ذكر الجاحظ أن رجلا كان له زوج حمام مقصوص وزوج طيّار ، وللطيار فرخان
قال : ففتحت لهما في أعلى الغرفة كوة للدخول والخروج وَزَقِّ فراخهما .
قال : فحبسني السلطان فجأة فاهتممت بشأن المقصوص غاية الاهتمام ولم أشك في موتهما لأنهما لا يقدران على الخروج من الكوة وليس عندهما ما يأكلان ويشربان .
... قال : فلما خلّى سبيلي لم يكن لي همّ غيرهما ، ففتحت البيت فوجدت الفراخ قد كبرت ووجدت المقصوص على أحسن حال فعجبت ،
فما لبث أن جاء الزوج الطيار فدنا الزوج المقصوص إلى أفواههما يستطعمانهما كما يستطعم الفرخ فزحاهم .
فانظر إلى هذه الهداية فإن المقصوصين لما شاهدا تلطف الفراخ للأبوين وكيف يستطعمانهما إذا اشتد بهما الجوع والعطش فعلا كفعل الفرخين
فأدركتهما رحمة الطيارين فزقّاهما كما يَزقّان فرخيهما .
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : جعل الله الرحمة في مائة جزء ، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا ، وأنزل في الأرض جزءا واحدا ، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه .