأمبيذوقلية المحدثة (490-430) [التي تقول بمبدأ تشكل المادة من العناصر الأربعة والتي تتمازج أو تتنافر بفعل قوتي الحب والبغض] المفعمة بالرموز والتأويلات والموروثة عن الفيثاغورية (570ق.م-459ق.م) والأورفيوسية والفطرية الهندية[البراهمية]. وكان أشهر أساتذة تلك المدرسة في ذلك القرن ابن العريف المتوفى سنة 1141م.
من مؤلفاته: تفسير القرآن، الفتوحات المكية، فصوص الحكم، ترجمان الأشواق، شجرة الكون، الإعلام بإشارات أهل الإلهام، اليقين.
· المؤيدين له:ابن حجر الهيتمي الشافعي، عبد الوهاب الشعراني، الشوكاني، وقد كان من المنتقدين للشيخ ابن عربي بل والمكفرين له فرجع عن قوله في آخر حياته. الفيروزآبادي، صاحب القاموس، العز بن عبد السلام، شهاب الدين عمر السهروردي، السيوطي. · الساكتين عنه:شرف الدين المناوي، الحافظ الذهبي، ابن تيمية.
معاصرو ابن عربي: ابن رشد، شهاب الدين عمر السهروردي، فخر الدين الرازي، العز بن عبد السلام، فريد الدين العطار، جلال الدين الرومي، توما الإكويني.
[3] - عبد الرزاق جمال الدين بن أحمد كمال الدين ابن أبي الغنائم محمد الكاشاني أو الكاشي أو القاشاني (توفي 730 هـ / - 1330 م ) هو عالم ومتصوف. له تآليف منها: «كشف الوجوه الغر» (مطبوع)، «اصطلاحات الصوفية» (مطبوع - تحقيق: د. عبد العال شاهين - دار المنار - القاهرة - الطبعة الأولى - 1992)، «شرح منازل السائرين» (مطبوع)، «شرح فصوص الحكم لابن عربي» (مطبوع)، تأويلات القرآن (مخطوط). [ منقول عن ويكيبيديا بتصرف].
[4]- محمد رشيد رضا، تفسير المنار، ص17-18، ط. الهيئة المصرية،1972.
[5] - سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي (1906م / 1324 هـ - 1966م / 1386 هـ) كاتب وأديب ومنظر إسلامي مصري، وعضو سابق في مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين ورئيس سابق لقسم نشر الدعوة في الجماعة ورئيس تحرير جريدة الإخوان المسلمين[1]. ولد في بقرية موشة وهي إحدى قرى محافظة أسيوط. يعتبر من أكثر الشخصيات تأثيراً في الحركات الإسلامية التي وجدت في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، له العديد من المؤلفات والكتابات حول الحضارة الإسلامية، والفكر الإسلامي. هو الإبن الأول لأمه بعد أخت تكبره بثلاث سنوات وأخ من أبيه غير شقيق يكبره بجيل كامل. وكانت أمه تريد منه أن يكون متعلمًا مثل أخواله كما كان أبوه عضوًا في لجنة الحزب الوطني وعميدًا لعائلته التي كانت ظاهرة الامتياز في القرية، يضاف إلى ذلك أنه كان دَيِّنًا في سلوكه.
تلقّى سيد قطب دراسته الابتدائية في قريته، و في سنة 1920 سافر إلى القاهرة، والتحق بمدرسة المعلمين الأوّلية ونال منها شهادة الكفاءة للتعليم الأوّلي. بدأ بحفظ القرآن المجيد في السنة الثانية الابتدائي، وعمره حوالي ثماني سنوات، وبعد ثلاث سنوات، أتم حفظ القرآن كاملاً. ثم التحق بتجهيزية دار العلوم. في سنة 1932 حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب من كلية دار العلوم. وعمل مدرسا حوالي ست سنوات، ثم شغل عدة وظائف في الوزارة. عين بعد سنتين في وزارة المعارف بوظيفة "مراقب مساعد" بمكتب وزير المعارف آنذاك إسماعيل القباني، وبسبب خلافات مع رجال الوزارة، قدّم استقالته على خلفية عدم تبنيهم لاقتراحاته ذات الميول الإسلامية.
بدأ قطب متأثرا بحزب الوفد وخصوصاً بكاتبه عباس محمود العقاد وكتاباته الشيقة فقد تأثر كثيرا باعتقادات العقاد وكان من أشد المدافعين عنه إلا أن نظرته إلى الجيل السابق أخذت تتغير شيئاً فشيئاً، وصار ينحى باللائمة على ذلك الجيل في تردي أوضاع الأمة، وبدأ بإنشاء منهج اختطه بنفسه وفق ما اقتضته الظروف العصيبة للمجتمع والأمة. وفي عام 1933م أنهى دراسته من دار العلوم وعُيّن موظفاً بـ 6 جنيهات في الشهر. في بداية أربعينيات القرن العشرين، عمل كمفتش للتعليم وزاد شغفه بالأدبالعربي وقام على تأليف "كتب وشخصيات" و"النقد الأدبي - أصوله ومناهجه". ثم تحول إلى الكتابة الإسلامية، فكتب "التصوير الفني في القران" الذي لاقى استحساناً واسعاً بين الأدباء وأهل العلم.
حصل سيد على بعثة للولايات المتحدة في عام 1948م لدراسة التربية وأصول المناهج وفي عام 1951م، وكان يكتب المقالات المختلفة عن الحياة في أمريكا وينشرها في الجرائد المصرية، ومنها مقال بعنوان "أمريكا التي رأيت" يقول فيه "شعب يبلغ في عالم العلم والعمل قمة النمو والارتقاء، بينما هو في عالم الشعور والسلوك بدائي لم يفارق مدارج البشرية الأولى، بل أقل من بدائي في بعض نواحي الشعور والسلوك"، ويذكر أيضاً الكثير من الحقائق التي عايشها عن الحياة الأمريكية في مختلف تفاصيلها. ويذكر أنه أيضاً تعرف على حركة الأخوان المسلمين ومؤسسها حسن البنا هناك، إذ انه عندما تم اغتيال حسن البنا، أخذ الأمريكيون بالابتهاج والفرح مما أثر في نفسيتة وأراد أن يتعرف على هذه الحركة عندما يعود إلى بلده.
وجد قطب ضالته في الدراسات الاجتماعية والقرآنية التي اتجه إليها بعد فترة الضياع الفكري والصراع النفسي بين التيارات الثقافية الغربية، فوصف هذه الحالة بأنها اعترت معظم أبناء الوطن نتيجة للغزو الأوروبي المطلق. ولكن المرور بها مكّنه من رفض النظريات الاجتماعية الغربية، بل إنه رفض أن يستمد التصور الإسلامي المتكامل عن الألوهية والكون والحياة والإنسان من ابن سيناوابن رشدوالفارابي وغيرهم لأن فلسفتهم – في رأيه – ظلال للفلسفة الإغريقية.
في 23 أغسطس1952، عاد سيد من الولايات المتحدة إلى مصر للعمل في مكتب وزير المعارف. وقامت الوزارة على نقله أكثر من مرة، الأمر الذي لم يرق لسيد فقدم استقالته من الوزارة في تاريخ 18 أكتوبر1952. بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، ازدادت الأحوال المعيشية والسياسية سوءاً ولعبت حركة الإخوان المسلمين دوراً بارزاً في عجلة الإصلاح والتوعية. واستقطبت حركة الإخوان المسلمين المثقفين وكان لسيد مشروع إسلامي يعتقد فيه بأنه "لا بد وأن توجد طليعة إسلامية تقود البشرية إلى الخلاص"، ولذلك كانت بداية العلاقة بين سيد والإخوان المسلمين هو كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام" وفي الطبعة الأولى كتب في الإهداء: "الفتية الذين ألمحهم في خيالي قادمين يردون هذا الدين جديدًا كما بدأ.. يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون"، وفهم الإخوان المسلمون أن هذا الإهداء يعنيهم هم، فأصبحوا يهتمون بأمره ويعتبرونه صديقاً لهم، إلى أن انضم فيما بعد إلى الحركة وأصبح مسؤولاً للقسم الدعوي فيها.
اعتـُبر سيد قطب من أوائل منظري فكر السلفية الجهادية وذلك منذ ستينيات القرن العشرين. استنادا إلى بعض توجهات الإخوان المسلمين ونشأة التنظيم الخاص للجماعة.
توطّدت علاقة سيد بالإخوان المسلمين وساهم في تشكيل الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان. كان سيد المدني الوحيد الذي كان يحضر اجتماعات مجلس الثورة التي قام بها الضباط الأحرار بقيادة محمد نجيب، ولكنه سرعان ما اختلف معهم على منهجية تسيير الأمور، مما اضطره إلى الانفصال عنهم. في عام 1954م حصلت عملية اغتيال فاشلة لـجمال عبد الناصر في منطقة المنشية، واتهم الإخوان بأنهم هم الذين يقفون ورائها، وتم اعتقال الكثيرين منهم وكان سيد أحدهم، حيث تم الزج به بالسجن لمدة 10 أعوام معانياً شتى أصناف التعذيب في السجن. وقد تدخل الرئيس العراقي الأسبق المشير عبد السلام عارف لدى الرئيس عبد الناصر للإفراج عنه في مايو1964. إلا أنه ما لبث ان اعتقل ثانيةً بعد حوالي ثمانية أشهر بتهمة التحريض على حرق معامل حلوان لإسقاط الحكومة كما حدث في حريق القاهرة.
عمل سيد خلال فترة بقائه في السجن على إكمال أهم كتبه: التفسير الشهير "في ظلال القرآن" وكتابه "معالم في الطريق" و"المستقبل لهذا الدين".
في 30 يوليو1965م، ألقت الشرطة المصرية القبض على شقيقه محمد قطب، وقام سيد بإرسال رسالة احتجاج للمباحث العامة في تاريخ 9 أغسطس1965م. أدت تلك الرسالة إلى إلقاء القبض على سيد والكثير من أعضاء جماعة الأخوان المسلمين وحُكم عليه بالإعدام مع 6 آخرين وتم تنفيذ الحكم في فجر الاثنين 13 جمادى الآخرة1386 هـ الموافق 29 أغسطس1966م. سأله أحد إخوانه: لماذا كنت صريحا في المحكمة التيتمتلك رقبتك ؟قال: "لأن التورية لا تجوز في العقيدة، وليس للقائد أن يأخذبالرخص". ولما سمع الحكم عليه بالإعدام قال: "الحمد لله. لقد عملت خمسة عشرعاما لنيل الشهادة". يوم تنفيذ الإعدام، وبعد أن وضع على كرسي المشنقة يقول عبد الله عزام أنهم قد عرضوا عليه "أن يعتذر عن دعوته لتطبيق الشريعة ويتم إصدار عفو عنه"، فقال: "لن أعتذر عن العمل مع الله". ثم قال: "إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم طاغية". فقالوا له إن لم تعتذر فاطلب الرحمة من الرئيس. فقال: "لماذا أسترحم؟ إن كنت محكوما بحق فأنا أرتضي حكم الحق، وإن كنت محكوما بباطل، فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل" ، ويروى أيضاً أن الذي قام بعملية تلقينه الشهادتين قبل الإعدام قال له: "تشهد"، فقال له سيد: "حتى أنت جئت تكمل المسرحية نحن يا أخي نعدم لأجل لا إله إلا الله، وأنت تأكل الخبز بلا إله إلا الله".
يُنتقد سيد من قبل العديد من الكتاب والمؤلفين ورجال الدين الإسلامي على كتاباته وأفكاره لاسيما تلك التي "تكفر المجتمعات" في فهمهما القاصر، ومن بين من انتقدوا أفكاره التكفيرية الشيخ يوسف القرضاوي الذي ذكر خلال حوار تلفزيوني معه بث في يوليو 2009 خروجه "أي سيد قطب " "عن أهل السنة والجماعة بوجه ما، فأهل السنة والجماعة يقتصدون في عملية التكفير حتى مع الخوارج" حسب قوله، مؤكدا أن قطب أخطأ في تكفير جموع المسلمين والحكام والأنظمة مضيفا أنه يتحمل بعض المسؤولية عن تيار التكفير مثله كشكري مصطفى الذي كفر المسلمين عدا جماعته وهو قائد جماعة التكفير والهجرة التي تعتزل المجتمعات بإثرها. لكن يرد البعض أن سيد قطب استخدم لفظ "الجاهلية" في وصف المجتمعات الإسلامية ولم يستخدم لفظ "الكفر" ولم يصرح بتكفير فرد أو مجتمع. والرسول صلى الله عليه وسلم وصف استعداد الأوس والخزرج للقتال بقوله (أبدعوى الجاهلية وأنا بين ظهرانيكم) وأيضا عندما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري (إنك امرؤ فيك جاهلية) وذلك عندما عاير بلال بن رباحبأمه.
من أعماله: طفل من القرية (سيرة ذاتية)، أشواك (رواية)، المدينة المسحورة (قصة أسطورية)، النقد الأدبي: أصوله ومناهجه، التصوير الفني في القرآن، مشاهد القيامة في القرآن، كتب وشخصيات، مهمة الشاعر في الحياة. ومن مؤلفاته الإسلامية: معالم في الطريق، هذا الدين، المستقبل لهذا الدين، في ظلال القرآن (ثمانية مجلدات تفسير للقرآن الكريم)، العدالة الاجتماعية، الإسلام والسلام العالمي، في التاريخ فكرة ومنهاج، لماذا أعدموني؟ (مجموعة مقالات كتبتها جريدة المسلمون التي تصدر في لندن باعتبارها الشهادة التي كتبها الإمام بخط يده قبل إعدامه، دراسات إسلامية (مجموعة مقالات)، السلام العالمي والإسلام، خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، أمريكا من الداخل بمنظار سيد ، (مقالات كتبها أيام ابتعاثه في الولايات المتحدة جمع وإعداد صلاح الخالدي)، معركة الإسلام والرأسمالية، قصص الأنبياء (بالاشتراك مع عبد الحميد جودة السحار)، الإسلام ومشكلات الحضارة.
سأله أحد إخوانه: لماذا كنت صريحا في المحكمة التي تمتلك رقبتك ؟ قال: "لأن التورية لا تجوز في العقيدة، وليس للقائد أن بأخذ بالرخص". ولما سمع الحكم عليه بالإعدام قال: "الحمد لله. لقد عملت خمسة عشر عاما لنيل الشهادة"
ويوم تنفيذ الإعدام، وبعد أن وضع على كرسي المشنقة عرضوا عليه أن يعتذر عن دعوته لتطبيق الشريعة ويتم إصدار عفو عنه، فقال: "لن أعتذر عن العمل مع الله". ثم قال: "إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم طاغية". فقالوا له إن لم تعتذر فاطلب الرحمة من الرئيس. فقال: "لماذا أسترحم؟ إن كنت محكوما بحق فأنا أرتضي حكم الحق، وإن كنت محكوما بباطل، فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل".
[ عن ويكيبيديا بتصرف].
[6] - ولد محمد أرغون عام 1928 في بلدة تاوريرت ميمون (آث يني) الأمازيغيةبالجزائر، وانتقل مع عائلته إلى بلدة عين الأربعاء (ولاية عين تموشنت) حيث درس دراسته الابتدائية بها. ثم واصل دراسته الثانوية في وهران لدى الآباء البيض، يذكر أركون أنه نشأ في عائلة فقيرة، وكان والده يملك متجراً صغيراً في قرية اسمها (عين الأربعاء) شرق وهران، فاضطر ابنه محمد أن ينتقل مع أبيه، ويحكي أركون عن نفسه بأن هذه القرية التي انتقل إليها كانت قرية غنية بالمستوطنين الفرنسيين وأنه عاش فيها "صدمة ثقافية"، ولما انتقل إلى هناك درس في مدرسة الآباء البيض التبشيرية، والأهم من ذلك كله أن أركون شرح مشاعره تجاه تلك المدرسة حيث يرى أنه (عفزة في مدرسة الآباء البيض مع الجامعة، فإن الجامعة تبدو كصحراء فكرية).
ثم درس الأدب العربي والقانون والفلسفة والجغرافيا بجامعة الجزائر ثم بتدخل من المستشرق الفرنسيلوي ماسينيون (Louis Massignon) قام بإعداد التبريز في اللغة والآداب العربية في جامعة السوربون في باريس. ثم اهتم بفكر المؤرخ والفيلسوف ابن مسكويه الذي كان موضوع أطروحته. فارق محمد أرغون الحياة في 14 سبتمبر2010م عن عمر ناهز 82 عاما بعد معاناة مع مرض السرطان في العاصمة الفرنسية ودفن في مقبرة الشهداء بالمغرب حسب وصيته.
تميز فكر أركون بمحاولة عدم الفصل بين الحضارات شرقية وغربية واحتكار الإسقاطات على أحدهما دون الآخر، بل إمكانية فهم الحضارات دون النظر إليها على أنها شكل غريب عن الآخر، وهو ينتقد الاستشراق المبني على هذا الشكل من البحث. يتميز طرح أركون الفكري على محاولة نقد أسس العقيدة الإسلامية على غرار المستشرقين حيث تتلمذ على المدرسة الاستشراقية ويورد كثيرا من المقدمات الخاطئة التي يبني عليها نتائج غير صحيحة. من آراءه أنه يرى أن القرآن محرّف بسبب أن النقل غير مؤتمن وأن عند الدروز والإسماعيلية والزيدية وثائق سرية مهمة تفيدنا في معرفة النص الصحيح (يفيدنا في ذلك أيضاً سبر المكتبات الخاصة عند دروز سوريا، أو إسماعيلية الهند، أو زيدية اليمن، أو علوية المغرب، يوجد هناك في تلك المكتبات القصية وثائق نائمة متمنعة، مقفل عليها بالرتاج، الشيء الوحيد الذي يعزينا في عدم إمكانية الوصول إليها الآن هو معرفتنا بأنها محروسة جيداً).
عُين محمد أركون أستاذا لتاريخ الفكر الإسلامي والفلسفة في جامعة السوربون عام 1980 بعد حصوله على درجة دكتوراه في الفلسفة منها، وعمل كباحث مرافق في برلين عام 1986و1987. شغل ومنذ العام 1993 منصب عضو في مجلس إدارة معهد الدراسات الإسلامية في لندن.
كتب محمد أركون كتبه باللغة الفرنسية أو بالإنجليزية وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات من بينها العربية والهولندية والإنكليزية والإندونيسية ومن مؤلفاته المترجمة إلى العربية:
القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني.
تاريخ الجماعات السرية
من الجوائز التي حصل عليها: ضابط لواء الشرف ، جائزة بالمز الأكاديمية، جائزة ليفي ديلا فيدا لدراسات الشرق الأوسط في كاليفورنيا، دكتوراه شرف من جامعة إكسيتر(ُExter University)عام 2002، وجائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2003.[ عن ويكيبيديا بتصرف].
[7] - أبو الفداء، عماد الدين، إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن درع القرشي البصري ثم الدمشقي الإمام المحدّث والمفسّر والمؤرّخ العلاّمة. ولد ابن كثير في قرية " مجدل" من أعمال مدينة بصرى الشام عام 703هـ / 1302 م. كان أبوه من أهل بصرى الشام وأمه من مجدل . حفظ القرآن الكريم وختم حفظه عام 711 هــ / 1311 م كما صرّح بذلك في تاريخه. وقرأ بالقراءات حتى عدّه الداوودي من القراء، وترجم له في طبقاتهم التيأّلفها وانتقلت الأسرةبعد موت والد ابن كثير إلى دمشق في سنة (707 هـ)، وخلف والده أخوه عبد الوهاب، فقد بذل جهدًا كبيرًا في رعاية هذه الأسرة بعد فقدها لوالدها، وعنه يقول الحافظ ابنكثير في كتابه البداية والنهاية (14/ 32): "وقد كان لنا شقيقا، وبنا رفيقًا شفوقًا، وقد تأخرت وفاته إلى سنة (750 هـ)فاشتغلت على يديه في العلم فيسر الله منه ما تيسر وسهل منه ما تعسر". لازم الحافظ الكبير أبا الحجاج المزيّ، وتزوج ابنته.
من شيوخه: شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية، والحافظ أبو الحجاج يوسف المزي، والحافظ أبو عبد اللهمحمد بن أحمد الذهبي، والشيخ أبو العباس أحمد الحجار الشهير بابنالشحنة، والحافظ كمال الدينعبد الوهاب الشهير بابن قاضي شهبة، والشيخ بهاء الدين القاسم بنعساكر.
ومن تلاميذه: الحافظ علاء الدين بن حجي الشافعي، ومحمد بن محمد بن خضر القرشي، وشرف الدين مسعود الأنطاكيالنحوي، ومحمد بن أبي محمد بن الجزري، شيخ علم القراءات، وابنه محمد بن إسماعيل بن كثير، والإمام ابن أبي العزالحنفي، والحافظ أبو المحاسن الحسَيني.
توفي ابن كثير في دمشقيوم الخميس 26 شعبان 774 هــ / 1373 م، وكانت له جنازة حافلة، ودفن بوصية منه فيتربة شيخ الإسلام ابن تميمة، بمقبرة الصوفية خارج باب النصر من دمشق. [ عن ويكيبيديا بتصرف].
[8] - عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، ج1، ص3، المكتبة التجارية.
[9] - عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، ج1، ص7-8، المكتبة التجارية.
[10] - أبو القاسم، محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري العلاّمة الإمام (467 هـ / 1074 م - 538 هـ / 1143 م)، ولد في قرية زَمَخْشَر، من أعمال خوارزم. درس في بخارىو سمرقند، ثم انتقل إلى بغداد ليجاور كبار العلماء. ثم انتقل إلى مكة حيث اشتهر بلقب جار الله. عاد بعد ذلك إلى خوارزم حيث توفي في عاصمتها، الجرجانية.علاّمة فارسي، من أئمة المعتزلة، اشتهر بكتابيه "الكشاف" و"أساس البلاغة". قال عنه السمعاني: "برع في الآداب، وصنف التصانيف، وَرَدَ العراقوخراسان، ما دخل بلدا إلا واجتمعوا عليه، وتتلمذوا له، وكان علامة نسابة". ورغم أن بعض أعماله بالفارسية، إلا أنّه كان من المؤمنين بتفوق اللغة العربية ومن المعارضين للشعوبية. سقطت رجله بسبب الثلج والبرد، فكان يحمل محضراً فيه شهادة خلق كثير ممن اطلعوا على حقيقة ذلك خوفاً من أن يظن من لم يعلم صورة الحال أنها قطعت لريبة. من مؤلفاته:الكشاف: وهو تفسيرللقرآن، وهو أشهر ما كتب. والفائق في غريب الحديث، وربيع الأبرار، وأساس البلاغة: وفي هذا الكتاب المعجم يأتي بالمعنى ويقول: معناه كذا والمجاز منه كذا، ويأتي بعدة معاني يجعلها مجازية، ويجعل معنى واحداً هو الأصل، و مفصل أنموذج: كتاب في نحو العربية، و"مشتبه أسامي الرواة"، وكتاب "النصائح"، و"المنهاج" في الأصول، و"ضالة الناشد"، وکتاب "الأمکنة والجبال والمياه" في الجغرافيا، و "مقدمة الأدب": وهو قاموس من العربية للفارسية. و"القسطاس في علم العروض".
ومن شعره:
يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمــة الليــل البهيم الأليل
ويرى عروق نياطها في نحرهــا والمخ في تلك العظــام النحل
اغفر لعبــد تاب عن فرطاتــه ما كان منـه في الزمان الأول
[عن ويكيبيديا بتصرف].
[11] - الزمخشري، الكشاف، ص1، دار الكتاب العربي، 1986.
[12]-محمد رشيد رضا، تفسير المنار، ص37، ط. الهيئة المصرية، 1972.
[36] - الأشعرية - نسبة لأبي الحسن الأشعري- هي مدرسة إسلاميةسنية، اتبع منهاجها في العقيدة عدد كبير من فقهاء أهل السنة والحديث، فدعمت اتجاههم العقدي. ومن كبار هؤلاء الأئمة: البيهقيوالنوويوالغزاليوالعز بن عبد السلاموالسيوطيوابن عساكروابن حجر العسقلانيوالقرطبيوالسبكي.
يعتبر الأشاعرة بالإضافة إلى الماتريدية، أنهما المكوّنان الرئيسيان لأهل السنة والجماعة إلى جانب فضلاء الحنابلة، وقد قال في ذلك العلاّمة المواهبي الحنبلي:"طوائف أهل السنة ثلاثة: أشاعرة، وحنابلة، وماتردية، بدليل عطف العلماء الحنابلة على الأشاعرة في كثير من الكتب الكلامية وجميع كتب الحنابلة".
برز هذا المنهج على يد أبو الحسن الأشعري الذي واجه المعتزلة وانتصر لآراء أهل السنة وكان إمامًا لمدرسة تستمد اجتهادها من المصادر التي أقرّها علماء السنة فيما يخص صفات الخالق ومسائل القضاء والقدر. بهذا مثّل ظهور الأشاعرة نقطة تحوُّل في تاريخ أهل السنة والجماعة التي تدعمت بنيتها العقدية بالأساليب الكلامية كالمنطق والقياس، فأثبت أبو الحسن الأشعري بهذا أن تغيير المقدمات المنطقية مع استخدام نفس الأدوات التحليلية المعرفية يمكن أن يؤدي إلى نتائج مختلفة.
إلى جانب نصوص الكتاب والسنّة، فإن الأشاعرة استخدموا العقل في عدد من الحالات في توضيح بعض مسائل العقيدة، وهناك حالات استخدم فيها عدد من علماء الأشاعرة التأويل لشرح بعض ألفاظ القرآن الموهمة للتشبيه، وهذا ما يرفضه بعض أهل الحديث وكل السلفيين وينتقدونهم عليه، ويقول أبو الحسن الندوي في الاختلاف الكامل بين الأشاعرة والمعتزلة من جهة، وعدم مطابقتهم تمامًا لبعض أهل الحديث والحنابلة واختلافهم معهم في جزئيات منهجية عدّة من جهة أخرى: "وكان الأشعري مؤمنًا بأن مصدر العقيدة هو الوحي والنبوة المحمدية.. وما ثبت عن الصحابة..وهذا مفترق الطريق بينه وبين المعتزلة، فإنه يتجه في ذلك اتجاهًا معارضًا لاتجاه المعتزلة، ولكنه رغم ذلك يعتقد.. أن الدفاع عن العقيدة السليمة، وغرسها في قلوب الجيل الإسلامي الجديد، يحتاج إلى الحديث بلغة العصر العلمية السائدة، واستعمال المصطلحات العلمية، ومناقشة المعارضين على أسلوبهم العقلي، ولم يكن يسوغ ذلك، بل يعدّه أفضل الجهاد وأعظم القربات في ذلك العصر، وهذا مفترق الطرق بينه وبين كثير من الحنابلة والمحدثين الذين كانوا يتأثمون ويتحرجون من النزول إلى هذا المستوى".
يُرجع المؤرخون الأشاعرة نشأة المدرسة الأشعرية إلى تاريخ اهتمام أئمة السلف بعلم الكلام واستخدامه في مواجهة الفرق التي اعتبروها مخالفة، ويعدّون الإمام أبو حنيفة النعمان هو المؤسس الحقيقي للمنهج الذي يسيرون عليه ومن بعده أئمة آخرون كالشافعيوابن كلاّبوالبخاري. وكان التأطير الكبير لمنهج الأشاعرة في مواجهة المعتزلة على يد أبو الحسن الأشعري الذي يعد أبرز متكلمي أهل الحديث، حيث أن أبو الحسن الأشعري كان معتزليا يأخذ المذهب عن الجبّائي، وما لبث أن عارض شيخه ورجع لمنهج أئمة السلف ومنهم أبو حنيفة النعمانوالشافعي وغيرهما من متكلمي أهل الحديث كعبد الله بن كلاّبوأبي العباس القلانسي، والحارث بن أسد المحاسبي. في الانتصار بالأساليب الكلامية لعقائد السلفأهل السنة، خصوصا في المسائل المتعلقة بخلق القرآنوالقضاء والقدر.
وذكر ابن عساكر أن أبا الحسن الأشعري اعتزل الناس مدة خمسة عشر يوما، وتفرغ في بيته للبحث والمطالعة، ثم خرج إلى الناس في المسجد الجامع، وأخبرهم أنه انخلع مما كان يعتقده المعتزلة، كما ينخلع من ثوبه، ثم خلع ثوبا كان عليه ورمى بكتبه الجديدة للناس. فكسب بذلك تأييد العديد من الناس، وكثر أنصاره مؤيدوه من حكام وعلماء، ولقّبه بعض أهل عصره بإمام السنة والجماعة.
كان السبب المباشر لانطلاقة الأشعري نحو تجديد منهج العقيدة عند أهل السنة هو مواجهة المعتزلة، ولعل هذا الهدف قد تحقق سريعاً كنتيجة لالتفاف العلماء حول الأشعري بعد أن ضاقوا بالمعتزلة، إلا أن منهج الأشعري لم يبق جامداً بل تطور، وإن كان على القاعدة نفسها التي وضعها المؤسس مع بعض التباين في تطبيقات هذه القاعدة القائمة على جعل العقل خادماً للنصوص وعدم اتخاذه حاكماً عليها ليؤوّلها أو يمضي ظاهرها كما هو الحال عند المعتزلة، وقابلية المنهج للتطور كان محصوراً في الجانب العقلي ومنسجماً مع المرونة التي اتبعها المؤسس لجهة استعمال العقل كخادم لا كحاكم، وفيما يلي بعض لمحات تطور المنهج وصور التباين في تطبيق منهج الأشعري:
بعد الأشعري جاء أئمة قوّوا تلك الآراء التي انتهى إليها الأشعري، وقد تعصب بعضهم لرأي الأشعري، لا في النتائج فقط وإنما كذلك في المقدمات التي ساقها، وأوجبوا اتبّاعه في المقدمة والنتيجة معاً، وعلى رأس هذا الفريق أبو بكر الباقلاني حيث أنه لم يقتصر على ما وصل إليه الأشعري من نتائج بل إنه لا يجوّز بغير مقدماته أيضاً.
رأى فريق آخر من الأشاعرة جاء بعد الباقلاني وعلى رأسه الغزالي أن المقدمات العقلية لم يجيء بها كتاب أو سنّة وميادين العقل متسعة وأبوابه مفتوحة وأن هناك إمكانية أن يتم الوصول إلى دلائل وبيّنات من قضايا العقول ونتائج التجارب والقرائح لم يتجه إليه الأشعري وليس من ضير في الأخذ بها ما دامت لم تخالف ما وصل إليه من نتائج وما اهتدى إليه من ثمرات فكرية. ولم يسلك الغزالي مسلك الباقلاني، ولم يدع لمثل ما دعا إليه، بل قرر أنه لا يلزم من مخالفة الباقلاني في الاستدلال بطلان النتيجة، وأن الدين خاطب العقول جميعا، وعلى الناس أن يؤمنوا بما جاء بالكتاب والسنة، وأن يقووه بما يشاءون من أدلة.
جاء بعد الغزالي أئمة كثيرون اعتنقوا مذاهب الأشعري في نتائجه، وزادوا على دلائله، فلم يدعوا إلى التقيد بالمقدمات بل قيدوا أنفسهم فقط بالنتائج.
في المشرق وبعد أن واجه أبو الحسن الأشعري المعتزلة، أحاط به علماء السنّة واعتبروه إمامهم، لأنه وضع حدًا لهيمنة المعتزلة، وأظهر عقائد أهل السنّة على مخالفيهم بحجج وأسلوب كانا كفيلين بأن يعيد لأهل السنّة حضورهم بعد أن نازعهم المعتزلة، وفي عهد دولة السلاجقة وبالتحديد في عهد الوزير نظام الملك الذي اهتم ببناء المدارس وربط المساجد ببعضها والذي كان يرفع من شأن العلماء، زاد انتشار مذهب الأشعري، وقد تم تدريس المنهج الأشعري في مدرسة بغداد النظامية، ومدرسة نيسابور النظامية، وكانت المدرسة النظامية في بغداد أكبر جامعة إسلامية في العالم الإسلامي وقتها. ، فلم تأت الحروب الصليبية إلا وكان المذهب الأشعري قد ساد المشرق بشكل غير مسبوق، فلما قضى السلطان صلاح الدين على دولة الفاطميين في مصر قام بتحويل الأزهر التي كانت على مذهب الإسماعيليةالشيعة المفروض من الفاطميين إلى مذهب أهل السنة والجماعة على منهج الأشاعرة في العقيدة والذي كان سائداً ومنتشراً في ذلك الوقت.
أهم علماء الأشاعرة في المغرب تلقوا تعليمهم أو كانوا أساتذة في القرويين:
أما في بلاد المغرب العربي فإن يوسف بن تاشفين مؤسس دولة المرابطين كان وطيد الصلة مع علماء الأشاعرة، فابن رشد الجد (الملقب بشيخ المالكية) وهو من الأشاعرة كان قاضي القضاة زمن المرابطين، وأبي عمران الفاسي الذي يعد العقل المدبر لتأسيس دولة المرابطين، كما أن أبا بكر ابن العربي وهو من أهم علماء المالكية وممن كان يعتمد عليهم ابن تاشفين كان من تلاميذ الغزالي الذي كان أهم علماء المشرق في ذاك العصر ومن المعلوم أن الغزالي من كبار علماء الأشاعرة، ويوسف بن تاشفين مؤسس دولة المرابطين، عندما عزم على الدخول إلى الأندلس قام باستشارة أبو حامد الغزالي أحد أهم أئمة الأشاعرة.
بينما يرى بعض السلفيين أن المغرب الإسلامي ظل على معتقد أهل الحديث وفق رؤية جماعة السلفية حتى زمن دولة المرابطين الذين أظهروا هذا المعتقد وحاربوا الفرق والعقائد الكلامية، وأمروا بكتب الغزالي فأحرقت. ثم خرج عليهم محمد بن تومرت داعياً إلى المعتقد الأشعري، فكان هو من قام بإدخال المنهج الأشعري إلى المغرب العربي، وكفـّر المرابطين بدعوى أنهم مجسمة ومشبهة، وسمى أتباعه الموحدين تعريضاً بهم، واستباح بذلك دماءهم وأموالهم وأعراضهم حتى قضى أتباعه من بعده على دولة المرابطين، وأسسوا دولة الموحدين على أنقاضها متبنين منهج الأشاعرة، وظل المعتقد الأشعري هو السائد عندهم حتى يومنا هذا. بينما يرى المؤرخون الأشاعرة أن الصراع بين المرابطين والموحدين كان سياسيًا قبليًا، ولم يكن مذهبيًا، فبالإضافة إلى أنهم يرون أن مؤسسي دولة المرابطين هم أشاعرة، فإنهم يرون أن ابن تومرت لم يسع إلى إقامة دولته من أجل العقيدة الأشعرية، وأنه لا يمكن الإشارة إليه كممثل للأشاعرة، بل إن تومرت كان هدفه سياسي بامتياز وكان يرمي إلى الاستيلاء على ملك المغرب، وهذا لا ينفي أن تدريس المنهج الأشعري قد ازدهر بعد سقوط دولة المرابطين، فنظراً إلى أن المغرب الإسلامي لم يشهد فرقاً فكرية متنوعة كالتي شهدها المشرق فإن هذا جعل أهل المغرب يعتنون بفروع الدين وبالأخص الفقه دون الأصول كالعقيدة وذلك لعدم وجود تنازع كالذي حصل في المشرق بين الأشاعرة وبقية أهل الحديث من جهة والمعتزلة من جهة أخرى.
بعد أن استقر المغرب وانطفأت فيه الفتن، بدأت حواضر علمية عدة في تبنّي منهجية تعليمية تنافس نظيراتها في المشرق خاصة في تدريس عقيدة أهل السنة والجماعة وفق منهج الأشاعرة، وأبرز هذه الحواضر هي جامع الزيتونةبتونس، وجامعة القرويينبفاس، ومن أبرز أعلام الأشاعرة في المغرب الإسلامي الطرطوشي، والمازري، والباجي، والقاضي عياض، والقرطبي، والقرافي، والشّاطبي وعبد الواحد بن عاشر وأحمد زروق والسنهوري. الأفكار والعقائد
الأشعرية مدرسة سنية، تكاد تكون مطابقة لعقائد المدارس الأخرى المنتسبة للسنة كالماتردية إلا في مسائل قليلة بسبب اختلاف منهج التلقي والاستدلال. واتبع علماء أشاعرة منهجًا كلاميًا في حالات عدة.
استدل الأشعري على العقائد بالنقل والعقل، فيثبت ما ورد في الكتاب والسنة من أوصاف الله والاعتقاد برسله واليوم الآخر والملائكة والحساب والعقاب والثواب، يستدل بالأدلة العقلية والبراهين المنطقية على صدق ما جاء في الكتاب والسنة بعد أن أوجب التصديق بها كما هي نقلاً، فهو لا يتخذ من العقل حَكَما على النصوص ليؤولها أو يمضي ظاهرها، بل يتخذ العقل خادما لظواهر النصوص يؤيدها. وقد استعان في سبيل ذلك بقضايا فلسفية ومسائل عقلية خاض فيها الفلاسفة وسلكها المناطقة، والسبب في سلوكه ذلك المسلك العقلي:
أنه كان منتسبا إلى المعتزلة، فاختار طريقتهم في الاستدلال لعقائد القرآن وهو مسلك المناطقة والفلاسفة، ولم يسلك طريقتهم في فهم نصوص القرآن والحديث.
أنه تصدّى للردّ على المعتزلة ومعارضتهم فتبع طريقتهم في الاستدلال ليقطع حجتهم ويفحمهم بما في أيديهم ويرد حجتهم عليهم.
أنه تصدّى للردّ على الفلاسفة، والقرامطة، والباطنية وغيرهم، وكثير هؤلاء لا يقنع إلاّ بالأقيسة المنطقية، ومنهم فلاسفة لا يقطعهم إلا دليل العقل.
مصدر التلقي: الاستدلال عند الأشاعرة يكون بالأدلة النقلية (نصوص الكتاب والسنة) وبالأدلة العقلية على وجه التعاضد فالأدلة النقلية والعقلية عندهم يؤيد كل منهما الآخر، فهم يرون أن النقل الثابت الصريح والعقل الصحيح لا يتعارضان. و الأشاعرة عندما يوجّهون خطابهم إلى مخالفيهم الذين لا يقيمون وزنا للكتاب والسنة، فإنهم يقدمون الأدلة العقلية على النقلية وذلك يكون فقط في مجال الاستدلال في العقائد في باب العقليات، لأنهم يرون أن المراد هو الرد على المخالفين، كالدهريين والثنوية وأهل التثليث والمجسمة والمشركين ونحوهم، فهؤلاء المخالفين لا يرون حجية للقرآن والسنة، إلا بعد إقامة الأدلة العقلية على الإيمان بالله وأن القرآن كلام الله وأن محمد بن عبد الله هو رسول الله.
القضاء والقدر (أفعال العباد):
يرى الأشاعرة أن جميع أفعال البشر تقع تحت حكم الله وإرادته، وأن ما يقع في الكون من الخير والشر الذي يكون مصدر الإنسان منهما، كله من عند الله، ولا احتمال عند أهل السنة الأشاعرة لتعارض إرادة الإنسان مع إرادة الله، ولا تعارض فيما فشل من إرادته مع إرادة الله، وإنما أراد الله من الإنسان الإرادة والفشل معًا، وأنه لاشيء في الكون خارج إحاطة إرادة الله، وأن إرادة الله شاملة شمولاً لا تخرج عنه أفعال البشر الاختيارية، ولا إرادتهم الجزئية، ويستدلون على ذلك بالآية القرآنية من سورة الإنسان: "وما تشاءون إلاّ أن يشاء الله".
وبالنظر إلى أن البشر يفعلون ما يفعلون باختيارهم، فهم مختارون، وبالنظر إلى أنهم لا يختارون إلاّ ما أراد الله أن يختاروه، فهم "مجبورون أو كأنهم مجبورون"، فالإنسان يفعل ما يشاء، ولا يشاء الإ ما شاء الله أن يشاءه، فهو - أي الإنسان - يفعل ما يشاء الله وما يشاء هو نفسه معًا، فهناك تفويض للإنسان لأنه يفعل ما يشاء، وهناك جبر أو ما يشبهه، لأنه لا يفعل غير ما يشاء الله، وجمع الجبر مع التفويض والتسيير مع التخيير هي عند الأشاعرة من خواص قدرة الله، فإن عُـدّ الإنسان بموقفه هذا مجبورًا في أفعاله، فهو مجبور لكنه مجبور غير معذور، ويقوم مذهب الأشاعرة في هذا الأمر على جملة من الاستدلالات، منها الآية القرآنية من سورة النحل: "ولو شاء الله لجعلكم أمةً واحدة، ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء، ولـتُـسـألن عما كنتم تعملون".
ويفترق مذهب الأشاعرة عن مذهب الجبرية في هذه المسألة، في أن الجبرية لا قدرة ولا إرادة ولا فعل عندهم للإنسان، أما الأشاعرة فهم يرون أن للإنسان قدرة لكن لا تأثير لهذه القدرة في جنب قدرة الله، وله أفعال لكن الله هو من خلقها، وله إرادة تستند أفعاله إليها، لذا يعدّ الإنسان عند الأشاعرة مختارًا في أفعاله، ويكفي عندهم تسمية أفعاله " أفعالاً اختيارية" استناد تلك الأفعال إلى إرادته واختياره، وهذه الإرادة والاختيار عند الأشاعرة هي من الله، لذا فإن الأشاعرة يرون بأن مذهبهم مختلف جدًا عن مذهب الجبر في مسألة أفعال العباد.
ويعتبر الأشاعرة أن هذه المسألة هي مسألة علمية مبنيّة على نصوص القرآن والسنة النبوية وقواعد العقل، ولا يُـسمع الانتقاد فيها إلا بطريق تلك القواعد والنصوص.[ منقول عن ويكيبيديا بتصرف].
[37] - محمد رشيد رضا، تفسير المنار، ص57-59، ط. الهيئة المصرية، 1972.