قال:عمر ابن الخطاب أيها الناس لكم عليّ خمس خصالٍ خذوني بهن، لكم عليَّ ألا آخذ من أموالكم شيئاً إلا بحقه، ولكم عليَّ ألا أنفق هذه الأموال إلا بحقها، ولكم عليَّ ألا أجمركم في البعوث، إنسان مقيم في بلد، أن أرسله إلى بلد بعيد، بعيد عن زوجته وأولاده إلى أمد طويل، هذه قسوة، لكم عليَّ ألا أجمركم في البعوث، ولكم عليَّ أن أزيد عطاياكم، إن شاء الله تعالى أرفع الرواتب، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا، لذلك الآية الدقيقة جداً: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 159 ]
أي بسبب رحمةٍ استقرت في قلبك يا محمد كنت ليناً لهم، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك وأحبوك، ولو كنت بعيداً عنهم لامتلأ القلب قسوةً، ولانعكست القسوة غلظةً وفظاظةً فانفضوا من حولك، أصبح هناك معادلة رياضية، اتصال رحمة لين التفاف، انقطاع قسوة غلظة انفضاض.
فأنت كأم، وأنت كمعلم، وأنت كمدير مؤسسة، إذا كنت متصلاً بالله يمتلئ القلب رحمةً، هذه الرحمة تنعكس ليناً، هذا اللين يدعو من حولك أن يلتفوا حولك، فالرحمة أصلٌ في القيادة، لذلك من علامات قيام الساعة أن تنزع الرحمة من قلوب الأمراء، وأن يذهب الحياء من وجوه النساء، وأن تنزع النخوة من رؤوس الرجال، ليس هناك عند الرجال نخوة، يتباهى بأهله بأبهى زينة، وليس في وجوه النساء حياء، وليس في قلوب الأمراء رحمة. على المؤمن أن تغلب رحمته غضبه :
أيها الأخوة، النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق: إن رحمتي سبقت غضبي، فهو مكتوب عنده فوق العرش))
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ]
وأنا أقول: والمؤمن الصادق يتخلق بهذا الكمال، يجب أن تغلب رحمته غضبه.
وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: (( إِنَّ اللهَ خَلَقَ يومَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأرضِ مئةَ رَحمة، كلُّ رحمةٍ طِبَاقُ ما بَينَ السَّمَاءِ والأرضِ ))
[ أخرجه مسلم عن سلمان الفارسي ]
أي تغطي ما بين السماء والأرض. (( فَجَعَلَ مِنْهَا في الأرضِ رَحمة، فبها تَعطِفُ الوَالِدةُ على وَلَدِها، والوَحْشُ والطيرُ بعضُها على بعض، فَإِذا كان يومُ القِيامَةِ أَكمَلَهَا بِهذهِ الرحمة ))
[ أخرجه مسلم عن سلمان الفارسي ]
أوضح مثل قلب الأم، إنسانة تريد لابنها كل سعادة، تعرى من أجله، تجوع من أجله، تضحي بالغالي والرخيص من أجله، ولا تنتظر منه شيئاً، هذه الأم.