يعلم الإنسان أنه يمر بمراحل عمرية على ذلك الكوكب الأرضي, تبدأ بمولده طفلا رضيعا ثم غلاما ثم شابا فتيا إلى أن يبلغ أربعين سنة وتكتمل مرحلة الرجولة ثم مرحلة الشيخوخة التي تحمل في طياتها الخبرة والحكمة وتحمل مسؤلية التوجية للأجيال المتتابعة.
ونلاحظ أن المرحلة الأهم في عمر الإنسان هي مرحلة الشباب. التي تتكون فيها عقيدته وقدرته على العمل . والسعي لتكوين أسرة يتحمل المسؤلية فيها كلا الزوجين في تربية الأجيال القادمة.
ومن أول أهداف التربية في الإسلام ترسيخ عقيدة التوحيد والأخلاق الفاضلة , التي ينتج عنها الأمن والأمان للفرد والمجتمع.
والرخاء في الرزق وسعادة الدنيا والأخرة.
لو آمنوا بقلوبهم إيمانا صادقا صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى اللّه تعالى ظاهرا وباطنا بترك جميع ما حرم اللّه، لفتح عليهم بركات السماء والأرض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم، في أخصب عيش وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كد ولا نصب،
بينما نجد الصورة المقابلة التي تبتعد عن التربية الإيمانية لا أمن فيها ولا أمان ويسود فيها الفساد والغلاء والضنك والخوف والرعب ...
والحكمة مستلزمة للعلم، بل وللعمل، ولهذا فسرت الحكمة بالعلم النافع، والعمل الصالح.
ولما أعطاه اللّه هذه المنة العظيمة، أمره أن يشكره على ما أعطاه، ليبارك له فيه، وليزيده من فضله، وأخبره أن شكر الشاكرين، يعود نفعه عليهم، وأن من كفر فلم يشكر اللّه، عاد وبال ذلك عليه.
والله غني حميد فيما يقدره ويقضيه.. فغناه تعالى، من لوازم ذاته، وكونه حميدا في صفات كماله، حميدا في جميل صنعه، من لوازم ذاته، وكل واحد من الوصفين، صفة كمال، واجتماع أحدهما إلى الآخر، زيادة كمال إلى كمال.
دعوة إلى البشرية الحائرة أن تتوجه بالعبادة والدعاء إلى خالقها الحق , الرحمن الرحيم .
وإلهكم -أيها الناس- إله واحد متفرد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وعبودية خلقه له, لا معبود بحق إلا هو, الرحمن المتصف بالرحمة في ذاته وأفعاله لجميع الخلق, الرحيم بالمؤمنين.
وأيات الله تبارك وتعالى في الكون المنظور أمامنا كثيرة لا تعد ولا تحصى....
فإذا رأيت سيارة جميلة سئلت في أي مصنع صنعت ؟ ثم تدرك بعدها أن الذي صنعها إنسان خلقه الله ووضع في فطرته موهبة التصنيع , ثم خلق له المواد الخام مثل الحديد والبترول لكي يستخدمها في تكوين السيارة...
وهذا المثال البسيط يدلك أن لكل صنعة صانع , ولكل المخلوقات خالق عليم حكيم...
وكما رأينا في المثال السابق دقة الصنعة تدلك على مقدرة الصانع ومدى علمه...
والمتأمل في عظمة خلق السماوات والأرض يخر ساجدا لله تعالى...
حيث تدور الأرض حول محورها دون شعور منا بهذه الحركة الدقيقة الناعمة , فكيف للأرض وهي جماد أن تدور بانتظام عبر ملايين السنيين بهذه الدقة حيث ينشأ الليل والنهار ؟؟؟ !!! وتدور في نفس الوقت في مدار حول الشمس وبنفس الدقة حيث تنشأ الفصول الأربعة , ويختلف طول الليل والنهار مع هذا المدار ....أين المحرك لهذه الأرض ؟؟ ومن يديره ؟؟
ونهبط إلى الأرض ونرى العجب !!!!!
أولا البحار
وتشمل أكثر من سبعين في المائة من مساحة الأرض وبها قوانين مثل قانون الطفو والأمواج لكي تصلح لجريان السفن عليها...
ثانيا مياه الأمطار
وتتكون من تبخر مياه البحار ومن سطح الأرض بفعل حرارة الشمس مكونة السحاب الذي سخره الله بحيث لا ينفلت من الأرض , وينقى الماء ثم يعود مرة أخرى إلى ينابيع الأنهار, وتجري الأنهار وتتحرك يشرب منها جميع المخلوقات , فقد نقاها خالقها لكي تصلح للشرب والري ولأنها أي مياه الأنهارمتحركة فهي لا تعطب وتتجه دائما لتصب في البحار.
وللحفاظ على مياه البحار من العطب وضع الله فيها الأملاح التي لا تتبخر مع الماء الصاعد إلى السحاب....
هذه بعض النماذج في التربية الإيمانية القائمة على الأدلة العلمية والأدلة الكونية..
فأين أدلة من يعبدون غير الله ؟
وأين أدلة الملاحدة الذين لايعترفون بوجود الخالق الأعظم ؟
وأين أدلة المشركين ؟
في الواقع لا أدلة عند منكري الإيمان بالله تعالى ..ولكنه الهروب من التكاليف الشرعية التي تنظم سلوك الإنسان نحو الإصلاح والعدالة الإجتماعية وحرية العقيدة والكرامة لجميع البشر.
ومكافحة الفساد والاستغلال والطغيان والتسلط..
تكلمنا في اللقاء السابق عن أهمية وأهداف التربية للشباب.
واليوم نتحدث بعون الله تعالى عن إهتمام الإسلام ببداية التنشئة للشباب.
*********
الفصل الأول : الإهتمام باختيار الأم.
إهتمت شريعة الإسلام بالإنسان من قبل أن يولد وذلك بالإختيار الجيد سواء من ناحية الأب أو الأم .
1- اختيار الزوج
جاء في الحديث الشريف : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض .
رواه ابن ماجه عن أبي هريرة.
إنها وأختها تعانيان من رعي الغنم، ومن مزاحمة الرجال على الماء ، ومن الاحتكاك الذي لا بد منه للمرأة التي تزاول أعمال الرجال . وهي تتأذى وأختها من هذا كله , وتريد أن تكون امرأة تأوي إلى بيتها , والمرأة العفيفة الروح ، النظيفة القلب ، السليمة الفطرة ، لا تستريح لمزاحمة الرجال ، ولا للمجهود والمشقة الناشئة من هذه المزاحمة ...
وها هو ذا شاب قوى أمين. رأت من قوته ما يهابه الرعاء فيفسحون له الطريق ويسقي لهما . ورأت من أمانته ما يجعله عف اللسان والنظر حين توجهت لدعوته ....
فهي تشير على أبيها باستئجاره ليكفيها وأختها مؤنة العمل والاحتكاك والجهد . وهو قوي على العمل ، أمين على المال . فالأمين على العرض هكذا أمين على ما سواه ....
فالعفة تتضح في التصرف العادي البسيط بلا تكلف ولا اصطناع ..
واستجاب الشيخ لاقتراح ابنته. ولعله أحس من نفس الفتاة ونفس موسى ثقة متبادلة ، وميلاً فطرياً سليماً ، صالحاً لبناء أسرة ...
وهكذا يتم إختيار الأب لزوج إبنته على معاير بدنية وأخلاقية... - وإن شاء الله سوف نتحدث عن حاجة الشباب للرياضة لتحقيق المعيار الأول , أما المعيار الثاني وهو المعيار الأخلاقي فيأخذ من المنهج القرآني وسنة رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه . والأسوة الحسنة ..وإن شاء الله تعالى نتحدث في هذا الموضوع بالتفصيل في حينه ..
********
2- اختيار الزوجة
هذا عن جانب إختيار الزوج , ولا يقل أهمية اختيار الزوجة...فإنها الحاضنة المربية للأجيال ...
جاء في الحديث الشريف , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك .
الراوي: أبو هريرة - المصدر: صحيح البخاري
أي جعل بين المرأة وزوجها محبة وشفقة , وسكينة تنعكس بدورها على تربية أولادهم, وفي هذا المناخ الذي يتنسمون فيه عبير المودة والرحمة , والعبودية لله وحده. لا تخضع رقابهم إلا لله , فهم أحرار رحماء فيما بينهم , ويحملون تلك الحرية والرحمة لمن حولهم من العالمين..
وقد كانت المودة والرحمة من أهم المبادئ في المعاملات الإسلامية , فمن المعلوم أن تلك المبادئ تنعكس على كل المجتمع الإيماني والكل يسعد بها ..
فالرجل إن كان سعيدا في بيته انعكس ذلك على سلوكه بين الناس في الشارع وفي العمل , فتراه مهذبا مبتسما عطوفا متعاونا بين زملاءه , يعامل من تحت يده من العاملين برحمة مع عدم التفريط .
أما إذا رأيت شخصا عابس الوجه جبارا نكدا ظالما لمن تحت يديه من العاملين , فيكون غالبا ما يعاني في بيته من عدم المودة والرحمة.
وكذلك المرأة إن كانت سعيدة في بيتها إنعكس ذلك بالضرورة على سلوكها بين أبناءها وجيرانها وزملاءها في العمل .
ولذلك جعل الله تعالى المودة والرحمة هي أساس بناء الأسرة المؤمنة.
ولا يتحقق ذلك إلا بالإختيار السليم على المعاير الإيمانية كما حددها لنا الإسلام..
وبذلك يتفرغ الإنسان للتفكر في متطلبات الحياة والتقرب إلى الله بعمل الصالحات وأداء الفرائض وتربية الشباب , دون الإنشغال في مشاكل تافهة يصنعها الشيطان للتفريق بين الأسر وشل حركة الحياة في المجتمع بين المحاكم وقضاية الأسرة, بين طلاق وخلع ونفقة وحضانة وغيرها..
ويعود بنا الحديث عن مكانة المرأة في الإسلام . حيث العناية بها وتكريمها , وروي عن أمير المؤمنين" علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه :
ما أكرم النساء إلا كريم ، و لا أهانهن إلا لئيم.
********
وهكذا نجد إهتمام الشريعة الإسلامية بإختيار كلا الزوجين على معاير إيمانية محددة تصون الحياة الزوجية داخل الأسرة وتعمل على التهيئة السليمة لتربية الشباب ...